خاص : كتبت – نشوى الحفني :
لأنها تتعارض مع مباديء حقوق الإنسان، وتُكافيء المجرم بدل معاقبته، ولم يتحرك “العراق” لإلغائها أو تعديلها كما فعلت بقية دول المنطقة، أطلقت نسويات عراقيات؛ منذ يومين، هاشتاغًا لإلغاء المادة (398) عبر موقع (تويتر)، ليتصدّر الترند، إنطلاقًا من أنها تُعفي المغتصب من جريمة الاغتصاب.
وتُشير المادة (393) من قانون العقوبات العراقي إلى العقوبة: “بالحبس المؤبد أو المؤقت” بحق كل من: “واقع أنثى بغير رضاها”، وتُعتبر الجريمة مشددة في حال كان الضحية غير بالغ: لـ (18 عامًا)، أو إذا كان الجاني من أقارب الضحية أو متولي تربيته أو من كان له سلطة عليه، أو إذا كان موظفًا حكوميا أو رجل دين أو طبيبًا، أو كان الفعل جماعيًا باشتراك أكثر من معتدي، أو إذا أصيبت الضحية بمرض تناسلي نتيجة الاعتداء.
لكن الحكم المخفف يمكن أن يحدث في حال طبقت المادة (398) من القانون ذاته، والتي تنص على إنه: “إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل؛ وبين المجني عليها. عد ذلك عذرًا قانونيًا مخففًا لغرض تحقيق أحكام المادتين: (130) و(131) من قانون العقوبات. وإذا انتهي عقد الزواج بطلاق صادر من الزوج بغير سبب مشروع أو بطلاق حكمت به المحكمة لأسباب تتعلق بخطأ الزوج أو سوء تصرفه وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على الحكم في الدعوى، يُعاد النظر بالعقوبة لتشديدها بطلب من الإدعاء أو من المجني عليها أو من كل ذي مصلحة”.
وشهد “العراق” حالات اغتصاب عديدة خلال السنوات الماضية، بينهما أطفال، وهو ما كان سببًا بإنطلاق مطالبات بضرورة إنزال أقسى عقوبة بحق المجرم.
إلغاء عقوبة الزواج وإقرار الإعدام..
قالت “فاطمة الأعرجي”، صاحبة الهاشتاغ الذي تصدّر ترند (تويتر)، لـ (السومرية نيوز)؛ إنه: “بعد دراسات عديدة للمادة (398) من قانون العقوبات والجلوس مع عدد من الزملاء المحامين لمناقشته بشكل تفصيلي، فقد قررت طرح الموضوع في هاشتاغ لعدة أسباب، كون المادة المتكونة من عدة فقرات أغلب موادها مبهمة وغامضة، إضافة إلى أن أغلب حالات الاغتصاب تحصل على الأطفال بأعمار: 08 – 10 سنوات، وفي هذه الحالة لم يتم وضع معالجة للموضوع، فضلاً عن غموض الجوانب القانونية والمجتمعية حول مفردات القانون”.
وأضافت، أن: “حالات الاغتصاب في العراق أصبحت كثيرة، وبعضها اغتصاب ولد أو طفل ذكر، وهذه النقاط لا يوجد معالجات لها”، لافتًا إلى أن: “أحد مواد القانون هي مراقبة الزوج خلال فترة الزواج لثلاث سنوات، وفي حال الإخلال بالزواج يُعاقب بالسجن أو الغرامة المالية، لكن كان الأجدر بدل هذه المادة ـ هو مراقبة الضحية في بيت أهلها لفترة ثلاث سنوات، طالما كانت المحكمة والجهات المنفذة تقر بإمكانية المراقبة والقدرة على ذلك، فيمكن تعديل المادة أو إلغائها، ويتم الحصول بتعهد من الأهل بعدم التعرض لها، وتراقب الحالة النفسية لها، لأن من تتزوج في هذه الحالة هي تقبل الزواج خشية وقوع عقوبة الأهل عليها”.
وأشارت إلى أن: “عقوبة الزواج يجب أن تُلغى، وأن تكون عقوبة الجاني هي الإعدام فقط، كي يكون الرادع قانونيًا وقاسيًا، وهو ما جعلنا نطرح هذا الموضوع على (تويتر)”.
سلسلة اجتماعات لمناقشة قوانين المرأة والطفل..
وفي تفاعل سريع مع تلك الدعوى، قالت عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية؛ “سهام الموسوي”، إن: “لجنة المرأة والأسرة والطفولة؛ ستعمل خلال الأيام القليلة المقبلة على عقد سلسلة اجتماعات لمناقشة جميع القوانين والتشريعات التي تصب في مصلحة المرأة والطفل والأسرة، ومن بينها المادة (57)، وقانون مناهضة العنف الأسري، إضافة إلى أمور أخرى مهمة بغية الخروج بقرارات داخل مجلس النواب تحفظ حقوق الأسرة العراقية والمرأة”.
مضيفة أنَّ: “حقوق المرأة يجب حمايتها، لكننا يجب ألا ننسى أن هناك عادات وتقاليد وشرعًا دينيًا يحكمنا، وليس من الممكن تطبيق العادات والقوانين المطبقة في المجتمعات الغربية على مجتمعنا الشرقي، ورغم هذا فإننا مع حفظ حقوق المرأة التي منحها لها الشرع والقانون، دون المساس بالثوابت الدينية والتقاليد العشائرية والمجتمعية؛ فلا يمكننا أن نذهب إلى ما هو موجود لدى المجتمعات الغربية”.
وأكدت، أن: “ضمان حقوق المرأة وكرامتها وحريتها بالعمل وحتى السياسي، هو شيء ضروري وندعمه بقوة”.
تشكيل حركة سياسية نسوية..
فيما ترى “ريزان الشيخ دلير”، التي كانت عضوًاً بـ”لجنة المرأة” النيابية؛ في الدورة السابقة، أنَّ النزعة الذكورية ومحاولة تهميش وطمس شخصية المرأة تحت عنوان الدين والعشيرة، كانت سببًا في تشريع القوانين والقرارات التي جعلت من المرأة ضحية للرجل، داعية إلى تشكيل حركة سياسية نسوية تدافع عن المرأة وتحررها من تبعية الأحزاب الذكورية.
قائلة إن: “ظلم المرأة يستمر حتى تنتهي العقلية الذكورية السائدة داخل المجتمع العراقي، وحتى ينتهي شراء الأفكار باسم الدين، على اعتبار أن واقعنا وأفكارنا في المجتمع عاجزة عن تشريع قانون للحماية من العنف الأسري، وتعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات فيما يتعلق بحقوق المرأة والأسرة بسبب تلك العقلية الرجعية”.
وأشارت إلى أن: “البرلمان خلال دورتين، كانت أحزابه الدينية الشيعية والسُنية وقفت بالضد من حقوق المرأة، وحتى العنصر النسوي وقف أيضًا ضد حقوق النساء، لأنهم تربوا على هذه الأفكار داخل الأحزاب والمجتمع”.
وتابعت: “دافعنا كثيرًا عن حقوق المرأة، وحتى هناء أدور دافعت داخل مجلس الأمن حين دافعت عن حقوق المرأة في الشرق الأوسط، فإنَّ أول مَن اعترض على كلامها، هي المرأة العراقية داخل مجلس النواب”.
موضحة أن: “الحل صعب في العراق بسبب تلك العقلية، والمرأة العراقية غير قادرة على إثبات حقوقها بسبب تلك العقلية، لكننا بحاجة إلى حركة سياسية تتحرك باسم المرأة، وألا تكون المرأة داخل الأحزاب السياسية الحالية كأداة تمرر أهداف الذكور، ولا نعلم إلى متى ستتحمل المرأة والطفل العنف والتجاوز والانتهاك داخل المنزل وخارجه”.
وتابعت، أنَّ: “مطالب المرأة بسيطة، وهي احترامها كإنسانة وسماع رأيها وعدم اعتبارها سلعة لدى الرجل”، مشددة على أن: “هناك ضرورة لثورة نسوية مشابهة لثورة تشرين وتظاهرات الشباب، لأن المرأة في كل يوم تعيش بخطر بسبب الإهانة والاغتصاب والتجاوز والضرب والنظرة الدونية لها، والتجاوز بلا أسباب، وقد تناسى المجتمع أن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، لكن كل هذا تم تجاوزه مع بناء صورة نمطية عن المرأة على أنها مجرد تابعة ذليلة شهوات ورغبات الرجال”.
الحل الأنسب..
وما أثار ضجة كبرى، هو دفاع مدير وحدة “حقوق الإنسان” في نقابة المحامين؛ المحامي “صفاء اللامي”، عن المادة، مؤكدًا أنه من دعاة النظرة الإيجابية حولها، حيث طالب بدراسة الحالة أولاً وتشخيصها، ثم معرفة ما سيكون عليه وضع المغتصبة فيما بعد، وما إذا كانت تستطيع فعلاً الزواج من شخص آخر، ومدى قدرتها على الاندماج بالمجتمع والتعايش بصورة طبيعية كباقي البنات في المجتمع بعد ما تعرّضت له.
واعتبر أن زواجها من المغتصب هو الحل الأنسب، ووفقًا لذلك اقترح المشرّع العراقي هذه المادة، موضحًا أنها ليست مقتصرة على القانون العراقي بل هناك دول أخرى تعمل بها.
كما شدد عن سؤاله حول إمكانية عيش الضحية مع مغتصبها، على أنها لا تستطيع العيش بدونه لأنها لا تستطيع الزواج من شخص آخر، خصوصًا وسط مجتمع يهتم بالعادات والتقاليد، وفق تعبيره.
وعند إشارته إلى أن أغلب الدول قامت بتعديل هذا القانون، ذكر أن هذه الدول ألغت فعلاً هذه المادة، إلا أنها فشلت بتطبيق ذلك، لأن المجتمع لم يتقبّل الضحية، بحسب قوله.
غير أن كثيرون اعتبروا أن حال البلد والقوانين صعب جدًا، إذا كان رأي حقوقي يناصر تلك المادة، ولفت آخرون إلى أن هذه المادة، تتجاهل شعور الضحية وكرامتها التي انتهكت، بل أيضًا تدعو لتكريم المغتصب وإفلاته من العقاب.
معالجة للمشكلة ضمن إطار العادات والتقاليد..
وهو ما جعله يوضح كلامه، معتبرًا إنه لم يُفهم بسياق صحيح. وأوضح في منشور عبر (فيس بوك)، أن زواج المجني عليها من الجاني لا يتم في هذه الحالة إلا عبر موافقتها لا بالإكراه، وفي حال رفضت تأخذ الإجراءات القانونية مجراها.
وأضاف أنه يتكلّم من منطلق قانوني كونه رجل قانون، معتبرًا أن المشرع العراقي لم يعفِ الجاني من العقاب وإنما اعتبر فعله عذرًا مخففًا له في حال زواجه من المجنى عليها.
ورأى أن هذا يُعدّ معالجة للمشكلة ضمن إطار العادات والتقاليد، نظرًا لواقع المجتمع العراقي الذي ينظر إلى المرأة الضحية نظرة ريبة، حتى برغم ما عاشته.
وتابع أن فرض العقوبة لا يعوض المجني عليها عما أصابها.
إهانة للمرأة العراقية..
فيما يرى الخبير القانوني؛ “علي الربيعي”، فإن المادة “تنسف عقوبة الاغتصاب” من خلال طرح فكرة زواج المعتدي من الضحية، قائلاً إن: “الضحايا يجبرن على الزواج بتأثير من الضغوط العائلية”؛ وتعتبر ناشطات نسويات عراقيات إن: “هذه المادة إهانة لكل امرأة عراقية”.
وبحسب الناشطة؛ “إسراء سلمان”، وهي مدافعة عن حقوق المرأة، فإن: “المادة تجعل للرجل الحق بالاغتصاب وهو على ثقة من أن القانون سيزوجه الفتاة في النهاية”.
وتقول المحامية، “وسن العتابي”، إن: “النساء أضعف حلقة اجتماعية، وكان يجب على القانون أن يمنع الضغط عن الضحايا لا أن يؤسس له إطارًا قانونيًا”.
وتُضيف “العتابي”: أن “النساء سيكن بين خيار الحياة مع من اغتصبهن كزوجات، أو تلقي الأحكام العشائرية وغضب الأهل الذين يعتقدون أن رفض الفتاة للزواج عار عليهم، أو مواجهة الموت، أو مواجهة الوصمة الاجتماعية”.
مؤكدة إنه: “بالنسبة لضحية الاغتصاب، التي تحتاج أصلاً إلى الدعم والرعاية والتمكين لتجاوز أبشع محنة يمكن أن تتعرض لها امرأة، فإن كل هذه الخيارات سيئة جدًا”.