خاص : ترجمة – محمد بناية :
استفتاء كردستان العراق ليس قضية محلية ولا يعتبر فقط بداية لتقسيم العراق، وإنما يثير تهديدات مشابهة لدول الجوار العراقي. وبالتالي فقد أثار تحديد موعد للاستفتاء موجة من ردود الأفعال الموسعة على المستويين الداخلي والخارجي. فقد أعربت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي معارضتهما الصريحة للاستفتاء في كردستان العراق، مع ذلك يُقال إن الجمهورية الروسية تعارض أيضاً عملية الاستفتاء وإن لم تبدي رد فعل صريح حتى الآن.
في غضون ذلك يحوز الموقف الروسي أهمية كبيرة بالنسبة للطرف الإيراني نظراً للتعاون الإقليمي مع طهران من جهة، والمكانة الدولية والثقل الذي يضفيه الدعم الروسي لاستقلال كردستان من جهة أخرى. لذا حرصت الباحثة والمحللة الإيرانية “عفيفة عابدي” على إعداد تقرير تحليلي، صدر عن “مركز الدراسات الاستراتيجية” التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، الإيراني، مؤخراً مقدماً لمحة سريعة عن العلاقات الروسية مع إقليم كردستان العراق، وتقييم الموقف الروسي المحتمل من استقلال الإقليم.
العلاقات الروسية وإقليم كردستان العراق..
افتتحت موسكو في العام 2007 قنصليتها في “أربيل”، فيما أحجمت عن إقامة علاقات مستقلة وموسعة مع حكومة الإقليم تحسباً لردود الفعل العراقية، بل إنها تجاهلت خلال السنوات الأخيرة المشاركة في عدد من المشروعات المربحة، مع هذا يبدو أن الأوضاع شهدت تغيراً ملموساً مؤخراً.
ورغم عجز الروس عن عقد أي اتفاقيات مع حكومة الأقليم مرعاة لـ”اتفاق بغداد – أربيل”، فقد باتت العلاقات الروسية مع أربيل أكثر استقراراً. فقد حصلت شركة “غازپروم نفت” على حق التنقيب في ثلاث بلوكات بإقليم كردستان العراق لاستخراج هيدروكربون، كذا وقعت الشركة “الروسية – النفطية” اتفاقيات تعاون مع مسؤولي الإقليم. كذلك أمد النظام الروسي حكومة كردستان العراق بالسلاح والمعدات العسكرية في إطار الحرب على تنظيم “داعش”، لكن تم تسليم الجزء الأكبر من هذه المساعدات عبر الحكومة المركزية بالعراق خوفاً من إثارة الشكوك حول النوايا الروسية.
مع هذا يبدو أن هذه السياسة قد شابها التغيير، إذ دخل الجانب الروسي مطلع العام 2017 في تعاملات نفطية ثنائية مع كردستان العراق. ولا شك أن موقف بغداد الهادئ حيال الشركات العربية والروسية ساعد على اغتنام هذه الفرصة.
وفي هذا الصدد التقي الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” رئيس وزراء إقليم كردستان “نيجيرفان بارزاني”, على هامش الجمعية الاقتصادية العالمية بمدينة سان بطرس برغ وأعلن مساندته ودعمه اتفاقيات الإقليم مع الشركات النفطية الروسية.
مع هذا لم تبدي الحكومة الروسية أي رد فعل رسمي حيال تحديد موعد إستفتاء كردستان العراق. ويعود آخر المواقف الروسية من الاستفتاء إلى ما قبل عامين، حيث قال “فيكتور سيماكوف” القنصل الروسي في أربيل: “إن روسيا تدعم وحدة العراق استناداً للقوانين الدولية”. لكنه أعلن في الوقت نفسه دعم روسيا لحق الشعوب في تحديد مصيرها. وبحسب ما ذكرت وكالة أنباء كردستان فقد أعلن جناح الشباب بالحزب الحاكم في روسيا دعمه استقلال الإقليم واستعداده للمشاركة في الإشراف على الاستفتاء.
تقييم أسباب الموقف الروسي..
في الواقع وبالنظر إلى الأوضاع سالفة الذكر يمكن القول إن موقف روسيا حيال استقلال كردستان متحفظ جداً. والسبب أن روسيا أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر, كما تقول “عفيفة عابدي”, فالمحللون والدبلوماسيون الروس يعتقدون أن المنطقة سوف تواجه في النهاية تشكيل دولة كردية، وأنه بالنظر إلى أجواء العراق الذي لم يتحرر بشكل كامل من “داعش”، والدور الرئيس للأكراد في الحرب على “داعش”، يتعين على حكومة الإقليم تهيئة المجال لتفعيل الوعود بتشكيل دولة مستقلة. بعبارة أخرى تعتقد هذه الفئة من المحلليين والدبلوماسيين أن على موسكو الاستعداد لمثل هذا التطور. وكان أحد أعضاء لجنة العلاقات بين القوميات التابعة للرئاسة الروسية قد صرح في 2015: “عاجلاً أم آجلاً سوف يحصل الأكراد على وطن”.
من ناحية أخرى، يعتقد بعض الخبراء الروس أن على الكرملين, بالنظر إلى التداعيات السياسية لهكذا تطور على الحلفاء الإقليمين، إعلان دعمه للدول القوية على أساس أنها تعتبر ضامناً للاستقرار في المنطقة.
لكن وخلافاً لكل التقييمات والتحليلات حول تداعيات استقلال الأكراد وبالتالي تقسيم دول مثل سوريا والعراق, لابد من التذكير بأنه لا توجد مصالح روسية مباشرة من دعم أو رفض استقلال كردستان، وأنه يمكن تعديد أسبابها, كما تراه الباحثة الإيرانية، على النحو التالي:
1 – لا تمثل مسألة الأكراد موضوع منافسة بين روسيا وأميركا، وبالتالي لا يمكن اعتبارها كارت رابح لأي من الطرفين.
2 – يعجز الروس عن تحديد الأطراف ذات المصالح المشتركة في عملية دعم أو رفض استقلال الأكراد.
3 – لا يسعى الأكراد للحصول على دعم موسكو.
4 – تمكنت روسيا تحت العقوبات الغربية من الحصول على نصيب من طاقة الإقليم.
هذه الأسباب كانت سبباً في عدم اتخاذ روسيا أي موقف رسمي حيال الاستفتاء على استقلال كردستان العراق.