كتب – واثق عباس :
شهر رمضان الكريم يأتي في كل عام فتتولد لدينا فرحة وبهجة وسرور ونعيش ايامه ولياليه بتواصل ونعمل جاهدين على تعويض ما فاتنا من طاعات في زحمة الحياة التي تأخذنا ماديتها ونجدها فرصة لا تعوض في التقرب الى الله عسى ان يغفر لنا ويرحمنا، ورمضان في هذه الايام يختلف تماما عن تلك الايام فكل واحد منا له خصوصية وله ذكرياته الحلوة التي تبقى في الذاكرة لا تفارقها فنتذكر ايام صمناها فيها فرح وذكريات جميلة لاتوصف من انتظار رؤية هلال الشهر وترقبه في ذلك الوقت وايام وليالي الشهر الفضيل، وما هي ايام تمر سريعا بحيث ما ان نستقبل الشهر الا وتجدنا نودعه والدمع يملئ قلوبنا المتعلقة به الى ان يأتينا كأجمل واطهر ضيف في كل شهور السنة.
رمضان التقرب الى الله عزوجل
يذكر الحاج عبداللطيف العاني مدير مكتبة ايام زمان قائلا : وقت كنا اطفال كيف كان الناس يستقبلون رمضان، فلقد اختلفت تلك المظاهر الجميلة من الاحتفال بالشهر اليوم عن الامس .
فرمضان كان يمثل لنا الكثير من تقرب الى الله سبحانه ومراجهة للنفس والتوبة والمغفرة وكيف كنا نقف ونراجع انفسنا ونحاسبها حتى نتدارك الاخطاء، ونعيدها الى الطريق الصحيح ان كانت قد حادت عنه، اذكر اني بدأت الصيام وعمري سبع سنوات واذكر انني صمت اول يوم وآخر يوم فقط وكنت سعيدا جدا واشعر بالفرحة مع كل من حولي حتى أكملت اول يوم صوم فيه شعرت بأنني رجل ولا يجب ان افطر، وبعد عام تحاملت على نفسي واستطعت صيام الشهر كله.
كان هلال رمضان، يعلن دخول الشهر الفضيل والصيام، فيبدأ الأهالي بتبادل التهاني، ويزور بعضهم بعضا قبل نهاية اليوم، ثم تعلق الفوانيس الرمضانية المميزة ، لكن هذه المشاهد الحميمة والدافئة، تغيرت في أيامنا هذه، فصار أفراد العائلة يتحلقون حول التلفزيون لمتابعة المسلسلات المميزة والمقاطع الكوميدية المضحكة، وكثير منهم يجتمعون على مائدة إفطار حديثة تعج بالأطباق الغير معروفة، لينتهي اليوم بسحورٍ مميزٍ واكله سريعة، بحيث لا يتسع الوقت لإعداد سحور منزلي.
كما أن رمضان تحول إلى شهر استهلاكي، يعكس وجهاً واحداً هو الازدحام
فلم يعد رمضان شهراً خاصاً بالعبادة والزهد بل تحول الى استهلاكياً ، وفقد رونقه بسبب الازدحام في الأسواق، وتكدس الأطباق ، بالاضافة الى المسلسلات أيضا.
نشتاق جميعاً لرمضان الذي عشناه في الزمن الماضي، وكان يتسم بالبساطة في كل شيء.
الصوم في رمضان، ليس امتناعا عن الطعام فقط..
يقول الدكتور صلاح الدين استاذ الشريعة : الصوم الحقيقي هو التعبد لله عز وجل ومراجعة النفس والانتظام والخشوع في الصلاة والانخراط في العبادة تقربا الى العلي القدير عسى ان يتقبل منا.
ورمضان ايام زمان يختلف كليا عن رمضان الآن، فالفرق شاسع جدا، فرمضان زمان كانت له عادات وتقاليد خاصة وروحانية فريدة رغم ضيق ذات اليد في ذلك الوقت، اما الآن فرمضان صار شهرا عاديا يمر كأي شهر في السنة لا فرق بينه وبين الشهور الاخرى الا الامتناع عن الاكل. فلقد افتقدنا بعض العبادات والتقاليد في رمضان، افتقدناها لاسباب عدة منها التفكك الاسري الذي نراه والتقاليد الجديدة التي غزت مجتمعنا من كل صوب، ورغم ذلك نجد والحمد الله الكثيرين في المجتمع مازالوا متمسكين بأسس وتقاليد راسخة رغم التغيرات التي طرأت علينا.
الامر المهم الان وهو مسألة تنشأت الاجيال وترسيخ المبادئ فهي تربية حساسة، فلابد ان نعود الى العادات والتقاليد الحميدة التي تربينا عليها سواء بالنصيحة او التعليم فنحن نريد جيل ينشأ على القيم والاصول ويعرف كيف يحافظ على ممتلكاته وثرواته وكيف يوظفها لصالح ابنائه في المستقبل.
وكذلك المسلسلات الدينية التي يجب ان لاتكون منفرة وتكون جذابة وتشد المشاهد، فزمان قبل عشر سنوات او اكثر كانت المسلسلات الدينية تقدم بشكل غير قديم، والان اختلف التفكير يجب ان تقدم بشكل جديد وصحيح، حتى تخطف الانظار مثل بعض المسلسلات الدينية، فكل هذه اعمال فنية راقية تؤدي الرسالة المراد توصيلها على اكمل وجه.
الصيام خارج البلد لوحدك وبين الداخل مع اهلك وناسك
ويذكر لنا الحاج كريم العلي صاحب عمل تجاري كان في زيارة للعراق: الفرق الكبير والشاسع بين الصيام خارج البلد وكيف يشعرك بالوحدة لعدم توحد الصائمين ويفقدك بهجة الصوم والافطار عندما تجتمع الاسرة كلها على المائدة انه احساس مختلف تماما لا يدركه الا من عاش التجربه. وهناك من البعض ابتلي بالعصبية نتيجة ضغوط الحياة، وتزداد في رمضان، لكني على عكس ما يرى البعض ان العصبية تزيد في رمضان فاني ارى ان الناس يحاولون ضبط اعصابهم لمحاولة كسب اكبر قدر من الاجر دون تجريح الصوم، وتبين أن مجتمعنا يردد دوماً أن رمضان كان مختلفاً، ذاك لأن الإنسان يرى أن الماضي أجمل دوماً ويحن له باستمرار، مع أن الحياة اليوم صارت أكثر سهولة، وأصبحنا نحضر الكثير من الأصناف على السفرة الرمضانية، وفي الماضي، كنا نكتفي بصنفين أو ثلاثة بسبب مشقة التحضير.
ذكريات الاجداد في الشهر الفضيل
ويحتفظ أجدادنا في ذاكرتهم بألبومات صور متنوعة، لكن ما يتذكرونه منها هذه الأيام بشغف، تلك الصور الجميلة التي كانت حاضرة بقوة في أيام رمضان خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
وتتحلى تلك الصور الأثيرة لديهم بكثير من القيم الإسلامية السامية، التي تزدان بالمحبة والرحمة والتسامح والألفة بين الناس.
الحاج مهند السليمان، يتذكر صورا من تلك الايام الرمضانية، حين كانت العادات أصيلة، ولم تتلوث قيم الناس بالحداثة، يقول السليمان: إن أهالي منطقته كانوا يجتمعون في جلسات حميمة، ويتبادلون الأحاديث في أمور الدين، ويتزاورون فيما بينهم.
يتذكر جلساته مع أصدقائه، بعد صلاة المغرب، حيث يتناولون إفطارا جماعيا في مكان الضيافة عند العم الكبير أو أحد الوجهاء بالناحية، بحيث يجلب كل منهم طعامه، ويأكل الجميع من مائدة واحدة، كما ان الرجال بعد الافطار يتسامرون ويتحدثون في شؤون حياتهم ودينهم حتى موعد السحور، ثم يعودون لبيوتهم، ليتناولون طعام السحور الذي هو غالبا ما يكون من بقايا طعام الإفطار، واذكر أن أطفال المنطقة كانوا يلتفون حول المؤذن، مترقبين أذان المغرب، ومن بعدها ينتشرون إلى بيوتهم معبرين عن فرحهم بموعد الإفطار
مع ان طعام الإفطار كان يقتصر غالبا على صنف واحد كالقوزي أو الشوربه من عدس وحمص مع البن أو قمر الدين، وفي الوقت الذي كان التمر حاضرا بقوة كانت تغيب عن المائدة أصناف الحلوى والمرطبات الأخرى المعروفة حاليا.
وارى أن رمضان تغير كثيراً عن الماضي، بل إن طريقة التعبير عنه اختلفت، فمثلاً التهنئة برمضان صارت تتم عبر اجهزة التواصل الاجتماعي الإلكتروني، كذلك، صار كثيرون يطلبون الوجبات الجاهزة من المطاعم وتسخينها وقت الإفطار.
ولذلك اصبح الفرق بين رمضان زمان ورمضان اليوم كبير، حتى لم تعد زيارات الإفطار كثيرة بين العائلات، بل صارت تقتصر على زيارتين أو ثلاث في كل رمضان، بينما كانت في الماضي، تبادل الزيارات أمراً أساسياً، والأمر ذاته ينطبق على كل العادات الرمضانية التي اختلفت باختلاف العصر، لكن الفرحة بشهر رمضان المبارك تبقى هي نفسها في القلوب.