خاص : كتبت – نشوى الحفني :
عاد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، من جديد ليشهر ورقة “الدواعش” من جديد في وجه أوروبا، مهددًا بنقل مقاتلين من التنظيم تعتقلهم قوات حليفة لـ”واشنطن” في “سوريا”، وإطلاق سراحهم على حدود أوروبا، إذا لم تبادر “فرنسا” و”ألمانيا” ودول أوروبية أخرى إلى استعادة رعاياها من بينهم.
وقال “ترامب”، للصحافيين لدى استقباله في “البيت الأبيض” رئيس الوزراء الأسترالي، “سكوت موريسون”: “أنا هزمتُ دولة الخلافة”.
وأضاف: “والآن لدينا الآلاف من أسرى الحرب ومقاتلي تنظيم (داعش)”، في إشارة إلى المقاتلين الأجانب في التنظيم المتطرف المعتقلين لدى “قوات سوريا الديمقراطية”، (تحالف عربي-كردي أعتمدت عليه واشنطن لطرد تنظيم “داعش” من المنطقة التي كان يسيطر عليها شمال شرقي سوريا).
وتابع “ترامب”: “نطلب من الدول التي أتوا منها في أوروبا أن تستعيد أسرى الحرب”، مضيفًا: “حتى الآن رفضوا ذلك”، مشيرًا بالتحديد إلى كل من “فرنسا” و”ألمانيا”.
وبلهجة تهديد؛ قال “ترامب” مخاطبًا الأوروبيين: “في نهاية المطاف سأقول: أنا آسف لكن إما أن تستعيدونهم أو سنعيدهم إلى حدودكم”، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأوضح أنه سيفعل ذلك “لأن الولايات المتحدة لن تسجن آلاف الأشخاص الذين وقعوا في الأسر، في غوانتانامو ولن تبقيهم في السجن طوال خمسين عامًا” لأن ذلك سيكلّفها “مليارات ومليارات الدولارات”.
واستطرد قائلًا: “لقد قدّمنا خدمة كبرى للأوروبيين. في حال رفضوا استعادتهم علينا على الأرجح إرسالهم إلى الحدود وسيتعيّن عليهم أسرهم مجدّدًا”.
الدول الأوروبية تمانع عودتهم..
يُذكر أن آلاف المقاتلين الأجانب، من نحو 80 دولة، كانوا قد أنضموا إلى تنظيم (داعش)، عندما سيطر على أجزاء واسعة من “سوريا” و”العراق”، عام 2014.
وأصبح مصير المقاتلين وأسرهم قضية مُلحة منذ إعلان هزيمة التنظيم المسلح مطلع هذا العام.
وقد تمت إعادة بعض الأطفال إلى بلادهم، لكن دولاً أوروبية تمانع عودة أولئك الذين اختاروا الإنضمام إلى التنظيم الإرهابي.
تهديدات مسبقة..
وهذه ليست المرة الأولى التي يهدّد فيها “ترامب”، الأوروبيين، ففي شباط/فبراير الماضي؛ هدد الرئيس الأميركي بنقل الإرهابيين الأوروبيين المعتقلين في “سوريا” إلى بلادهم وإطلاق سراحهم هناك، في حال لم تتول الدول الأوروبية إعادتهم بنفسها.
وفي آب/أغسطس الماضي، حذر من أن “واشنطن” مستعدة لإطلاق ما يصل إلى 2500 سجين من (داعش) في بلدان أوروبا، إذا لم تقبلهم تلك الدول طوعًا بمحض إرادتها، وفقًا لصحيفة (ديلي إكسبريس)، البريطانية.
وفي آيار/مايو الماضي، تلقَّت “أوروبا” تحذيرات جديدة من خطر عودة “الدواعش”، وما يمكن أن يشكله الأمر من تهديد للأمن الأوروبي ومخاوف من إعتداءات إرهابية جديدة، تستهدف المدنيين الأبرياء وبطرق مختلفة، وذلك في ظل مؤشرات على تدفق متزايد للمقاتلين من مناطق الصراعات، خصوصًا في “سوريا” و”العراق”، إلى دول “الاتحاد الأوروبي”، بحسب تحذيرات صدرت عن “الأمم المتحدة”.
المحاكمة تصعب إستلامهم من قِبل دولهم !
تعليقًا على تهديد “ترامب”؛ يقول المتخصص في القانون الدولي، الدكتور “علي التميمي”، أن الذي يحكم مسألة محاكمة الأجانب في “العراق” هو ما يسمى بالاختصاص المكاني، المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات، وعندما يسلم المتهمون بالإرهاب إلى “العراق”، فإنهم يحاكمون وفق هذا المبدأ، أما إذا لم يسلموا إلى “العراق”، فإن الأخير لا يستطيع المطالبة بهم، لأنهم أساسًا يسلمون إلى بلدانهم، وإذا ما شرعت المحاكم العراقية في توقيفهم ومحاكمتهم، فسوف يصبح الموقف صعبًا فيما يخص إستلامهم من قِبل دولهم، إلا وفق مبدأ تبادل المحكومين المنصوص عليه في الاتفاقيات الثنائية بين “العراق” وتلك الدول.
وأضاف “التميمي” أن: “القضاء العراقي أصدر أحكامًا على أجانب فرنسيين وأتراك وغيرهم من الجنسيات بتهم الإرهاب على جرائم، سواء أرتكبت في خارج أو داخل العراق، والتي كان لها تأثير على الواقع العراقي، كون (داعش) موضوع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي تُعد الجرائم المرتكبة في الخارج إمتدادًا للجرائم المرتكبة في العراق”.
موضحًا أن: “فرنسا عرضت مبالغ مالية على العراق لقاء ما يتكبده العراق من مصاريف على (الدواعش) الموقوفين في السجون العراقية، وموضوع قبول تلك المبالغ شأن متعلق بالحكومة العراقية، فأغلب الدول الأوروبية تعتبر هؤلاء الإرهابيين بمثابة فيروس قد يصيب بلدانهم، لذلك هم يمتنعون من إستلامهم على الرغم أنهم بضاعة ردت إليهم، وهم يخشون من إنتقال العدوى إليهم عبر هؤلاء الإرهابيين”.
“ترامب” يغير الحقيقة والتنظيم لا يزال مستمرًا..
وكان “ترامب” قد أكد إنه تم هزم (داعش) بنسبة 100%، وقد غادرت القوات الأميركية “سوريا” بعد القضاء عليه، وبعدما ألحقنا الهزيمة بالتنظيم الإرهابي.
إلا أن الباحث، “ستيفن إم والت”، في موقع مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ نفي ذلك قائلًا: أن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، والحقيقة بدوا مجددًا وكأنهما في كوكبين مختلفين، مشيرًا إلى أنه: “في شباط/فبراير الماضي، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن تنظيم (داعش) قد تمت هزيمته بنسبة (مئة في المئة) وتباهى بالنصر، ولكن هذا الأمر لم يتحقق”.
وسارع مستشار الأمن القومي، “جون بولتون”، إلى تصحيح مباهاة “ترامب”، إذ قال في مقابلة مع شبكة (أي. بي. سي) الأميركية للتليفزيون أن: “تهديد (داعش) لا يزال مستمرًا”.
وأكدت تقارير “وزارة الدفاع” أن بقايا التنظيم لا تزال ناشطة في أماكن عدة، بينها “أفغانستان”.
وجاء في مقال مسهب نشرته صحيفة (نيويورك تايمز)؛ أن (داعش) لا يزال قويًا في “العراق” و”سوريا”.
ورأى “والت” أن “ترامب” كان مخطئًا عندما قال إن (داعش) قد هزم بالكامل، ولم يكن إنتعاشه الجزئي مفاجئًا على الإطلاق. وعلى العكس، فإن الإعتقاد بهزيمة كاملة لجماعة مثل هذه على المديين القريب والمتوسط، لم يكن هدفًا واقعيًا. كان يمكن إنهاء سيطرة (داعش) على جزء مهم من الأراضي في “العراق” و”سوريا”، (معظمها أراضٍ غير مأهولة في الصحراء)، وقد أدت “الولايات المتحدة” مع حلفائها عملاً رائعًا في هذا الشأن. ولكن التخلص من التنظيم بشكل كامل لم يكن من بين الرهانات، على الأقل في وقت قريب.
“داعش” يحاول عزل نفسه عن الإخفاقات..
ولفت إلى أن التاريخ مليء بالأمثلة عن حركات سياسية أو دينية تمتعت بشعبية لفترة قصيرة، قبل أن تتعرض لإنتكاسات لسبب أو لآخر، لكنها بقيت تتمتع ببعض الوجود لعقود. وهذه هي الحال بالنسبة إلى (داعش). وعلى رغم أن التنظيم أغضب وأرعب الملايين حول العالم، وعلى رغم إخفاقه في إلحاق الهزيمة بخصومه أو إشعال ثورة عارمة في العالم الإسلامي، فإنه لا يزال يتمتع بولاء الآلاف ولا يزال قادرًا على جذب بعض المجندين الجدد.
وفي الواقع، فإن (داعش) مثل معظم الإيديولوجيات الثورية، يحاول عزل الحركة عن الإخفاقات والنكسات المحتملة. ومثل اللينينية والماوية واليعقوبية والأفكار الثورية الأخرى، تقر إيديولوجية (داعش)، بأن الآخرين يتفوقون عليه عددًا ويرى أن النكسات المؤقتة ممكنة، ويطلب من أعضائه الاستعداد لتقديم تضحيات في سياق قد يكون طويلاً جدًا.
ورأى أنه من المفارقات أن ميول (داعش) المثيرة للخلاف قد تساعد في بقائه. وعندما تواجه طائفة راديكالية أو مجموعة سياسية إنتكاسات، فإن احتمالات حدوث انشقاقات تزداد. والخبر الجيد هو أن هذه الانشقاقات تقوض وحدة هذه الحركات، ويساهم تبديد الموارد في محاولة لدرء التحديات الداخلية أو هزيمتها، وتاليًا جعلها أقل فعالية في التعامل مع خصومها الخارجيين.
لكن الخبر السيء هو أن الميل إلى الانقسام قد يساعد في الحفاظ على المجموعة الأوسع من الأفكار؛ لأن هزيمة فصيل واحد لن تكفي لتشويه سمعة الحركة بالكامل. وقد يمنح هذا الإتجاه نفسه أيضًا أملًا جديدًا لأولئك الذين أصيبوا بخيبة أمل من النتائج حتى الآن، كي يمكن إقناعهم بالاستمرار تحت زعامة قائد جديد أو تسمية جديدة.