خاص : كتبت – نشوى الحفني :
باتت العلاقات “الأميركية-التركية” محل الكثير من التساؤلات، في ظل الإدارة الجديدة، والتي تبادلت بينهما التصريحات التي تؤشر على ملامح مستقبلهما معًا، إلا أن ما يشغل بال النظام التركي، وعلى رأسه، “رجب طيب إردوغان”، هو عدم اتصال الرئيس الأميركي الجديد، “جوزيف بايدن”، بنظيره التركي.
“البيت الأبيض”؛ قال إن موعد اتصال الرئيس الأميركي، بـ”إردوغان”، لم يُحدد بعد، في الوقت الذي كان فيه عدد من رؤساء الدول على رأس قائمة الاتصال لدى “بايدن”، في الـ 45 يومًا الماضية.
وفي مؤتمر صحافي، في “البيت الأبيض”، أجابت المتحدثة باسم البيت الأبيض، “جين بساكي”، على السؤال حول سبب عدم قيام “بايدن” بإجراء مكالمة هاتفية مع “إردوغان”.
وقالت “بساكي”؛ إن الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، سيجري مكالمة هاتفية مع الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
وشددت على أن “بايدن” لا يزال أمامه العديد من قادة العالم للتواصل معهم، وقالت “بساكي”: “سيعقد، بايدن، هذه الاجتماعات في الأسابيع والأشهر المقبلة. أنا متأكد من أنه سيلتقي، بإردوغان، في مرحلة ما”.
العلاقات في وضع إشكالي للغاية !
وبشكل عام، تُعد “تركيا” من أوائل الدول التي سعت للتغييرات، منذ أن بدأ “بايدن” مهامه، في 20 كانون ثان/يناير الماضي، ومع ذلك لم يتواصل الرئيس الأميركي مع الرئيس، “إردوغان”، الأمر الذي تم تفسيره على أنه يُشير إلى توتر كبير في العلاقات.
كما بعث “إردوغان” برسالة تهنئة إلى “بايدن”، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في “الولايات المتحدة”، قائلاً: “أعتقد أن التعاون القوي والتحالف بين بلدينا سيستمر في تقديم مساهمات حيوية للسلام العالمي في المستقبل، كما كان الحال حتى الآن”.
قال “غونول تول”، رئيس برنامج تركيا في معهد “الشرق الأوسط”، ومقره “واشنطن”، إن هناك مشاكل جدية في العلاقات الثنائية، مؤكدًا أن الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، لديه أولويات مختلفة، مشيرًا إلى قضايا مثل مكافحة جائحة (كورونا)، والقضية النووية لـ”روسيا والصين وإيران”.
“غونول تول”؛ أضاف في تصريح لموقع (يورو نيوز)؛ إن: “العلاقات بين البلدين في وضع إشكالي للغاية”، يقول “تول” إنه: “لا يوجد مخرج كبير من المشاكل الحالية، أكبر مشكلة يُنظر إليها؛ هي صواريخ (S-400)”. مشيرًا إلى أن التوازنات تغيرت.
وقال “تول”: “في الكونغرس، كلا الحزبين يميلون إلى عدم التسامح مع سياسات إردوغان، التي تقوض المصالح الأميركية. من الضروري التقييم في ضوء كل هذه العوامل”.
الكرة في ملعب أنقرة..
وقال “آرون شتاين”، رئيس معهد دراسات السياسة الخارجية، أن هذه: “لعبة روديو ثانية”؛ للعديد من الأشخاص تحت إدارة “بايدن”، أضاف: “أرى الناس يتعبون الآن. الجميع يرى أن الأمور لا تسير على ما يرام، ولكن الكرة في ملعب أنقرة “.
يُذكر أن أول اتصال بين “واشنطن” و”أنقرة” كان، في بداية شباط/فبراير 2021، بعد أن أدى “بايدن” اليمين الدستورية في “الولايات المتحدة”، في 20 كانون ثان/يناير الماضي.
وأجرى المتحدث باسم الرئاسة، “إبراهيم كالين”، محادثة هاتفية مع مستشار الأمن القومي الأميركي، “جيك سوليفان”. ووفقًا للبيان الذي أدلى به المتحدث باسم الرئاسة، في الاجتماع الذي استمر حوالي ساعة، نقل “كالين” تهانيه إلى “سوليفان”، الذي بدأ مهامه للتو.
وجاء في البيان، الذي أدلى به “البيت الأبيض”، بشأن الاتصال بين الرئيسين؛ أنه بالإضافة إلى توسيع التعاون، تم التأكيد على الديمقراطية وسيادة القانون.
وعقد أول اتصال رفيع المستوى بين البلدين، في منتصف شباط/فبراير 2021، بين وزير الخارجية الأميركي، “بلينكن”، ونظيره التركي، “مولود غاويش أوغلو”.
مؤشر لموقف متشدد حيال تركيا..
وبحسب مجلة (فورين بوليسي) الأميركية، تبدو إدارة “بايدن” وكأنها تبحث عن مقاربة متوازنة – مع أنها غير راغبة في تجاهل السلوك التركي المثير للجدل.
وقال الصحافيون: “روبي غرامر” و”كاتي ليفينغستون” و”جاك ديتش”، في مجلة (فورين بوليسي)، إن مسألة الاتصال الهاتفي المتأخر صارت رواية رئيسة في عناوين الأخبار التركية، بعد سنوات من الإهانات المتبادلة بين حليفين في الـ (ناتو)، في ما يتعلق بالصراع في “سوريا” إلى شراء “تركيا” نظامًا دفاعيًا جويًا روسيًا.
لكن مقابلات مع أكثر من 12 مسؤولاً ومشرعًا وخبراء آخرين، أظهرت بوضوح أن عدم حصول الاتصال الهاتفي من جانب “بايدن”، هو مؤشر لموقف متشدد حيال “تركيا”، وأن “أميركا” ستواصل التصرف ببرود إلى أن تصلح “أنقرة” أخطاءها – وبسرعة.
لا معالجات جيدة..
وبحسب النائب الديموقراطي عن ولاية فيرغينيا، “أبيغيل سبانبيرغر”، الذي كان عضوًا في “لجنة الشؤون الخارجية” بمجلس النواب، فإن: “العلاقة مع (تركيا) تمر بتحدٍ جدي، ولسنا في موقع يمكننا الاعتماد على تركيا كما كنا نفعل، أو أن نشعر بالثقة في حال اعتمادنا عليها، كما نعتمد على أعضاء آخرين في الـ (ناتو)”.
ومع ذلك، فإن الغالبية تتفق على أنه لا معالجات جيدة للحؤول دون المزيد من التدهور في العلاقات، حتى في الوقت الذي يجري فيه وزير الخارجية، “آنتوني بلينكن”، ومساعدوه، اتصالات بنظرائهم الأتراك، وفي ظل خيارات قليلة أمام “بايدن”، تتعدى الاستمرار في الضغط على “إردوغان” في مسألة حقوق الإنسان.
ويقول النائب السابق في البرلمان التركي، “أيكان أرديمير”، الذي يعمل حاليًا مع مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، التي تتخذ “واشنطن” مقرًا لها: “هذا هو المستوى الأدنى للعلاقات (الأميركية-التركية)”.
اختبار لأجندة “بايدن” الشاملة !
و”بايدن”؛ ليس غريبًا عن “إردوغان”. فهو عندما كان نائبًا للرئيس، أدار العلاقات عندما كانت في مستوى متدنٍ عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة ضد “إردوغان”، عام 2016، والتي اتهم بها الرئيس التركي بطريقة ما، “الولايات المتحدة”. لكن كيفية إبحار “بايدن” في حقل الألغام الديبلوماسي هذا؛ بوصفه قائدًا للقوات المسلحة، ستمثل اختبارًا لأجندته الشاملة على صعيد السياسة الخارجية، ليثبت ما إذا كان قادرًا على إصلاح العلاقات مع حليف قديم في الـ (ناتو)، وفي الوقت نفسه ضبط الميول الاستبدادية المتزايدة لدى “إردوغان”.
إن المقاربة العدوانية للسياسة الخارجية، التي تعتمدها “تركيا”، تُشكل أزمة منتظرة لإدارة “بايدن”. فـ”إردوغان”؛ عالق بين براثن الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، عقب شراء “تركيا” صواريخ (أرض-جو)، (إس-400)، الروسية الصنع، بـ 2.5 ملياري دولار، وبين السياسة الأميركية في أنحاء المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا تزال “تركيا” تخضع لـ”عقوبات أميركية” بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي، على رغم أن المسؤولين الأميركيين والخبراء؛ يقولون إن هذه العقوبات لم يكن القصد منها إلحاق الأذى بالاقتصاد التركي.
غصن للزيتون..
وحتى الآن، تبدو إدارة “بايدن”؛ وكأنها تبحث عن مقاربة متوازنة – مع أنها غير راغبة في تجاهل السلوك التركي المثير للجدل.
وعرضت “تركيا” نوعًا ما غصنًا للزيتون، مع اقتراح وزير الدفاع، “خلوصي آكار”، أن تقوم “تركيا” بتخزين صواريخ (إس-400) في الخارج. وهذه أول مبادرة حسن نية من جانب “أنقرة”.
تزايد الهشاشة السياسية لـ”إردوغان”..
وإلى حد ما؛ يعكس ذلك تزايد الهشاشة السياسية لـ”إردوغان”، والتي فاقمتها “العقوبات الأميركية”. فالاقتصاد التركي، الذي تجاوز أخطار “كورونا”، العام الماضي بفضل سلسلة من الديون، يعاني أصلاً من التضخم ومن هبوط العُملة وركود الوظائف. و”حزب العدالة والتنمية”، الذي يتزعمه “إردوغان”، الذي سيواجه انتخابات، في 2023، تعرض للهزيمة في الانتخابات المحلية في “إسطنبول”، قبل عامين، وظهرت مكامن ضعف لديه في أجزاء من البلاد.
ولكن حتى أشد المعترضين في “واشنطن”، على سياسة “إردوغان”، لا ينظرون إلى العلاقات مع “تركيا” بهذه السهولة، ويقولون إن ثمة حاجة للبلدين كي يعملا معًا، وإلا استدارت “أنقرة” نهائيًا نحو “موسكو” أو “بكين”.