خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة تُنذر بتعميق الأزمة السياسية في “العراق”، وقد تكون إنذارًا لما يحدث من تجاذبات على مستوى الساحة السياسية المتأزمة بسبب المطامع، إلا أنه يُعتبر انتصارًا جديدًا لإرادة الثوار، قدم الرئيس العراقي، “برهم صالح”، أمس، بيانًا للبرلمان أعرب فيه عن استعداده للاستقالة، فيما غادر “بغداد” إلى “السليمانية”.
وقال “برهم صالح”، في خطاب للبرلمان؛ إن: “مسؤوليتي الوطنية في هذا الظرف تفرض عليّ الاستقالة”، وأضاف: “أقدم استقالتي تفاديًا للإخلال بمبدأ دستوري”.
مستطردًا أن: “منصب رئيس الجمهورية؛ يجب أن يستجيب لإرادة الشعب”، لذا: “أضع استعدادي للاستقالة أمام البرلمان العراقي”.
وقال “صالح” للبرلمان: “مسؤولية الرئيس حفظ السلم الأهلي وحقن الدماء”.
مشيرًا إلى إنه؛ قد وصلته “عدة مخاطبات حول الكتلة الأكبر تناقض بعضها بعضًاً”، مضيفًا: “أعتذر عن تكليف مرشح عن كتلة (البناء)”.
وكانت وكالة الأنباء العراقية قد أفادت، في وقت سابق، على (تليغرام)؛ بأن رئيس الجمهورية إعتذر عن تكليف مرشح كتلة (البناء)، “أسعد العيداني”.
وقال “برهم صالح” للبرلمان؛ إن: “الحراك السياسي والبرلماني يجب أن يُعبر عن إرادة الشعب”.
رفض الاستقالة وتدعيم عدم قبوله لشخصية حزبية..
وتوالت ردود الفعل مباشرة على ذلك البيان، ونقل موقع قناة (السومرية)؛ عن نائب في كتلة (سائرون)؛ قوله: “نرفض استقالة، برهم صالح، وندعم موقفه برفض أي شخصية متحزبة”.
فيما شكر زعيم (التيار الصدري)، “مقتدى الصدر”، الرئيس، “برهم صالح”، على رفضه تكليف “العيداني” برئاسة الحكومة.
ومن جانبه؛ قال زعيم (ائتلاف الوطنية)، “إياد علاوي”: “الرئيس، برهم صالح، قال لي منصب رئيس الجمهورية لا يساوي (فلسًا)؛ ما لم يتم تكليف من يخدم الشعب”.
كما نقلت (السومرية)؛ عن ائتلاف (النصر) دعوته لرئيس الجمهورية للاستمرار بمسؤولياته الدستورية والوطنية.
ورفض ائتلاف (النصر) بدوره، استقالة “صالح”، ودعا إلى سحبها والاستمرار بمسؤولياته الدستورية والوطنية. وأكد أنّ المصالح الوطنية والشرعية الشعبية تقتضيان من القوى السياسية دعم الحلول الملبية لطموحات الشعب، وترك عقلية التخوين والإستقواء والهيمنة.
مشددًا على ضرورة إجراء تغيير جوهري على معادلة الحكم الحالية بما يؤسس لمرحلة مؤقتة قادرة على إخراج البلاد من أزمتها، مشيرًا إلى أنّ الإصرار على بقاء هذه المعادلة سيقود إلى المجهول، وستتحمل القوى الرافضة لإجراء إصلاحات حقيقية كامل المسؤولية أمام الله والوطن والتاريخ.
احتجاج على الضغوط الداخلية والإيرانية..
من جهته؛ قال الدكتور “عبدالستار الجميلي”، أمين عام الحزب “الطليعي الناصري” في “العراق”، إن الرئيس، “برهم صالح”، رفض أن يخضع لجميع ضغوط فرض مرشح من القوائم الحالية، مستجيبًا لإرادة الشعب ومتظاهريه، وبالتالي وضع استقالته أمام البرلمان احتجاجًا على الضغوط الداخلية والإيرانية، التي لم ولن تُقبل هذه الاستقالة.
وأكد “الجميلي” على أن الرئيس وضع الجميع أمام خيارات صعبة وكشف لعبة القوائم بالإلتفاف على مطالب المتظاهرين، لذلك المتوقع أن تكون هناك مخاطر وسيناريوهات عديدة، خصوصًا وأن الدستور لم يُعد فاعلًا ومحترمًا في الأزمة المحتدمة.
سيناريوهات إنقاذ العراق..
وباتت الاحتمالات متعددة، وفي مقدمتها، تدخل “الجيش” لإنقاذ الموقف من تداعياته الخطيرة؛ وبالتالي تصديه لإدارة المرحلة.
وتابع أمين الحزب “الطليعي”؛ أن السيناريو الآخر أن يكون هناك تدخل دولي بإشراف “الأمم المتحدة”، وفي كل الأحوال تشكيل حكومة إنتقالية مستقلة لإدارة المرحلة الخطيرة التي تهدد وحدة “العراق” وأمنه وسيادته والسلم والأمن الدوليين في المنطقة والعالم.
ولفت “الجميلي” إلى أنه: “من وجهة نظرنا؛ فإن الطريق الأسلم هو حل البرلمان وتشكيل مجلس انتقالي من العسكريين والمدنيين المستقلين مع الرئيس، برهم صالح، الذي سجل موقفًا وطنيًا تاريخيًا، وذلك لإدارة تغيير سلمي سلس، يتولى طرح دستور جديد بنظام سياسي جديد ودولة بسيطة موحدة، ومحاسبة الفاسدين والقتلة، ومن ثم تنظيم انتخابات بقانون ومفوضية جديدين”.
تراجع عن تنفيذ واجباته الدستورية..
واعتبر تحالف (القوى العراقية)؛ بقيادة رئيس البرلمان، “محمد الحلبوسي”، أحد المكونات السُنية في تحالف (البناء) الشيعي الموالي لـ”إيران”؛ إن الرئيس “صالح” قد تراجع عن تنفيذ واجباته التي رسمها له الدستور.
وأشار تحالف (القوى)، في بيان، إلى أن: “حماية الدستور والنظام من أولى مهام رئيس الجمهورية قانونًا، لكنها لا تعطي له الحق بالإمتناع أو التمنع أو المناورة لأسباب قد تُفسر إنها استجابة لضغوط سياسية أو أجندات خارجية؛ على حد قوله”.
ودعا التحالف، الرئيس “صالح”؛ إلى الإلتزام بما قال إنها “واجباته الدستورية واليمين الذي أقسمه”.. مُذكرًا أياه: “بمعاناة العراقيين في مخيمات النزوح والتهجير وتظاهرات العراقيين في محافظات وسط وجنوب العراق؛ وهي من أولى الأولويات التي يجب أن يضعها رئيس الجمهورية نصب عينيه قبل أن يفكر في خرق الدستور والتنصل عن تطبيق أحكامه”، على حد قوله.
وقال تحالف (القوى)، في ختام بيانه: “أننا في تحالف (القوى العراقية)؛ أذ ندعو رئيس الجمهورية بتقديم مصلحة العراق أولًا؛ نطالبه بالإلتزام بما رسمه له الدستور وعدم التنصل عن مهامه القانونية أو الإرتهان والاستجابة للمشاريع الخارجية الرامية لتقسيم العراق وإنهياره”، على حد قوله.
جمع التوقيعات لعزله..
يُشار إلى أن هجوم تحالف (القوى) هذا ضد، الرئيس “صالح”، يأتي متناغمًا مع اتهامات وجهتها له كتلة (صادقون)، الجناح السياسي لميليشيا (عصائب أهل الحق) المرتبطة بـ”إيران”، حيث قال النائب عنها، “عدي عواد”، الجمعة الماضي، أن كتلته تجمع تواقيع نواب لعزل الرئيس، “صالح”، من منصبه بسبب “حنثه اليمين الدستورية”، على حد قوله، مدعيًا أن الرئيس “حنث باليمين ولم يحترم التوقيتات الدستورية ويتحايل عليها، وذلك لرفضه مرشحًا حزبيًا بخلاف ما يُطالب به الحراك الشعبي بإناطة رئاسة الحكومة بشخصية مستقلة”.
تنفذ بعد سبعة أيام..
حول وجهة النظر القانونية؛ أكد الخبير القانوني، “طارق حرب”، أن استقالة رئيس الجمهورية لا تكون نافذة إلا بعد سبعة أيام من تاريخ إيداعها للبرلمان.
وأضاف: “وبعد مضي هذه المدة، دون سحبها، يحل رئيس البرلمان محله، حيث يجمع رئيس البرلمان الرئاستين لعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية على أن يتم انتخاب رئيس جديد خلال شهر”.
صدع في دائرة الحكم..
كما علق الباحث السياسي العراقي، “حسين المؤيد”، على استقالة الرئيس العراقي، “برهم صالح”، في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي، (تويتر)؛ أن: “موقف برهم صالح اليوم تطور مهم في المشهد السياسي العراقي، يشي من جهة بنفوذ كلمة الانتفاضة وأنها تتقدم في كسب النقاط”.
وتابع: “من جهة ثانية حصل صدع في دائرة الحكم ستكون له إنعكاساته على قوى السلطة، وكذلك بتآكل النفوذ الإيراني داخل الدائرة السياسية للحكم في العراق، وما سيترتب عليه”.
قد يحدث انقلاب عسكري موالي لإيران أو أميركا..
من جهته؛ أكد المحلل السياسي العراقي، “عبدالكريم الوزان”، أن استقالة “صالح” مطروحة أمام البرلمان، وهي غير نافذة حتى اللحظة.
موضحًا أن “العراق” يمر بالفعل بحالة فراغ سياسي ودستوري، وهي بدورها تؤثر على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية من خلال تصارع الميليشيات والقوى والأحزاب.
وعبر عن مخاوفه من سيناريوهات لا تصب في مصلحة الشعب العراقي، مؤكدًا: “ربما تحدث سيناريوهات انقلاب عسكري موالي لإيران أو أميركا”.
لافتًا “الوزان” إلى أنه حال استمر ذلك الفراغ السياسي لفترة كبيرة، فلن تمنح “إيران” الفرصة لـ”أميركا” لتنفيذ أجندتها، بتنفيذ حكومة إنقاذ وطني، وستحاول طهران “القيام بعملية انقلاب عسكري من الموالين لها لاختطاف السلطة”، ما سيزيد من نزيف الدماء.
وقال المحلل السياسي العراقي: “لا جدوى إلا بتدخل دولي، بمنأى عن إيران، يُعيد السلطة إلى البلاد، سواء تحت حكومة إنقاذ وطني أو أي سيناريو آخر”.
إلقائه البيان من السلمانية وليس بغداد دليل على تعرضه لضغوط كبيرة !
فيما أوضح “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية القانونية؛ أن رئيس الجمهورية، الدكتور “برهم صالح”، لم يقدم الاستقالة الرسمية إلى رئيس “مجلس النواب”؛ وإنما هو لوح بالاستقالة من محافظة “السلمانية” وليس من “بغداد”، في إشارة تدل على حجم الضغوطات الكبيرة التي تُمارس ضده من أجل تكليف مرشح (البناء)، التي تُعد نفسها الكتلة الأكثر عددًا داخل “مجلس النواب”، وهذا ما أجاب عليه رئيس الجمهورية في رسالة إلى رئيس “مجلس النواب” يخبره أن ثمة تناقض في أجوبة “مجلس النواب”، حيث أن جواب النائب الأول لرئيس مجلس النواب أخبر رئيس الجمهورية أن لا كتلة أكثر عددًا داخل “مجلس النواب”؛ فهي مسجلة في أول جلسة، وهنا حصل التناقض وعليه يُصر رئيس الجمهورية على عدم تكليف مرشح (البناء)، وهذا ما واجه من خلاله ضغوطات كبيرة دعته إلى التلوح بالاستقالة.
ولفت “الشماع” إلى أنه؛ وإن تحققت الاستقالة، فإن المادة (75) من دستور العراق لعام 2005؛ لا يمكن أن تعمل لأن الاستقالة غير الخلو، والخلو ذكرته المادة السالفة الذكر وتفسيره عدم ذهاب رئيس الجمهورية إلى مكتبه لمدة عشرة أيام أو ترك البلد مسافرًا دون عودة أو توفي أو أصابه جنون، فهنا يكون الخلو قد تحقق، أما الاستقالة فلا تُعد خلوًا. وعليه يبقى الدكتور “برهام صالح”، رئيسًا للجمهورية حتى يتم انتخاب رئيسًا جديدًا من قِبل “مجلس النواب” خلال مدة ثلاثين يومًا.
من يحل مكان الرئيس في حال شغور المنصب ؟
وقد عالجت المادة (75) من الدستور العراقي؛ حالات شغور منصب رئيس الجمهورية، كما يلي :
أولاً: لرئيس الجمهورية تقديم استقالته تحريريًا إلى رئيس مجلس النواب، وتُعد نافذةً بعد مضي سبعة أيام من تاريخ إيداعها لدى مجلس النواب.
ثانيًا: يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه.
ثالثًا: يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يومًا من تأريخ الخلو.
رابعًا: في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يَحل رئيس مجلس النواب، محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائبٍ له، على أن يتم انتخاب رئيسٍ جديد خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ الخلو، وفقًا لأحكام هذا الدستور.