خاص : ترجمة – لميس السيد :
في ظل تدهور الوضع في “سوريا” وسيطرة الفوضى على جميع المؤسسات والجهات المسؤولة، بفعل الحرب الأهلية المندلعة منذ عام 2011، وتفشي المجموعات الإرهابية والميليشيات، كان لابد من إيجاد طريق لإنفاذ العدل على رقاب مرتكبي الجرائم ومستغلي الفوضى وتدهور الحالة الأمنية.
ولأن القضية السورية تستحوذ على اهتمام دولي جلل، ذهبت بعض المؤسسات النشطة بمجال تطبيق العدالة لخلق آليات بالتنسيق مع جهات دولية لمسائلة مرتكبي الجرائم الهاربين وغير المثبت ضدهم أي أدلة جنائية.
“عدالة” مازالت مقيدة !
بعد ثماني سنوات من اندلاع الحرب الأهلية في “سوريا”، لم تفعل العدالة الدولية سوى القليل من الإجراءات في “سوريا”. وتحقق جهود المساءلة نتائج لا تزال مهمة، حيث تحتل “السويد” و”فرنسا” و”ألمانيا”، على وجه الخصوص، مكان الصدارة في التحقيق وملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية السوريين.
وتستعرض هذه الدول قدرتها على استخدام الولاية القضائية العالمية، حيث يمكن مقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية في هذه الدول بغض النظر عن جنسيتهم أو أين إرتكبت جرائمهم.
وبالرغم من العدد المتواضع من الملاحقات القضائية في “أوروبا”، إلا أن هناك مجموعة من التطورات في مساءلة مرتكبي الفظائع في “سوريا”. في كانون أول/يناير 2019، أمرت محكمة في “واشنطن” بمكافأة قدرها 302.5 مليون دولار لأقارب، “ماري كولفين”، الصحافي الشهير، الذي قُتل في هجوم للجيش السوري في “حمص”، في عام 2012. وأقر “الكونغرس” أيضًا مشروع قانون فرض عقوبات على الشركات والأفراد الذين “يقدمون عن عمد، وبشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسة إلى الحكومة السورية”.
ترى صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية؛ أن ما تم إنجازه في هذا الشأن يعتبر مهمًا، لكنه مجرد نقطة في محيط لطبيعة الأعمال الوحشية المرتكبة في “سوريا”. هذا لا يعني أن الرئيس السوري، “بشار الأسد”، سيخضع للمحاكمة يومًا ما، ولكن أيضًا لا تزال المساءلة بشأن الفظائع الجماعية التي إرتكبت خلال الحرب الأهلية السورية منقوصة.
أدى غياب المساءلة إلى بحث مؤيدي العدالة العالمية عن تصميم آليات مستحدثة بعدما لم تتوفر لديهم أدواتهم التقليدية من خلال المحاكم الدولية. وسيعتمد مستقبل ذلك التحرك على مدى استفادة الدول من الفرص المتميزة لمقاضاة مرتكبي الفظائع في “سوريا”.
أدوات العدالة الدولية الجديدة..
منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية السورية، لم يكن أمام “العدالة الجنائية الدولية” سوى فرص قليلة للتواصل مع الضحايا والناجين.
في البداية؛ رفضت إدارة “أوباما”، على سبيل المثال، السماح بإحالة “مجلس الأمن”، التابع لـ”الأمم المتحدة”، للوضع في “سوريا” إلى “المحكمة الجنائية الدولية” خشية أن تقوض عملية السلام السورية. ولكن بعد فشل المحادثات، التي تهدف إلى إنهاء الحرب، عمدت “الولايات المتحدة” إلى إحالة القضايا إلى “المحكمة الجنائية الدولية”، في عام 2014. لكن “روسيا”، وهي شريان الحياة لنظام “الأسد”، رفضت ذلك القرار. وجنبًا إلى جنب مع “الصين”، سجلت “موسكو” بموجب حق (الفيتو) اعتراضها على القرار في “مجلس الأمن”، كما لم تسفر الجهود الرامية إلى إنشاء محكمة مخصصة إلى أي مكان.
على هذه الخلفية؛ تم إطلاق مبادرتين هامتين. الأولى هي إنشاء “لجنة العدل والمساءلة الدولية”، التي تستخدم محققين سوريين على الأرض لجمع الأدلة على الجرائم الدولية التي إرتكبها نظام “الأسد”، بالإضافة إلى جرائم تنظيم (داعش).
ويرفض نموذج لجنة العدل والمساءلة انتظار المحاكم للتحقيق في الفظائع، بل تجري اللجنة التحقيقات وتعرضها على أي محكمة محتملة، سواء محلية أو دولية. ويقال إن الأدلة التي تم جمعها من قِبلهم ومن قِبل آخرين، مثل “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، كانت أفضل مما كان متاحًا في محاكمات كبار النازيين في “نورينبيرغ”.
كانت المبادرة الثانية التي تم تأسيسها هي الآلية الدولية المحايدّة والمستقلة لمحاسبة مجرمي الحرب في “سوريا”، والتي تعمل على جمع الأدلة الموجودة حول الفظائع في “سوريا” وجمعها وحفظها أملًا في تقديم الأدلة للمحكمة مناسبة. تم إنشاء “الآلية الدولية” من قِبل “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، وبالتالي تجاوز “مجلس الأمن” حالة الجمود بشأن تحقيقات الملف السوري وتم تسهيل طرق جديدة لآليات المساءلة.
وتقديرًا للإسهام الكبير الذي قدمته الحالة في “سوريا” في “العدالة الجنائية الدولية”، سيتم الاستعانة بعمل كلًا من المبادرتين كأدوات للعدالة العالمية.
يوجد الآن لجنة للآلية الدولية المحايدّة والمستقلة لمحاسبة مجرمي الحرب في “ميانمار”. ومما يدل على نجاح تلك الآليات أنه يتم تقديم أدلتها وتحقيقاتها في محاكمات جرائم الحرب في “أوروبا”.