19 أبريل، 2024 11:01 م
Search
Close this search box.

رغم استكمال “بايدن” لنهج “ترامب” المتهور .. الفُطام الأميركي الاقتصادي عن “الصين” يُصيب “واشنطن” في مقتل !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

هل الانفصال بين “الولايات المتحدة” و”الصين” على المستوى الاقتصادي، أقرب إلينا من المتوقع، وهل تستطيع “الولايات المتحدة” الاستغناء عن “الصين” وسلعها الرخيصة ؟.. ومن يدفع الثمن الأكبر جراء هذا الطلاق المحتمل بين القوتين ؟..

أصبحت هذه الأسئلة أكثر إلحاحًا مع جولة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، الآسيوية الأخيرة؛ التي تهدف لحشد تحالف اقتصادي وسياسي وحتى عسكري ضد “الصين”، وإعلانه عزم “واشنطن” التصدي عسكريًا لـ”بكين” لو حاولت غزو “تايوان”، وهو التصريح الذي أثار لغطًا؛ خاصة بعد محاولة المسؤولين الأميركيين تداركه بتأكيدهم أن بلادهم لم تتخلّ عن “سياسة الغموض” بشأن رد فعلها على أي تحرك عسكري صيني ضد “تايبيه”.

ومع فرض “الولايات المتحدة”؛ وبصورة أقل حلفائها الغربيين، عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، على “روسيا” بسبب عمليتها العسكرية في “أوكرانيا”، يبدو احتمال الانفصال بين “أميركا” و”الصين” أكثر واقعية، خاصة مع بدء عملية عزل “موسكو” اقتصاديًا واستعداد الدول الغربية؛ حتى الآن، لتحمل عواقب ذلك اقتصاديًا.

وفي ظل حقيقة أن “أميركا” كانت ترى؛ قبل حرب “أوكرانيا”، في “الصين”، وليس “روسيا”، المنافس والخصم الرئيس، فإن احتمال الانفصال بين “الولايات المتحدة” و”الصين”، بات مسألة مُلحة، بالنسبة لكثير من المسؤولين الأميركيين، وبات السؤال: هل تستطيع “أميركا” تحمل تكلفة الانفصال ؟

“الصين تُعرّض حياتنا للخطر”.. كيف دقت جائحة “كورونا” ناقوس الخطر في الغرب ؟

“مواطنو أقوى وأغنى دولة في العالم؛ لا يجدون كمامات تحميهم من العدوى”، هذا ما حدث في بداية جائحة (كورونا)؛ عندما منعت “الصين” تصدير الكمامات لتخصصها للاستخدام المحلي؛ بحسب إدعاءات تقرير لشبكة (سي. إن. إن) الأميركية.

حينها اكتشف الغرب؛ وفي مقدمته “الولايات المتحدة”، أنه يعتمد على “بكين” في توفير أبسط الاحتياجات، وأنه بدون سلاسل التوريد الصينية يمكن أن يُصبح على شفا كارثة صحية ومجاعة صناعية، إن صح التعبير.

وأصبحت المواقف الأميركية تجاه “الصين” أكثر سلبية؛ خلال هذه الفترة، حيث تصاعد الغضب بسبب الاضطرابات الناجمة عن جائحة (COVID-19)، وتقليل “بكين” لمدى الحكم الذاتي لـ”هونغ كونغ”، وانتهاكات حقوق الإنسان بحق المسلمين “الإيغور”؛ في “شينجيانغ”، وقبل ذلك فقدان بعض الأميركيين لبعض الوظائف بسبب المنافسة الصينية؛ بحد مزاعم التقرير الأميركي.

بالنسبة لكثير من الأميركيين؛ لم يُقدم الوباء درسًا في النظافة الأساسية، بل الدرس الأساس أنه من الدواء إلى الشركات الصغيرة المصنعة لأكواب القهوة، فإن كل ما يحتاجه المواطن الأميركي يأتي من “الصين”، حسب وصف تقرير لمجلة (فوربس) الأميركية.

مصدر الصورة: رويترز

خصمان شديدا الترابط !

ولكن المشكلة التي تجعل الانفصال بين “الولايات المتحدة” و”الصين” صعبًا للغاية؛ أن اقتصادي البلدين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، نظرًا لأن الدولتين لديهما شراكة تجارية كبيرة للسلع والخدمات والاستثمار والتصنيع وسلاسل التوريد.

فالعولمة بمفهومها الحديث؛ تكاد تكون نتاج شراكة “صينية-أميركية”، مع دور أوروبي وآسيوي كبير، حيث يُقدم الهاتف الشهير؛ الـ (آي فون)، نموذجًا واضحًا لذلك، حيث يُصمَّم في “أميركا” ويُصنَّع في “الصين”، ويستهلك في بقية العالم.

ونتجت هذه “العولمة” عن التنافسية والتكامل بين الأسواق الرئيسة في العالم، بحيث تخصص كل سوق رئيس في عملية تصميم وإنتاج كفؤة لمجموعة من السلع والخدمات، إذ تتمتع “الولايات المتحدة وأوروبا والصين” بمزايا نسبية مختلفة تنعكس في تكوين صادراتها. إذ تتخصص “أوروبا” في السلع والآلات الاستهلاكية عالية الجودة، و”الولايات المتحدة” في المنتجات الزراعية والمكونات عالية التقنية والخدمات؛ و”الصين” في السلع الاستهلاكية الأساسية والمدخلات.

ولقد استفاد المستهلكون الأميركيون من انخفاض أسعار المنتجات الصينية، واستفادت الشركات الأميركية بشكل كبير من الوصول إلى السوق الصينية. في دراسة أجريت عام 2019، وجد الاقتصاديان: “Xavier Jaravel” و”Erick Sager”؛ أن زيادة التجارة مع “الصين” عززت القوة الشرائية السنوية للأسرة الأميركية العادية بمقدار: 1500 دولار؛ بين عامي: 2000 و2007.

وتُعد “الصين” حاليًا أكبر شريك تجاري لـ”الولايات المتحدة” في السلع، وثالث أكبر سوق تصدير، وأكبر مصدر للواردات.

وبلغ إجمالي تجارة السلع؛ (ثنائية الاتجاه): 559.2 مليار دولار أميركي؛ خلال عام 2020. وبلغ إجمالي صادرات السلع الأميركية لـ”الصين”: 124.5 مليار دولار أميركي؛ وبلغ إجمالي الواردات الأميركية السلعية من “الصين”: 434.7 مليار دولار، مما أدى إلى عجز هائل لصالح “الصين” قدره: 310.3 مليار دولار في عام 2020.

وبلغ إجمالي تجارة الخدمات مع “الصين”؛ (الصادرات والواردات): 56.0 مليار دولار؛ في عام 2020. وبلغت صادرات الخدمات الأميركية لـ”الصين”: 40.4 مليار دولار؛ وبلغت واردات الخدمات الأميركية من “الصين”: 15.6 مليار دولار. بلغ فائض تجارة الخدمات الأميركية مع “الصين”: 24.8 مليار دولار في عام 2020.

وفرت الصادرات الأميركية إلى “الصين” ما يُقدر بنحو: 1.2 مليون وظيفة في “الولايات المتحدة”؛ في عام 2019. وتُفيد معظم الشركات الأميركية العاملة في “الصين”؛ بأنها مُلتزمة بسوق “الصين” على المدى الطويل.

عملية الانفصال بين “واشنطن” و”بكين” بدأت في هذه المجالات..

رغم العلاقات التجارية والاقتصادية الوثيقة بين “الصين” و”أميركا”، ولكن البلدين يُنفذان عملية انفصال بطيئة، حيث يفرض المنظمون الصينيون سيطرة أكبر على توظيف رأسمال شركاتهم في خارج “الصين”، ويُشدد قادة “الصين” على الحاجة إلى مزيد من: “الإكتفاء الذاتي” التكنولوجي ويضخون مليارات الدولارات من رؤوس أموال الدولة في هذا الاتجاه.

في غضون ذلك؛ يسعى المسؤولون الأميركيون إلى تقييد الاستثمارات الأميركية من الذهاب إلى الشركات الصينية المرتبطة بقطاعي الجيش أو المراقبة. قد يؤدي تدقيق لجنة الأمن والتبادل في العروض العامة الأولية للشركات الصينية وتركيزها على ضمان استيفاء الشركات الصينية لمعايير المحاسبة الأميركية؛ إلى إزالة بعض الشركات الصينية المُدرجة حاليًا من البورصات الأميركية.

وسعى كلا البلدين إلى فصل سلاسل التوريد حول التقنيات الحساسة مع الأمن القومي، ويسعى المسؤولون الأميركيون إلى زيادة الوعي بالمخاطر التي تواجه الشركات الأميركية في ممارسة الأعمال التجارية في “هونغ كونغ” و”شينجيانغ”.

كانت إحدى نقاط العلاقات الاقتصادية بين “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ التي ضمرت في السنوات الأخيرة، هي تدفق الاستثمارات الصينية إلى “الولايات المتحدة”. كان هذا إلى حدٍ كبير نتاج ضوابط مشددة على رأس المال في “الصين”، وتزايد تدقيق الحكومة الصينية للاستثمارات الخارجية لشركاتها، وتعزيز فحص “الولايات المتحدة” للاستثمارات الصينية بسبب مخاوف الأمن القومي.

مصدر الصورة: رويترز

هناك مجالات تعاون مستمرة في الإزدهار..

ورغم التنافس المتزايد بينهما، حيث تحظى الخطابات والإجراءات حول الفصل بأكبر قدر من الاهتمام، لا تزال بيانات التجارة والاستثمار تُشير بعناد في اتجاه الاعتماد المتبادل العميق، وستؤثر هذه الاتجاهات على كيفية إجراء المنافسة بين “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ في السنوات القادمة.

ورغم المنافسة بين البلدين، تعمل شركات الاستثمار الأميركية على زيادة مواقعها في “الصين”، وتُقدر مجموعة (Rhodium) أن المستثمرين الأميركيين يمتلكون: 1.1 تريليون دولار من الأسهم الصادرة عن الشركات الصينية، وأن هناك ما يصل إلى: 3.3 تريليون دولار في الأسهم والسندات “الأميركية-الصينية” ذات الاتجاهين؛ في نهاية عام 2020.

مجال آخر من مجالات الاعتماد المتبادل بين “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ هو إنتاج المعرفة. كما لاحظ الخبير التكنولوجي الأميركي-الصيني؛ “مات شيهان”: “مع صعود المواهب ورأس المال الصيني، يتم الآن تبادل المعرفة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بين الشركات الخاصة وبين الأفراد”. تعمل شركات التكنولوجيا الرائدة في كلا البلدين على بناء مراكز بحثية في الدول الأخرى.

في مجال التعاون العلمي، يُصنف مؤشر (Nature) البحث المشترك بين البلدين باعتباره الأكثر خصوبة أكاديميًا في العالم. نما التعاون العلمي بين “الولايات المتحدة” و”الصين” بمعدل يزيد عن: 10% سنويًا في المتوسط ​​بين عامي: 2015، و2019. حتى بعد الانتشار العالمي؛ لـ (COVID-19)، تعاون الخبراء الأميركيون والصينيون؛ خلال عام 2020، أكثر من السنوات الخمس السابقة مجتمعة، حسب تقرير لموقع (بروكينغز) الأميركي.

وقد أدى ذلك إلى ظهور أكثر من: 100 مقالة مشتركة في المجلات العلمية الرائدة؛ وظهور مشترك متكرر في ورش عمل وندوات عبر الإنترنت تُركز على العلوم.

وتُعد “الصين” أيضًا أكبر مُصدر للطلاب الدوليين في “الولايات المتحدة”. في العام 2019-20، كان هناك أكثر من: 370 ألف طالب صيني في “الولايات المتحدة”، يُمثلون: 34% من الطلاب الدوليين في الكليات والجامعات الأميركية.

حتى الآن؛ بقي العديد من أفضل الطلاب الصينيين في “الولايات المتحدة”؛ بعد التخرج وساهموا في التنمية العلمية والتكنولوجية والاقتصادية لـ”أميركا”. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر.

“الصين” تدعم “الدولار الأميركي” !

“الصين”؛ هي ثاني أكبر مالك أجنبي للسندات الأميركية الحكومية، واعتبارًا من آب/أغسطس 2020، امتلكت: 1.07 تريليون دولار في السندات الحكومية الأميركية، أي حوالي: 15% من الدين العام الأميركي الذي تحتفظ به الدول الأجنبية.

وتشتري “الصين” الديون الأميركية لدعم قيمة “الدولار”، وذلك لأن “الصين” تربط عُملتها، “اليوان”، بـ”الدولار الأميركي”. إنه يُقلل من قيمة العُملة عند الحاجة للحفاظ على تنافسية أسعار الصادرات.

صادرات “الصين” لـ”أميركا” تتزايد رغم وعيد “واشنطن” !

وعلى الرغم من مناشدات مجتمع الأعمال الأميركي لتخفيف التوترات، قام الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، حتى الآن؛ بتضخيم سياسات سلفه؛ “دونالد ترامب”، من خلال تعزيز التحالفات المناهضة لـ”الصين” وتنفيذ عقوبات إضافية. يصف “بايدن” الآن؛ الصراع بين “الولايات المتحدة” و”الصين”، بأنه: “معركة بين الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية”.

المفارقة أنه بعد مرور سنوات من فرض الرسوم الجمركية؛ من قِبل “ترامب”، لإصلاح العجز التجاري لـ”الولايات المتحدة”، انتعشت التجارة الثنائية بين “الولايات المتحدة” و”الصين” الآن إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وزاد الفائض التجاري لـ”الصين”، وإزداد العجز الأميركي سوءًا.

المجالات التي تعتمد عليها “الولايات المتحدة” في “الصين”..

يتم إنتاج أكثر من: 70% من المكونات الصيدلانية النشطة المستخدمة في السوق الأميركية في الخارج، فعلى سبيل المثال، تقريبًا كل إنتاج عقار (الإيبوبروفين)؛ الذي يُستعمل لعلاج الألم والحمى والإلتهاب، المباع في “الولايات المتحدة” يأتي من “الصين”.

ولقد أصبحت معدات الاتصالات المصنوعة في “الصين” مهمة جدًا بالنسبة للأميركيين.

في عام 2020، استوردت “الولايات المتحدة” بنحو: 120 مليار دولار؛ إلكترونيات من “الصين”، ونحو: 100 مليار دولار من الآلات والأجهزة، ونحو: 45 مليار دولار من لعب الأطفال.

كما أن دور “الصين” كأكبر مصرفي في “أميركا” يمنحها نفوذًا. على سبيل المثال، تُهدد “الصين” ببيع جزء من ممتلكاتها عندما تضغط عليها “الولايات المتحدة” لرفع قيمة “اليوان”.

“الصين” تحاصر “أميركا” فعليًا بهذين السلاحين.. الأول المعادن الأرضية النادرة..

وتمتلك “الصين” ورقتي ضغط قويتين في مجالين قد يُمثلان خطرًا كبيرًا على “الولايات المتحدة”، حسب تقرير لموقع (Responsible Statecraft) الأميركي.

والورقتان هما الهيمنة على موانيء الحاويات في العالم، وإمدادات العناصر الأرضية النادرة بالغة الأهمية؛ ليس فقط في قطاع تكنولوجيا المعلومات، بل أيضًا في إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة، والمقاتلات النفاثة، وأنظمة توجيه الصواريخ.

ففي قطاع التصنيع، تجد “الصين” نفسها في موقفٍ جيد بفضل وفرة المعادن المميزة التي تُعرف بالمعادن الأرضية النادرة، وهي من المكونات الرئيسة لمنتجات متقدمة تكنولوجيًا في مجال الطاقة النظيفة، مثل “توربينات الرياح والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية”، وفي أسلحة عدة من المقاتلات النفاثة إلى الغواصات النووية.

إنّ سيطرة “بكين” على سوق المعادن الأرضية النادرة؛ جعلت من الصعب – وشبه المستحيل – على الدول الأخرى مثل: “الولايات المتحدة وكندا وأستراليا”، أن تبني سلاسل التوريد الخاصة بها وتديرها بشكلٍ تنافسي.

وقد استغلت “الصين” إمداداتها من المعادن الأرضية النادرة لجذب المُصّنعين الأجانب وزيادة قوتها الصناعية. كما أنّ نفوذ “بكين” زاد المخاوف من أنّها ستمتص الصناعات عالية التقنية من البلدان الأخرى – وأنها ستحظى بنفوذٍ كبير في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي والتطور التكنولوجي.

وسبق أن استغلت “الصين” هيمنتها على المعادن الأرضية النادرة لأغراضٍ سياسية. ففي عام 2010، عقب تصاعد التوترات بين “بكين” و”طوكيو”، حظرت “الصين” – التي كانت تُنتج: 93% من الإجمالي العالمي وقتها – صادراتها من المعادن الأرضية النادرة إلى “اليابان”.

وعاود هذا التهديد للظهور مرةً أخرى حين تنازع “ترامب”؛ مع الرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، حول التعريفات الجمركية عام 2019، حيث لوحت “بكين”؛ بشكل غير رسمي، بقطع الصادرات التي تُنتج “بكين” نسبة كبيرة منها، وإيقاف التصنيع الأميركي بشكل مفاجيء.

وليس من المفاجيء في الأعوام الماضية؛ زيادة الطلب على هذه المعادن في الاقتصادات المتقدمة، فهي موزعة بتركيزات منخفضة ومن المكلف استخراجها من الخامات، وهذه الصناعة استثمرت فيها “الصين” كثيرًا منذ السبعينيات.

ووفقًا للمسح الجيولوجي الأميركي؛ في 2020، أنتجت “الصين”: 58% من المعادن الأرضية النادرة، وانخفضت النسبة من: 90% قبل أربعة أعوام، إذ توسعت “الولايات المتحدة وأستراليا” في تعدين هذه العناصر.

لكن اعتبارًا من 2018، استوردت “الولايات المتحدة”: 80.5% من المعادن الأرضية النادرة من “الصين”. وفي آيار/مايو من هذا العام، أضافت إدارة “ترامب” هذه المعادن إلى قائمة من المعادن التي تُعتبر بالغة الأهمية للأمن الاقتصادي والوطني الأميركي. وفي تموز/يوليو 2019، أعلنت الإدارة هذه العناصر: “جوهرية للدفاع الوطني”، ما أتاح تخصيص موارد لـ”وزارة الدفاع”؛ لتتحرك من أجل تأمين القدرات الإنتاجية المحلية للعناصر الأرضية النادرة.

وحتى إن زادت “الولايات المتحدة” من تعدينها لهذه العناصر، سيتطلب تكريرها تكنولوجيا متخصصة وعمالة مدربة واستثمارًا أوليًا مرتفعًا. وبسبب نقص هذه العوامل في “الولايات المتحدة”، تستمر “الصين” في شبه احتكار معالجة الخامات، مع شحن المواد الخام التي تحتوي على هذه العناصر الثمينة من خارج “الصين” إلى المواقع الصينية.

وتولد عملية التكرير أيضًا كميات كبيرة من المخلفات المُشعة وتلوث البيئة. نتيجة لذلك، تلجأ الدول المتقدمة إلى إجراء عمليات التكرير في الاقتصادات النامية.

السلاح الثاني.. “أميركا” محاصرة بخطوط الملاحة الصينية..

في شهادة أمام “الكونغرس”؛ في تشرين أول/أكتوبر 2019، كشفت “كارولين بارثولوميو”، رئيسة لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية “الأميركية-الصينية”، أن ثُلثي أكبر: 50 ميناءً من موانيء الحاويات البحرية على الأقل يملكها ويُديرها صينيون أو تدعمها استثمارات صينية. ويشمل هذا محطات في موانيء أميركية كبرى بـ”لوس أنغلوس” و”سياتل”.

وقبل عامين؛ اعترف مسؤولون بشركة الشحن الحكومة الصينية؛ (China Ocean Shipping Company)، وهي من أكبر خطوط شحن الحاويات في العالم، بأن الشركة وصلت بالفعل بين مساراتها وما يُعرف رسميًا: بـ”طريق الحرير البحري”، لتربط بين أسواق إقليمية في غرب إفريقيا وشمالي أوروبا والكاريبي والولايات المتحدة، وتكوين شبكة تجارية عالمية أكثر شمولاً وتوازنًا. وتشرح “بارثولوميو”؛ أنه: “في حالة نشوب نزاع، يمكن أن تستعمل الصين سيطرتها على هذه الموانيء وموانيء أخرى في إعاقة التجارة الواصلة إلى البلدان الأخرى”.

ماذا ستخسر “أميركا” إذا انفصلت عن “الصين” اقتصاديًا ؟

أصدر “مركز الصين”؛ التابع لـ”غرفة التجارة الأميركية”؛ (US Chamber)، بالشراكة مع مجموعة (Rhodium Group)، تحليلاً نُشر في شباط/فبراير 2021، لرصد نتائج الفصل بين “الولايات المتحدة” و”الصين” على المستوى الاقتصادي.

يُحدد التحليل التكاليف المحتملة لفصل “الولايات المتحدة” و”الصين” من منظورين: التكاليف الإجمالية لاقتصاد “الولايات المتحدة” عبر أربع قنوات رئيسة؛ (التجارة والاستثمار والأفراد والأفكار)، والتكاليف على مستوى الصناعة في أربعة مجالات ذات أهمية وطنية؛ (الطيران المدني وأشباه الموصلات والمواد الكيميائية والأجهزة الطبية).

بالنسبة للتكاليف الإجمالية.. يقول معدو التحليل؛ إنه إذا انفصلت “الولايات المتحدة” و”الصين” تمامًا، فستتأثر الشركات الأميركية والاقتصاد الأميركي بشكل كبير، مما يُنتج عنه مئات المليارات من الناتج المحلي الإجمالي الضائع وخسائر في الأرباح الرأسمالية مع تقويض الإنتاجية والابتكار في “الولايات المتحدة”.

التجارة: سيكون هناك خسارة: 190 مليار دولار سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي لـ”الولايات المتحدة”؛ الضائع بحلول عام 2025، إذا تم فرض رسوم جمركية بنسبة: 25% على جميع التجارة ثنائية الاتجاه.

الاستثمار: 25 مليار دولار سنويًا؛ سيخسرها الأميركيون في حال الفصل الحاد في شكل مكاسب رأسمالية مفقودة وخسائر الناتج المحلي الإجمالي لمرة واحدة تصل إلى: 500 مليار دولار؛ إذا خفضت الشركات الأميركية الاستثمار الأجنبي المباشر التراكمي في “الصين” بنسبة: 50%.

السياحة والتعليم: سيكون هناك فقدان لنحو: 30 مليار دولار سنويًا من صادرات تجارة الخدمات الأميركية المفقودة؛ إذا انخفض الطلاب الصينيون والسياح القادمون إلى “الولايات المتحد”؛ة بنسبة: 100%.

مصدر الصورة: رويترز

الأفكار: سيكون هناك مليارات في انخفاض الإنفاق على البحث والتطوير في “الولايات المتحدة”؛ بسبب تضاؤل ​​الوصول إلى المواهب والعلوم الصينية؛ ومنافسة أكبر مع “الصين” على المبتكرين العالميين.

“أميركا” لديها مشكلة كبرى في أشباه الموصلات..

“إن فصل الولايات المتحدة تمامًا عن الصين؛ من شأنه أن يُقوض الريادة الأميركية في مجال أشباه الموصلات”، حسبما قال “جون نيوفر”، الرئيس والمدير التنفيذي لـ”اتحاد صناعة أشباه الموصلات”؛ بـ”الولايات المتحدة”.

واعتمادًا على مدى الفصل، فإن فقدان الوصول إلى العملاء الصينيين لصناعة أشباه الموصلات في “الولايات المتحدة”؛ من شأنه أن يتسبب في خسارة: 54 مليار دولار إلى: 124 مليار دولار في الناتج الأميركي، مما قد يؤدي بالمخاطرة بأكثر من: 100 ألف وظيفة في “الولايات المتحدة”، و12 مليار دولار في الإنفاق على البحث والتطوير، و13 مليار دولار في الإنفاق الرأسمالي.

الصناعة الأميركية ستُصاب بخسائر هائلة..

سيؤدي الفصل بين “الولايات المتحدة” و”الصين” بشكل كامل؛ إلى خسائر هائلة في الإنتاج الأميركي للصناعات الأميركية الإستراتيجية، مما يُضعف قدرتها على الحفاظ على الوظائف الأميركية والبحث والتطوير والريادة التكنولوجية العالمية.

صناعة الطيران الأميركية: اعتمادًا على مدى الفصل، فإن فقدان الوصول إلى سوق “الصين” للطائرات الأميركية وخدمات الطيران التجاري من شأنه أن يؤدي إلى خسائر إنتاج أميركية تتراوح من: 38 مليار دولار إلى: 51 مليار دولار، ويتسبب في خسارة صناعة الطيران المدني الأميركية: 167000 إلى: 225000 وظيفة. تراكميًا، قد تُضيف التأثيرات المفقودة على حصتها في السوق الأميركية ما يصل إلى: 875 مليار دولار؛ بحلول عام 2038.

صناعة الكيماويات: في فرض البلدين لرسوم جمركية في هذه الصناعة، تتراوح التكلفة المحتملة من: 10.2 مليار دولار في كشوف المرتبات وتخفيضات الإنتاج في “الولايات المتحدة”؛ و26 ألف وظيفة مفقودة، إلى: 38 مليار دولار في خسائر الإنتاج؛ وما يقرب من: 100 ألف وظيفة مفقودة.

وقال “كريس جان”؛ الرئيس والمدير التنفيذي لمجلس الكيمياء الأميركي، إن مصنعي المواد الكيميائية أعلنوا عن استثمارات جديدة تزيد عن: 200 مليار دولار على مدار العقد الماضي، وهو ما يُمثل أكثر من: 50% من إنشاءات مصانع “الولايات المتحدة”.

وأضاف أن: “الصين هي واحدة من أكبر وجهات التصدير للولايات المتحدة؛ وكذلك مصدر رئيس للمدخلات، والحد من الوصول إلى السوق الصيني سيكون له تأثير سلبي أكبر نسبيًا على التصنيع في الولايات المتحدة؛ من تأثيره على بكين”.

صناعة الأجهزة الطبية الأميركية: تُقدر قيمة خسارة الحصة السوقية للشركات الأميركية: بـ 23.6 مليار دولار في الإيرادات السنوية، والتي من شأنها أن تتفاقم مع خسارة الإيرادات التراكمية؛ التي تتجاوز: 479 مليار دولار على مدى عقد، أو ما يقرب من: 48 مليار دولار سنويًا. قد يؤدي فقدان الإيرادات إلى فقدان الوظائف ويترجم إلى انخفاض قدره: 33.5 مليار دولار في الإنفاق على البحث والتطوير على مدى العقد المقبل.

وفي المُجمل؛ قد يخسر الاقتصاد الأميركي ما قيمته أكثر من: تريليون دولار من الإنتاج والقدرة التنافسية العالمية طويلة الأجل؛ إذا سعى “البيت الأبيض” إلى الفصل بين “الولايات المتحدة” و”الصين” في المجال الاقتصادي بشكلٍ حاد، وفقًا لتقرير “غرفة التجارة الأميركية” ومجموعة (الروديوم).

وقال التقرير إن الشركات الأميركية تُخاطر بفقدان القدرة التنافسية العالمية؛ إذا فرضت سياسات شاملة للانفصال عن “الصين”.

هل تستفيد “أميركا” من الاستغناء عن “الصين” ؟

ومع ذلك؛ يرى الأميركيون المؤيدون للانفصال عن “الصين”؛ أن هناك فوائد لـ”واشنطن” من هذا الانفصال.

إذ يقولون إنه على الرغم من استفادة المستهلكين الأميركيين من تدفق السلع الرخيصة من “الصين”، فقد ملايين الأميركيين وظائفهم بسبب المنافسة على الواردات، ويُراهنون على أن هذه الوظائف ستعود للأميركيين إذا تم الانفصال عن “بكين”، رغم أنه على الأرجح ستذهب هذه الوظائف لدول آسيوية أخرى مثل: “الهند” أو “فيتنام”، لديها ميزة الأيدي العاملة الرخيصة، خاصة أن ارتفاع الأجور في “الولايات المتحدة”؛ و”الدولار” القوي، يُضعف تنافسية الصناعة الأميركية في كثير من الصناعات، خاصة التي لا يوجد بها قيمة مضافة عالية.

كما يُشير الأميركيون المؤيدون للانفصال، إلى الفوائد المتأتية من وقف نزيف الخسائر الأميركية جراء القرصنة ونقل التكنولوجيا الأميركية، فلطالما اتهمت “الولايات المتحدة”؛ “الصين”، بالضغط على الشركات الأميركية لتسليم التكنولوجيا الخاصة بها، أو سرقتها على الفور.

كيف ستُعاني “الصين” من الانفصال ؟

في المقابل؛ فإن “الصين” قد تُعاني بدورها بشدة من الانفصال عن “الولايات المتحدة”، ليس فقط لأن صادراتها لـ”أميركا” أكبر بكثير من وارداتها فقط، ولكن بسبب القصور الصيني الذي ما زال مستمرًا في مجال بعض التكنولوجيات الشديدة الأهمية؛ مثل الأجزاء الأكثر حساسة والمحورية في المنتجات الإلكترونية التي تأتي من “الولايات المتحدة” أو بعض حلفائها الغربيين، والآسيويين، وتكنولوجيا محركات الطائرات والسيارات.

ورغم أن “بكين” تستثمر بشكل كبير لإيجاد بدائل لهذه المنتجات، فإنها لم تتمكن من تحقيق ذلك أو على الأقل من توفير بدائل قريبة من مستوى إنتاج الدول الغربية والآسيوية الحليفة لـ”واشنطن”.

ويظهر فشل شركة (Huawei) الصينية؛ بعد “العقوبات الأميركية” عليها، عدم قدرة “الصين” على الوصول إلى الاعتماد على الذات التكنولوجي بعد.

يبدو أن الانفصال بين “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ إذا جرى بشكل سريع وحاد، سيكون مؤلمًا إن لم يكن مدمرًا للبلدين، وبالنسبة لـ”الولايات المتحدة” تحديدًا قد يؤدي لخسائر مادية كبيرة جراء تراجع الصادرات لـ”الصين” والخسائر الناجمة عن استثمارات الشركات الأميركية هناك، إضافة لخسائر أسواق المال الأميركية و”الدولار”؛ جراء سحب “الصين” لأموالها من “الولايات المتحدة”، كما أن هذا الانفصال قد يُسبب موجة تضخمية في “الولايات المتحدة”؛ في وقت سجلت فيه البلاد أكبر معدل تضخم منذ 40 عامًا.

والأخطر هو تضرر سلاسل توريد الخاصة بالصناعات الأميركية؛ بما فيها صناعات حساسة مثل التكنولوجيا والطيران والأسلحة والسلع الاستهلاكية الأساسية، إذا توقف توريد الأجزاء المهمة في العديد من هذه الصناعات من “الصين”، والتي غالبًا ما احتكرت “بكين” إنتاجها بسبب رخص التكلفة لديها.

ولذا فمن الواضح أن هناك توجهًا لدى البلدين؛ “الصين” و”أميركا”، على السواء، للفصل التدريجي.

فـ”أميركا” تسعى بالأخص إلى محاولة تدريجية لإيجاد مصادر بديلة لـ”الصين” في المنتجات الحساسة مثل: “المعادن الأرضية النادرة وأشباه الموصلات”، وبالأخص تحرير صناعتها العسكرية من القيد الصيني، وكذلك تقليل تأثير المال الصيني في أسواق المال الأميركي، وظهر هذا في تراجع “بكين” من المركز الأول في حيازة السندات الأميركية للمركز الثاني.

من جانبها؛ تسعى “الصين” لتعزيز علاقاتها الاقتصادية الدولية؛ بما في ذلك مع “روسيا”؛ المغضوب عليها غربيًا، مع زيادة الطلب المحلي الصيني ليكون بديلاً في حال تراجع الصادرات لـ”أميركا” وحلفائها.

كما تسعى “بكين” لتحقيق الاعتماد على الذات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، خاصة المحركات وأجزاء الإلكترونيات المعقدة، وهي من أشد المجالات التي ما زالت “الصين” فيها متأخرة عن الغرب.

ومن الواضح أن الفصل البطيء مناسب للطرفين، فإلى حين تستبدل “أميركا” سلاسل التوريد والمنتجات الصينية الرخيصة، فإن “بكين” تكون اقتربت من تحقيق تقدم في مجالات التكنولوجيا المعقدة التي ما زلت متأخرة فيها كثيرًا عن “أميركا” وحلفائها.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب