خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي”، عن تحرير مدينة الموصل بالكامل من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي يوم الاثنين 10 تموز/يوليو 2017، برزت على السطح تحذيرات محلية ودولية تؤكد على أن التنظيم مازال يمثل خطراً على العراق.
حيث يرى المحللين والمسؤولين في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، إن خسارة تنظيم “داعش” لمدينته الأكبر لن تسفر عن هزيمة نهائية للتنظيم الإرهابي، موضحين أنه على الرغم من عودة التنظيم إلى مجرد قوى متمردة متفرقة لا تسيطر على أراضي، إلا أنه يتمتع بمدى دولي وأيديولوجية لاتزال تحفز المهاجمين في جميع أنحاء العالم.
فقال التحالف الدولي إن النصر في الموصل لا يعني نهاية التهديد العالمي لتنظيم “داعش الإرهابي”، داعياً العراق إلى أن يتحد لهزيمة التنظيم الإرهابي وضمان عدم عودة الظروف التي أدت لظهوره.
موضحاً التحالف, في بيان صدر عنه مؤخراً: “في حين لا تزال هناك مناطق في مدينة الموصل القديمة يجب أن تكون محملة بالمعدات المتفجرة ومقاتلي “داعش” المحتملين في الاختباء، فإن مدينة الموصل باتت تحت سيطرة قوات الأمن العراقية”.
الحرب ضد “داعش” لم تنته..
كما حذر ضابط كبير في الجيش الأميركي داخل العراق, بأن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية لم تنته بعد رغم الانتصار “التاريخي” في الموصل، قائلاً جنرال “ستيفن تاونسند”، خلال مقابلة متلفزة مع “بي. بي. سي”: إن “مقاتلي تنظيم الدولة ما زالوا في العراق”، وإنه “على الحكومة العراقية الآن محاولة التواصل مع العراقيين السنة لوقف التنظيم الجهادي من طرح نفسه بصورة جديدة”.
يجب التصالح مع العراقيين السنة..
مشيراً “تاونسند” إلى أنه على العراقيين “التواصل والتصالح مع العراقيين السنة وجعلهم يشعرون بأن الحكومة العراقية تمثلهم”.
تأمين الحدود من الجهة الغربية..
أما زعيم “التيّار الصدري” مقتدى الصدر، فقد حذّر أيضاً “من زج الشباب في حروبٍ داخل سوريا”، داعياً في كلمته عقب إعلان “النصر” إلى “تأمين الحدود من الجهة الغربية”. ولفت في كلمته، التي استشرف فيها مرحلة “ما بعد الموصل”، إلى وجود “نية مبيّتة لتأجيج الحرب الطائفية”.
الخطر الأكبر أن يصبح “داعش” تنظيماً عقائدياً..
يقول الكاتب “عبد الستار الخديمي”, لا يعدو مقاتلو “داعش” سوى مرتزقة، والمرتزقة لا عقيدة لها، هذه النقطة بالذات تمثل مفتاح مرحلة ما بعد الانتصارات العسكرية على “داعش”، فمحاربة “داعش” يجب أن تكون اجتماعية، من منطلق السهر على احتواء الشباب بنشر الفكر النقدي النير وبتوفير مصادر الرزق والعيش الكريم.
مضيفاً أن “داعش” ظاهرة سياسية حين يتم توظيفها “بالدوس على الزر”، وظاهرة دينية بإيغاله في التطرف وممارسة القتل، وظاهرة اجتماعية بأساليب استقطابه المتنوعة والقادرة على امتصاص سخط الشباب وحسن توظيف ذلك.
موضحاً أن “داعش الظاهرة” لا يمكن أن تنتهي بمجرد إعلان الانتصار العسكري، وعلى جميع الذين يعلنون شعار “الاحتفال بانتهاء داعش”، الوعي بأن الحرب لا تزال رحاها دائرة، وأن الفرقة هي التي ستسمح لداعش بالاستمرار. والخطر الأكبر أن يصير “داعش” تنظيماً عقائدياً له مرجعياته الفكرية التي تديم تواجده وتؤسس لمراحله المستقبلية.
لا نجزم بتحرير الموصل بالكامل..
الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء “حسن اللبيدي”, يرى أنه بعد إعلان تحرير مدينة الموصل بالكامل من قبضة “داعش”, مازال هناك تواجد مستمر وذيول موجودة لهذه الجماعات ولا نستطيع أن نجزم ونقول إن تحريرها تم بشكل كامل.
مضيفاً “اللبيدي” أنه لابد أن تعرف القوات العراقية أين ذهب أعضاء تنظيم “داعش” بعد الخروج من مدينة الموصل, لأنه من الطبيعي لم يفنوا أو ينتهوا جميعهم, ولابد من تحديد ومعرفة أماكنهم إذا كانت داخل العراق أو سوريا.
وأوضح “اللبيدي” أنه من المبكر أن نقول إن تنظيم “داعش” قد انتهى, لأن تداعيات ما بعد “داعش” ستكون أصعب من تداعيات ما قبلها, ولكن علينا أن نقول إنه قد انكسرت شوكت “داعش” ولكن مازال هناك ذيول.
خسارته المدينتين الأكبر لن تؤدي إلى هزيمته النهائية..
كان للصحف الغربية أيضاً دور في التحذير من عدم انتهاء “داعش”، فقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إن الدولة التي أعلنها زعيم داعش “أبو بكر البغدادي” قبل ثلاث سنوات, يوم صعد إلى منبر “مسجد النوري” في الموصل, تنهار اليوم لكن رغم ذلك لن تؤدي خسارته المدينتين الأكبر اللتين كان يسيطر عليهما في سوريا والعراق إلى هزيمته على نحو نهائي.
يعود إلى جذوره المتمردة..
تحت عنوان: “داعش المنهار لكن القوي يعود إلى جذوره المتمردة”, كتبت الصحيفة الأميركية أن: “إعلان ما يسمى دولة الخلافة كان محطة هامة لمقاتلي “داعش” المتطرفين. استعراضهم للعنف وأيديولوجيتهم المروّعة ساعداهم على السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق, وجذبا إليهم جحافل من المقاتلين الأجانب وأنشأوا إدارة قائمة على البيروقراطيين والمحاكم وآبار النفط.. الآن دولتهم هذه تنهار”.
“داعش” منظمة عالمية لها قدرة على النمو مرة أخرى..
نقلت الصحيفة الأميركية عن “حسن حسن”, الباحث في معهد “التحرير لسياسة الشرق الأوسط” في واشنطن, قوله أن ما جرى هو بمثابة “ضربات كبيرة لداعش لأن مشروع بناء الدولة قد انتهى، وليس هناك دولة خلافة بعد الآن، بما من شأنه تراجع الدعم والمجنّدين في صفوف التنظيم”, لكن “داعش أضحى اليوم منظمة عالمية وقيادته وقدرته على النمو مرة أخرى لا تزال موجودة”.
من المبكر القول أن “داعش” أصبح بلا مأوى..
الصحيفة الأميركية لفتت إلى أن الأمر لا يقتصر على فكر “داعش”, بل أيضاً على وجوده الميداني في العراق، حيث قالت: “بالرغم من فقدان “داعش” سيطرته على المدن الرئيسة لا يزال من المبكر القول إن “داعش” أضحى بلا مأوى”, مشيرة إلى استمرار سيطرته على “تلعفر والحويجة” وبلدات أخرى وجزء كبير من محافظة “الأنبار”.
“داعش” زرع خلايا نائمة لخوض الحرب..
من جهته كتب “باتريك كوكبرن”, في آخر مقالاته من العراق, عن الإعلان الرسمي الوشيك لتحرير الموصل, ونقل عن مراقبين عراقيين أن الأمر “سيستغرق يومين أو ثلاثة, لكن لدى الحكومة كل الحق في القول إن المعركة الكبرى في الحرب ضدّ “داعش” انتهت فعلياً”.
الكاتب في صحيفة “اندبندنت” البريطانية نقل مشهد الاحتفالات بتحرير المدينة, لكنه قال إنه بالرغم من انتصار القوات المسلحة العراقية إلا أن هذا لا يعني أن “داعش” انتهى, حيث شنّ هجمات مضادة خارج الموصل أحدها في ناحية “القيارة” جنوب المدينة في 5 تموز/يوليو الجاري، حيث سيطر 160 من مقاتلي “داعش” على أربع قرى.
وتابع الكاتب أن “داعش” استشرف منذ وقت طويل خسارته للمدينة وزرع خلايا نائمة ومقاتلين يمكن أن يخوضوا الحرب، مشيراً إلى وجود مخاوف في المناطق المحررة من عناصر “داعش” الذين ربما قاموا بحلق ذقونهم وبدلوا ملابسهم بحيث لا يمكن تحديدهم أو تمييزهم.
قائلاً “كوكبرن” إن من بين الأسباب التي أطالت معركة الموصل, محدودية عدد القوات القتالية الفعالة, مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من المعركة خاضها “جهاز مكافحة الإرهاب وشعبة الطوارئ والشرطة الفيدرالية” الذين بلغ عددهم جميعاً أقل من 10 آلاف رجل.
وتابع الكاتب أن الحكومة تعاني من صعوبة في إحكام سيطرتها على المناطق المحررة بسبب العدد المحدود للقوات المقاتلة, مشيراً إلى أن “داعش” عانى من هزيمة كبيرة في الموصل لكنه سيكون قادراً على البقاء على قيد الحياة والقتال مجدداً.
توجد جيوب للتنظيم يجب التعامل معها..
من جانبه قال الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور “أحمد الشريفي”, إن هناك جيوباً للتنظيم يجب التعامل معها والقضاء عليها تمهيداً لتحقيق الأمن في عموم الساحل الأيمن للموصل والسيطرة على خط التماس على ضفة النهر لربط الساحل الأيمن بالساحل الأيسر، فلم يعد للتنظيم قدرة على أن يفرض إرادة على مسرح العمليات, لذلك يصنف عسكرياً بأن المعركة قد حسمت من الناحية العسكرية.
مؤكداً “الشريفي” على أن الإنجاز الذي حدث في العراق لا يقرأ محلياً فقط, ولكن يجب قراءته على مستوى البعد الإقليمي والدولي في تحقيق الأمن الدولي.
على المستوى المحلي فالانتصار سيؤدي إلى تصحيح المسار ويؤدي إلى إحداث انعطاف كبير جداً في النموذج السياسي الحاكم الذي سيتغير, ليس بإرادة النخب السياسية, ولكن كنتاج للقفزة الكبيرة التي حصلت في الوعي السياسي والوعي الانتخابي والوعي الاجتماعي لعموم المجتمع العراقي, الذي بات ينظر إلى القضية أبعد من الانتماءات الفرعية والطائفية ولكن بالنظر إلى مصلحة الوطن.
توقيت النصر به عدة شبهات..
الخبير العسكري العراقي، العميد الركن “خليل الطائي” يوضح، إنه وفقاً للمفهوم الاستراتيجي للحروب والخطط والغايات العسكرية للقادة في الميدان فإن مقومات وأساسيات النصر تبنى على الحفاظ على قيمة الهدف المراد احتلاله أو السيطرة عليه دون تدمير البنية التحتية للمكان المتواجد فيه الهدف، كما أن مسك الأرض من أسياسيات النصر وهذا لم نجده في النصر الذي أعلن عنه “العبادي”.
مضيفاً أن توقيت إعلان النصر, من قبل “العبادي”, فيه عدة شبهات, منها: “التردد في توقيت الإعلان, والمعارك شرسة وماتزال غير محسومة وهناك أجزاء من القليعات والشهوان وباب الشط خارج سيطرة القوات الحكومية”.
لن تتوقف غاية “داعش” العسكرية بفقدان مدينة..
مشيراً إلى أن إستراتيجية تنظيم الدولة هي إدارة أكبر ما يمكن من المعارك الإستنزافية وفق حرب طويلة الأمد ومفتوحة الجغرافية, ووفق هذه الإستراتيجية فإن غايته العسكرية لن تتوقف بفقدان مدينة أو مساحة جغرافية معينة.
لافتاً إلى أن التنظيم إذا فقد موقعًا سيقاتل بمناطق أخرى, وهذا ما حدث ويحدث في “الرطبة وسامراء والشرقاط ومكحول” وغيرها من المناطق, ناهيك عن أنه مايزال يحتفظ بمناطق عديدة ضمن الجغرافية العراقية, ولهذا هو مايزال ضمن استراتيجيته المفتوحة الجغرافية والتوقيتات.
وأكّد على أن “داعش” ما يزال يقاتل, وإن انحسرت مساحته الجغرافية القتالية بشكل كبير جدًا في الموصل, وهذا الإصرار يشير إلى أنه مايزال يحتفظ بروح القتال والإصرار على المطاولة الميدانية.
الخطر العسكري إنتهى..
لكن المحلل السياسي العراقي “أحمد الملاح”، يرى أن خطر التنظيم إنتهى من الناحية العسكرية والقدرة على السيطرة على المدن والظهور العلني، لكن مايزال التنظيم يمتلك خلايا نائمة قادرة على الضرب والخرق الأمني وفق تقنية “الذئاب المنفردة”.
مضيفاً “الملاح” أن العراق ما يزال يواجه المشاكل الموجدة لداعش من فساد في مؤسسات الدولة وانتقائية في تطبيق القوانين والدستور وغياب التنمية إضافة للمشكلات المتخلفة نتيجة الحرب على “داعش”, أبرزها ملف إعادة الإعمار وإعادة النازحين وملاحقة المتسببين بذلك قضائيًا وتعويض المتضررين.
وتعتبر الموصل ثاني أكبر مدن العراق، وقد سيطر عليها “داعش” في العاشر من حزيران/يونيو عام 2014، لكن القوات العراقية تمكنت خلال حملة عسكرية بدأت في 17 تشرين أول/أكتوبر الماضي من استعادة النصف الشرقي الأيسر للمدينة في 24 كانون ثان/يناير الماضي، ثم بدأت في 19 شباط/فبراير الماضي عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على القسم الغربي الأيمن من المدينة، حيث استكملت مهمتها التاريخية الاثنين 10 تموز/يوليو 2017 باستعادة المدينة بالكامل.