خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في أحدث محاولة دولية لحل الأزمة بمساندة “التحالف العربي”، ذكر “مارتن غريفيث”، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى “اليمن”، أمس، أنه اتفق مع “الحوثيين”، على أن “الأمم المتحدة” يجب أن تنخرط بشكل عاجل في مفاوضات تفصيلية مع الأطراف للقيام بدور رئيس في “ميناء الحديدة”، وعلى نطاق أوسع.
قائلاً، في مؤتمر صحافي عقده بعد وصوله إلى “مدينة الحديدة”، غربي “اليمن”، “دعونا جميعًا نعمل للحفاظ على السلام في الحديدة”، مضيفًا: “جئت إلى الحديدة مع أصدقائي وزملائي، ليز غراندي، المنسق الإنساني للأمم المتحدة، ومدير برنامج الغذاء العالمي، إستيفن أندرسون، لنتعرف بشكل مباشر كيف يمكننا الإسهام في حماية المواطنين بالحديدة من التعرض لمزيد من الدمار”.
ورحب المبعوث الأممي بالنداءات الأخيرة التي تدعو إلى وقف القتال في “الحديدة”، مشيرًا إلى أنها خطوة أساسية “إذا أردنا حماية أرواح المدنيين وبناء الثقة بين الأطراف”.
وتابع: “أتمنى أن أجمع الأطراف اليمنية معًا في السويد في وقت قريب جدًا لاستئناف المشاورات السياسية”.
وأكد “غريفيث”، أنه إلتقى في “صنعاء” مع قيادة “جماعة أنصار الله” الحوثية وتطرق، ضمن مباحثاته، إلى كيفية إسهام “الأمم المتحدة” في الحفاظ على السلام في “الحديدة”.
ويسعى المبعوث الأممي لعقد جولة جديدة من مشاورات السلام بين الحكومة اليمنية، و”جماعة الحوثي” بهدف التوصل إلى اتفاق سلام يفضي إلى وقف العمليات العسكرية في البلاد التي تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
تتفق مع رؤية “التحالف العربي”..
وتتفق رؤية “غريفيث”، بشأن وضع الميناء تحت إدارة دولية، مع طرح التحالف للإقتراح ذاته أكثر من مرة، إلا أن المبادرة لم ترى النور بسبب تعنت المتمردين “الحوثيين” ورفضهم تسليم الميناء بحجج مختلفة.
وفي بيان سابق؛ قال التحالف الذي تقوده “السعودية” إن وضع الميناء تحت إدارة دولية “سيسهل تدفق الإمدادات الإنسانية إلى الشعب اليمني، وينهي في الوقت نفسه استخدام الميناء لتهريب الأسلحة والبشر”.
كذلك استغلت الميليشيات، الميناء، لإدخال الأسلحة الإيرانية المهربة، وِفق ما أكد “التحالف” مرات عدة، واستخدمته كمنصة لتنفيذ هجمات، تهدد عبرها طرق التجارة البحرية الدولية.
ودفع هذا المشهد الفوضوي، الذي ترسمه ميليشيات “الحوثي”، “تحالف دعم الشرعية” للدعوة مرارًا لتحويل سفنِ الإغاثة، إلى الموانيء الخاضعة للحكومة الشرعية، أو إخضاعِ “ميناء الحديدة” لإشراف “الأممِ المتحدة”.
أهمية “ميناء الحديدة”..
ويعد الميناء الممر الأهم إلى كافة الجزر اليمنية ذات العمق الإستراتيجي، وأهمها “جزيرة حنيش” الكبرى والصغرى و”جبل صقر”، الذي يرتفع أكثر من 3700 قدم عن مستوى البحر.
و”ميناء الحديدة” آخر الموانيء المتبقية بأيدي “الحوثيين”، بعدما استعادت الشرعية ميناءي “المخا” و”ميدي” الإستراتيجيين.
وتخضع “مدينة الحديدة” لسيطرة المتمرّدين، منذ 2014، وتحاول القوات الحكومية؛ بدعم من “التحالف العسكري” بقيادة “السعودية”، استعادتها منذ حزيران/يونيو الماضي.
وأشتدّت المواجهات في بداية الشهر الحالي، ما أثار مخاوف “الأمم المتحدة” ومنظمات من وقوع كارثة إنسانية في حال توقف عمل ميناء المدينة.
وتمرّ عبر الميناء غالبية السلع التجارية والمساعدات الموجّهة إلى ملايين اليمنيين، الذين يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة في بلد فقير تهدّد المجاعة نحو 14 مليونًا من سكانه، نصفهم من الأطفال، بحسب “الأمم المتحدة”.
شروط حوثية للمشاركة في مفاوضات السويد..
وفي سعي لعرقلة أحدث محاولة دولية لحل الأزمة، وضع زعيم ميليشيا الحوثي الإيرانية في اليمن، “عبدالملك الحوثي”، الخميس الماضي، عددًا من الشروط للمشاركة في محادثات السلام اليمنية المقررة في “السويد”، بداية الشهر المقبل.
حيث طلب من غريفيث، “تسهيلات”؛ لنقل قادة من الحركة إلى الخارج وإعادتهم بحجة المرض أو الإصابة.
وقال المتحدث باسم الميليشيا المتمردة، “محمد عبدالسلام”، على حسابه في (تويتر): “تمت مناقشة ما يمكن أن يساعد على إجراء مشاورات جديدة في شهر كانون أول/ديسمبر القادم، وعن التسهيلات المطلوبة لنقل الجرحى والمرضى للعلاج في الخارج وإعادتهم”.
وبذلك؛ يكرر “الحوثيون” ذات الشروط التي وضعوها أمام مشاركتهم في محادثات “جنيف”، التي فشلت في الإلتئام، وكان مقررًا لها الإنعقاد في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر الماضي.
هدنة لدفع جهود السلام..
وبعد أسبوعين من الإشتباكات العنيفة، التي قتل فيها نحو 600 شخص غالبيتهم من المتمردين، تراجعت حدة المعارك في المدينة الساحلية، مساء الاثنين الماضي، قبل أن تتحوّل إلى إشتباكات متقطعة، الثلاثاء، وتتوقف تمامًا، الأربعاء.
وأعلنت القوات الموالية للحكومة وقف إطلاق النار لإعطاء دفع لجهود السلام، وهو الأمر الذي تسعى إليه “الأمم المتحدة” بتجميع الفرقاء في “السويد”، الشهر المقبل.
شكوك حول فاعلية خطة “غريفيث”..
وشككت أوساط يمنية في زيارة “غريفيث” لـ”مدينة الحديدة”، وقبلها إلى “صنعاء”، بشأن فاعلية الخطة التي يسوق لها كأرضية لبناء الثقة بين الأطراف اليمنية؛ بسبب غموض عرضه بشأن إدارة “ميناء الحديدة”.
وتساءلت هذه الأوساط: هل أن “الأمم المتحدة” ستشرف على الميناء بشكل كامل أم أن مهمتها ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى المدينة، محذرة من أن الغموض في عرض المبعوث الأممي يثير الشكوك بشأن استمرار المتمردين “الحوثيين” في استخدام الميناء لأغراض أخرى، بينها تلقي الأسلحة والأموال من الخارج، وأن هذا سيعيد الأزمة بشأن المدينة إلى المربع الأول.
مصادر يمنية كشفت إن الفريق الأمني المرافق لـ”غريفيث” قلص برنامج الزيارة، الذي كان من المفترض أن يشمل بعض المرافق التابعة لـ”الأمم المتحدة” وبعض مستشفيات المدينة، نتيجة تعمد “الحوثيين” قصف مواقع المقاومة المشتركة أثناء الزيارة.
ورجحت المصادر أن يكون المبعوث الأممي قد تحدث مع القيادات الميدانية في “الحديدة” ومينائها عن سبل نقل إدارة الميناء إلى “الأمم المتحدة”، بعد حصوله على موافقة شفهية من قِبل زعيم الجماعة، “عبدالملك الحوثي”، الذي قابله، الخميس، على هذا المقترح.
تفكيك منظومة الحرب..
وبحسب مصادر دبلوماسية، تتمحور خطة “غريفيث” لإحلال السلام في “اليمن” حول تفكيك منظومة الحرب في حال نجحت خطته لنزع فتيل المواجهات في “الحديدة” وتطبيع الأوضاع في المدينة تحت إشراف المنظمة الدولية.
بينما يؤكد المراقبون على أن مشروع “غريفيث” في هذا الشأن قد يواجه الكثير من العقبات، من أبرزها الصعوبة في تنفيذ أي خطة يتم إقرارها لفصل القوات على الأرض، خاصة مع السوابق التي دأب عليها المتمردون بنقض تعهداتهم، فضلاً عن رفض الحكومة اليمنية تسليم إدارة أي منطقة يمنية لطرف ثالث.
الحكومة لن تقبل بإدارة الميناء من قِبل طرف ثالث..
تعليقًا على زيارة “غريفيث”، قال وزير الإعلام، معمر الإرياني”: “كُنا نأمل من المبعوث الأممي أن يقوم بزيارة المناطق المحررة في الحديدة؛ ليشاهد حجم الدمار والخراب الذي خلفته الميليشيات الحوثية في البنية التحتية”.
لافتًا إلى أن الحكومة اليمنية ترحب بأي خطوات أو جهود يبذلها المبعوث الأممي لإقناع الميليشيات بالانسحاب من “الحديدة” ومينائها وتسليمهما للسلطة الشرعية، بحسب ما تنص عليه القرارات الدولية، وفي مقدمتها القرار (2216).
وأضاف “الإرياني” أن: “الحكومة لا يمكن أن تقبل بأي صيغة لإدارة الميناء؛ لا تضمن عودتها إلى السلطة الشرعية، وذات الأمر ينطبق على بقاء الحوثيين في المدينة. وقد أكدنا في أكثر من مناسبة أننا نرحب بالسلام على قاعدة المرجعيات الثلاث”.
تنقض الاتفاقات لأن أمرها بيد “حزب الله” وإيران..
ومن جانبه؛ أكد وكيل وزارة الإعلام اليمنية، “د.محمد قيزان”، على وقوف الحكومة الشرعية مع السلام الدائم الذي ينهي الخلافات بين اليمنيين، لكنه نوه بأن “جماعة الحوثي”، الموالية لـ”إيران”، هي من تنقلب وتنقض الاتفاقات، لأن أمرها “بيد الضاحية الجنوبية لبيروت وطهران”.
وأوضح “د.قيزان” أن الحكومة الشرعية مع السلام، ومدت يدها لـ”جماعة الحوثي” الانقلابية، وأيدتها القرارات الأممية الداعمة، لكن للأسف الشديد، فإن هذه الجماعة هي من تنقلب وتنقض المبادرات، وذلك عبر أكثر من محطة، سواء في “الكويت” أو “جنيف” أو حتى داخل “اليمن”، بحسب صحيفة (اليوم) السعودية.
وأوضح أن السبب يعود لأن أمرها ليس بيدها، بل هي مأمورة من الضاحية الجنوبية لـ”لبنان” ومن “طهران”.
وشدد على أن بقاء السلاح مع مجموعة من العصابات والميليشيات سيفشل أي عملية سلام، بعد الركون إلى هدنة قصيرة، كما تكرر في السابق، وستستمر الصواريخ (الباليستية) بتهديد أرض الحرمين ودول الجوار، وستظل خنجرًا في خاصرة الأمة العربية ومصدر قلق واضطراب دائمين، فهي لن تلتزم بأي مبادرات سلام بل ستتخذ هذه الهدنة سبيلاً لإعادة التموضع والتخندق لإعادة الحرب مجددًا، مؤكدًا أنه وعلى الرغم من هذه القناعة، فإن الحكومة اليمنية تؤيد كافة الدعوات سواء من “الأمم المتحدة”، أو الأشقاء في الخليج أو دول العالم الأخرى للحوار وحقن الدماء.
انتقادات لأداء “غريفيث”..
وفي الأوساط اليمنية؛ تزايدت الانتقادات لأداء “غريفيث”؛ الذي يتهم بتقديم تنازلات غير مبررة للميليشيات “الحوثية”، والخروج عن محددات مهمته كوسيط دولي يستمد مواقفه من القرارات الصادرة عن “مجلس الأمن”، وليس من مبادرات تتناقض مع تلك القرارات.
واعتبر الصحافي والباحث السياسي اليمني، “أمين الوائلي”، أن المآخذ على أداء “غريفيث” كثيرة، لكن هذا لا يلغي أهمية الجهود التي يقودها.
زيارة رمزية..
مشيرًا إلى أن زيارة “غريفيث” إلى “الحديدة” والميناء؛ رمزية بدرجة رئيسة، ولا تمثل قيمة مضافة سياسيًا كما لو زارها وفي يده إلتزامات وضمانات حقيقية من “الحوثيين”، الذين يبدو أنهم لم يعطوه شيئًا رغم بقائه يومين في “صنعاء”.
وحذر من أن “هناك حديثًا مبهمًا عن تنازل شكلي من الانقلابيين بعرض تسليم الميناء لوحده دون المدينة لوقف تقدم القوات المشتركة”.
وسيلقي الغموض، الذي رافق زيارة “غريفيث” المختصرة إلى “الحديدة”، بثقله على ردود الفعل بشأن المشاركة في المفاوضات المنتظرة في “السويد”، في غياب إلتزام واضح من المبعوث الأممي بالمرجعيات الثلاث التي تتمسك بها الحكومة المعترف بها دوليًا و”التحالف العربي” الداعم لها.
تدويل الأزمة أثر عليها سلبيًا..
من جانبه؛ شدد الخبير في الشؤون الإقليمية، “علي بن مسعود المعشني”، في تعليقه على هذا الموضوع، على أن تجاوب حكومة “صنعاء” مع طلب المبعوث الأممي، “غريفيث”، بتهيئة أجواء إيجابية لبدء الحوار، ساهم في تفعيل الحديث عن حل سياسي للأزمة اليمنية.
وأضاف أن: “تدويل الأزمة اليمنية كانت له أبعاد أكثر سلبية بفضل دخول من وصفها بالقوى المرئية وغير المرئية، والتي ساهمت في تعقيد الحل السياسي، وأطالت من أمد الحرب”.
ويحاول “غريفيث” أن يغلق منافذ الأعذار على “الحوثيين”؛ التي يستخدمونها كتكتيك لعدم حضور المشاورات، كما فعلوا أكثر من مرة، وهذا ما يفسر مضمون إحاطته الأخيرة لـ”مجلس الأمن”، والتي أشار فيها إلى أنه حريص على أن يرافقه إلى “السويد” الوفد “الحوثي” المفاوض كواحدة من محاولاته سدّ الذرائع أمامهم.