خاص : كتبت – هانم التمساح :
حتى وإن رحل “أبوبكر البغدادي”، لكن فكره العفن لايزال موجودًا في عقول كثيرين، فالأفكار لا يقتلها الرصاص.
تاريخ جماعات التطرف الديني كله يؤكد إنها جميعًا تنبثق من فكرًا واحد؛ وما إن تنتهي زعامة حركة تكفيرية، أو يظن البعض إنتهاء هذه الحركة أو تلك، حتى يخرج فلول الجماعة بتنظيم أقوى وأكثر شراسة ورغبة في الانتقام، وخير دليل على ذلك تنظيم (القاعدة)، الذي ولد من بعد مقتل “بن لادن” حركات أكثر دموية كـ (داعش) مثلًا..
وترد أنباء عن “مقتل” زعيم تنظيم (داعش) الإرهابي، “أبوبكر البغدادي”، في عملية للقوات الخاصة الأميركية. لكن هذه ليست المرة الأولى التي ترد فيها تقارير مشابهة. فهل تكون حقًا المرة الأخيرة ؟
ماذا بعد مقتل “البغدادي” ؟
لو أعدنا قراءة الماضي؛ سنجد أن الجماعات المتطرفة لا تنتهب بنهاية زعيمها، خاصة وأن “تنظيم الدولة الإيلامة”، كان له هيكل إداري وتسلسل وظيفي معروف وواضح؛ وهو ما يجعله أكثر تنظيمًا من غيره من التنظيمات.
الظروف التي تمر بها المنطقة العربية، من اضطرابات واستبداد وتدهور الظروف الاقتصادية، وحالة اليأس والإحباط والشعور بالظلم لدى الشباب؛ كلها أسباب تستدعي استمرار تلك الجماعات وتضخ دماء جديدة لها.. السؤال الأهم الآن، حتى أنه أكثر أهمية من تفاصيل العملية التي قُتل فيها زعيم تنظيم (داعش) الإرهابي في غارة جوية للجيش الأميركي شمال غربي “سوريا”، هو من سيُخلف “البغدادي” وما هو مستقبل (داعش) بعد “البغدادي” ؟
بإعلان مقتل “البغدادي”، يترقب الجميع من سيكون خليفته.. ويبدو أن “البغدادي” كان يستشعر الخطر على حياته، قبل مقتله، حتى أنه سبق ورشح خليفة له قبل شهرين من مقتله، فمن هو الخليفة القادم ؟
يلقب خليفة “البغدادي”، بـ”المدمر”، لشهرته بالقسوة والشدة في التعامل مع خصوم التنظيم، وفي آب/أغسطس الماضي، ذكر الإعلام المحسوب على تنظيم (داعش) أن “البغدادي” رشّح العراقي التُركماني، “عبدالله قرداش”، خليفةً له في قيادة التنظيم، الذي أعلن عودة الخلافة بعد سيطرته على أراضٍ عراقية وسورية، عام 2014.
من هو “أبوعمر قرادش” ؟
“الخليفة المرشح”؛ يكنى بـ”أبوعمر قرداش”، وهو من أصل تُركماني، كان ضابطًا سابقًا في الجيش العراقي إبان حكم الرئيس الراحل، “صدام حسين”، وهو ذو خبرة قيادية في التنظيمات المتطرفة بـ”العراق” و”سوريا” و”لبنان”.
وتقول مصادر مطلعة؛ إن “خليفة البغدادي”، الملقَّب بـ (المدمر)، كان معتقلاً في سجن “بوكا”، (بمحافظة البصرة)، وسبق أن شُغل منصب المفتي الشرعي العام لتنظيم (القاعدة)، وهو خريج كلية “الإمام الأعظم” في مدينة “الموصل”.
ووفق المصادر؛ فإن “قرداش” كان مقربًا من القيادي، “أبوعلاء العفري”، (نائب البغدادي والرجل الثاني في قيادة داعش، والذى قُتل عام 2016)، “وكان والده خطيبًا مفوّهًا وعقلانيًا”، كما أنه يتسم بالقسوة والتسلط والتشدد، وكان أول المستقبلين لـ”البغدادي”، إبان سقوط “الموصل”.
وتولى “أبوعمر قرداش”، منصب أمير “ديوان الأمن العام”، في “سوريا” و”العراق”، وهو أحد أقوى الدواوين داخل (داعش)، والمسؤول عن حماية القيادات والتخلص من أعداء التنظيم. كما أشرف في وقت سابق على “ديوان المظالم”، وهو ضمن الإدارات الخدمية التي أنشأها (داعش) خلال سيطرته على المدن. وتولى أيضًا منصب “وزير الدفاع” داخل التنظيم، وأشرف بنفسه على عمليات التفخيخ أثناء معارك التنظيم ضد “الجيش الحر”، بـ”سوريا”.
ورشحه “أبوبكر العراقي”، نائب “البغدادي” السابق، ليكون قائدًا لفرع التنظيم بـ”لبنان”، عقب تفكير التنظيم في إنشاء فرع هناك، لكن الفكرة أُلغيت في وقت لاحق. كان “أبوعمر قرداش”؛ أحد مرافقي “البغدادي” في الفيديو الأخير الذي بثه التنظيم بعنوان: “في ضيافة أمير المؤمنين”، في نيسان/أبريل 2019. كما تولى منصب “العسكري العام”، لما يُعرف بـ”ولاية الشام” سابقًا، وأشرف بنفسه على قيادة معارك التنظيم في “الرقة”، بحسب وثيقة سابقة نشرها عضو مكتب البحوث والإفتاء التابع لـ (داعش)، “أبومحمد الحسيني الهاشمي”.
وفي نهاية تموز/يوليو الماضي، قال رئيس “خلية الصقور”، التابعة لـ”الداخلية العراقية”، “أبوعلي البصري”، إن “البغدادي” موجود في “سوريا”، “وأجرى تغييرات لتعويض الإرهابيين الذين قُتلوا خلال السنوات الماضية”.
كما ذكر “البصري” أن “البغدادي” يعاني شللاً في أطرافه، بسبب إصابته بشظايا صاروخ في العمود الفقري، خلال عملية لـ”خلية الصقور” بالتنسيق مع القوات الجوية، في أثناء اجتماعه بمعاونيه في منطقة “هجين”، جنوب شرقي محافظة “دير الزور” السورية، قبل تحريرها عام 2018.
“البغدادي” تاريخ طويل من الإجرام..
و”أبوبكر البغدادي”؛ هو “إبراهيم عواد البدري السامرائي”، كان قائد تنظيم (القاعدة)، في “العراق”، حتى حزيران/يونيو 2014، عندما أعلن قيام دولة “الخلافة”، بعد أن تمكن مقاتلو تنظيمه من السيطرة على مساحات واسعة من “سوريا” و”العراق”، وإتخذ من مدينة “الموصل” العراقية عاصمة لدولته.
في أيلول/سبتمبر 2018، تمكن الجيش العراقي والقوات الرديفة له، المدعومة أميركيًا، من طرد التنظيم من “الموصل”، كما نجحت “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تدعمها “واشنطن” أيضًا، من طرده من المناطق السورية، حيث إنحصر في المناطق الحدودية مع “العراق”.
وتركز قيادة التنظيم في يد مجموعة “القرشيين”؛ يعود إلى نص مؤول ومأخوذ من كتاب (صحيح البخاري)، تحت عنوان: “باب الأمراء”، ما يشير إلى أن: «هذا الأمر في قريش لا ينازعهم أحد فيه إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين».
ويعتبر تنظيم (داعش)؛ أن هذا النص قاعدة أصولية تحدد ضوابط اختيار من يصفه بـ”أمير المؤمنين”، لذا يقصر “مجلس شورى التنظيم”، وهو المسؤول عن اختيار “الزعيم”، اختياراته على المجموعة القرشية داخله.
قليل الظهور.. قُتل مرات عديدة !
منذ تأسيس تنظيم (داعش)، في عام 2014، لم يظهر زعيم التنظيم، “أبوبكر البغدادي”، سوى مرتين. الأولى في فيديو مسجل عند إعلان تأسيس “خلافته”، والثانية في فيديو آخر بعد نحو شهر من إنتهاء “الخلافة”.
فآخر ظهور لـ”البغدادي” كان في شريط فيديو نُشر، في نهاية نيسان/أبريل الماضي، في أول ظهور له بعد ظهوره العلني، في تموز/يوليو 2014، أثناء الصلاة في جامع “النوري الكبير”، في غرب “الموصل”، حين أعلن “الخلافة”؛ وقُدم كـ”أمير المؤمنين” للخلافة المزعومة.
وخسر “أبوبكر البغدادي”، المدرج في رأس قائمة كبار المطلوبين في العالم، “دولة الخلافة”، التي أقامها لعدة سنوات، وبات يختبيء في “سوريا”، بحسب محللين.
وبعدما كان يتحكم، في وقت ما، بمصير سبعة ملايين شخص على إمتداد أراضٍ شاسعة في “سوريا”؛ وما يقارب ثلث مساحة “العراق”، لم يبق من التنظيم سوى مقاتلين مشتتين عاجزين بأنفسهم عن معرفة مكان وجوده. وسرت شائعات كثيرة لم يتم تأكيدها عن مقتل “الخليفة”، البالغ من العمر 48 عامًا، والذي رصدت “الولايات المتحدة” مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إليه.
ونجا “خليفة داعش” من هجمات جوية عدة؛ وأصيب مرة واحدة على الأقل، بحسب تقارير استخبارية، ومراقبون يؤكدون أيضًا على إصابته بمرض السكري.
وأعلنت الاستخبارات العراقية، في مطلع تموز/يوليو الماضي، مقتل نجل “البغدادي”، “حذيفة البدري”، في “سوريا” بثلاثة صواريخ موجهة روسية أصابت المغارة التي كان بداخلها. وقد أكدت وكالة (أعماق)، التابعة للتنظيم، وقتها، مقتله.
وأحدث عملية لاستهداف “البغدادي”، كشف عنها مسؤول عسكري أميركي، ليل السبت/الأحد، (27 تشرين أول/أكتوبر 2019)، لمجلة (نيوزويك) الأميركية، التي نقلت عن مسؤول بـ (البنتاغون)؛ أن قوات العمليات الخاصة نفذت العملية بعدما حصلت على معلومات استخبارات يُعتد بها. ولم ترد “وزارة الدفاع” الأميركية، (البنتاغون)، على طلب تعقيب. فيما يستعد الرئيس، “ترامب”، لبيان بشأن الموضوع.