خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
حرب الـ (12) يومًا بين “إيران” من جهة و”إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية” من جهة أخرى، تُمثّل منعطفًا في العلاقات المتوترة بين “طهران” والمحور “الغربي-العبري”. بحسّب ما استهل “رسول عبداللهيان”؛ خبير العلاقات الدولية، تحليله المنشور بصحيفة (الدبلوماسية الإيرانية).
تلك الحرب التي تسبّبت في خسائر اقتصادية وسياسية وعسكرية فادحة للطرفين، تُثبّت أن تكاليف أي صدام مباشر أكبر من المكاسب المحتملة. والسؤال الرئيس: هل من المتوقع تكرار سيناريو الحرب المباشرة مرة أخرى ؟
اختبار القدرات والتكاليف..
أحد الأسباب الرئيسة في احتمال اندلاع حرب مباشرة؛ اختبار القدرات في ميدان القتال. لقد تمكنت “إيران” من استعراض بعض قدارتها الدفاعية والهجومية. ورغم أن الخسائر الإسرائيلية لا تُذكر في ظل التعتيم الإخباري والإعلامي، لكن بالنظر إلى ضعف “تل أبيب” في امتلاك عمق استراتيجي، يُمكن الوقوف على حجم خسائرها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
في المقابل؛ أثبتت “إسرائيل” وكذلك “أميركا” امتلاكها القدرة على ضرب البُنية التحتية الإيرانية الحساسة. لكن النتائج لم تكن مرضية للطرفين، لأن استمرار الحرب من شأنه أن يوسع دائرة الصراع في المنطقة؛ بحيث يصعب على الطرفين إدارة هذا الصراع.
تعطيل المشروع النووي الإيراني..
باعتقاد الكثير من المحللين؛ عطلت الحرب قدرات “إيران” على الترميم أو التطوير المحتمل للبُنية التحتية النووية ذات الطبيعة العسكرية مدة عامين على الأقل.
لذلك لا توجد ذريعة ملحة ومقنعة بالنسبة للكيان الإسرائيلي و”الولايات المتحدة” للدخول في حرب من جديد، لأنه بدون تهديد قريب بشأن: “صنع قنبلة نووية” لا يبدو القبول بتكاليف الدخول في حرب واسعة النطاق خيارًا عقلانيًا.
انحسار نفوذ “إيران” الإقليمي..
تراجع مكانة “إيران” الإقليمية؛ كان أحد أبرز تداعيات حرب الـ (12) يومًا؛ حيث تأثرت الجماعات الإيرانية بالوكالة؛ والتي كانت تُمثّل الأداة الأساسية في تهديد أعداء “طهران” على مر السنوات.
فقد كان لها دور محوري في تعزيز نفوذ “إيران” في المنطقة، وقد تعرضت لضغوطٍ شديدة قبل وبعد الحرب، مما أدى إلى تقليص قدرتها على التأثير بشكلٍ كبير. هذا التراجع لم يُقلل فقط من قدرة “إيران” على الرد غير المباشر على التهديدات، بل سمح للغرب بتوسيّع هامش المناورة في تنفيذ السياسات التي يراها متوافقة مع مصالحه.
صعوبات إسقاط النظام الإيراني عبر الهجمات المباشرة..
رغم التفوق العسكري الكبير لـ”الولايات المتحدة” و”إسرائيل” في مجالات الجو والبحر، تبدو احتمالات الإطاحة الكاملة بالنظام الإيراني باستخدام هذه الأدوات العسكرية بعيدة المنال.
وقد أثبتت تجارب الحروب الأخيرة في “أفغانستان والعراق” أن الهجمات الجوية أو الصاروخية، رغم قدرتها على تحقيق ضربات أولية قاسية، لا تكفي لتغييّر النظام السياسي.
ولكن الأمر يتطلب تدخل القوات البرية واحتلال أراضٍ شاسعة، وهو أمر يعكس مخاطر وتكاليف هائلة يصعب على الغرب تحملها. وسوف تجعل “إيران”، بجغرافيتها الواسعة وكثافتها السكانية، وامتداد حدودها الطويلة، إضافة إلى خبرتها الواسعة في الحروب غير النظامية، من أي محاولة لإسقاط النظام في “إيران” مهمة محفوفة بالمخاطر.
الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية..
تتمتع “إيران” بموقع استراتيجي بالغ الأهمية في منطقة الشرق الأوسط، بحيث أن أي حرب طويلة الأمد قد تُهدّد أمن الطاقة العالمي، واستقرار أسواق النفط، كما يمكن أن تُعرقل التجارة العالمية.
كما أن التدخل المباشر لـ”الولايات المتحدة” في صراع جديد بالمنطقة، في وقتٍ يرفض فيه الرأي العام الأميركي انخراط بلاده في صراعات جديدة، سيكون له تكاليف سياسية باهظة على إدارة “واشنطن”.
التحديات السياسية الدولية..
شهدت السنوات الماضية؛ تحولًا معقدًا في معادلات السياسية الدولية. ورغم اعتقاد الرئيس الأميركي بقرب انتهاء الحرب في “أوكرانيا”، إلا أن المعطيات الميدانية أظهرت أن “روسيا” تمسك بزمام الأمور، وأن “الولايات المتحدة” ليست اللاعب الوحيد في تحديد نتائج هذا الصراع.
الحرب في “أوكرانيا” أحدثت تغييّرات جوهرية في موازين القوى الدولية، لتزداد قوة التكتلات السياسية في “أوروبا وأميركا” بشكلٍ ملحوظ.
من جانبٍ آخر؛ أصبحت مواجهة قوة “الصين” المتزايدة أمرًا حيويًا واستراتيجيًا بالنسبة لـ”الولايات المتحدة”. في هذا السيّاق، تبدو فكرة التورط في حربٍ مع “إيران”، التي لا يمكن التنبؤ بنهايتها، غير منطقية.
الاستنتاج..
بالنظر إلى الظروف الراهنة؛ فإن احتمال اندلاع حربٍ مباشرة جديدة بين “إيران” و”الولايات المتحدة وإسرائيل” في المدى القصير يبدو ضئيلًا. فالدروس المستفادة من تكاليف الحرب السابقة تدفع كلا الطرفين إلى تجنب الصراع المباشر، حيث لا توجد دوافع كافية لإشعال فتيل حرب جديدة. بدلًا من ذلك، يتوقع أن تستمر التوترات في إطار من الحروب السيبرانية، والضغوط الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية، والعمليات العسكرية المحدودة وغير المباشرة.
بعبارة أخرى؛ الحرب المباشرة غير مُرجّحة، لكن الحرب الباردة والصراع غير المباشر سيظل قائمًا.