7 أبريل، 2024 12:54 ص
Search
Close this search box.

رحلت في هدوء .. “سانحة أمين زكي” أول طبيبة عراقية في زمن النهضة

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – أحمد محروس :

رحلت عن عالمنا منذ أيام الطبيبة “سانحة أمين زكي”، بعدما تجاوزت عمر التسعين، وعاصرت عهد ازدهرت فيه جهود النساء وقدراتهن.

تأسيس أول حكومة فتح الباب للنساء..

كان لتأسيس الحكومة العراقية في سنة 1920 عميق الأثر على تقدم الحياة في العراق، حيث أدخلت مفاهيم جديدة تسعى لنهوض المجتمع وتطويره، حينما فتح المجال للنساء واسعاً لمشاركة الرجال في بناء المجتمع الجديد.

حدثت نهضة في المجتمع العراقي، كان من نتيجتها ظهور حركة نسوية، رغم أنها ارتبطت في ظهورها بالطبقة الارستقراطية، إلا أنها تعد تاريخاً يجب الفخر به، حيث ظهرت نماذج من النساء اللاتي تولين العمل في مهن كانت محظورة عليهن، وكان دخولهن مجال العمل في ذلك الوقت بمثابة انتصار وتحقق لهن.

عام 1923 أسس أول ناد نسائي وكان اسمه “نادي النهضة النسائية”، كان من أفراده السيدة “أسماء الزهاوي”، والآنسة “بولينا حسون”، السيدة “نعمة سلطان حمودة”، والآنسة “حسيبة جعفر”، وزوجات شخصيات معروفة مثل “نوري السعيد، وعبد الرحمن الحيدري، وجعفر العسكري”.

مع نوري السعيد

ظهرت في ذلك الوقت مطالبات بإعطاء المرأة حقوقها السياسية، كما ظهرت المنظمات النسائية الخيرية مثل “جمعية حماية الأطفال” و”جمعية البيت العربي” و”الهلال الأحمر” و”جمعية بيوت الأمة”.

اول فتاة مسلمة تلتحق بالطب..

كانت الدكتورة “آناستيان” أول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة، كانت أرمينية الأصل، وهي أول فتاة عراقية تلتحق بكلية الطب في بغداد حيث تخرجت منها عام 1939، أما الدكتورة “سانحة أمين زكي”، كانت أول فتاة مسلمة تلتحق بكلية الطب.

ولدت سانحة أمين زكي في سنة 1920 داخل بغداد، وهي تنحدر من أصول عربية وكردية وتركمانية، تزوج جدها “علي محمد أغا”، وهو من قبيلة دزئي الكردية والذي كان ضابطاً في الجيش العثماني ويسكن منطقة الفضل العريقة، من ابنة الحاج “حبيب العزي” ذو الأصول العربية وذلك في سنة 1884 حيث أنجبت له أربع أولاد وبنت واحدة، وكان والدها محمد أمين الأخ الأكبر بينهم، ولكن الولدان ماتا بوباء الكوليرا آنذاك وأصبح والدها المعيل الرئيس للعائلة، تخرج والدها بعد أن أكمل دراسته العسكرية في بغداد واسطنبول برتبة ضابط في الجيش العثماني، وتزوج من ابنة خالته في 1907 التي توفيت سريعاً في وباء التيفوئيد بمدينة كركوك، وتزوج مرة ثانية من فوزية خان والدة الدكتورة سانحة، وكانت ذات أصول تركمانية، وكان عمرها سبعة عشرة عاماً، وبعد تأسيس الحكومة العراقية أصبح والدها ضابط في الجيش العراقي، ثم موظف في وزارة المعارف، وأخيراً نائباً عن لواء بغداد وبعدها أحيل على التقاعد في سنة 1935.

دخلت سانحة المدرسة الابتدائية في عام 1924 وهي في عمر الرابعة داخل مدينة الموصل، حيث كانت أحداث انضمامها إلى تركيا لازالت قائمة، وبعد سنتين في عمر السادسة انتقلت سانحة إلى بغداد مع عائلتها، وسكنت منطقة الفضل، حيث إلتحقت بالمدرسة البارودية، وكانت تجيد القراءة الخلدونية وأرقام الحساب، بالرغم من حداثة عمرها، ثم إلتحقت بالجامعة في كلية الطب بناء على رغبة والدها، رغم ما كانت تريد لمستقبلها شخصياً أن تصبح كاتبة لكنها استجابت لرغبة والدها.

معاون صحي بالزي الديني !

تذكر سانحة زكي في معرض كتابها “مذكرات طبيبة عراقية”، أن قسم الآشعة كان أول محطة للتدريب وذلك مع الأستاذ “نورمان” البريطاني ويساعده كل من الدكتور “أحسان القيماقجي” و”سلمان درويش” ويعاونهم موظف صحي “السيد حسن، وهو يرتدي الزي الديني وتشمل الجبه السوداء وعلى رأسه الطربوش الأحمر ذات العمامة الخضراء، وبالرغم من ملابسه الشعبية ولكنه كان يتكلم الانكليزية بطلاقة وأحياناً يستخدم المصطلحات اللاتينية ويشرح للطلاب لوحات الآشعة وتشخيص المرض، لقد كان الأستاذ نورمان فخوراً بعمل السيد حسن دون أن يهتم بمظهره الخارجي”.

وتحكي عن أول راتب تقاضته، “حيث في نهاية الشهر الأول من السنة المنتهية استلمت ولأول مرة مرتباً قدره عشرة دنانير”. وبعد عودتها للبيت سلمت الراتب لوالدها احتراماً وتقديراً له ولكنه ردّ المبلغ إليها قائلاً “أنها لك يا أبنتي تصرفيها كما تشائين”. قامت بعدها بشراء هدايا مناسبة لأفراد عائلتها.

بعدها انتقلت إلى مستشفى العزل “الكرامة” في الكرخ والتي يديرها الدكتور “توفيق رشدي” وكان دوامها اثناءفترة الصباح ثم تعود مع زملائها إلى المستشفى الملكي لحضور الدروس السريرية والمحاضرات.

مع مجموعة من زملائها الاطباء

انتقلت “سانحة” بعدها إلى فرع “النسائية والتوليد” تحت أشراف الأستاذ “كروكشانك” الكندي الجنسية ويساعده كل من الدكتور “كمال السامرائي، فؤاد مراد الشيخ, أنور القيماقجي” والدكتورة “أنا ستيان”، وقد ذكرت بأن ثلاثة من المواليد قد سمي باسمها وأن كلمة دكتورة كانت غريبة على لسان الأمهات، كذلك حضرت العديد من العمليات الكبرى والصغرى وكانت مادة “السلفوناميد” تستعمل كمادة معقمة للالتهابات نظراً لعدم وجود المضادات الحيوية آنذاك.

استاذة الفارماكولوجي..

تخرجت في كلية الطب في بغداد عام  1943، لتصبح أستاذة مادة “الفارماكولوجي” وعلم الأدوية في كلية طب بغداد، وحصلت على شهادة الماجستير من جامعة لندن عام 1965، كما اصبحت شقيقتها الدكتورة الأستاذة “لمعان أمين زكي” اخصائية طب الأطفال في جامعة لندن منذ عام 1949.

رغم مسيرة حياة “د. سانحة” كطبيبة متفوقة في عملها، إلا أنها كانت كاتبة متميزة أيضاً، فقد أصدرت كتاب بعنوان: “مذكرات طبيبة عراقية” تجاوز في صفحاته 800 صفحة، تناولت فيها مذكراتها أثناء عملها كطبيبة.

ويعتبر كتاب “مذكرات طبيبة عراقية”، مصدر تاريخي هام سردت فيه الدكتورة سانحة كثير من الأحداث المحلية والعالمية، كما حكت عن عائلتها والتي تخصص أفراد منها في فروع الطب، “أختها الدكتورة لمعان أمين زكي وزوجها الأستاذ سالم الدملوجي وأبنتها الدكتورة شيرين أحسان رفعت”.

وفي نهاية سنة 1944 تزوجت من ابن خالها “أحسان رفعت”، والذي كان يعمل مهندس في شركة نفط العراق، وهو خريج جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الاميركية.

وبعد ذلك اشتركت في الوفد العراقي لاتحاد النساء العرب والذي انعقد في القاهرة، وتألف من ستة عضوات يمثلن الجمعيات النسائية العراقية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1946، قام المجلس الثقافي البريطاني بإرسال بعثات من الأطباء العراقيين، شملت كل من الدكتور “كاظم شبر، إبراهيم الحيالي، عبد الجبار العماري”.

غادرت العراق في 1946 برفقة زوجها والذي منح إجازة دراسية في نفس الوقت، وفي أول محطة لها في القاهرة ألتقت بزميلها الدكتور “محمود الجليلي”، وكان يتدرب هناك في أحدى المستشفيات قسم علاج البلهارسيا، وبعد مشاهدتها عملية نقل الدم المباشر بين شخص سليم، وأحد المرضى وهم متجاورين على الأسرة، أخبرت الدكتور الجليلي بأن طريقة نقل الدم في بغداد هي أكثر حداثة.

وقد انتابت الدكتورة سانحة مشاعر متباينة عند وصولها لندن، بين الدهشة والفرح والكره الدفين لما تمثله الامبراطورية البريطانية من إستعمار وإستغلال للعرب، وعند مراجعتهم المفوضية العراقية حصلوا على بطاقات التموين للملابس والأحذية والأكل حالهم كبقية أفراد الشعب البريطاني.

وخلال هذه الفترة كان الأستاذ “ستيسي” يقوم بإجازة في لندن، حيث ساعدها في الحصول على قبولها في مستشفى “همرسميث” المشهورة للتدريب والدراسة، “وكان الدوام يبدأ صباحاً بإلقاء المحاضرات النظرية من قبل أحسن الأساتذة وخاصة الزائرين منهم من مختلف الاختصاصات، ثم الدورة السريرية على المرضى في الردهات”، وأثناء تواجدها سمعت عن بدايات “جهاز غسل الكلية وقسطرة القلب”.

ألتقت بالعديد من الأطباء العراقيين في لندن من الجيل الجديد أمثال الدكتور “غانم عقراوي، وسالم الحيدري، وآمنة صبري”، بالإضافة إلى القدامى مثل الدكتور “مهدي فوزي، أحمد عزت القيسي، أكرم القيماقجي” ولاسيما الدكتور “كاظم شبر”، الدكتور “إبراهيم أسعد” والدكتور “عبد الجبار العماري” و”سامي حنا خياط” وزوجته “روز اللوس”.

تجارب على دواء لداء “الربو”..

في السنة التالية 1947/1948 وافقت “لجنة فرع الفارماكولوجي” في كلية الطب التابعة لمستشفى “ميدلسكس” على تدريبها وتحت أشراف أستاذ علم العقاقير والتداوي، حيث قامت مع زملائها بإجراء تجارب على الحيوانات ولاسيما القطط للبحث عن علاج جديد لداء “الربو”.

وخلال شهر تموز/يوليو 1947 حضرت الاجتماع الدولي، ممثلاً عن العراق والذي أقيم في مدينة زوريخ السويسرية، حول الأمور الصحية والاهتمام بالمدن الجديدة بعد الحرب العالمية، وبعد عودتها إلى لندن ألتقت مع أختها الدكتورة “لمعان أمين زكي” والتي كانت تتدرب في مستشفى “كريت أورموند ستريت”، وهي أكبر مستشفى تعليمي للأطفال في بريطانيا.

وبعد حوالي سنتين من التدريب والدراسة في لندن، عادت مع زوجها أحسان رفعت إلى بغداد، لتلتحق في 1949 بقسم الأدوية والعقاقير في الكلية الطبية، وباشرت تدريس مادة “الفارماكولوجي” في كليات الصيدلة، والتمريض وطب الأسنان في كلية البنات، بالإضافة إلى التدريس السريري لطلبة الصف الثالث في الكلية الطبية.

وقد أوفدت في سنة 1951 إلى الولايات المتحدة الأميركية للاطلاع على أحدث المراكز الطبية وأخر التطورات الطبية هناك، وقامت بزيارة جامعة هوارد ومايو كلينك وجامعة يوتا وسان فرنسيسكو، وبعد أربعة أشهر عادت إلى بغداد.

خلال تلك المرحلة افتتحت عيادة طبية في شارع الرشيد قرب جامع مرجان، ثم انتقلت إلى منطقة رأس القرية، وفي فترة الخمسينيات تدرجت في المراكز التدريسية، وفي سنة 1960 حازت على لقب الأستاذية في الكلية الطبية، وفي نفس الوقت أصبحت رئيسة قسم الفارماكولوجي في الكلية، وفي فترة رئاستها نشرت عدد من البحوث الطبية وأصدرت ثلاث كتب هي: “علاج الأمراض بالعقاقير” 1965، “إدمان المخدرات” 1966، و”مضادات الميكروبات” 1966.

مغادرة بغداد إلى بريطانيا..

غادرت العراق إلى بريطانيا في سنة 1972، وعملت مع الدكتور “لمرنس” في حقل انفصام الشخصية، وعينت في مستشفى “فرين مارينت” مع الأستاذ “يوركستن”، واستمرت في العمل حتى سنة 1980.

في سنة 1984 انتقلت إلى المملكة السعودية، حيث تم تعيينها أخصائية في “الأمراض النفسية” بمستشفى الملك فهد في جدة، وتركت العمل في 1990 عند حدوث أزمة الكويت.

كانت الدكتورة سانحة طبيبة متفتحة فكرياً، ولم يقتصر نشاطها على الطب فقط، لقد كانت عضواً في العديد من الجمعيات العراقية، مثل: “الجمعية الطبية العراقية”، “الهلال الأحمر”، “جمعية رمزي للأطفال المعاقين”، “جمعية الكتاب والمؤلفين”، و”جمعية الفارماكولوجي البريطانية”. وجدير بالذكر أن كل تلك المعلومات عن حياتها مستقاة من مذكراتها، التي أصدرتها دار الحكمة بلندن بعنوان “ذكريات طبيبة عراقية”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب