دعت منظمة هيومن رايتس ووتش البرلمان العراقي الى رفض مشروع قانون اقترحه مجلس الوزراء يسمح لوزير العدل بالمصادقة على قرارات تنفيذ احكام الاعدام بدلاً من رئيس الجمهورية واشارت الى ان القضاء العراقي ضعيف ومبتلى بالفساد وطالبت السلطات العراقية بتقييد عقوبة الإعدام ثم إلغائها وليس تسهيل تنفيذها مشددة عليها بضرورة منح الأولوية لتقوية نظام العدالة في العراق بدلاً من إرسال المزيد من الأشخاص إلى المشنقة .
واوضحت المنظمة الدولية المهتمة بحقوق الانسان في تقرير الاثنين اطلعت على نصه “أيلاف” ان وزير العدل العراقي حيدر الزاملي قال منتصف الشهر الحالي إن الوضع الأمني الاستثنائي في العراق يتطلب تنفيذ عقوبة الإعدام على نحو أسرع .. ولكنها حذرت من أن الإجراءات الجنائية في المحاكم العراقية، بما فيها قضايا الإعدام، تقصر دون المعايير الدولية للمحاكمات العادلة. واشارت الى انه قد تكرر قبول القضاة لاعترافات تم الإدلاء بها بالإكراه على ما يبدو بدون تحقيق، كما لم يسمحوا للمتهم بالحصول على مستشار قانوني مؤهل. ومن شأن التعديل المقترح لقانون أصول المحاكمات الجزائية أن يضيف إلى بواعث القلق المتعلقة بكيفية تعامل العراق مع تلك القضايا.
تعريض مزيد من الارواح البريئة للخطر
وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “إن تعجيل تنفيذ الإعدام بالتقليص الإضافي لما لدى المتهمين من ضمانات سيعرض المزيد من الأرواح البريئة للخطر وعلى العراق أن يحارب العنف الذي يرتكبه متمردو تنظيم الدولة الإسلامية بمحاكمات نزيهة وشفافة توفر العدالة، وليس بتشهيل الإعدام استناداً إلى اعترافات يشوبها التعذيب”.
واضات هيومان رايتس ووتش ان التعديل المقترح، الذي أقره مجلس الوزراء العراقي في 16 من الشهر الحالي ينص على الاستغناء عن تصديق الرئيس على عمليات الإعدام ويمكن لوزير العدل بدلاً منه أن يصدق على الأحكام إذا لم يبادر الرئيس، خلال 30 يوماً من صدور حكم بات من محكمة التميي إلى التصديق على الحكم أو إصدار قرار باستعمال الرأفة أو العفو، أو تخفيف الحكم.
وقالت المنظمة ان نظام العدالة الجنائية في العراق يثير الكثير من الإشكاليات، وبخاصة قانون مكافحة الإرهاب، إذ يفرض القانون الصادر في عام 2005 عقوبة الإعدام في أفعال غامضة الصياغة وغير مميتة بالضرورة، من قبيل “التهديدات التي تهدف إلى نشر الخوف وسط الناس”.. كما يحظر دستور العراق استعمال الرأفة أو العفو في قضايا الإرهاب، في مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تمنح المحكوم عليه بالإعدام الحق في طلب الرأفة أو العفو أو تخفيف العقوبة في أي وقت.
وقد قام العراق في عام 2013 بإعدام 177 شخصاً، وهو العدد الأعلى منذ تعليق إدارة الاحتلال الأميركي تنفيذ الإعدام في هذا البلد في منتصف عام 2004. وفي عام 2014 ظل العراق رابع بلدان العالم في عدد عمليات الإعدام بعد الصين وإيران والسعودية وفي منتصف تموز ( يوليو) عام 2014 أنشأ العراق موقعاً ثانياً للإعدام في سجن الناصرية، إضافة إلى الموقع القائم في سجن بغداد مشدد الحراسة.
أحكام جديدة بالاعدام
واضافت انه في قضية حديثة حكمت محكمة الجنايات بالناصرية في 30 نيسان (ابريل) الماضي على محمد مديني، التونسي، بالإعدام في تهم تتعلق بالإرهاب. وقالت صالحة، والدة مديني، لـ هيومن رايتس ووتش إن الإدانة استندت إلى اعتراف تم التحصل عليه من ابنها تحت التعذيب في عام 2008، لكن السجل الطبي للأيام الثلاثة التي قضاها في المستشفى نتيجة الانتهاكات “اختفى من ملف قضيته”. أما حنان الراوي، المحامية العراقية التي كانت تشارك في الدفاع في قضية منفصلة بنفس المحكمة يوم 30 نيسان فقد أكدت أن مديني لم يكن معه محام أثناء الإدانة والنطق بالحكم.
واوضحت انه كان من بين القضايا اللافتة حكم محكمة الجنايات المركزية ببغداد على رشا الحسيني سكرتيرة نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي، بالإعدام في تهم تتعلق بالإرهاب في 22 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي وقد بدا أن حكم المحكمة يستند بالكامل إلى اعترافات الحسيني رغم ادعاء محاميها بأن قوات الأمن عذبتها نفسياً وبدنياً.
وفي 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حكمت المحكمة نفسها على أحمد العلواني، عضو البرلمان السابق، بالإعدام في تهمة بالقتل. وقال أقارب العلواني لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا عليه قبل محاكمته آثاراً ناجمة عن التعذيب إلا أن القاضي أسقطها من الحسبان على ما يبدو.
السلطات العراقية تعد بالحد من التعذيب
وفي رد العراق على استعراضه الأخير في 2010 أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وافق العراق على “زيادة جهوده للقضاء على التعذيب” و”عدم الاعتداد بالاعترافات المنتزعة تحت التعذيب أو المعاملة السيئة” لكن تقريراً مشتركاً صدر في 15 شباط (فبراير ) الماضي من بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق (يونامي) ومكتب الأمم المتحدة للمفوض السامي لحقوق الإنسان، بشأن ردود أفعال القضاء على مزاعم التعذيب، وجد أن “قاضي المحاكمة أخفق في جميع القضايا في الأمر بأي تحقيق في مزاعم التعذيب، ولم يوجه للمتهم أية أسئلة إضافية عن المسألة”.
واكدت هيومان رايتس ووتش ان تلك النتائج مع تحقيق أجرته في عام 2014 عن معاملة المرأة من جانب سلطات الأمن والقضاء العراقية وقد خلص التحقيق إلى أن القضاء العراقي الضعيف، المبتلى بالفساد، كثيراً ما يستند في الإدانة إلى اعترافات منتزعة بالإكراه، وإلى أن إجراءات المحاكمة تقصر كثيراً دون المعايير الدولية.
كما بث العراق على التلفاز “اعترافات” أشخاص زعم أنهم اعتقلوا بتهم تتعلق بالإرهاب، قبل بدء المحاكمة وتعمل تلك الاعترافات على تقويض المبدأ الذي يقضي ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته.
وفي تقرير لها في تشرين الأول (اكتوبر) عام 2014 عن عقوبة الإعدام في العراق فقد لاحظت يونامي، إضافة إلى الإخفاق في التحقيق في مزاعم التعذيب المرتبطة باعترافات تمثل الدليل الوحيد على التهمة، أن: الأشخاص المتهمين بجرائم خطيرة تحمل عقوبة الإعدام كثيراً ما لا يكون معهم محامون يمثلونهم إلا عندما تعين المحاكمة محامياً ينوب عنهم، وعادة ما يكون هذا في يوم المحاكمة وبدون مهلة معقولة تمنحها المحكمة لإعداد الدفاع. وقد لاحظت يونامي أن محامي الدفاع المعينين من المحكمة نادراً ما يتدخلون أثناء المحاكمة ـ وكثيراً ما يكون تدخلهم الوحيد في شكل مناشدة للرأفة بعد الإدانة وأثناء إجراءات النطق بالحكم أمام المحكمة.
عقوبة الاعدام تفرض على 48 جريمة
ويفرض القانون العراقي عقوبة الإعدام في 48 جريمة، من بينها الإتجار في البشر وعدة جرائم تبعد كثيراً عن المعيار العالمي الذي يقصر عقوبة الإعدام في البلدان التي تبقي عليها على “أخطر الجرائم”. وقد قامت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتفسير هذا على أنه لا يشمل سوى الجرائم المنطوية على القتل العمد.
ولا تنشر وزارة العدل معلومات تفصيلية عن عقوبة الإعدام، بما في ذلك أية إحصائيات عن الجرائم التي تطبق فيها، إلا أن تقرير الأمم المتحدة لاحظ أن عدد ضحايا الجرائم العنيفة تزايد فعلياً مع تزايد عمليات الإعدام.
وتؤكد هيومن رايتس ووتش معارضتها لعقوبة الإعدام في جميع البلدان والظروف “لأن الكرامة المتأصلة في الشخص لا تتفق مع عقوبة الإعدام، إذ تنفرد هذه العقوبة بقسوتها ونهائيتها، كما أنها مبتلاة حتماً وفي كل مكان بالتعسف والتحيز والخطأ” كما تقول.
ويشترط القانون الدولي لحقوق الإنسان أنه حيثما لم يتم إلغاء عقوبة الإعدام فإنه يجب ألا تفرض إلا في أخطر الجرائم وبعد تقيد صارم بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بما فيها حق المتهم في محام كفء للدفاع، وافتراض براءته لحين ثبوت الذنب عليه، وعدم إجباره على الاعتراف بالذنب.
دعوة لوقف فوري لعمليات الاعدام
ودعت منظمة هيومان رايتس ووتش الحكومة العراقية لان تفرض وقفاً فورياً لتنفيذ أحكام الإعدام العالقة جميعها وأن تصدر حظراً عاماً ودائماً لأي استخدام لعقوبة الإعدام، أو أن تلغيها بالتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .. كما طالبتها بتحقيق مدقق ومحايد في أحكام الإعدام الصادرة على مدار العامين الماضيين.
وفي ختام التقرير قالت سارة ليا ويتسن ان “على العراق التحرك لتقييد عقوبة الإعدام ثم إلغائها وليس لتسهيل فرضها كما يجب على حكومة العراق منح الأولوية لتقوية نظام العدالة فيه بدلاً من إرسال المزيد من الأشخاص إلى المشنقة”.
وكان مجلس الوزراء وافق في 16 من الشهر الحالي على قرار ينص على امكانية تنفيذ احكام الاعدام من قبل وزير العدل اذا لم يوقع عليها الرئيس خلال مدة 30 يوماً من صدور حكم الادانة النهائي للمصادقة على العقوبة أو اصدار عفو أو ترحم أو تعديل الحكم .
ويشهد العراق منذ ايام جدلا سياسيا حادا م بين مكونات عراقية ورئاسة الجمهورية حول اتهام الرئيس معصوم بعدم تنفيذ احكام الاعدام بحق 7 الاف اراهبي ردت الرئاسة عليه بالقول انهم 160 محكوما ارهابيا بالاعدام فقط .
وقال النائب عدنان الاسدي عن كتلة دولة القانون بزعامة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي ان الرئيس فؤاد معصوم يمتنع عن المصادقة على قرارات اعدام 7000 ارهابي . ودعا رئاسة الجمهورية والبرلمان الى تخويل المالكي المصادقة على احكام الاعدام لاكثر من7000 ارهابي صدرت بحقهم قرارات الحكم بالاعدام بسبب امتناع معصوم عن المصادقة على قرار اعدامهم.
لكن المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية خالد شواني نفى ان يكون الرئيس معصوم ممتنعا عن المصادقة على احكام الاعدام واصدار مراسيمها الخاصة موضحا ان عدد المحكومين بالاعدام بتهم ارهابية هو 160 فقط وليس 7 الاف داعيا النواب والسياسيين الى توخي الدقة في تصريحاتهم.
وكان الرئيس العراقي فؤاد معصوم قد أكد في 23 شباط (فبراير) عام 2015 عدم امتناعه عن المصادقة على أحكام الإعدام .. واشار الى انه متردد في التصديق على 500 حكم اعدام تنتظر تصديق رئاسة الجمهورية لوجود اعتراضات وطعون سياسية وجنائية فيها .. داعيا الى مراجعة بعض هذه الاحكام لوجود شك في الاجراءات المتعلقة بالاعترافات والادلة.