خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في ضوء الإلتهاب المستمر في منطقة “مضيق هرمز” بين “إيران” و”بريطانيا”، قدمت “روسيا” رؤيتها لـ”الأمم المتحدة” فيما يخص الأمن الجماعي لمنطقة الخليج، حسب تصريح “فلاديمير سافرونكوف”، نائب المندوب الروسي الدائم في الجمعية العامة للمنظمة الدولية.
وقال “سافرونكوف” بأن البعثة الروسية وزعت على أعضاء “الجمعية العامة” و”مجلس الأمن الدولي” الرؤية الروسية، بصفتها وثيقة رسمية.
وتمنع رؤية الأمن الجماعي التي اقترحتها “وزارة الخارجية الروسية”، “الولايات المتحدة”، من إنشاء كتل عسكرية لإضعاف “إيران”، وتهدف إلى استقرار الوضع ليس فقط في منطقة الخليج، ولكن في جميع أنحاء الشرق الأوسط أيضًا.
وكان وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، قد أكد مؤخرًا أن “الولايات المتحدة” تنشيء تحالفًا أمنيًا في منطقة الخليج، ستشارك فيه بلدان من جميع أنحاء العالم.
وجاء التعليق الروسي، على تصريح “بومبيو”، على لسان نائب وزير الخارجية، “ميخائيل بوغدانوف”، بأن “الولايات المتحدة” لم تتصل بـ”روسيا” بشأن هذا التحالف، وقال “بوغدانوف” للصحافيين: “لم يقدم أحد أي شيء لنا، بل فقط بعض التصريحات، عادة ما يتواصلون ويشرحون ما يريدون، ويقدمون بعض الأفكار. نقدم مفهومنا للأمن الجماعي للخليج، اليوم نقدمه مرة أخرى”.
ما هي الرؤية الروسية ؟
قدمت “وزارة الخارجية الروسية”، في 23 تموز/يوليو 2019، مفهومها الخاص، والغرض منه تشجيع إنشاء آلية تعاون في المنطقة، تقوم على مباديء رئيسة كالتعددية والتقيد الصارم بالقانون الدولي، خاصة “ميثاق الأمم المتحدة” وقرارات “مجلس الأمن”.
وتحدث نائب رئيس لجنة الدوما للدفاع، “يوري شفيتكين”، عن خطة عمل مثالية للرؤية الروسية المتمثلة في إنشاء نظام أمن جماعي في المنطقة، ويقول: “الخطوة الأولى هي إنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب، من المفترض أنه سيشمل: روسيا والولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول الخليج والهند والصين ودول أخرى مهتمة”.
مضيفًا أنه من المخطط أيضًا إجراء عمليات لحفظ السلام في إطار قرارات “مجلس الأمن الدولي”، وأن تبدأ معالجة ليس فقط مشاكل الخليج، ولكن أيضًا الصراع “العربي-الإسرائيلي”، والصراعات في “سوريا” و”اليمن” وغيرها.
ويوضح أنه من الضروري مناقشة الوضع الحالي والخروج منه، وأعني تورط تلك الدول التي لها مصالح معينة في منطقة الخليج، مع التقيد الصارم بمعايير “القانون الدولي”.
دعم صيني للرؤية..
من جهتها، أعلنت “الصين” عن دعمها للرؤية الروسية، حيث صرح ممثل وزارة الخارجية الصينية، “هوا تشونين”، أن “الصين” ترحب بمفهوم الأمن الجماعي في منطقة الخليج. وحول هذا يعتقد نائب رئيس لجنة الدوما الروسية للدفاع أن مزيدًا من الدول ستدعم هذه الرؤية في المستقبل القريب، ويقول: “أظن أن دول الـ (بريكس) ستدعم المفهوم الروسي، وقد نظرت الصين بالفعل إلى ذلك بشكل إيجابي، وأعتقد أنه من الجنون ببساطة رفض المفهوم الذي اقترحته روسيا”.
تعليقًا على الخطوة الروسية، يرى خبراء أميركيون أن الوضع في منطقة الخليج تطور لحد كاف لأن تقدم “روسيا” مبادرة خاصة بالأمن في المنطقة، ويشيرون إلى أن هذه المبادرة تستحق المناقشة.
موسكو على موجة النجاح..
وقال خبير “صندوق غيمستاون” لشؤون روسيا والشرق الأوسط، “ثيودور كاراسيك”، في حديثه لوكالة (نوفوستي) الروسية: “إن الأساس لهذه الخطوة الروسية جاهز، إذ أن روسيا تلعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة، وهذا هو الأمر العادي وغير الجديد. وتفتح سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأخرى لتغيير عمل هيكل الأمن في المنطقة بابًا أمام مثل هذه الاقتراحات الروسية. وسيلعب الدور الرئيس هنا المثلث بين الولايات المتحدة والخليج (العربي) وموسكو، حيث يتغير المزاج في إتجاه موسكو، وذلك بالرغم من بعض التحفظات”.
وأضاف أن اقتراحات مماثلة كانت مطروحة سابقًا، مشيرًا إلى أن دور “روسيا” في المنطقة تغير عما كان عليه منذ ما بين 10 و15 عامًا.
وتابع: “الذي تغير هو معاملة العرب لموسكو وآلات التأثير التي تملكها روسيا حاليًا في المنطقة وخارجها بفضل سوريا وانتشار حسن النوايا الروسية في المنطقة”.
ولفت إلى قضية النزاع المستمر في “اليمن” التي يمكن أن تصبح، برأي الخبير، جزء من الهيكل الجديد للأمن، مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيم المحتمل لهذا البلد.
وأوضح: “إن موسكو على موجة النجاح. وتعاون (مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل) بوغدانوف مع الحوثيين والقوى اليمنية الأخرى يعد جزء من الموقف الروسي المشترك من شبه الجزيرة العربية والمطالب المطروحة لـ (الأمن الجماعي)”.
وأضاف أن على “موسكو”، حال امتلاكها النفوذ الكافي على “الحوثيين”، أن تؤثر عليهم من أجل وقف هجمات الطائرات المُسيرة على “السعودية”.
وقال: “والأكثر من ذلك؛ فإن اللقاء المقبل حول مسائل الأمن في الخليج الذي دعمته موسكو؛ وكذلك منتدى (روسيا-إفريقيا)، الذي سيعقد في تشرين أول/أكتوبر القادم، يجب أن يصبحا جزء من الموقف الاستراتيجي والتكتيكي لروسيا من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. والزيارة المقبلة (للرئيس الروسي فلاديمير) بوتين إلى المنطقة، (وخاصة إلى السعودية في أيلول/سبتمبر القادم)، ستحدد البوصلة للمستقبل القريب”.
قد يكون اقتراحًا مفيدًا..
من جانبه يرى الباحث من معهد “بروكينغ” الأميركي، “مايكل أو هينلون”، أن مناقشة الاقتراحات التي قدمتها “روسيا” قد تكون مفيدة.
وقال: “إنني أدعم مثل هذا الحوار، غير أن المحاولة (المخفية قليلًا) لطرد القوات الأميركية من المنطقة قبل الأوان ليس لها برأيي أي معنى. لكن من الجائز مناقشة هاتين الفكرتين بشكل متتابع، لذلك من الممكن أن يكون الحوار مفيدًا حقًا”.
صعبة التحقيق..
فيما يرى المحلل السياسي السعودي، “سعد بن عمر”، أن المبادرة صعبة التحقق، ويقول: نعم “روسيا” حاولت أن تقدم رؤيتها، ولكن في رأيي الشخصي هي تعطي لإيران اليد الطولى في الخليج، وهذا منافي لما يطمح له المجتمع الدولي من أمن وأمان للملاحة الدولية في جميع المنافذ البحرية.
ويضيف: “لذلك أعتقد أنه يجب إعادة هذه الرؤية بالتعاون مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وكذلك الدول المتضررة من إعاقة الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب”.
تفاهمات وتنسيق عسكري..
أما الدكتور “عمرو الديب”، المحاضر في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في جامعة “نيغني نوفغورد” الروسية، فيقول أن الرؤية الروسية ستكون تفاهمات وتنسيق عسكري جوي وبحري للقوات الكثيرة في منطقة الخليج، وهناك علاقات وثيقة “روسية-إيرانية”.
ويضيف أن قائد القوات البحرية الإيرانية كان في “سان بطرسبوغ”، منذ يومان، للمشاركة في الاحتفال بيوم الأسطول البحري الروسي، وجرت مباحثات بينه وبين القيادة الروسية هناك، وهناك رغبة روسية في تخفيف وطئة الأمور في الخليج، لأن مسائل الإستيلاء على النواقل النفطية أمر في غاية الخطورة، خصوصًا أن الناقلات تتبع دول عظمى، وهذا أمر يمكن أن يؤدي إلى انفجار الأمور مع الوقت، وأن يشعل الوضع هناك.
من سيستجيب ؟
ويرى أن هناك عدة دول ستسير مع الرؤية الروسية، ويستطرد: “الأهم من سيستمع إلى هذه الرؤية؛ وهل يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الاستماع إليها، فالأمور في منطقة الشرق الأوسط مشتعلة، وآخرها احتجاز ناقلة النفط، ومناورات عسكرية دائمة هناك، بالإضافة إلى القوات البريطانية التي يمكن أن تصل قريبًا، لذلك يجب أن يكون هناك استماع لصوت العقل”.
ويضيف “الديب”: “أقرب دولتين للموقف الروسي، هما فرنسا وألمانيا، ولكن للأسف الشديد هاتين الدولتين لا يمتلكان الكثير في منطقة الشرق الأوسط، وليس لهما قوة التأثير الإنكليزي أو الأميركي هناك، ربما قد يستطيعان التأثير على الموقف الأميركي والذي يمكن اعتباره متعقلًا بعض الشيء”.
أميركا ستكون ضد الرؤية الروسية..
ويشير “الديب”، حول ما يخص العراقيل الأميركية، إلى أن الموقف الأميركي متعقل بعض الشيء فيما يخص “إيران”، ولكنها ستكون ضد الرؤية الروسية حتى لو كانت في صالحها، وهي لن تسمح بلعب دور روسي في منطقة الخليج، ويكفي لـ”روسيا” دورها الذي تلعبه في “سوريا” و”أوكرانيا” و”ليبيا” و”بحر البلطيق” و”القطب الشمالي”.
ويختم “الديب” قوله: لن تكون “الولايات المتحدة” موافقة على أي تصور روسي فيما يخص هذا الأمر، لأنها لا تريد رؤية أي دور روسي جديد، وخصوصًا في منطقة الخليج.