كتب – محمد بناية :
نشرت “حركة حماس” مؤخراً بياناً لفت انتباه المراقبين للشأن الفلسطيني. وقد اعتمد البيان على 42 بند تؤكد جميعها على حق العودة ومناهضة الاحتلال بكل الطرق، لكنه يقبل للمرة الأولى “إقامة دولة فلسطينية انتقالية على حدود 1967″، بينما تعترف “حركة فتح” رسمياً بالضفة الغربية وغزة.
وألمح “عباس پرورده” – الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط، عبر مقاله التحليلي الذي نشرته صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية، خلو البيان تماماً من أي إشارة صريحة للقضاء على الكيان الإسرائيلي واعترافاً ضمنياً بدولة إسرائيل، الأمر الذي دفع عدد من وسائل الإعلام للقول: “إن حماس تخلت عن فكرة القضاء على إسرائيل”.
سخاء في العطاء بدون مفاوضات..
كان “خالد مشعل” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قد أعلن البيان الأخير من الدوحة، وأكد على أن البيان الذي استغرق اعداده عامين يحظى بقبول كافة الحركات في الداخل والخارج.
ويقول “عباس پرورده”، في مقالة بعنوان “سخاء حماس مع تل أبيب” والمنشور بصحيفة الدبلوماسية الإيرانية: “بغض النظر عن كون حماس حركة المقاومة الفسلطينية الأساسية وكونها مازالت تضغط على مسألة النضال ضد الاحتلال، لكن لم تجدي هذه البيانات حتى الآن (من المنظور الدبلوماسي) في تحقيق أي انجاز للفلسطينيين. بينما قدم البيان امتيازات مهمة لإسرائيل دون حتى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وفي حال استطاعت حماس فسوف تستخدم ورقة التخلي نسبياً عن فكرة القضاء على إسرائيل، كأداة للمباحثات مع المسؤولين الإسرائيلين. وعلل خالد مشعل صدور البيان في لقاء مع فضائية الــ”بي. بي. سي” برغبته في أنه يريد إيصال صوته إلى العالم بشكل مباشر وليس عبر صوت إسرائيل، إلا أن التجربة أثتبت اعتماد الفلسطينين تدريجياً آلية السلام غير المجدي بسبب انعدام الثقة في النفس العربية، وسعيهم المستمر للفت انتباه المنظمات الدولية والرأي العام العالمي لحل قضية فلسطين عبر سياسة “خطوة للخلف واثنتان للإمام” تلك السياسية التي زادت من حرص إسرائيل وطرح مطالب جديدة”.
واستطرد برورده: “الدليل على هذا الكلام أنه لم تكد تمر ساعات على إعلان بيان حماس، حتى أعلنت إسرائيل بلهجة باردة رفضها تغيير شكل حماس ما لم تتخلى عن السلاح والمقاومة. بل إن “بي. بي. سي” نقلت عن مسئؤولين إسرائيليين قولهم إن حماس تستهدف خداع العالم. من ذلك تصريح “ديفيد كيز” متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن حماس تسعى إلى تخفيف الضغط الدولي. لكن الجدير بالاهتمام حول البيان.. أولاً: دوافع حماس لاتخاذ هكذا خطوة. وثانياً: آفاق هذا البيان بالنسبة للقضية الفلسطينية. ويبدو أن قادة حماس وقعوا في هذا البيان كسائر الفصائل الفلسطينية تحت تأثير الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية، لا سيما في ظل الأجواء الإقليمية السيئة. من ناحية أخرى فاستمرار الخلاف بين فتح وحماس لقرابة عقد من الزمن، دفع حماس إلى ترجيح فكرة تقريب وجهات النظر مع فتح، وإيجاد مخرج لأزمة الخلافات مع “محمود عباس” وتهيئة البيئة الدولية المناسبة لبدء مفاوضات السلام مع إسرائيل تعتمد مبدأ تأسيس دولة فلسطينية مستقلة”.
بصمات القاهرة على بيان حماس..
يضيف عباس پرورده: “يجدر الانتباه إلى استشعار حماس الفشل السياسي، بعد أربع سنوات من أفول نجم الإخوان المسلمين في مصر. والآن تنظر القيادات المصرية إلى حماس باعتبارها تهديد أقرب. ولعل زيارة وفد حماس للقاهرة نهاية كانون ثان/يناير الماضي، كان ذا أثر على صدور هذا البيان. حيث إلتقى الوفد الفلسطيني عدداً من القيادات المصرية مثل “خالد فوزي” رئيس المخابرات المصرية، وتناول اللقاء الحديث عن موضوعات مثل ملف السلام الوطني في فلسطين وأوضاع قطاع غزة في ظل الحصار، ثم أعربت حماس عن أملها أن يكون لهذه المباحثات نتائج إيجابية للشعبين المصري والفلسطيني خاصة السكان في قطاع غزة. ويبدو أن حماس أعلنت انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين في خطوة بدا أنها تسترضي القاهرة”.
واختتم الخبير في شؤون الشرق الأوسط بقوله: “يعتقد المراقبون أن بيان حماس السياسي الأخير هو نتاج مباحثات مطولة بين حركتي فتح وحماس للوصول إلى السلام القومي برعاية بعض الدول العربية على شاكلة مصر وقطر، ومن الطبيعي أن يخرج البيان في إطار التقارب مع فتح وليس تماهي فتح مع المقاومة. ورغم أنه لا يمكن تقديم تقييم دقيق لأصداء البيان المستقبلية، لكنه يقدم منعطفاً في سياسات حماس، ولكن كما أسلفنا أن أول نتيجة تتبادر للذهن هي ان التوقيت لم يكن مناسباً، حيث نجحت قيادات حماس – وإن اظهروا استقلالية قرار تغيير المواقف – في الاستفادة من البيان كورقة للحصول على عدد من الامتيازات في المفاوضات الدبلوماسية، وأنهم غضوا الطرف عن المطالب الفسليطينة بهذا السخاء الذي لا يقابله أي إلتزام. ويمكن تتبع نتائج الأخطاء الدبلوماسية خلال السنوات الماضية في انعدام التنسيق بين قيادات حماس مع دول المنطقة”.