خاص : ترجمة – لميس السيد :
تحقيق استمر لمدة عامين، أوردته مجلة (ذا أتلانتيك) الأميركية، عن تفاصيل تطرف أحد الأميركيين في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي وترقيه لأكبر المناصب القيادية داخل التنظيم، فكيف كانت رحلة صعوده وما هي قصته وكيف تكون الديناميات التي تدفع شخصاً معتدلاً إلى التطرف ؟
قرائن من هنا وهناك وداخل زوايا الشبكة العنكوبتية للإنترنت تكشف أن الشاب الأميركي الجنسية، “زلفي هوكسا”، وهو نجل لرجل أميركي ألباني يمتلك متجراً لبيع البيتزا في “نيو غيرسي”، كانت لديه نوايا شريرة للتطرف والعنف باسم الجهاد.
توضح المجلة الأميركية أن الملف الشخصي لـ(تويتر)، الذي شارك من خلاله في محادثة مع إحدى حملات الدعاية المضادة لوزارة الخارجية الأميركية ضد تنظيم “داعش”. وشبكة (بالتوك) الاجتماعية، والمعروفة بأنها منصة الاتصالات الأكثر شعبية بين الجهاديين الغربيين، هما أكثر الموقع إنتشاراً بين الجهاديين.
يقول التحقيق أن “هوكسا” أصبح الآن قائداً بارزاً في تنظيم “داعش” وواحداً من أبرز وجوه التجنيد داخل صفوف التنظيم، وفقاً لسجلات المحكمة الاتحادية الأميركية؛ كان “هوكسا” قد ترك الولايات المتحدة في 6 نيسان/إبريل 2015. وبعد أربعة أيام وصل إلى معسكر تدريب تابع لـ”داعش”. وفي غضون ستة أشهر فقط، وفقاً لعدة مسؤولين عن إنفاذ القانون، ظهر “هوكسا” في فيديو بشع أثناء ذبح جندي كردي.
وبما أن حالات داعمي “داعش” لا تزال محدودة داخل المحاكم الأميركية، فإن التفاصيل تظهر مدى مشاركة مواطنين من الولايات المتحدة في المناصب العليا في التنظيم ودور شبكات التجنيد والتعبئة. وقد كشفت التحقيقات بالفعل عن قصص الأميركيين مثل “جون غورغيلاس” و”عبدالله رامو بازارا”، وكلاهما كان جزءاً من شبكات جهادية أوسع في أميركا، ووصلا في نهاية المطاف إلى مناصب رفيعة نسبياً ومؤثرة داخل التسلسل الهرمي لـ”داعش”.
ومع تلاشي الخلافة الداعشية المزعومة، تتحدث تقارير وسائل الإعلام عن مقاتلين أجانب، بمن فيهم الأميركيون، الذين كانوا يحاولون التخفي بدولة تركيا قبل إتخاذ قرارهم المقبل في رحلة الجهاد، بينما عاد آخرون إلى بلدانهم الأصلية.
كيف أُكتشفت شخصية “أبو حمزة” الأميركي ؟
في آيار/مايو 2017، أصدر مكتب الإعلام التابع لتنظيم “داعش” في محافظة “نينوى” في العراق شريط فيديو مدته 45 دقيقة بعنوان: (سنقوم بالتأكيد بتوجيههم إلى طرقنا)، كان يتحدث به مقاتل أميركي كنيته “أبو حمزة الأميركي”، يحث فيه الأشخاص في أميركا لتنفيذ الهجمات المحلية: “هل أنت غير قادر على طعن الكافر بسكين، رميه من مبنى، أو دهسه بسيارة ؟.. حرر نفسك من الجحيم بقتل كافر”. وفي وقت لاحق من مقطع الفيديو، يظهر قاذفات صواريخ أميركية الصنع، يقال إنها مأخوذة من الميليشيات الشيعية والكردية بعد أن هزمها “داعش” في ساحة المعركة، كشف التحقيق، الذي دام عامين، حول الكوادر الأميركية الذين سافروا بنجاح إلى سوريا والعراق للإنضمام إلى “داعش”، والسجلات الفيدرالية، أن “أبو حمزة” الأميركي هو نفسه المدعو “زلفي هوكسا”.
وبحلول وقت إصدار الفيديو، كانت وزارة العدل الأميركية قد تلقت بالفعل قضايا محاكمة العديد من أنصار “داعش” المحليين، الذين يزعم أنهم ساعدوا “هوكسا” في سفره للإنضمام إلى المجموعة. ومن بين هؤلاء الأفراد الذين حُكم علهيم، كان “ديفيد” أو “داود” رايت في كانون أول/ديسمبر 2017 بالسجن الاتحادي لمدة 28 عاماً، بعد إدانته بتزويد الدعم المادي والتآمر لقتل المواطنين الأميركيين. ونتيجة للأدلة التي قدمت في محاكمة “رايت”، أصبح هناك عدد من التفاصيل حول “هوكسا”، الذي كانت له علاقة بـ”رايت” قبل الإنضمام لـ”داعش”.
يقول محققو المجلة الأميركية أنه بعد محاكمة “رايت”، بذل القائمون على التحقيق محاولات متكررة للحصول على مزيد من المعلومات عن “هوكسا” من القنوات الرسمية، إلا أن ممثل عن مكتب المدعي العام في “ماساتشوستس” رفض التعليق، كما رفض أيضاً المكتب الوطني لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وذكر “ماثيو رايلي”، المتحدث باسم مكتب المدعي العام في ولاية “نيو غيرسي” الأميركية، أنه “لم توجه إتهامات إلى أي مدعى عليه بهذا الاسم في مقاطعة نيو غيرسي”.
بشكل غير رسمي، أكدت مصادر استخباراتية، كان يطاردهم المحققون منذ عدة أشهر، أن “هوكسا” ظهر في أحد مقاطع الفيديو المنسوبة لعناصر “داعش” التي أفرج عنها في تشرين أول/أكتوبر 2015، وكان صوته مطابقاً لصوت ما يطلق عليه اسم “أبو حمزة الأميركي” في مقطع نشر خلال آيار/مايو 2017. ويشير التحقيق إلى أن إثبات مسؤولي إنفاذ القانون أن الشخص الذي قام بعمل فيديو دعائي لـ”داعش” بعنوان: (رسالة إلى أوباما)، ثم قام بذبح أحد الضحايا، هو نفسه الأميركي المطارد “هوكسا”، فإن ذلك سيكون الحالة الأولى لعضو منتمي لـ”داعش” من الولايات المتحدة يقوم بقتل شخص ما في فيديو دعائي منشور عبر الإنترنت للتنظيم.
كيف تفاعل “هوكسا” مع المجندين عبر الإنترنت ؟
توضح (ذا أتلانتيك) أن “هوكسا” كان متواجداً عبر أكثر من مكان على صفحات الإنترنت غير مواقع (تويتر) و(بالتوك)، فكان يستخدم حساباً على موقع (ستيم) لألعاب الإنترنت، وكان هذا الموقع مكاناً للتعرف على زميله “ديفيد رايت”، الذي إتجه إلى التطرف أيضاً من خلال مصادقته.
وخلال محاكمة “رايت”، ناقش الإدعاء بأنه استخدم عدة ألعاب فيديو، منها “نداء الواجب” أو “Call of Duty”، للتحضير للجهاد عبر الواقع الإفتراضي.
أشار محامي الدفاع الأميركيين إلى أن “رايت” كان يزن 400 رطلاً، وكان لا يمارس الجهاد في الحياة الحقيقية لضخامة جسده، وكان يتلقى الأوامر من القادة بلعب ألعاب إليكترونية يُملونها عليه بالاسم لتحفيز نوايا الجهاد لديه كبديل للنشاط العنيف الواقعي وكوسيلة للتدريب للإنضمام إلى المجموعة، وفقاً لمحضر المحاكمة، حيث جمعت تلك الألعاب بين “رايت” و”هوكسا”، الذي قرر أن يتبع خططه للجهاد بنجاح وبخطى ثابتة.
على الرغم من معرفة “رايت” و”هوكسا” المسبقة ببعضهما البعض قبل عام 2010، إلا أن نشاطهما الجهادي بدأ في عام 2014، وهو نفس عام سيطرة “داعش” على سوريا والعراق. وتشير سجلات المحكمة إلى أن الإثنين كانا يجتمعا داخل غرف دردشة على (سكايب) بعناوين مثل “الحل للإنسانية” و”الطريق إلى الجنة”.
وبإستجواب “رايت”، كشفت المحكمة أن “هوكسا” وصل لصديقه “رايت” عبر موقع (بالتوك) للمحادثة، وكانا يتشاركا الأحاديث وتبادل موضوعات مجلة (دابق) الداعشية عبر تلك المواقع، حتى تأكد “هوكسا” من نوايا “رايت” الجهادية، بعدما أخبره الأخير بأن مهمة “داعش” في العالم تُعد “شرعية وضرورية”.
استمرت هذه المحادثات بين “رايت” و”هوكسا” حتى نيسان/إبريل 2015، وعندما غادر “هوكسا” الولايات المتحدة للإنضمام إلى “داعش”، تناقشا بأمر ما هي أقصى مكافأة دينية يحصل عليها الجهادي من وجهة نظر “هوكسا”. كان الجهاديين الغربيين يعتقدون أن أمر الإنضمام إلى “داعش” لا يستلزم القتال في صفوف المجندين، وقد يكون مجرد إنضمام للجوانب المجتمعية داخل مؤسسة الخلافة المزعومة، ولكن هذا ليس صحيح، ولذلك لم يتطرق كل من “رايت” و”هوكسا” لهذا النقاش الساذج، ونصح “رايت” زميله بأنه إذا أراد الحصول على أقصى درجات الجهاد يجب عليه أن ينضم للصفوف العسكرية لنيل أعلى المكافأت من الله.
أظهرت أوراق المحاكمة أن “رايت” و”هوكسا” تبادلا رسائل تحمل روابط لشراء الأسلحة إليكترونياً، كما أنهم كانا على نفس القدر من التطرف والإلتزام بالعنف، وظهر ذلك في عام 2015، عندما تبادلا روابط المواد الدعائية لحرق “داعش” الطيار الأردني “معاذ الكساسبة”.
أشارت المجلة الأميركية إلى أن التحقيق الذي أجراه الصحافيون الأميركيون من خلال قضية “هوكسا” يوضح ديناميات التطرف والتجنيد في الولايات المتحدة، ومدى إنتشار مواطنين من الولايات المتحدة وسط الجماعات الجهادية، وتوضح القضية أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هي نافذة إفتراضية لوصول المؤيدين لـ”داعش” إلى صفوفهم في الواقع؛ وتكفل منصات الإنترنت الدعم المادي والمعنوي واللوجيستي لكل مريدي “داعش”، بداية من خروجهم من بلادهم ووصولاً إلى المدن السورية والعراقية للإنضمام إلى الخلافة المزعومة.
ومن وجهة نظر المجلة الأميركية ، أن الأميركيين يبهرون قادة “داعش” بشكل يفوق المجندين القادمين من الغرب، ولذلك يمنحوا الترقيات السريعة لأعلى المناصب داخل التنظيم على عكس الغربيين الذين يظلون في مرتبة المحاربين القدامى أو الإنتقال لفئة الدعاة، وعلى الرغم من عدم كفاءة أو خبرة الأميركي “هوكسا”؛ إلا أن التنظيم قد يكون قد إنبهر عندما أظهر نواياه للإطاحة برأس جندي من الأعداء، حيث ذبح “هوكسا” أحد الجنود الأكراد. كل ذلك بالإضافة إلى أن عدد الأميركيين محدود داخل صفوف “داعش”، ولكنه وجود مؤثر وذا قيمة كبيرة.