خاص : كتب – سعد عبدالعزيز :
من المعروف أن الاعتبارات الأمنية قد طغت على كل مناحي الحياة في “إسرائيل”؛ لدرجة أن هذا الأمر أصبح طبيعيًا؛ فعند دخول المواطن الإسرائيلي لأي مكان عام يقوم بفتح حقائبه تلقائيًا لكي يفتشها أفراد الأمن والحراسة. أما الشوارع والمباني العامة وحافلات نقل الركاب والقطارات؛ فهي تشهد طوال الوقت تواجدًا كثيفًا لرجال الأمن.
ولأن هذه الظاهرة مألوفة جدًا لدى المواطن الإسرائيلي, فإنها لا تلفت سوى أنظار السياح والزائرين الأجانب.
الانتشار الأمني المكثف خارج المدن والقرى..
وهناك كتاب صُدر باللغة العبرية تحت عنوان: (دولة بالزي الكاكي – الأرض والأمن في إسرائيل), ويناقش فيه المؤلفان، “عميرام أورن” و”رافي رغف”، إحدى القضايا غير المألوفة التي قلما توجد في دولة أخرى باستثناء دولة “إسرائيل”، التي تولي أهمية قصوى لمؤسساتها الأمنية والعسكرية.
ويركز الكتاب على ظاهرة الانتشار الأمني والعسكري المكثف في المناطق المفتوحة خارج المدن والقرى والتجمعات السكنية.
وبحسب الكتاب؛ فإن كل من يسافر أو ينتقل عبر الطرق الرئيسة في أرجاء “إسرائيل” سيشعر لأول وهلة؛ وكأنه في دول كسائر دول العالم. ولكنه إذا ما أمعن النظر جيدًا سيرى أن الأمر يختلف تمامًا. إذ سيلاحظ وجود القواعد والمناطق العسكرية والأمنية منتشرة داخل “إسرائيل” وفي أقاليمها المختلفة, فهي متواجدة سواء في المناطق المأهولة بالسكان وغير المأهولة, وكذلك في المدن الكبرى وحتى القرى الصغيرة.
وفي الواقع؛ فإن القواعد والمناطق العسكرية تحتل ما يقرب من نصف مساحة دولة “إسرائيل”.
الإستيطان اليهودي ضمن المنظومة الأمنية..
يوضح الكتاب, عبر فصوله المختلفة, كيف أن الأراضي والمناطق المفتوحة، في “إسرائيل”، مُستغلة ومُسخرة لخدمة الأغراض الأمنية والعسكرية.
ويصف المؤلفان كيف تم تأسيس دولة “إسرائيل”, باعتبارها “دولة أمنية” خلال العقود الأولى لقيامها. علمًا بأنه، في تلك الفترة، كانت المعسكرات والمنشآت الأمنية – التي خلفها البريطانيون بعد رحيلهم – تحتل مساحات شاسعة من الدولة.
ولكن الاعتبارات الأمنية, كما هو الحال اليوم – كانت تهيمن أيضًا على الأنشطة المدنية. فكان “بن غوريون”؛ على سبيل المثال، يؤمن بأن الإستيطان اليهودي في المناطق النائية والحدودية يُعد جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الأمنية والعسكرية التي تحمي الحدود، ولذا فقد تم إنشاء إدارة خاصة داخل الهيئة العليا للأركان تقوم بالتخطيط للإستيطان اليهودي.
استغلال الغابات للأغراض الأمنية !
كما تدخل الجيش الإسرائيلي أيضًا في التخطيط لإقامة شبكة طرق تخدم الأهداف العسكرية وتراعي الاعتبارات الأمنية المختلفة لضمان نقل القوات أثناء الحروب بأسرع ما يمكن.
وحتى الغابات، في “إسرائيل”، كان يتم استغلالها أمنيًا، خلال العقود الأولى لقيام الدولة, حيث ثم غرس الأشجار في المعسكرات وعلى طول الطرق وحول الوحدات العسكرية بغرض التمويه وحتى تكون بمثابة عوائق طبيعية.
ويرى المؤلفان، في كتابهما، أن الهاجس الأمني لا يزال مهيمنًا على “إسرائيل” حتى يومنا هذا. وفي الحقيقة فإن التهديدات الأمنية ووسائل التصدي لها أصبحت مُختلفة تمامًا, كما أن المساحات المفتوحة من الأراضي أخذت تضيق ولا بد من حمايتها, إلا أن الإستيطان في المناطق النائية والحدودية لا يزال يسير وفق الأهداف الأمنية التي كانت قد وضعتها المؤسسة العسكرية.
ظاهرة المنشآت العسكرية المهجورة..
وهناك فصل خاص، في هذا الكتاب، يتحدث عن ظاهرة جديدة نسبيًا، وهي بالفعل ظاهرة خطيرة رغم أنها لم تحظى بعد بالاهتمام اللائق من جانب الرأي العام. وتتعلق تلك الظاهرة بالقواعد والمنشآت العسكرية المهجورة في أرجاء “إسرائيل”، ومع أن تلك القواعد والمنشآت أصبحت تشوه المنظر العام في “إسرائيل” وباتت تمثل خطرًا أمنيًا، إلا أنها لم تعد تحظى باهتمام الجهات الرسمية.
ويرى المؤلفان؛ أنه لابد من السماح باستغلال تلك المناطق وتجمليها لتكون مناطق جذب واستمتاع للمواطنين.
ويتعرض المؤلفان لقضية أخرى؛ وهي أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لديها قدرة فائقة في السيطرة على المناطق المفتوحة وإقامة القواعد والمنشآت العسكرية في أي مكان وبأسرع ما يمكن.
في حين تعاني المؤسسة المدنية من التعقيدات والبيروقراطية إذا ما أرادت الحصول على ترخيص لإقامة أي منشأة عامة أو خدمية.