دماء “مُسعف عراقي” تفضح .. قوات الشغب حولت ميادين الاحتجاج إلى ساحات حرب مفتوحة !

دماء “مُسعف عراقي” تفضح .. قوات الشغب حولت ميادين الاحتجاج إلى ساحات حرب مفتوحة !

خاص : كتبت – أفراح شوقي :

خبر عاجل نشره موقع “جمعية الهلال الأحمر العراقي”، قبل أيام؛ يقول: “إصابة المُسعف المتطوع في الهلال الأحمر العراقي، حذيفة باهر، بجروح من خرطوشة، (صچم)، أطلقتها نحوه قوات مكافحة الشغب، أثناء تقديمه خدمات الإسعاف للمتظاهرين، يوم أمس الإثنين، بالقرب من ساحة الخلاني وسط العاصمة، بغداد، وأصيب المُسعف برغم إرتداءه الزي الخاص بالهلال الأحمر، الذي يميزه عن المتظاهرين ويمنع استهدافه تحت أي ظرف كان”.

إنتهى الخبر، (الصورة المُرفقة لا تحمل سوى نزيف دم غطى معظم جسده وأدوات عمله).. وأنهالت التعليقات في فضاء موقع التواصل الاجتماعي، (فيس بوك)، والكل يسأل هل هو بخير ؟.. أحد أصدقائه كتب: “حذيفة الإنسان والمُسعف النقي … حذيفة من بدت التظاهرات وهو ما عاف الساحات، أنقذ هواي ناس ورغم كل شي صعب بقى يؤدي واجبه الإنساني، كنت أوصيه: (دير بالك على نفسك أخاف عليك)، البارحة للأسف تصوب برصاص صجم من قوات الشغب بالخلاني.. أتمناله الصحة والعافية ويرجع أقوى من قبل إن شاء الله، والخزي والعار للأيادي إلي استهدفتك.. (#المسعفون_ليسوا_اهدافا).. (#سلامات_حذيفة)”.

ساحات حرب حقيقية وليست ساحات احتجاج !

اسمه “حذيفة الدزدار”؛ عراقي مواليد 1994، المهنة: متطوع في “جمعية الهلال الأحمر العراقي”، من عام 2016، حاليًا رئيس منظمة “الملجأ للمساعدات الإنسانية”، وهي منظمة مسجلة رسميًا في دائرة المنظمات غير الحكومية.

تطوع كمُسعف ضمن فريق “جمعية الهلال الأحمر”، وقبلها كان مُرابطًا في التجمعات الرياضية والاجتماعية لأجل تقديم الإسعافات الأولية، أنضم إلى مُسعفي “ثورة تشرين الكبرى” في “العراق”، منذ إنطلاقها ولم يُغادر الساحة، أول دخوله كان بتاريخ الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019، ومعه أربعة من زملائه.

عن قصة إصابته وحكايات “التحرير” والمواجهات الساخنة في ساحات الاحتجاج، يقول “حذيفة”: “معظم التجهيزات المطلوبة في التداوي والإسعاف كانت تُجهز بتمويل شخصي أو عبر جمع تبرعات من الأصدقاء في البداية، وكنا نحاول دائمًا اختيار مكان آمن لأجل إسعاف المصابين وضمان إعطاء العلاج وحماية المُصاب من أي أذى محتمل، ونرتدي أيضًا الملابس الخاصة بالمُسعفين ونضع الباجات للحماية من أي استهداف، لأن مهمتنا إنقاذية وحيادية، وأكثر الحالات التي سجلت عندنا هي الاختناقات بالغاز المُسيل للدموع، والذي كان يُطلق بطريقة كثيفة وتستهدف رؤوس المتظاهرين، وكذلك الطلق الحي من قِبل القناصين، ساحات التظاهر وقتها كانت ساحات حرب أكثر منها تظاهرات، من حيث الرمي المُكثف والترهيب والغازات المُسيلة للدموع وتصدي المتظاهرين لكل ذلك.. وأتذكر كيف تم قطع الإنترنت وأصبح تداول الأخبار صعبًا، كما أن معظم القنوات الفضائية جرى تهديدها وغلقها حتى لا تنقل ما يحصل من خروقات في ساحات الاحتجاج، وكذلك صعب عمل الصحافيين والمصورين، وكثيرًا ما تعرضنا للتهديد المباشر من قِبل أشخاص مجهولين بسبب تقديمنا العون للمتظاهرين.. وبسبب مرابطتنا للتحرير، صارت وجوهننا معروفة لدى تلك الجهات !. لكننا واصلنا العمل لأن هناك شباب شجعان بحاجة لمساعدتنا”.

متابعًا: “أما أهم الصعوبات التي واجهتنا في العمل؛ إضافة للتهديدات، فهي زحام الطرق وقطع الشوارع بالصبات الكونكريتية، ويُصعب عندها نقل المصابين إلى المشفى بشكل سريع، خاصة أولئك المصابين بالرأس، وكم خسرنا من شباب متظاهر بسبب ذلك”.

اختطاف في سيارات الإسعاف !

يواصل “حذيفة” قوله: “انتقل عملنا إلى سيارات الإسعاف، كان هناك تخوف منها بسبب بعض حالات الخطف التي حصلت فيها في البداية، لكنها حالات قليلة وصرنا نعرف أصحاب السيارات المُسعفة، كذلك صرنا نُجهز سيارات الإسعاف التابعة للدفاع المدني أو لوزارة الصحة بالتجهيزات الطبية المطلوبة؛ لأنها كانت تفتقر للمعدات وليست أكثر من وسيلة نقل سريعة، والتجهيزات تتم عبر التبرعات واستطعنا إنقاذ حالات كثيرة”، ويستطرد “حذيفة” قليلًا، ليقول: “أكثر ما أثارني أن حالات اختناق كثيرة أو إصابات تعرض لها المتظاهرين، وبعد نقلهم للمشفى يُصرون على العودة في نفس اليوم إلى الساحات، وهناك من يُعطي مكانه في غرف العلاج لغيره في حالة كانت إصابته خفيفة، شهدنا الكثير من حالات الإيثار والشجاعة.. تحفزنا على مساعدة هؤلاء الأبطال برغم كل المصاعب التي نواجهها، كما أن الدعم الشعبي للتظاهرات كان حافزًا لنا للتواصل”.

وصية متظاهر !

العمل كمُسعف في “التحرير”، خزن في ذاكرتي الكثير من القصص، (يقول حذيفة)، وعملنا كان تقديم الإسعاف النفسي والطبي في آن واحد، فكثير من المُصابين كانوا يُحملونا السلام والإعتذار من الأهل، لأن بعضهم جاء بدون علمهم، أحد المُصابين حملني وصيته وأعاطني هاتفه، وقال: “اتصل بأمي واخبرها أن أبنك استشهد”، وآخر أوصاني أن أقبل جبين أمه وأودعها، مواقف مؤلمة مرت علينا وكان علينا الصبر ومؤازرة المصابين حتى الوصول للمشفى.

قصة “طشاريات” قوات الشغب..

يؤكد “حذيفة” أن: استخدام “الطشاريات”، أو كسريات بنادق الصيد، كانت غريبة وفاجئتنا، أول مرة نشهدها في أي تظاهرات، هي إبتكار للقوات الأمنية وقوات الشغب، في حين هي مخصصة لقتل الحيوانات، وهي خطرة بسبب إصابتها للمتظاهرين من مسافات قريبة في مناطق عدة من الجسم في وقت واحد، وحصلت إصابات كثيرة، بعضها أدى للوفاة.

وعن قصة إصابته، يقول: “بداية اليوم، وتحديدًا في العاشر من آذار/مارس الجاري، مرت الأمور طبيعية وهادئة في ساحة التحرير، لكن استخدام الغازات المُسيلة للدموع بدأ عصرًا، ثم صرنا نسمع أصوات الكسريات، ورمي بنادق الصيد، وحاولت الاختفاء من أي استهداف ودخلت أحد الفروع الضيقة الآمنة التي أعرفها لحماية نفسي،  لكني لمحت (خوذ) قوات الشغب قريبة؛ وهي توجه ببنادقها نحونا.. صرخت بمن حولي كي يحذروا، لكني شعرت أن أشياء قوية اخترقت جسدي بطريقة كثيفة، وعرفت أني أصبت، وضعت يدي على رجلي فكانت تنزف وكذلك فمي، وقلت في نفسي أن زمني إنتهى وهذه نهايتي، بقيت أمشي بخطوات سريعة برغم الآلم الكبير، وصادفت عربة (تكتك)، رميت نفسي فيها وصار منظر الدم يغطي المكان كله، كنت أردد الشهادة وأستعيد مشاهد إصابات الشباب المتظاهر؛ وكيف كانوا يتلون الشهادة بقلب صلب وروح ثائرة، وصلت المشفى وعرفت أني مُصاب في البلعوم والكتف والقدم واليد، وهناك عدة صجمات يجري إخراجها من جسدي.. من المؤسف أن القوات الأمنية لا تُفرق في استهدافها بين المتظاهرين والمُسعفين برغم كوننا نرتدي ما يُميز عملنا”.

يستطرد “حذيفة” قوله: “أعرف الكثير من المُسعفين أستشهدوا بسبب هذا الاستهداف خلال التظاهرات، وأول شهيدة مُسعفة كان اسمها، نور رحيم علي، طالبة في كلية الطب وتعمل مُسعفة للمتظاهرين، وذلك خلال مجزرة السنك، وسقط أيضًا 8 شهداء، أما أصعب أيام قضيتنا فكانت بتاريخ، 29 تشرين أول/أكتوبر و30 منه أيضًا، والضرب كان يجري تحت جسر الجمهورية، وهو مكان مُظلم وبعيد عن الشارع، وكذلك ساحة الخلاني المُحاطة بالجواجز الكونكريتية”.

ردًا على سؤال حول مدى معرفة أهله عن طبيعة عمله وما يشعرون حيال مخاطره؛ يضحك “حذيفة” قائلاً: “تمكنت من إقناعهم، وصاروا يطمأنون عليَ بكل ساعة.. هم مُجبرين على الموافقة”.

ختامًا يضيف: “مع الأسف هناك من يُحاول ويسعى لأجل تخريب سمعة التظاهرات والنيل منها؛ برغم أن شبابها خرج لأجل المطالبة بوطن يُحقق لهم أحلامهم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة