دلالة على إصرارها الانضمام إلى “النادي النووي” .. لماذا تُلوح إيران بتغيير فتوى “السلاح النووي” ؟

دلالة على إصرارها الانضمام إلى “النادي النووي” .. لماذا تُلوح إيران بتغيير فتوى “السلاح النووي” ؟

وكالات – كتابات :

بعد أن لوّح أكثر من مسؤول إيراني، في الفترة الأخيرة، بإمكانية الاتجاه نحو امتلاك القنبلة النووية، تزايدت التحذيرات من إمكانية إضفاء نوع من الشرعية على هذا التوجه، عبر مطالبة المرشد الأعلى للجمهورية؛ آية الله “علي خامنئي”، بتغيير فتواه الخاصة بتحريم إنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل؛ إذ قال النائب “محمد رضا صباغيان”، لوكالة أنباء (إيلنا)، في 02 آب/أغسطس 2022: “على العدو أن يعلم أنه إذا استمر في وقاحاته وتهديداته، فسوف نطلب من المرشد تغيير الإستراتيجية وفتوى إنتاج الأسلحة النووية”، في إشارة واضحة إلى التصعيد المستمر بين “إيران” وكل من: “الولايات المتحدة الأميركية” و”إسرائيل”؛ التي نفذت عمليات أمنية عديدة داخل “إيران” في الفترة الماضية، استهدفت من خلالها محاولة عرقلة قدرتها على رفع مستوى الأنشطة النووية، وتطوير برنامجها للصواريخ (الباليستية)، ومواصلة تمددها في مناطق قريبة من حدودها، لا سيما في “سوريا ولبنان” والأراضي الفلسطينية؛ بحسب ما استهل به مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية، تقريره التحليلي.

دوافع عديدة..

يمكن القول إن هذه التحذيرات ليست الأولى من نوعها؛ فقد سبق أن لوح مسؤولون إيرانيون بتبني هذا الخيار بالفعل.

ومن دون شك لا يتوقع أن يُدلي نائب في “مجلس الشورى الإسلامي”؛ (البرلمان)، بمثل هذه التصريحات دون الحصول على ضوء أخضر من جهات سيادية في الدولة، على نحو يوحي بأن هذا التحذير قد يكون رسالة غير مباشرة من جانب القيادة العُليا في الدولة؛ ممثلة في المرشد الأعلى؛ “علي خامنئي”، إلى القوى الدولية المعنية بالملف النووي الإيراني، تتوازى مع الإشارات المتتالية من جانب بعض المسؤولين الإيرانيين بشأن قدرة “إيران” على إنتاج القنبلة النووية في ظل امتلاكها القدرات الفنية اللازمة لذلك، إذا اتخذت قرارًا سياسيًا في هذا الصدد.

ويمكن تفسير هذه التحذيرات في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

01 – تزايُد تأثير الاتجاه الرافض لـ”الاتفاق النووي”: رغم أن هناك مؤشرات توحي بإمكانية الوصول إلى “اتفاق نووي”؛ خلال المباحثات غير المباشرة التي تجرى بين “إيران” و”الولايات المتحدة الأميركية”؛ في “فيينا”، بداية من 04 آب/أغسطس 2022؛ حيث يعمل الطرفان على تسوية الخلافات العالقة حول بعض الملفات، مثل وضع (الحرس الثوري) على قائمة التنظيمات الإرهابية والحصول على ضمانات اقتصادية لـ”إيران”، فإن ذلك لا ينفي أن الاتجاه الرافض لـ”الاتفاق النووي” لا يزال قائمًا ويستند إلى قطاع من المؤيدين يرون أن الوصول إلى اتفاق نووي جديد لن يحمي مصالح “إيران”.

وفي هذا الصدد؛ فإن التحذير من إمكانية تغيير الفتوى يوحي بأن هذا الاتجاه يسعى إلى القول بأنه سوف يستمر في شن حملة ضد الاتفاق – في حالة الوصول إليه – وأن أفضل وسيلة لحماية ما يعتبره “إنجازات نووية” إيرانية هو تغيير الفتوى التي أصدرها المرشد؛ “خامنئي”، في عام 2003.

02 – عدم استبعاد إنهيار الاتفاق المحتمل مجددًا: يرى هذا الاتجاه أنه حتى في حالة الوصول إلى “اتفاق نووي” جديد، فلن يكون دائمًا، بل سيكون مؤقتًا؛ لأن أي رئيس جمهوري سوف يصل إلى “البيت الأبيض” في مرحلة ما بعد الرئيس الحالي؛ “جو بايدن”، سوف ينسحب مجددًا – وفقًا لرؤية هذا الاتجاه – من الاتفاق ويُعيد فرض “العقوبات الأميركية” على “إيران”.

وهنا فإن الثِقل الأميركي سوف يكون سببًا في إنهيار الاتفاق؛ لأن العقوبات التي ستُفرضها “واشنطن” في هذه الحالة سوف تدفع الدول الأخرى والشركات الأجنبية إلى الإلتزام بها، وعدم تحديها، في ظل المصالح التي تربط هذه الدول والشركات بـ”الولايات المتحدة الأميركية”.

03 – استمرار الضغوط حول الملفات الأخرى: سوف تتواصل الضغوط التي تُمارسها “الولايات المتحدة الأميركية” على “إيران” حول الملفات الأخرى، لا سيما برنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء إصرار إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، على عدم رفع العقوبات المفروضة على (الحرس الثوري) أو شطبه من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية.

ويعني ذلك، وفقًا لهذا الاتجاه، أن “الولايات المتحدة الأميركية” سوف تحتفظ دومًا بالمبرر الذي سوف تستند إليه من أجل تقليص حجم العوائد التي سوف تحصل عليها “إيران” من خلال أي اتفاق نووي محتمل قد ترفع بمقتضاه العقوبات التي تُفرضها إدارة الرئيس “بايدن”.

بل إن هذا الاتجاه يذهب إلى أن بقاء هذه الخلافات سوف يكون هو المبرر الذي سوف تستند إليه أي إدارة جمهورية مقبلة للانسحاب مجددًا من الاتفاق، على غرار ما فعل الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”، الذي سبق أن برر انسحابه من الاتفاق الحالي بأنه لا يتضمن قيودًا صارمة على برنامج الصواريخ (الباليستية) أو دعم “إيران” حلفاءها من الميليشيات المسلحة الموجودة في دول الأزمات.

هنا كان لافتًا أن بعض المسؤولين الإيرانيين سبق أن حذروا من أن وضع “إيران” أمام خيار واحد عبر رفع مستوى هذه الضغوط المفروضة عليها، قد يدفعها إلى اتخاذ هذه الخطوة التصعيدية بتغيير الفتوى التي تُحّرم إنتاج وتخزين أسلحة الدمار الشامل؛ فعلى سبيل المثال، كان وزير الأمن السابق؛ “محمود علوي”، حريصًا على وصف وضع “إيران” في حالة فرض خيار واحد عليها: بـ”القِط المحاصر”؛ الذي عليه أن يتحرك لإنقاذ نفسه.

إذ قال في نشرة أخبار القناة الرسمية الثانية؛ في 08 شباط/فبراير 2021، في هذا الصدد: “إن المرشد؛ خامنئي، قال بوضوح في فتواه إن الأسلحة النووية تُناقض الشريعة، وإن الجمهورية الإسلامية تُعدها محرمة دينيًا، ولا تسعى إلى حيازتها، لكن قطًا محاصرًا يمكن أن يتصرف بشكل مخالف لما يفعله عندما يكون طليقًا، وإذا دفعت الدول الغربية إيران في ذلك الاتجاه، فلن يكون الذنب ذنب إيران”.

04 – ممارسة ضغوط حول ملف الضمانات: تُبدي “إيران” اهتمامًا خاصًا بملف الضمانات العالقة مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بعد أن أكدت الوكالة في تقارير سابقة أن “إيران” لم تُقدم إجابات حول أسئلة طرحتها بخصوص أنشطة مُثيرة للشكوك في ثلاثة مواقع، وأصدرت بيان إدانة بسبب ذلك، في 06 حزيران/يونيو الماضي.

ووفقًا لتقارير عديدة، فإن “إيران” اشترطت إغلاق هذا الملف في المحادثات التي تجرى حاليًا في “فيينا” بشكل غير مباشر مع “الولايات المتحدة الأميركية”، من أجل تسهيل الوصول إلى اتفاق نووي جديد.

وفي رؤية “طهران”، فإن بقاء هذا الملف مفتوحًا كفيل بتعزيز فرص إنهيار الاتفاق مجددًا، وهو ما دفعها إلى التلويح بأن لديها خيارات أخرى في حالة فشل المفاوضات الحالية أو إنهيار أي اتفاق محتمل يمكن الوصول إليه خلال المفاوضات الحالية في مرحلة لاحقة.

ربما يمكن القول في النهاية، إن هذه التحذيرات المتتالية من جانب بعض المسؤولين الإيرانيين تطرح دلالة مهمة تتمثل في أن “إيران” لم تستطع حتى الآن إثبات أنها يمكن أن تنخرط في إلتزامات دولية صارمة.

ويعني ذلك في المقام الأول؛ أن أي “اتفاق نووي” جديد قد يمكن الوصول إليه في الفترة القادمة، لا يعني إنتهاء “الخطر” الذي يُفرضه البرنامج النووي الإيراني، أو تراجع “إيران” عن سياستها الحالية، التي تُهدد أمن ومصالح دول المنطقة.

وربما يمكن القول إن تركيز “إيران” على قدراتها الفنية النووية وعلى إمكانية تغيير “فتوى” خامنئي تؤكد أنها لم تتنازل بعد عن طموح الانضمام إلى “النادي النووي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة