19 أبريل، 2024 10:23 م
Search
Close this search box.

دعوة “محمد السادس” للحوار مع “الجزائر” .. رغبة حقيقية أم تخوف من التقارب “الجزائري-الموريتاني” ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

لأول مرة منذ توليه الحكم، وفي بادرة يمكنها تقريب العلاقات “المغربية-الجزائرية”، دعا العاهل المغربي، الملك “محمد السادس”، الجزائر، إلى حوار “مباشر وصريح” من أجل “تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعوق تطور العلاقات بين البلدين”.

واقترح الملك “محمد السادس”، في خطاب ألقاه الأربعاء 7 تشرين ثان/نوفمبر 2018، بمناسبة الذكرى الـ 43 للمسيرة الخضراء، إحداث “آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور”، مهمتها “الإنكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات”.

مشيرًا إلى أن هذه الآلية “يمكن أن تشكل إطارًا عمليًا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما فيما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة”.

الحكومة مجندة لتطبيق المبادرة..

وفي إشارة إلى حُسن النية تجاه المبادرة، أكد المتحدث باسم ​الحكومة المغربية،​ “​مصطفى الخلفي”،​ أن “المغرب ينتقل، بعد مبادرة الملك ​محمد السادس​ إطلاق حوار مباشر مع ​الجزائر،​ إلى مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين”، مشيرًا إلى أن “الحكومة مجندة لتطبيق هذه المبادرة التاريخية، التي تجلت في تقديم اقتراح عملي ملموس يقوم على يد ممدودة للجزائر وتبديد سوء التفاهم ووضع إطار للتعاون بين ​الرباط​ والجزائر”.

لافتًا إلى أنه “ينبغي أن نبني، كما جاء في الخطاب الملكي، على الماضي المشترك وماضي ​المقاومة​ المشتركة، وأن نؤسس من روابط الأسر مستقبلًا لنا جميعًا”، مشيرًا إلى أن “الأمر لا يتعلق بقضية أو بمستجد بقدر ما يتعلق بتوجه لبناء مستقبل يخدم مصالح الشعبين دون تدخل طرف ثالث أو وسيط”، مضيفًا: “إن المبادرة الملكية تضع أسس مسار آخر ملموس وعملي، فيه تعبير عن الاستعداد للحوار المباشر بوضوح وبحُسن نية وبصدق ودون شروط أو استثناءات وبصراحة وموضوعية، لأن هناك خلافات ظرفية وخلافات موضوعية”.

تجاهل جزائري رسمي..

ورغم الترحيب الدولي والعربي بالمبادرة المغربية؛ إلا أنه حتى الآن لم ترد “الجزائر” بشكل رسمي وتلتزم الصمت، بينما تتباين تعليقات الصحف المحلية الجزائرية على الدعوة، بين وصفها بـ”المناورة”، و”تغيير اللهجة” و”خطاب المهادنة”.

فتعمدت وسائل الإعلام الرسمية في “الجزائر” تجاهل هذا الخطاب، بينما تناولته الصحف الخاصة بتوصيفات متباينة. واستبعد وزير الإعلام الجزائري الأسبق والسفير السابق، “عبدالعزيز رحابي”، أن ترد السلطات على هذا الخطاب الموجه “للاستهلاك المحلي والدولي”، قائلاً في حوار مع صحيفة (الخبر) الجزائرية – خاصة – أمس: “شخصيًا أعتقد أن مناسبة هذا الخطاب، وما احتواه من رسائل بإتجاه الجزائر، لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لو جاءت الرسالة بمناسبة عيد العرش لكان الأمر مختلفًا”.

وأوضح: أن “الخطاب جاء عشية بدء مفاوضات مع البوليساريو؛ برعاية أممية وبحضور الجزائر وموريتانيا بصفة ملاحظ، (تنعقد بجنيف مطلع كانون أول/ديسمبر). وأعتقد أن هذا الموعد سيكون اختيارًا صريحًا لحُسن نوايا المغرب تجاه قضية إقليم الصحراء”.

أول خطاب غير عدواني..

وأفاد “رحابي” أنها: “المرة الأولى، منذ 14 سنة، التي يلقي فيها الملك المغربي خطابًا غير عدواني ضد الجزائر وتجاه الرئيس الجزائري، وما تضمنه هو محاولة لتسويق مبادرة مغربية من أجل رأب الصدع مع الجزائر، تظهر فيها الرباط بثوب الطرف الذي يمد يده للغير بالصلح؛ لطي صفحات الخلافات”.

وتابع سفير الجزائر السابق بـ”إسبانيا”، أن “الملك يطلب من الجزائر البدء في حوار مباشر؛ لإذابة الجليد الذي يلف العلاقات الثنائية وحل القضية الصحراوية، وكأن الجزائر هي التي تقف ضد إعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي، وهي التي تعيق مسار حل القضية الصحراوية”.

وبحسبه؛ فإن الملك، “محمد السادس”، عندما يتحدث عن آلية للتشاور والحوار، فهذه الآلية كانت موجودة تحت مظلة “الاتحاد المغاربي”، وجرى التنصيص عليها بوضوح في “معاهدة مراكش” المؤسسة للاتحاد.

مناورة جديدة..

من جهتها؛ علقت صحيفة (الوطن) الجزائرية، الناطقة بالفرنسية، على الخطاب بعنوان كبير يحمل تساؤلاً في صدر صفحتها الأولى: “مناورة جديدة لملك المغرب ؟”.

وتساءلت الصحيفة عن خلفيات هذا الخطاب، “المهادن”، لملك المغرب تجاه “الجزائر”، على غير العادة، وكذا توقيته الذي جاء مع اقتراب مفاوضات جنيف مع “جبهة البوليساريو” ؟.. وهل يريد الآخير إظهار “الجزائر” على أنها السبب في تأزم الوضع ؟.

وعلقت صحيفة (الشروق)، على الخطاب بالقول أنه: “لم يسبق للمغرب، أن دعا صراحة إلى تجاوز ما يسميه خلافات بين المغرب والجزائر، رغم أن الجزائر تنفي وجود خلاف أصلاً مع الرباط”.

وتضيف أنه: “بالنسبة لقضية إقليم الصحراء، فلا تعتبر الجزائر نفسها جزءًا من الخلاف، بل هي بلد مراقب فقط، حيث إن الأمم المتحدة قد حددت بشكل واضح طرفي النزاع، وهما المغرب والبوليساريو”.

مبادرة جزائرية سابقة..

وكانت “الجزائر”، قبل عامين، قد أعلنت على لسان رئيس وزرائها آنذاك، “عبدالمالك سلال”، استعدادها لفتح حوار شامل مع “المغرب” حول القضايا الخلافية، لكن القضية ظلت تراوح مكانها.

حينها قال: أن “المغرب بلد جار وشقيق، بيننا نقاط خلاف عالقة تتباين بشأنها وجهات النظر، حيث تفضل الجزائر مقاربة شاملة تطرح فيها القضايا في حوار مباشر، خصوصًا أن الأمر يتعلق بمواضيع محددة، ويبقى استعداد بلادنا كاملاً لتسويتها بطريقة جدية وسلمية”.

وأشار إلى أن ذلك من أجل أن “يتمكن البلدان من التفرغ للمهمة الأسمى؛ وهي بناء اتحاد المغرب العربي كما تتطلع له شعوبنا”.

إغلاق الحدود البرية بين البلدين..

وأغلقت “الجزائر”، عام 1994، حدودها البرية مع “المغرب”، إثر تحميل “الرباط” لها مسؤولية هجمات إرهابية استهدفت سياحًا إسبانًا في “مراكش”، وفرض تأشيرة دخول مسبقة على الجزائريين.

ورفضت السلطات الجزائرية عدة دعوات سابقة من نظيرتها المغربية لفتح الحدود، وكان المسؤولون يردون في كل مرة أن فتحها مرهون بثلاثة شروط. وحصر بيان لـ”الخارجية الجزائرية”، صدر منتصف العام 2013، هذه الشروط في: “وقف حملة التشويه التي تقودها الدوائر المغربية الرسمية وغير الرسمية ضد الجزائر، والتعاون الصادق والفعال والمثمر لوقف تدفق المخدرات والتهريب السري، واحترام موقف الحكومة الجزائرية في ما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية التي نعتبرها مسألة إنهاء الاستعمار، وإيجاد تسوية وفقًا للقانون الدولي في الأمم المتحدة”.

ولايزال الصراع حول “الصحراء الغربية”، (266 ألف كلم مربع)، يلقي بظلاله على الوضع الأمني والسياسي في المنطقة، خاصة مع انتشار التنظيمات المتطرفة في منطقة الساحل وتفشي تجارة الأسلحة في المنطقة.

كما يؤثر هذا الصراع على العلاقات الثنائية بين “المغرب” وكل من “الجزائر”، التي تدعم “جبهة البوليساريو”، و”موريتانيا”، التي انسحبت من الجزء الجنوبي من الصحراء بعد حرب ضارية مع “البوليساريو”.

لن يتفاوض على سيادته..

تعليقًا على المبادرة المغربية؛ قال المحلل السياسي المغربي، “محمد بودن”: إن “هناك ظروف مواتية لتعزيز العلاقات المغربية الجزائرية”، مشيرًا إلى أن “المغرب متمسك بالأخوة الصادقة مع الجزائر مبنية على أرضية غير مسبوقة”.

وأشار الى أن “وقت هذه الدعوة يأتي بعد صدور قرار أممي 2440، والذي حدد دور الجزائر في ملف الصحراء المغربية”.

مؤكدًا على أن “موقف المغرب واضح بشأن قضيته الأولى، الصحراء المغربية، فهو لا يمكن أن يتفاوض على سيادته، وأقصى ما يمكن تقديمه هو الحكم الذاتي”.

قد تتغير العلاقات بشكل جذري..

وأوضح “تاج الدين الحسيني”، أستاذ العلاقات الدولية في “جامعة محمد الخامس” بالرباط أنه: “إذا كان الرد إيجابيًا من الجزائر فالعلاقة بين البلدين ستتغير بشكل جذري، وتنتقل من التعارض إلى التعاون، أما إذا كان موقفها سلبيًا فهي تتحمل المسؤولية؛ لأنها تكون قد ضيعت فرصة تاريخية على شعوب المنطقة التي تفقد كل سنة نقطتين على مستوى النمو جراء هذه القطيعة والتدهور في العلاقات”.

سياسة الكر والفر..

من جانبه؛ قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الجزائر، “ناصر جابي”، إن السياسة المغربية لم تتغير في هذا الملف منذ سنوات، وحتى منذ عهد “الحسن الثاني”، فأتسمت بالتناقض بخصوص “قضية الصحراء”؛ وبالكر والفر، فـ”بين قبول للاستفتاء، ثم التراجع عن الاستفتاء والتفاوض مع البوليساريو، ثم التراجع عن ذلك”. وبالنسبة إليه فالموقف الجزائري يُعتبر “قضية الصحراء” ملفًا أمميًا يحل مع “البوليساريو”.

وتطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في “الصحراء الغربية”، فيما ترفض “الرباط”، مدعومة من “باريس” و”واشنطن”، أي حل خارج حكم ذاتي تحت سيادتها في هذه المنطقة الشاسعة، البالغة مساحتها 266 ألف كلم مربع.

وأشار “ناصر جابي” إلى أن البلدين نجحا، في الثمانينيات، في فتح الحدود ورفع التأشيرة قبل أن ينتهي الأمر في 1994. وإلى جانب دعم “الجزائر”، لـ”جبهة البوليساريو”، أدى حادث تفجير فندق بـ”مراكش”، في 1994، وتحميل السلطات المغربية المسؤولية فيه لـ”الجزائر” إلى إغلاق الحدود نهائيًا بين البلدين.

وتابع “جابي” أنه؛ ومن حيث مبدأ الأخوة، لـ”الجزائر” نفس الخطاب: فبحكم العلاقات التاريخية بين الشعبين والنسيج الاجتماعي المغربي الجزائري، لا سيما بين العائلات في المناطق الحدودية، إضافة إلى النشاط الاقتصادي، و”الذي يربطهما رغم كل شيء”، يمكن أن تقبل الجزائر نظريًا بدعوة الملك الجديدة للحوار، لا سيما أن لهجة هذا الخطاب “بناءةً” على عكس “تصريحات أخرى وحملات تحريض ضد الجزائر في السابق”.

مشاكل الدولتين يصعب حجبها بالخطاب..

ويرى المحلل السياسي، “عادل أورابح”، أن “حجم المشاكل العالقة بين الدولتين يصعب حجبها بهذا الخطاب الذي توجه به، محمد السادس، إلى الجزائر، رغم أهمية هذه الخطوة التي تحسب للملك المغربي، بعد سنوات من التصريحات التهجمية”.

وأوضح “أورابح” أن المشاكل بين البلدين “أعمق من أن يتم حلّها عبر لجنة للحوار أو عن طريق التشاور بين مسؤولي البلدين، خاصة في ظل القيادات الحالية في كلا البلدين التي مازالت رهينة الماضي”.

وأضاف في هذا السياق؛ أن الجانب الجزائري لن يقبل بتطبيع العلاقات مع “المغرب” قبل أن يتم “تسوية النزاع حول الصحراء الغربية”، إلى جانب “وقف عمليات تهريب وإغراق الجزائر بالمخدرات”، والتي تحتل مكانة كبيرة في اقتصاد المناطق الحدودية، إلى جانب الحد من عمليات التحريض ضدها، خاصة في وسائل الإعلام، لافتًا إلى أن السلطات دائمًا ما تقول: “إن استمرار هذه المشاكل تدعوها إلى الإبقاء على إغلاق الحدود”.

أين دور السفراء والبعثات الدبلوماسية ؟

من جهته؛ وصف النائب السابق في البرلمان الجزائري، “يوسف خبابة”، الاقتراح المغربي بـ”الإيجابي”، متسائلاً في هذا السياق: “المغرب الشقيق يقترح حوارًا مباشرًا مع الجزائر الشقيقة، لكن لماذا يخاطب الجيران بعضهم بعضًا عبر وسائل الإعلام، ما دور السفراء والبعثات الدبلوماسية إذاً ؟.. هل هي إرادة حقيقية في الحوار وتجاوز الخلاف أم تسجيل نقاط فقط ؟.. ذلك ما تكشفه الأيام وما تبوح به الخارجية الجزائرية؛ بعد فك شيفرة خطاب الملك”.

فتح المعبر الحدودي “الجزائري-الموريتاني” يقلب الموازين..

إلى ذلك؛ يجزم المحلل السياسي، “سيد أحمد أبصير”، أن “تصريح محمد السادس يحمل في طياته تخوفًا عقب فتح الجزائر لمعبر حدودي بري مع موريتانيا، وإنعكاساته على العلاقات المغربية الموريتانية، وهو ما يفسر دعوته المباشرة للجزائر بفتح حوار دون تشفير”.

مشيرًا إلى التساؤلات التي يطرحها “المغرب” أبرزها: “ماذا بعد فتح المعبر البري ؟.. وأين يمكن أن تصل العلاقات الجزائرية الموريتانية من الناحية الاقتصادية ؟، خصوصًا وأن الجزائر كسبت من خلال فتح المعبر البري مع موريتانيا منفذًا بحريًا على المحيط الأطلسي واقترابها من حصص السمك التي تشكل نسبة هامة من الاقتصاد المغربي والموريتاني”.

وينبه المحلل السياسي، في السياق ذاته، إلى سعي “المغرب” للاستثمار في المربعات التي تستثمر فيها “الجزائر” بدول إفريقيا، رغم اختلاف الإستراتيجيات، كما يؤكد أن “التقارب الأمني بين الجزائر ونواكشط يثير ريبة الرباط، حيث تعتبر موريتانيا لاعب محوري في المنطقة، وبالتالي تقاربها من الجزائر قد يهدد حتى المصالح الفرنسية والأميركية في المنطقة”. إلى ذلك لا يخفي “المغرب” قلقه من فقدان موقف “موريتانيا” في “قضية الصحراء الغربية”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب