خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد يومين فقط من انفجار مخزن للذخيرة في “مدينة الصدر” ببغداد، أدى إلى سقوط ما بين 100 قتيل وجريح، دعا زعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر”، الداخلية العراقية لبدء حملة لـ”نزع السلاح” وتسليمه للدولة بعد عيد الفطر، إبتداءً من “مدينة الصدر” ومن ثم بقية المناطق العراقية.
وقال زعيم التيار الصدري العراقي، في بيان نشره مكتبه الجمعة 8 حزيران/يونيو 2018؛ إنه “من منطلق تقوية الدولة العراقية، وتكريسًا لتقوية الجيش والشرطة حصرًا، أدعو للبدء بحملة نزع السلاح وتسليمه إلى الدولة”، مضيفًا: أنه “لإبداء حسن النية، أدعو القوات العراقية عمومًا ووزارة الداخلية والأخ الوزير، قاسم الأعرجي، لبدء الحملة بعد العيد لإعلان مدينة الصدر مدينة منزوعة السلاح ثم التعميم إلى باقي المناطق العراقية”.
وشدد “الصدر” على ضرورة “طاعة الجميع الأوامر وعدم عرقلة هذا المشروع وتسليم السلاح من دون أي نقاش؛ لأن دماء العراقيين أغلى من أي شيء آخر عندنا”.
تحذير من استهداف التيار الصدري..
فيما حذر من “استهداف التيار الصدري بهذا المشروع، وإلا فإنه سيحدث ما لا تحمد عقباه، مع محاولة تطبيق ذلك على الجهات الأمنية الرسمية التي تستعمل السلاح بلا إذن فالقوات لا زالت تحتاج إلى غربلة وإعادة تأهيل وتصفية فورية وسريعة”.
وأقترح “الصدر” أن يتم “شراء السلاح” من المجاميع المسلحة، على أن يصرف ثمنها لاحقًا لإعمار المناطق الفقيرة، مؤكدًا على ضرورة أن يكون السلاح والمال في يد الدولة.
محاربة التسلح الغير قانوني..
من جانبه؛ عبر وزير الداخلية العراقي عن شكره لدعوة زعيم التيار الصدري على بيانه الذي اعتبره “داعمًا للدولة عامة ووزارة الداخلية خاصة”.
وقال “الأعرجي”: “الصدر عودنا دومًا على دعم الحكومة ومؤسساتها، ومنها الداخلية بالتحديد”، مؤكدًا عزمه “المضي قدمًا في محاربة ظاهرة التسلح غير القانونية”.
كما أعربت “وزارة الداخلية”، في بيان، عن ترحيبها بالدعوة التي أطلقها زعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر”، مؤكدة سعيها “بعزم لا يلين لإتخاذ كل ما من شأنه حفظ أمن وسلامة المواطن ومحاربة الظواهر المسلحة غير القانونية بشكل عادل”.
وأضافت الوزارة: إنها “تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في عموم محافظات ومناطق البلاد؛ باعتبار ذلك جزءاً من الوظيفة الدستورية لها مدعومة وبكل أشكال الدعم المادي والمعنوي من حكومتنا الوطنية وشعبنا الأبي؛ وهي بمسعاها هذا قدمت قرابين الشهداء والجرحى لينعم أهلنا بالأمن والأمان”، مضيفة: “في ذات الوقت تدرك الوزارة بأن الأمن مسؤولية تضامنية مشتركة تقع على عاتق الجميع بدءاً من المواطن البسيط إلى مختلف فعاليات المجتمع العراقي بأحزابه وعشائره ومنظمات المجتمع المدني ومثقفيه وسياسيه إلى كل العناوين الرسمية وغير الرسمية”.
وتابع: أن “عيون وزارة الداخلية ترنو إلى كل نفس وطني عراقي مخلص ينطلق ليعلن دعمه لمشروعها الذي يتلخص في حصر السلاح بيد الدولة والعمل على أن يكون القانون هو الفيصل في كل شيء”.
نزع الأسلحة دون شرط..
وفي أول رد فعل من جانب الفصائل المسلحة، دعا القيادي في منظمة “بدر”، “كريم النوري”، السبت، المرجعية الدينية إلى “حث” الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة على تسليم أسلحتها ومخازنها للحكومة، فيما طالب الجميع بالمبادرة بنزع الأسلحة “دون شروط”.
وقال “النوري”: إن “دعوة السيد مقتدى الصدر بنزع السلاح وحصره بيد الدولة، بعد حادثة تفجير اكداس عتاد مخبأة في حسينية بمدينة الصدر، هي دعوة مرحب بها وتنبع من حرص كبير وتفهم لخطورة بقاء السلاح خارج الأجهزة الأمنية”، مبينًا: أن “هناك ضرورة للتعاون والتنسيق بين الحكومة من جهة والأحزاب والفصائل المسلحة لتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والإحتفاظ بالأسلحة الخفيفة فقط للدفاع عن النفس”.
وأضاف “النوري”، أن “إشتراط بعض الفصائل بأن لا ينزع سلاحها إلا بعد نزع سلاح فصائل أخرى سيعقد المشهد ويعرقل جهود نزع الأسلحة، وعلى الجميع المبادرة بدون شروط”، لافتًا إلى أن “نزع السلاح يجب أن يكون في جميع المحافظات وأن تقوم جميع الفصائل بكشف مواقع مخازنها للدولة حفاظًا على هيبة الدولة وتطبيق القانون”.
“بدر” كانت أول من نزع السلاح..
وبَين “النوري”، أن “اعتدة وأسلحة الفصائل المنضوية بالحشد الشعبي يجب أن تكون في مذاخر وزارتي الدفاع والداخلية، وأن تكون خارج المناطق السكنية”، مشددًا على أن “بدر كانت أول من نزع السلاح في عام 2003، وبشكل طوعي وتحول إلى مؤسسة سياسية بعد إنتهاء مبررات حمل السلاح بسقوط النظام السابق”.
ودعا “النوري”، المرجعية الدينية، إلى أن “يكون لها دور بحث الأحزاب والفصائل على تسليم أسلحتها ومخازنها إلى الحكومة، وأن تكون تحت مراقبة وإدارة الأجهزة الأمنية فقط”.
لن يكون الانفجار الأخير..
كما صرح “عامر المرشدي”، أمين عام “حزب تجمع العراق الجديد”، لوسائل الإعلام المحلية أن انفجار مخزن الأسلحة والأعتدة الأخير في “مدينة الصدر” لن يكون الأخير؛ وسيستمر مسلسل ذبح أبناء هذه المدينة المجاهدة لوجود مواقع عديدة وقريبة من الأحياء السكنية، وهذا أمرًا غير مخفي ومعلوم.
وأضاف “المرشدي” أن تدخل السيد “مقتدى” جاء بالوقت المناسب حماية لأرواح أبرياء اخوتنا وأبناءنا في هذه المدينة وللتخلص من هذه الأسلحة والأعتدة وتسليمها للقوات المسلحة.
محاولات سابقة..
وعلى مدار السنوات الماضية نفذت القوات العراقية عشرات الحملات لنزع الأسلحة من العشائر والفصائل المسلحة، دون القدرة على إتمام تلك العملية لأسباب تتعلق بطبيعة الواقع العراقي، وتغلغل الميليشيات والفصائل المسلحة داخل القوات الرسمية، فضلًا عن طغيان الطابع العشائري على أغلب القيادات العسكرية وعناصر الأمن جنوب البلاد.
ومع إعلان رئيس الوزراء العراقي، “حيدر العبادي”، النصر النهائي على تنظيم (داعش)، نهاية العام الماضي، دعا المرجع الشيعي، “علي السيستاني”، إلى حصر السلاح بيد الدولة، والحفاظ على قوات “الحشد الشعبي”.
وتعقيبًا على دعوة “السيستاني”؛ قال “العبادي”، في بيان حينها: “إن الحكومة بدأت في حصر السلاح بيد الدولة، وتم تطبيق هذا الأمر بالفعل لتحقيق السلم المجتمعي والتصدي للجذور والخلفيات الفكرية والسلوكية للإرهاب وإزالة آثاره ومحاربة الفساد المستشري والتصدي له”.
وأستجابت لدعوات “السيستاني” وحملة “العبادي” عدة فصائل مسلحة في وقتها، أبرزها “منظمة بدر”؛ التي يتزعمها، “هادي العامري”، حيث أعلن مطلع العام الجاري ضم جناحه المسلح إلى قوات “الحشد الشعبي”، ومنح سلاحها للدولة، وقال: “ليس لدينا أي سلاح خاص بنا لإيماننا بحصر السلاح بيد القوات الرسمية”.
كما وجه “الصدر”، نهاية العام الماضي، “سرايا السلام” بتسليم السلاح إلى الدولة، بأقرب وقت ممكن، وإغلاق أغلب مقرات السرايا إلا المركزية منها.
ورغم إعلان أغلب قيادات الفصائل المسلحة تسليمهم كل أسلحتهم إلى الحكومة، إلا أن العراقيين لا يثقون بتلك الإعلانات، حيث تنتشر المظاهر المسلحة في مقرات الأحزاب والحمايات المرافقة لقيادات الميليشيات، التي تخزن السلاح بشكل لافت.
ثلاث فئات يجب نزع سلاحها..
الخبير العراقي بشؤون الجماعات المسلحة، “هشام الهاشمي”، يوضح أن الجماعات المسلحة التي دعا “الصدر” إلى ضرورة نزع سلاحها؛ تنقسم إلى ثلاث فئات؛ منهم فئة ضمن “هيئة الحشد الشعبي” وفئة موالية للحكومة، ولكنها ليست منطوية تحت “هيئة الحشد الشعبي”، بالإضافة إلى تجار الأسلحة الذين ساهموا في توفير السلاح لفصائل “الحشد الشعبي” وفي المعارك ضد (داعش).
الحكومة العراقية ضعيفة تجاه الفصائل المسلحة..
يرى المحلل السياسي والخبير في الشأن العراقي، “صالح الحمداني”، أن صعوبة حصر السلاح بيد الدولة تكمن في ضعف الحكومة العراقية تجاه الفصائل المسلحة التي تسيطر على العديد من مناطق بغداد والمحافظات، وتفرض سطوتها عليها.
مضيفًا أن الحكومة العراقية ليس لديها خطة شاملة وإستراتيجية بعيدة المدى بشأن تلك المسألة، لإنعدام الإرادة السياسية، فضلًا عن أن اختراق بعض الفصائل للأجهزة الأمنية يضعف من إمكانية الأخيرة في مواجهة من يمتلكون السلاح خارج إطار القانون.
ولفت “الحمداني” إلى أن وجود العداوات والتنافس بين الفصائل المسلحة يجعل من أي تحرك بإتجاه منطقة لنزع سلاحها هو إضعاف للفصيل المسيطر عليها، وربما يحسب كاستهداف سياسي وليس تطبيقًا للقانون، إضافة إلى أن التدخلات الخارجية في إنشاء وتسليح بعض تلك الفصائل تجعل من نزع سلاحها مهمة معقدة بحيث أصبحت الحكومة بحاجة للتفاوض مع الدول الراعية، لأخذ الموافقة على نزع السلاح، أو سحبه إلى خارج مناطق معينة على الأقل.