خاص : كتب – محمد بناية :
قدم السفير الإيراني السابق الدكتور “أفشار سليماني” نبذة تاريخية عن موضوع العلاقات الأميركية الكردية، في مقالة بعنوان “أميركا ومسألة استقلال كردستان” نشرها المركز الدولي لدراسات السلام الإيراني مؤخراً، حاول من خلالها استعراض مواقف الإدارة الأميركية من مسألة استقلال إقليم كردستان العراق، وأنها وإن لم تكن تدعم انفصال الإقليم في الوقت الراهن خوفاً من تداعيات هذا الملف على الحرب ضد “داعش”، إلا أنها قد تدعم الانفصال وتستخدم الأكراد ضد إيران وتركيا يقول: “لطالما كان للولايات المتحدة الأميركية علاقات مع الأحزاب الكردية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وحتى في العهد الملكي الإيراني استخدمت الإدارة الأميركية الشاه الإيراني عام 1960، لإقامة علاقات مع الأكراد. وبعد الهجوم الأميركي على العراق وما تلاه من تطورات دخلت الولايات المتحدة في علاقات مباشرة مع اثنين من الأحزاب الكردية بل وساهمت في حل الخلافات بينهما. ومن المنظور الأميركي يحوز أكراد العراق أهمية خاصة باعتبارهم طرف أميركي في منطقة حساسة. ولذلك تميل أميركا إلى الأكراد من بين الأطراف العراقية الأخرى مثل العرب السنة والشيعة، وبالتالي يعتبر الأكراد ورقة رابحة فيما يحدث بالخليج والشرق الأوسط، تستطيع أميركا من خلالها تنظيم علاقاتها مع العراق والتأثير من جهة أخرى على إيران وتركيا. وبالتالي تولي الإدارة الأميركية أهمية خاصة للأكراد بالنظر لما يعيشه العراق من قضايا استراتيجية وأمنية بل واقتصادية. ورغم تعاون الولايات المتحدة والعراق في مجال الطاقة بشكل رسمي، إلا أن أميركا تصر على التعاون مع الأكراد مهما أبدت الحكومة المركزية من ردود أفعال”.
أميركا ومسألة الاستفتاء على استقلال كردستان..
استطرد “أفشار سليماني”: “تناقش الخارجية الأميركية وأوروبا والبيت الأبيض مسألة الاستفتاء واستقلال أكراد العراق (وإن كان الموقف الأميركي قديماً من حيث المبدأ), لكن المواقف الأخيرة والبيانات الصادرة تعكس نوعاً ما اعتراضاً وقلقاً حيال هذا الموضوع.
وتتخوف الإدارة الأميركية من أن يقضي الاستفتاء على عملية مكافحة الإرهاب و”داعش”، لكنها تدعم وتدافع في الوقت نفسه عن وجود حكومة عراقية ديمقراطية مستقرة وفيدرالية موحدة. وتركز الإدارة الأميركية عموماً, في ظل الأوضاع العراقية الراهنة, على مسألة مكافحة “داعش”. وعليه تنظر الإدارة الأميركية إلى الاستفتاء بفتور (واستقلال كردستان قد يؤثر سلباً على وحدة واستقرار الأراضي العراقية), لأن “داعش” لم تخرج بشكل كامل من العراق وسوريا.
وفي هذا الصدد تشدد الخارجية الأميركية على ضرورة تفاوض مسؤولي “إقليم كردستان العراق” مع حكومة بغداد، وأن تنصب المفاوضات على الدستور وتنظيم العلاقات على أساس الدستور. ويبدو أن الأميركيين ينقصهم الصدق فيما يخص هذا الموضوع. وربما يقوم تصورهم على إقامة الاستفتاء بعد تحديد مصير “داعش” في العراق وسوريا.
في المقابل تتخوف الدول الأوروبية وتعارض بشكل أساسي من موضوع الاستفتاء في كردستان العراق. لكن لا ترى في كل هذه المواقف والرؤى الأميركية والغربية لمسألة استقلال كردستان العراق، تأكيداً صريحاً على وحدة العراق، وإن اُستخدمت كلمات من مثل الوحدة والواحد والعراق الموحد، لكن ربما لو اُستخدمت جملة “ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي العراقية” لكان الموقف أكثر قوة. لكن طالما لم نرى مثل هذا الموقف القوي فسوف تتذبذب مواقف تلك الدول مستقبلاً حيال مسألة استقلال كردستان”.
مسألة الاستفتاء مرتبطة بالتطورات الاقليمية..
المؤكد من وجهة نظر “أفشار سليماني”, أن الولايات المتحدة سوف تستمر في علاقاتها مع أكراد العراق، وستسعى إلى إقناع أكراد العراق بالتخلي عن فكرة الاستفتاء على الأقل في الوقت الراهن. ولذا من المحتمل أن تركز المساعي الأميركية على طرح مسألة “داعش” وسوف تعمل على تقوية التعاون مع حكومة الإقليم بالنظر إلى العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تجمع بين الجانبين، وعليه سيكون لأميركا اليد الطولى في إحباط هذه القضية. على غرار ما حدث في 2014, وكما كانت جدية أكراد العراق وحكومة إقليم كردستان حيال الموضوع، لكنهم تراجعوا عن هذا الموقف في نهاية المطاف. ولا شك أنه كان لأميركا وبعض الدول دور في تراجع الأكراد عن فكرة الاستقلال.
مع هذا يمكننا النظر إلى موضوع الاستفتاء واستقلال العراق من زواية أخرى, وهي أنه من المحتمل تأييد الولايات المتحدة للفكرة حال تغير الأوضاع، على اعتبار أن العامل الكردي وإقليم كردستان من ورقة ضغط في يد بعض الأطراف الإقليمية وفوق الإقليمية. ناهيك عن ميل الولايات المتحدة إلى خلق مكان بجانب الحدود الإيراني يمكنها من فرض الضغوط وكسب الامتيازات وتوتير الحدود الإيرانية. وربما أيضاً تريد استخدام الأكراد ضد تركيا سواءً بدعم موضوع استقلال كردستان العراق أو حتى إحياء الدعوة لإقامة كردستان الكبرى. على كل حال ترتبط مسألة استفتاء واستقلال كردستان بالتطورات المستقبلية وموقف الأطراف المعنية بالموضوع والتعاملات بين هذه الدول.