داعية “واشنطن” للإجهاز عليه .. “فورين بوليسي”: “حزب الله” يترنح في لبنان !

داعية “واشنطن” للإجهاز عليه .. “فورين بوليسي”: “حزب الله” يترنح في لبنان !

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (فورين بوليسي) تحليلًا؛ لـ”حسين عبدالحسين”، باحث في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، ومحرر إداري سابق في (الديلي ستار)، حول الوضع الحالي في “لبنان” بعد انتخابات الشهر الماضي، حيث خسر (حزب الله) الأغلبية؛ التي كان يتمتع بها وبرز تحالف من المستقلين والقوى المناهضة لـ (حزب الله) يُطالب بنزع سلاحه ويُقدم الأولويات الاقتصادية والإصلاح على الوضع الراهن في البلاد.

ويستهل الكاتب تحليله بالقول: أصبح “لبنان” دولة تُعاني: “الفشل”، وصارت ملاذًا لعدد متزايد من اللاجئين، وربما يعود ذلك جزئيًا إلى إن “واشنطن” – التي تأثرت بفشلها في نشر “الديمقراطية” في الشرق الأوسط وتتحرك بحذر حول كل ما يتعلق بـ”إيران” – قّصرت سياستها في “لبنان” على إدارة الأزمات.

ويستدرك الكاتب: لكن الانتخابات البرلمانية اللبنانية؛ التي جرت في 15 آيار/مايو 2022، شهدت أولى التحركات لتحالف محتمل قادر على كبح – وربما إزاحة – (حزب الله) وسيطرته الحديدية على البلاد. وفقَدَ (حزب الله) وحلفاؤه الأغلبية البرلمانية ويواجهون الآن أكبر معارضة؛ منذ عام 2009 – تحالف فضفاض من حزب (القوات اللبنانية) وعديد من المستقلين لديهم ما يصل إلى: 60 مقعدًا من إجمالي: 128 مقعدًا.

“جنبلاط” ورئاسة “بري”..

ويُلفت الكاتب إلى أنه على الرغم من أن “المجلس التشريعي” المُعاد تشكيله؛ أعاد انتخاب حليف (حزب الله)، زعيم حزب (أمل)؛ “نبيه بري”، رئيسًا للبرلمان يوم الثلاثاء، إلا أنه فعل ذلك بأغلبية ضئيلة – 65 من أصل: 128 صوتًا، مقارنةً: بـ 98 صوتًا في عام 2018. وحصيلة “بري” لم تكن ممكنة دون أصوات يُسيطر عليها الزعيم الدُرزي؛ “وليد جنبلاط”.

مصدر الصورة: رويترز

كما حصل زعيم (التيار الوطني الحر)؛ “إلياس بوصعب”، وهو حليف مسيحي لـ (حزب الله)، على: 65 صوتًا لمنصب نائب رئيس “مجلس النواب”. لكن منافسه المستقل؛ “غسان سكاف”، حصل على: 60 صوتًا؛ مما يدل على حجم ائتلاف معارض محتمل. وفي قلب هذه الكتلة، تكمن (القوات اللبنانية) – وهي ميليشيا مسيحية سابقة تحولت إلى حزب سياسي – وتتقدم مقاعدها البالغ عددها: 20 مقعدًا؛ على عدد مقاعد (حزب الله)؛ البالغ: 13.

ويُشير الباحث إلى أنه؛ بينما كان “جنبلاط” طرفًا في تحالف فضفاض مع (حزب الله) في السنوات الأخيرة، فإن النوع الصحيح من الضغط والحوافز يمكن أن تضع العراقيل أمام خطط (حزب الله) للسيطرة على الحكومة اللبنانية، وذلك لأن الإنهيار الاقتصادي في “لبنان” يمنح خصوم (حزب الله) شعورًا جديدًا بالإلحاح – حتى بعد خسارة الانتخابات.

ودعت الكتلة المناهضة لـ (حزب الله) إلى حل الميليشيا غير الدستورية التابعة للحزب الشيعي، والتي تضم ما يقرب من: 30 ألف مقاتل متحالف تحالفًا وثيقًا مع “إيران” – تمامًا كما فعلت (القوات اللبنانية) عندما سلَّمت أسلحتها في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1991. ومنذ حل جناحها العسكري، ظلت (القوات اللبنانية) حركة سياسية عالية التنظيم وفعالة، مما يدل على أن حزبًا سياسيًّا دون ميليشيا يمكن أن ينجح في السياسة اللبنانية.

وتعمل المعارضة على تحفيز السياسة الخارجية أيضًا. وألقى البطريرك “بشارة بطرس الراعي”؛ زعيم الكنيسة المارونية، باللوم على (حزب الله) في زعزعة الاستقرار وصد الاستثمارات الأجنبية وقتل النمو الاقتصادي. ويرى “الراعي” أن المخرج من أزمة “لبنان” هو نزع سلاح (حزب الله) و”الحياد الإقليمي” الذي يستلزم التحرر من نفوذ “سوريا” و”إيران”، وكذلك إحياء هدنة “الأمم المتحدة”؛ لعام 1949، بين “لبنان” و”إسرائيل”.

محنة الاقتصاد اللبناني..

وبعد عام 1949، توسَّع الاقتصاد اللبناني بمعدلات مذهلة، حيث بلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي: 6 في المئة سنويًّا مع حد أدنى من التضخم في معظم أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. وبدأ إنحدار” لبنان” الطويل إلى حالة الدولة الفاشلة في عام 1969، عندما دعا المسلحين الفلسطينيين للانتقال إلى هناك من “الأردن”، وسمح لهم بالبدء في مهاجمة “إسرائيل”، وأثاروا عمليات انتقامية بعد أن اجتاحت “إسرائيل”؛ “لبنان”، أخيرًا لطرد الفلسطينيين؛ عام 1982، ورث (حزب الله) عباءة المقاومة وأبقى “لبنان” في حالة حرب منذ ذلك الحين، مما أعاق النمو الاقتصادي وأجبر الدولة على تحمل ديون أعلى من أي وقت مضى. وعندما نفد المال من بين أيدي المستثمرين والمواطنين اللبنانيين لإقراض دولتهم، تعثرت “بيروت” في السداد، مما أدَّى إلى إنهيار الاقتصاد والعُملة الوطنية؛ بحسب توصيف الكاتب.

ويُضيف الكاتب: اشترطت المنظمات الدولية ربط المساعدة المالية بالإصلاح، لكن حلفاء (حزب الله) السياسيين – الذين تحميهم ميليشياته – أوقفوا الإصلاح، خشية أن تجف تدفقات الأموال الفاسدة التي اعتادوا عليها. وفي المقابل، يوافق هؤلاء الحلفاء على احتفاظ (حزب الله) بسلاحه. وكان “الراعي” من أوائل من لفت انتباه الجمهور إلى هذا التعايش: لن يحدث الإصلاح والنمو الاقتصادي دون نزع سلاح (حزب الله) أولًا. وفي ظل مكانته بصفته زعيمًا دينيًّا لا يمكن المساس به، أصبح “الراعي” صوت الحركة التي تُطالب بنزع سلاح (حزب الله).

مصدر الصورة: رويترز

وفي خطابه الذي ألقاه بعد الانتخابات، أقر زعيم (حزب الله)؛ “حسن نصرالله”، أنه لم يفز أي حزب أو تحالف بأغلبية. لكن بفضل قدرته على ترهيب المنافسين، يتمتع (حزب الله) بالأفضلية. وعلى أقل تقدير يمكن للحزب (وميليشياته) أن يُثيروا عاصفة من الغضب ويشلُّوا الدولة حتى يحصلوا على ما يُريدون. حتى الأغلبية البرلمانية المعادية لـ (حزب الله)؛ في عامي: 2005 و2009، لم تنجح في إطاحة الحزب من السلطة.

نزع سلاح “حزب الله” مهمة “دموية”..

يُشدد الكاتب على أن نزع سلاح (حزب الله) بالقوة؛ هو مسعى دموي لا يرغب أحد في القيام به. لكن الجماعة لديها نقطة ضعف: إنها تدعي أن قواتها المسلحة الخارجة عن القانون تتمتع بموافقة مجلس الوزراء المنتخب. ومع ذلك، يُهيمن الموالون لـ (حزب الله) على مجلس الوزراء.

ويوضح الباحث أن (حزب الله) يقلد تكتيكات “بشار الأسد”، الذي احتلت قواته “لبنان” ذات يوم. وعندما طلب العالم من “الأسد” الانسحاب، أجاب بأن جيشه كان هناك بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية المنتخبة – وهي سلطة دمية تستجيب لـ”دمشق”. وأثناء الاحتلال السوري، طالب البطريرك الماروني آنذاك؛ “نصرالله بطرس صفير”، بالانسحاب السوري، وهي دعوة تصاعدت لتتحول إلى مظاهرة غير مسبوقة مناهضة لـ”سوريا”، في 14 آذار/مارس 2005. وكانت النتيجة “ثورة الآرز”؛ بقيادة تحالف من الأحزاب المناهضة لـ”سوريا”. وفقَدَ “الأسد” حجته، وفي نيسان/إبريل من ذلك العام، أكملت قواته انسحابها.

وإدراكًا منه أن التحالف المناهض لـ”سوريا” قد ينقلب في نهاية المطاف على (حزب الله) أيضًا، عزل الحزب زعيم أحد أحزاب التحالف، وهو زعيم (التيار الوطني الحر)؛ “ميشال عون”، من خلال وعده برئاسة “لبنان”، وهو ما حصل “عون” عليه في نهاية المطاف؛ في عام 2016.

ويرى الكاتب أن مفتاح نزع سلاح (حزب الله) هو إعادة بناء التحالف الواسع الذي طرد القوات السورية؛ قبل 17 عامًا، لكنه فشل في إجبار الميليشيا الموالية لـ”إيران” على تسليم ترسانتها للجيش الوطني كما فعلت الميليشيا المسيحية.

وأظهرت انتخابات 15 آيار/مايو؛ أن الناخبين اللبنانيين يشعرون بالاستياء من “عون”، الذي تقف كتلته المسيحية بقيادة (التيار الوطني الحر)؛ عقبةً رئيسة أمام جبهة موحدة مناهضة لـ (حزب الله). وشهد صهر “عون” والخليفة الطموح؛ “جبران باسيل”، تقلُّص حزبه في البرلمان من: 23 إلى: 18 مقعدًا. وحتى في المعقل الانتخابي لـ (حزب الله)، منطقة الجنوب 03، المتاخمة لـ”إسرائيل”، فاز معارضو الميليشيا بمقعدين، على الرغم من المضايقات والترهيب.

الناخبون سئموا الفساد و”حزب الله”..

وأضاف الكاتب أن انتخابات هذا العام أظهرت أن المسيحيين في “لبنان”؛ و”الدُروز والسُنة” وعددًا كبيرًا من الناخبين الشيعة سئموا من آفات الفساد المزدوجة و(حزب الله). وصنعت “إيران” الجماعة الشيعية المتشددة في الثمانينيات وقدمت لها أسلحة ودعمًا ماليًّا واسعًا منذ ذلك الحين. وتكمن مشكلة “لبنان” في أن “طهران” ووكلاءها اللبنانيين يعطون الأولوية للتشدد ويقدمونه على أكثر ما تحتاجه البلاد: الإصلاح والحريات المدنية والتعافي من الأزمة الاقتصادية العميقة اليوم.

مصدر الصورة: رويترز

وقد ينشر (حزب الله) العنف ضد أولئك الذين يُهددون موقعه المُهيمن – بالطريقة نفسها التي هاجمت بها الميليشيات المدعومة من “إيران”؛ في “العراق”، خصومها منذ تعرضها لهزيمة في الانتخابات؛ في تشرين أول/أكتوبر الماضي. وسيتعين على الشعب اللبناني أن يُقرر مدى استعداده لمواجهة هذا الخطر.

ويخلص الكاتب في ختام تحليله إلى أن “واشنطن”، من جانبها، عليها أن تؤيد رؤية البطريرك “الراعي” للسيادة الوطنية والإصلاح الشامل؛ وأن تنظر في دعوته إلى “البيت الأبيض”، تمامًا مثلما استقبل رئيس “الولايات المتحدة” آنذاك؛ “جورج دبليو بوش”، “صفير”، سلف “الراعي”.

وتضخ “الولايات المتحدة” بالفعل مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الإنسانية إلى “لبنان”. لكن الحاجة ستزداد فقط ما لم تُنحز “واشنطن” بحزم إلى دعاة السيادة والإصلاح.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة