بعد مرور أكثر من أربعة شهور على دخول تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد إلى الموصل تخلّى سكان المدينة عن وسائل الراحة الحديثة وعادوا لاستخدام وسائل ما قبل الصناعة للتكيّف مع توقف الخدمات وارتفاع الأسعار وهم يعيشون اليوم حياة الاحتطاب ويعودون لأحياء أستخدام تنور الطين من مقبرة التأريخ.
من جديد تضطر عائلة أم محمد للعودة عبر الزمن وأستحدام تنور الطين بسبب أزمة الوقود الخانقة خاصة الغاز والنفط الأبيض المستعمل للطبخ في مدينة الموصل. واجهت الأم الستينية أياماً لا تُحسد عليها عندما وجدت صعوبة في إعداد الطعام لعائلتها المكوّنة من عشرة أفراد وبعدما أيقنت العجوز بعدم وجود أي أمل في توفير الغاز قامت بالتعاون مع جاراتها ببناء تنور الطين وأصبح بإمكانها إعداد الخبز باستخدام الحطب متى تشاء.
في المدينة التي تقع تحت سيطرة العناصر المتشددة منذ شهور مضت ينشغل الناس بتأمين الخبز والطعام بقدر انشغالهم بجرائم داعش والحرب الدولية ضدها، انها محنة يومية ولأن الحاجة أم الاختراع بدأت تظهر أنواع مبتكرة من أدوات الطبخ.
المهندس المعماري حسن الملّا أصبح خبيراً في صناعة التنور وبات مشهوراً بين معارفه بمهندس الرغيف على سبيل الطرفة، بعدما كان مهندس مشاريع كبيرة قبل حزيران (يونيو) المنصرم. ويتحدث الملّا عن التنور قائلاً: ” إنه الأكثر انتشاراً وهو لا يحتاج إلى وقود مثل الغاز والنفط الأبيض وهو بدائي جداً يصنع من الطين ولا يجيد صنعه سوى النساء المسنات اللواتي كنَّ يستعملنه قبل عقود.
الملّا أشرف على بناء أعداد لا بأس بها من تنانير الطين لأقاربه وجيرانه وهو يأخذ بنظر الاعتبار الموقع ليضمن اختيار مكان يسهل تدفئة الطين فيه باقل ما يمكن من حطب.
ويتابع “النوع الآخر هو المصنوع من صفائح البراميل السيمكة ويباع بسبعين الف دينار أي ما يزيد قليلاً عن 50 دولاراً وهو عملي أكثر من غيره.
عندما ارتفع سعر اسطوانة الغاز إلى أربعين ألف دينار اضطر يونس حميد مثل معظم أرباب الأسر التي تعد الخبز بمنازلها إلى البحث عن بدائل، وفي السوق وجد الرجل خيارات عدة منها”الجولةوهي طباخ صغير بدائي يعمل على النفط الابيض، كما لفت انتباهه تنور سوري الصنع يعمل على النفط الخفيف ويباع بـ(150 ألف دينار).
ومع قرب حلول الشتاء الذي يجلب للموصليين برداً قارصاً على الدوام، فكر حميد بوسيلة تصلح لأن تكون واحد في اثنين، أي للطبخ والتدفئة في الوقت نفسه، وهو ما يوفره الطباخ الصغير الذي يتم استيراده مع أدوات أخرى من سوريا وتركيا.
الأزمة فتحت أبواب السوق على مصاريعها أمام سلع جديدة تناسب الظرف والحاجة الحالية، لكن روح التقليد دائما موجودة لدى العراقيين لذا بدأ الحدادون الموصليون يستنسخون أدوات الطبخ المستوردة ويصنعون مثلها بكلفة أقل، خاصة وأن التنور الذي يعمل على الغاز والكهرباء أُحيل إلى التقاعد تماماً.
غير بعيد عن سوق الحدادين بدأت الحياة تدب في منطقة الكوازين حيث السوق التراثي المشهور بصانعي أفران الطين والاشخاص الذي يجيدون هذه المهنة على عدد أصابع اليد وكان عملهم قبل عهد داعش مقصوراً على تجهيز أفران الطين بطلبات من أهالي القرى.
لكن الأمر بات مختلفاً اليوم إذ يصطف طابور طويل من المواطنين الذي ينتظرون دورهم في الحصول على تنور طين من يد ماهرة، مقابل خمسين ألف دينار.
تراقب حفيدات أم محمد جدتهم وهي تلتقط بمهارة رغيفا حاراً من فوهة ملتهبة، فيما تحكي لهن قصتها مع هذا التنور التي بدأت قبل نصف قرن عندما جربته أول مرة في إحدى قرى ربيعة غرب نينوى على الحدود مع سوريا.
وتؤكد الجدة إنها المرة الثالثة التي تعيد فيها بناء التنور، الأولى كانت عام 1991 أثناء حرب الخليج الثانية، ثم في عام 2003 عندما أسقطت أميركا نظام صدام، وهذه هي المرة الثالثة التي تعود فيها المرأة المسنة إلى عهد اختراعات الطين.
مدينة الموصل بأكملها تعيش اليوم تناقضات كبيرة حيث يُستعمل إلى جانب وسائل التطور التكنولوجي الهواتف الجوالة والأنترنت وسائل بدائية جداً.
المشكلة لم تنته بتوفير وسائل الطبخ، فالمعضلة الحقيقية في مصدر النار وبعدما يأس الناس من المشتقات النفطية والكهرباء، لجأوا إلى الحطب من الخشب والأوراق وغيرها.
عندما عاد يونس حميد إلى البيت ومعه تنور كان سعر برميل النفط الأبيض يترواح بين 100- 400 ألف دينار بحسب جودته، بينما حمولة سيارة صغيرة نوع(بيك آب)من الحطب يصل إلى خمسٍ وسبعين الف دينار، لذا بات الحطب أنسب بكثير للعائلات محدودة الدخل.
اضطر حميد إلى تحطيم أحد اجزاء غرف نومه المصنوعة من خشب الصاج للحصول على الحطب، فيما لجأ آخرون إلى إحراق المناهج الدراسية لأبنائهم ولاسيما أن المدارس مازالت مغلقة ولم تسلَم الملابس العتيقة والأحذية من الحرق في سبيل الحصول على رغيف خبز.
المفارقة الكبيرة هي أن تنظيم داعش الذي يقطع رؤوس البشر حرّم قطع الأشجار من غابات الموصل وفرض عقوبة على من يحاول أن يحتطب منها.
داعش يعيد الموصل لعهود الاحتطاب والتنور
بعد مرور أكثر من أربعة شهور على دخول تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد إلى الموصل تخلّى سكان المدينة عن وسائل الراحة الحديثة وعادوا لاستخدام وسائل ما قبل الصناعة للتكيّف مع توقف الخدمات وارتفاع الأسعار وهم يعيشون اليوم حياة الاحتطاب ويعودون لأحياء أستخدام تنور الطين من مقبرة التأريخ.
من جديد تضطر عائلة أم محمد للعودة عبر الزمن وأستحدام تنور الطين بسبب أزمة الوقود الخانقة خاصة الغاز والنفط الأبيض المستعمل للطبخ في مدينة الموصل.
واجهت الأم الستينية أياماً لا تُحسد عليها عندما وجدت صعوبة في إعداد الطعام لعائلتها المكوّنة من عشرة أفراد وبعدما أيقنت العجوز بعدم وجود أي أمل في توفير الغاز قامت بالتعاون مع جاراتها ببناء تنور الطين وأصبح بإمكانها إعداد الخبز باستخدام الحطب متى تشاء.
في المدينة التي تقع تحت سيطرة العناصر المتشددة منذ شهور مضت ينشغل الناس بتأمين الخبز والطعام بقدر انشغالهم بجرائم داعش والحرب الدولية ضدها، انها محنة يومية ولأن الحاجة أم الاختراع بدأت تظهر أنواع مبتكرة من أدوات الطبخ.
المهندس المعماري حسن الملّا أصبح خبيراً في صناعة التنور وبات مشهوراً بين معارفه بمهندس الرغيف على سبيل الطرفة، بعدما كان مهندس مشاريع كبيرة قبل حزيران (يونيو) المنصرم. ويتحدث الملّا عن التنور قائلاً: ” إنه الأكثر انتشاراً وهو لا يحتاج إلى وقود مثل الغاز والنفط الأبيض وهو بدائي جداً يصنع من الطين ولا يجيد صنعه سوى النساء المسنات اللواتي كنَّ يستعملنه قبل عقود.
الملّا أشرف على بناء أعداد لا بأس بها من تنانير الطين لأقاربه وجيرانه وهو يأخذ بنظر الاعتبار الموقع ليضمن اختيار مكان يسهل تدفئة الطين فيه باقل ما يمكن من حطب.
ويتابع “النوع الآخر هو المصنوع من صفائح البراميل السيمكة ويباع بسبعين الف دينار أي ما يزيد قليلاً عن 50 دولاراً وهو عملي أكثر من غيره.
عندما ارتفع سعر اسطوانة الغاز إلى أربعين ألف دينار اضطر يونس حميد مثل معظم أرباب الأسر التي تعد الخبز بمنازلها إلى البحث عن بدائل، وفي السوق وجد الرجل خيارات عدة منها”الجولةوهي طباخ صغير بدائي يعمل على النفط الابيض، كما لفت انتباهه تنور سوري الصنع يعمل على النفط الخفيف ويباع بـ(150 ألف دينار).
ومع قرب حلول الشتاء الذي يجلب للموصليين برداً قارصاً على الدوام، فكر حميد بوسيلة تصلح لأن تكون واحد في اثنين، أي للطبخ والتدفئة في الوقت نفسه، وهو ما يوفره الطباخ الصغير الذي يتم استيراده مع أدوات أخرى من سوريا وتركيا.
الأزمة فتحت أبواب السوق على مصاريعها أمام سلع جديدة تناسب الظرف والحاجة الحالية، لكن روح التقليد دائما موجودة لدى العراقيين لذا بدأ الحدادون الموصليون يستنسخون أدوات الطبخ المستوردة ويصنعون مثلها بكلفة أقل، خاصة وأن التنور الذي يعمل على الغاز والكهرباء أُحيل إلى التقاعد تماماً.
غير بعيد عن سوق الحدادين بدأت الحياة تدب في منطقة الكوازين حيث السوق التراثي المشهور بصانعي أفران الطين والاشخاص الذي يجيدون هذه المهنة على عدد أصابع اليد وكان عملهم قبل عهد داعش مقصوراً على تجهيز أفران الطين بطلبات من أهالي القرى.
لكن الأمر بات مختلفاً اليوم إذ يصطف طابور طويل من المواطنين الذي ينتظرون دورهم في الحصول على تنور طين من يد ماهرة، مقابل خمسين ألف دينار.
تراقب حفيدات أم محمد جدتهم وهي تلتقط بمهارة رغيفا حاراً من فوهة ملتهبة، فيما تحكي لهن قصتها مع هذا التنور التي بدأت قبل نصف قرن عندما جربته أول مرة في إحدى قرى ربيعة غرب نينوى على الحدود مع سوريا.
وتؤكد الجدة إنها المرة الثالثة التي تعيد فيها بناء التنور، الأولى كانت عام 1991 أثناء حرب الخليج الثانية، ثم في عام 2003 عندما أسقطت أميركا نظام صدام، وهذه هي المرة الثالثة التي تعود فيها المرأة المسنة إلى عهد اختراعات الطين.
مدينة الموصل بأكملها تعيش اليوم تناقضات كبيرة حيث يُستعمل إلى جانب وسائل التطور التكنولوجي الهواتف الجوالة والأنترنت وسائل بدائية جداً.
المشكلة لم تنته بتوفير وسائل الطبخ، فالمعضلة الحقيقية في مصدر النار وبعدما يأس الناس من المشتقات النفطية والكهرباء، لجأوا إلى الحطب من الخشب والأوراق وغيرها.
عندما عاد يونس حميد إلى البيت ومعه تنور كان سعر برميل النفط الأبيض يترواح بين 100- 400 ألف دينار بحسب جودته، بينما حمولة سيارة صغيرة نوع(بيك آب)من الحطب يصل إلى خمسٍ وسبعين الف دينار، لذا بات الحطب أنسب بكثير للعائلات محدودة الدخل.
اضطر حميد إلى تحطيم أحد اجزاء غرف نومه المصنوعة من خشب الصاج للحصول على الحطب، فيما لجأ آخرون إلى إحراق المناهج الدراسية لأبنائهم ولاسيما أن المدارس مازالت مغلقة ولم تسلَم الملابس العتيقة والأحذية من الحرق في سبيل الحصول على رغيف خبز.
المفارقة الكبيرة هي أن تنظيم داعش الذي يقطع رؤوس البشر حرّم قطع الأشجار من غابات الموصل وفرض عقوبة على من يحاول أن يحتطب منها.