خاص : كتبت – نشوى الحفني :
ما إن بسطت (طالبان) نفوذها على كامل “أفغانستان”، إلا واستيقظت على كابوس، (داعش)، الذي بات يجد من أراضيها ملاذًا آمنًا وأرضًا خصبة لاستعادة نشاطه بقوة، فمؤخرًا ذكر مصدر أفغاني أن: 04 عناصر في حركة (طالبان) قُتلوا، يوم الجمعة؛ جراء هجوم من مسلحي تنظيم (داعش)، في مدينة “شاريكار”، بمحافظة “باروان”، شمالي عاصمة “أفغانستان”، “كابول”.
وقال نائب وكيل وزارة الإعلام في الحكومة الأفغانية، التي شكلتها (طالبان)، “بلال كريمي”، إن سيارة تابعة لقوات الحركة تم استهدافها بتفجير نفذه (داعش) في “شاريكار”، شرق “أفغانستان”.
وأضاف أن عناصر الحركة ألقوا، لاحقًا؛ القبض على: 02 من مسلحي (داعش)، خلال عمليات البحث التي تلت التفجير، وتم القضاء على عدد من الآخرين.
كما قال “كريمي”؛ إن من: 03 إلى 05 مقاتلين، في (طالبان)؛ أصيبوا خلال الاشتباك مع عناصر (داعش).
لكن مصدرًا مطلعًا ذكر، في حديث لوكالة (نوفوستي)؛ أن: “عناصر (داعش) نفذوا هجومًا مسلحًا بعد تفجير في مدينة شاريكار، ما أسفر عن مقتل: 04 مقاتلين وإصابة: 02؛ في (طالبان)، و03 في (داعش)”.
ووفقًا للمصادر الأفغانية؛ فإن مقاتلي (طالبان)، اكتشفوا أثناء التحقيقات الميدانية، قاعدة لتنظيم (داعش) في المنطقة.
وأوردت مصادر حركة (طالبان) أن الهجوم الذي أوقع عددًا من القتلى والجرحى استهدف قافلة تابعة للحركة في ولاية “بروان”.
وفي آب/أغسطس الماضي، تمكنت حركة (طالبان) من الوصول إلى العاصمة، “كابول”، فأضحت تُسيطر على كافة مناطق البلاد، مستفيدة من الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد.
وأثيرت المخاوف منذ ذلك الحين، إزاء احتمال تقوي تنظيم (داعش) الإرهابي، فيما سارعت حركة (طالبان) إلى الطمأنة قائلة؛ إن الهجمات التي يقوم بها: “تحت السيطرة”.
قد يستخدم “داعش” وسيلة للضغط على “طالبان”..
عن هذا الموضوع؛ يقول المستشار في “المركز الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب، الدكتور “عماد علو”: “هناك اختلافات فكرية وفقهية بين حركة (طالبان) وتنظيم (داعش)، وكذلك صدامات مسلحة بينهما، منذ عدة سنوات، لكن (داعش) ليس بتلك القوة التي تكافيء قوة (طالبان)، حيث أن الأخيرة تتمتع بدعم دولي وتمسك بالسلطة في أفغانستان، وبحوزتها أسلحة ومعدات متطورة”.
وتابع “علو”: “التنظيمان يتألفان من تيارات مختلفة، تنتمي إلى عشائر وقبائل متباينة، حتى في أماكنها الجغرافية، سواء في أفغانستان أو في باكستان، وهذا يُمثل أحد أهم أسباب الخلاف بين التنظيمين، إضافة إلى أن قيادات (داعش) كانت، في السابق؛ جزءًا من حركة (طالبان)، لذلك فإن الخلافات ستستمر بينهما”.
مضيفًا أنه: “يمكن أن يُستخدم تنظيم (داعش) من الأطراف الدولية أو الإقليمية للضغط على حركة (طالبان)، لكن لا أظن أن (داعش) سيحظى بالحاضنة الاجتماعية، التي تؤهله لمنافسة حركة (طالبان)، بسبب الجرائم والتفجيرات التي قام بها التنظيم، والتي أدت إلى رفض الشعب الأفغاني في أن يكون حاضنة لـ (داعش)، إلا في بعض المناطق الشرقية”.
مخاوف من وقوع تمرد متجدد..
ويقول الكاتب “تريفور فيلسيث”؛ في تقرير نشرته مجلة (ناشونال انتريست) الأميركية؛ إن مدينة “جلال آباد”، في جنوب “كابول”، حيث يحظى (داعش خراسان) بتواجد ملحوظ، شهدت سلسلة من القنابل التي استهدفت مركبات (طالبان)، مؤخرًا، مما أدى لمقتل ثمانية أشخاص، من بينهم عدد غير معروف من جنود (طالبان) والمدنيين الأفغان.
كما ترددت أنباء عن وقوع ثلاثة انفجارات أخرى في المدينة، يوم الإثنين الماضي، على الرغم من أنه لم يمكن التأكد من وقوع خسائر أخرى في الأرواح بين عناصر (طالبان).
ويقول “فيلسيث”؛ إن حملة (داعش خراسان) الإرهابية ضد (طالبان)، التي تُسيطر الآن بشكل تام على كل “أفغانستان”، لأول مرة في تاريخها، تُثير المخاوف من وقوع تمرد متجدد.
ويضم تنظيم (داعش خراسان) الكثير من المسلحين من الأعضاء السابقين في (طالبان)؛ والذين أجتذبتهم الطموحات العالمية لـ (داعش)، كما يضم الكثير من الباكستانيين الذين ينتمون لحركة (طالبان باكستان).
وربما عُرف تنظيم (داعش خراسان) بهجومه الانتحاري في محيط “مطار حامد كرازاي الدولي”؛ أثناء عملية إجلاء “الولايات المتحدة” لقواتها، مما أدى لمقتل: 12 جنديًا أميركيًا وأكثر من: 90 من الأفغان، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من: 150 شخصًا.
اختبار رئيس لحكم “طالبان” !
وكانت (طالبان)، بعد سيطرتها على “كابول”، في 15 آب/أغسطس الماضي، وهو التاريخ الذي يُعتقد عمومًا أنه يُمثل نهاية الحرب التي دامت: 20 عامًا في “أفغانستان”، قد وعدت في مؤتمر صحافي مبكر؛ بأن الأرض الأفغانية لن تُستخدم مطلقًا بعد الآن لشن هجمات إرهابية. ولهذا السبب، فرضت هجمات (داعش خراسان) الإرهابية العلنية؛ ضغطًا متزايدًا على (طالبان) لكي تُرد بقوة لاحتوائها. كما أن قدرة (طالبان) على قمع النشاط العنيف تُعتبر أيضًا اختبارًا رئيسًا لحكم (طالبان) المبكر؛ حيث أن أحد النقاط التي روجت لها الحركة هي فكرة أن سيطرتها على السلطة في “أفغانستان” تُمثل نهاية الصراع الدائر منذ: 40 عامًا وعودة للسلام والسلامة العامة.
أبعد ما يكون عن أهم تحديات “طالبان”..
وقال “فيلسيث”؛ إن تنظيم (داعش خراسان) أبعد ما يكون عن أهم التحديات التي تواجهها (طالبان)؛ إذ أن (طالبان) تواجه مهمة لا تُحسد عليها تتمثل في إعادة بناء “أفغانستان”؛ بعد الحرب التي استمرت طوال أربعة عقود، ومنع حدوث أزمة اقتصادية، وتجنب وقوع مجاعة، والتعامل مع النظام الصحي المهلهل في البلاد؛ وسط تفشٍ جديد لفيروس (كورونا).
ومما يُزيد الطين بلة، قيام معظم النخبة المتعلمة في البلاد بالفرار منها؛ مما يُحرم (طالبان) من رأس مال بشري مهم. ورغم استمرار بقاء بعض منظمات المساعدات الدولية في البلاد، غادر الكثير من المنظمات الأخرى، مما يُحرم اقتصاد البلاد من أموال المساعدات. ورغم أن (طالبان) تعتمد تاريخيًا على تجارة “الهيروين” لتوفير التمويل اللازم لها، تعهدت أيضًا، أثناء مؤتمرها الصحافي؛ بالقضاء على زراعة “الأفيون” في البلاد، وبذلك من المحتمل أن تقضي على مصدر مهم للدخل.
ويختتم “فيلسيث” تقريره؛ بقوله إنه على هذا الأساس، ليس من المحتمل أن يُمثل تنظيم (داعش خراسان)، الذي يضم آلافًا قليلة من المقاتلين؛ تهديدًا خطيرًا لاستقرار البلاد، بالمقارنة بمجموعة القضايا المذهلة الأخرى التي تواجهها (طالبان).
يوجد ما بين 1500 إلى 2200 مقاتل أفغاني في ولاية “خرسان”..
ويوضح الخبير الأمني المصري، اللواء “خالد عكاشة”، أن: “ولاية (خراسان) سجلت حضورها الأول، في أفغانستان، عام 2015، عندما عُين: حافظ سعيد خان؛ أميرًا للتنظيم على الولاية الوليدة، حينذاك، بعد أن قبل، أبوبكر البغدادي، البيعة من المجموعات المحلية التي أتحدت تحت تلك الراية، استعدادًا للتمدد في: أفغانستان وباكستان والهند وبنغلاديش وسيرلانكا وأوزبكستان وطاجيكستان، فضلاً عن أجزاء من إيران، بحسب انتمائها لمصطلح (خراسان)، الذي يضم هذه المنطقة الشاسعة، بحسب، أبي محمد العدناني، المتحدث باسم القيادة المركزية للتنظيم، الذي وصف هذا التدشين بالفتح المبين”.
ويضيف: “بدأت أول هجمات الولاية الجديدة، في نيسان/إبريل من ذلك العام، فيما سُمي لاحقًا بأعوام الذروة لقوة التنظيم: (2015، 2016، 2017). هذه الولاية التي تتبع تنظيم (داعش) إيديولوجيًا وتنظيميًا؛ خطط لها من البداية أن تُمثل موطيء قدم كبيرة في آسيا الوسطى، وتطورت المهمة لاحقًا بعد إنهيار (مركز الخلافة)، في سوريا والعراق؛ ليُمثل الفرع الخرساني قوات المقدمة، من أجل تأسيس ساحة بديلة للانحسار المكاني الذي تجسد بمقتل، أبوبكر البغدادي”.
ويتابع: “التقديرات الأمنية لأجهزة الاستخبارات؛ التي عملت في أفغانستان خلال تلك الأعوام، حددت القوة البشرية المؤكدة والمستقرة داخل صفوف ولاية (خراسان)؛ ما بين: 1500 إلى: 2200 مقاتل من أصحاب الجنسية الأفغانية وحدها، رغم تكبدها لخسائر كبيرة ما بين عام: 2015 و2020؛ جراء ملاحقة القوات الأميركية لها، عبر العمل الاستخباراتي الذي صاحبه قصف جوي مركز للمناطق التي تتمكن الولاية من الاستقرار فيها، ولعل أشهر هذه الهجمات؛ عندما قام سلاح الجو، في نيسان/إبريل 2017، بقصف مجمع كهوف شرق أفغانستان، بأكبر قنبلة تقليدية في الترسانة الأميركية، (20 ألف رطل)، ليصيب الملاذ الأكبر للولاية بخسائر فادحة في صفوف القيادات والمقاتلين”.
عوضت خسائرها بعمليات ضم واسعة..
ويقول “عكاشة”: “رغم اعتبار العام 2020؛ هو الأسوأ في تضييق المساحات أمام التنظيم، بعد أن دخلت حركة (طالبان) على خط المواجهات، بعدما بدأت تُنسق بشكل كبير مع القوات الأميركية، إلا أن الولاية الداعشية تمكنت، خلال الشهور الماضية، من تعويض خسائرها بعمليات ضم واسعة لعناصر انتمت سابقًا لـ (شبكة حقاني)، الذراع المسلح الأقوى لـ (طالبان)، فضلاً عن مجموعات من: (عسكر طيبة) و(جماعة الدعوة)، من باكستان، و(الحركة الإسلامية) في أوزبكستان”.
ويُشير الخبير الأمني المصري إلى؛ أن: “هناك إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة؛ نسبت لولاية (خراسان) قيامها بتنفيذ: 77 هجومًا، خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 وحده، وهناك أخرى وفق الإصدار الإعلامي للتنظيم: (النبأ، أعماق)؛ ذكرت أن عملية مطار كابل تُعد الهجوم: الـ 96 في غضون الثلاثة أشهر الأخيرة”.
ويتابع: “أكدت عناصر طالبانية هذا الإحصاء باعتباره أقرب للصحة بالفعل ما بين هجمات متوسطة وكبيرة. واللافت أن: 80% من العدد الذي ذكرته ولاية (خراسان) كان موجهًا ضد حركة (طالبان) بالخصوص، حيث تعتبرها الولاية في حكم: (المرتدين)، هكذا تصفهم صراحة في كافة إصداراتها، للحد الذي ندد فيه التنظيم باستيلاء (طالبان) على أفغانستان مؤخرًا، لذلك فمن مصلحة الولاية حاليًا شن هجمات تُثير الفوضى في البلاد، بعد سيطرة الحركة لإحراجها وزعزعة مكانتها الداخلية، بل ومهاجمة: (الشرعية الدينية)، لـ (طالبان) على الأرض”.
ويضيف: “فالخلاف العقائدي العميق يكشف التباين الكبير بين المشروع الطالباني، الذي يظل محكومًا بالصبغة الوطنية القومية التي تهدف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة نظام حكم إسلامي محلي، وبين ما تنتهجه ولاية (خراسان)؛ فيما يُعرف: بـ (الأممية الجهادية)، التي لا تعترف بالقومية أو الحدود. ووفق تلك المفاهيم تنشط ماكينات التجنيد التابعة لـ (داعش)، من أجل ضم أكبر قدر من الأعضاء الأكثر تطرفًا في صفوف (طالبان) أو غيرهم من المسلحين الذين يشعرون: بـ (التهميش)”.
استعادة فترة “العمليات المروعة” الأولى..
ويقول “عكاشة”: “ولاية (خراسان)؛ اللاعب القديم الجديد على الأراضي الأفغانية، مُرجح لها وفق المعطيات المتوافرة حتى الآن على الأقل، أنها تُراهن على استعادة فترة: (العمليات المروعة) الأولى، التي صاحبت تأسيس الولاية وظهورها على الأراضي الأفغانية. فمنذ بداية إنطلاقها ـ كعادة التنظيمات الإرهابية ـ اعتبرت (طالبان) عدوًا رئيسًا لها، خاصة وأن العديد من مؤسسي الولاية وقادتها من المنشقين عن حركة (طالبان الباكستانية)، سرعان ما انخرطوا في مواجهات مع حركة (طالبان أفغانستان) للسيطرة على مناطق رئيسة على الحدود مع باكستان مرتبطة بتهريب المخدرات وسلع أخرى”.
ويوضح: “ومن ثم سريعًا انتقلت لتنفيذ سلسلة من التفجيرات الانتحارية، في كابل، العاصمة ومدن أخرى، ضد الحكومة وأهداف عسكرية أجنبية، سعيًا منها لترسيخ صورتها كحركة أشد عنفًا وتطرفًا من منافسيها الطالبيين”.
أفغانستان حلم “داعش” البديل لاستعادة الخلافة المفقودة..
ويؤكد: “لتحقيق هذا الهدف؛ تنوعت هجمات: (ولاية خراسان)، ما بين عمليات إعدام بشعة لوجهاء القرى والقبائل، وقتل موظفي الصليب الأحمر والعاملين بمجال الإغاثة، والأشهر منها بالتأكيد الهجوم الذي نفذته، في آب/أغسطس 2020، باقتحام (سجن جلال آباد) المركزي بولاية ننغرهار، حيث تمكنت خلاله من إطلاق سراح المئات من القيادات والمقاتلين التابعين للولاية. فضلاً عن شن هجمات انتحارية وسط الحشود في المناسبات، بما في ذلك تنفيذ سلسلة من العمليات الدموية ضد أهداف مرتبطة بالمنتمين إلى المذهب الشيعي”.
ويشرح “عكاشة”: “المعلومات الاستخباراتية حددت جنسيات المنتمين لولاية (خراسان)، بأنها تضم باكستانيين من جماعات متشددة سابقة، ومتطرفين أوزبيك، إضافة إلى الأفغان، في باديء الأمر قاموا بالسيطرة على عدد محدود من المناطق الحدودية مع باكستان، قبل أن ينجحوا في فتح جبهة ثانية رئيسة في الأقاليم الشمالية، بما في ذلك مناطق: جاوزجان، وفارياب، ومنها إلى شمال شرق أفغانستان، لا سيما مقاطعات: قندوز، وكونار، وننغرهار، ونورستان”.
ويضيف: “ومع القيادة الجديدة للولاية المتمثلة، بـ (أسد الله أوراكزي)، المُكنى: بـ (أسد الله المهاجر)، الذي يتمتع بمهارات تنظيمية استثنائية، فضلاً عن خبرات عسكرية وأمنية طويلة منذ الإعلان عن تأسيس الولاية، ما مكنها من التكيف والصمود في وجه الضربات التي تعرضت لها، كما نجح في إعادة بناء شبكاته القتالية في فترة زمنية وجيزة ولافتة، يُصبح المشهد القادم مفتوحًا على عديد من احتمالات تدشين فصل جديد من الإقتتال البيني، بينه وبين حركة (طالبان)، خاصة مع فقدان (طالبان) للدعم الأميركي الذي ظل لسنوات يُمثل عامل الترجيح للحركة في مواجهة تنظيم (داعش). اليوم الولاية تطمح لأن يكون نطاقها الحيوي بأفغانستان مركزًا بديلاً تستعيد على أراضيه حلم الخلافة المفقود، خاصة وكافة المعطيات داخل أفغانستان وجوارها الإقليمي يجعل هذا الحلم الآن مشروعًا بأكثر من أي وقت مضى”.