“داعش” وهجوم طهران .. قراءة في المعادلة المستحيلة

“داعش” وهجوم طهران .. قراءة في المعادلة المستحيلة

كتبت – ابتهال علي :
رغم دورها المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا، ورغم وجودها الجغرافي والسياسي في خضم أنواء الحرب ضد “داعش”، إلا أن إيران كانت في مأمن من عمليات التنظيم الإرهابية التي عصفت بالمنطقة من “ليبيا” حتى “أفغانستان”.
كل هذا جعل من الهجوم المزدوج الذي أصاب إيران أشبه بـ”بيضة الديك” المستحيلة.. فهو أول هجوم تتعرض له البلاد منذ سنوات. وزاد من وقع الصدمة أن الهجمات استهدفت أماكن ذات أهمية رمزية للإيرانيين: “البرلمان وضريح الإمام الخوميني”، زعيم الثورة الإيرانية عام 1979.
ما يثير العديد من التساؤلات أبرزها: “هل ستتغير نظرة وحسابات طهران للإرهاب ؟.. وهل ينبع هذا التغيير من الدول التي توجه لها إيران أصابع الإتهام ؟.. ولماذا هذا التوقيت بالذات في شهر رمضان المبارك وفي خضم أزمة سياسية تهدد منطقة الخليج بعد قطع عدة دول علاقاتها الدبلوماسية مع قطر ؟”.
ويقودنا ذلك إلى التساؤل: “هل تشعل “داعش”، الجماعة الجهادية السنية، لهيب حرب طائفية بين السنة والشيعة بهذا الهجوم الدموي في وسط العاصمة الإيرانية ؟”.
توقع تحليل إخباري نشرته صحيفة “كريستيان ساينس مونيتورز” الأميركية بعنوان: “الإرهاب في طهران: هل يمكن للهجمات أن تغير استراتيجية إيران تجاه داعش ؟”، أن ينجم عن الهجوم نقاش داخل المجتمع الإيراني بشأن أهمية اشتراك إيران في الحرب ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.
ويعتقد المحللون الإيرانيون أن أهم ثمار العملية الإرهابية هو التفاف الجميع حول العلم الإيراني ونبذ الجدال الدائر منذ سنوات حول ما يبذله الإيرانيون من تضيحات بالدم والمال في المعارك الدائرة في العراق وسوريا ضد تنظيم “داعش” الذي يحمل لواء الخلافة السنية.
وتنقل الصحيفة الأميركية عن “حسن أحمديان”، الأستاذ المساعد المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة طهران قوله: “سيكون التأثير الفوري هو تعزيز شعبية سياسة إيران في مكافحة الإرهاب في المنطقة”، وألمح “أحمديان” إلى أن الهجوم الأخير في عقر دار إيران يعطي النظام الإيراني ذريعة قوية تبرر سياساته في سوريا والعراق وربطها بالأمن القومي، وحجتها إذا لم نقاتل تنظيم “داعش” هناك فسوف نضطر إلى مواجهتم فوق التراب الإيراني”.
وفى بيان صدر، بعد وقت قصير من الهجوم، تمسك “الحرس الثوري” الإيراني بإتهام السعودية والولايات المتحدة بأنهما وراء الهجمات، خاصة أن الهجوم يتزامن مع سلسلة من التراشق بين الرياض وطهران، كما أن الأمير “محمد بن سلمان” وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد أعلن في الثاني من آيار/مايو الماضي، ان بلاده ستعمل على نقل المعركة مع إيران إليها وليس في المملكة العربية السعودية.
البحث عن شريك في “أنقرة” و”موسكو”.. وتجنب المغامرات الطائشة..
عقب هجمات طهران بوقت قصير، توجه وزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” إلى “تركيا”، التي يدرس فيها البرلمان قرارًا بإرسال قوات تركية إلى قطر في أعقاب قطع عدة عواصم خليجية وعربية وجزر المالديف علاقاتها مع الدوحة.
وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن سياسة أنقرة وطهران في سوريا تحكمها نظرية الاستقطاب في العلاقات الدولية، إذ تدعم إيران نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” منذ إندلاع الثورة السورية في شباط/فبراير 2011، بينما تساند تركيا معارضيه.
لكن تركيا تعرضت للعديد من هجمات تنظيم “داعش”، ويسعى كلا الجانبين للبحث عن حلول دبلوماسية للحرب السورية، بحسب صحيفة “كريستيان ساينس مونيتورز”.
وترى الصحيفة الأميركية أن رد فعل إيران تجاه الهجوم المزدوج لن يكون مغامرة طائشة سريعة.
ويقول الأكاديمي الإيراني “محمد علي شعباني”، محرر باب “نبض إيران” في “المونيتور”، الذي يعيش في العاصمة البريطانية لندن، “لن يقرروا الآن، ولن يفكروا في تفجير قنابل في الرياض، مثلًا، فهي فكرة تتسم بالغباء”.
ويستطرد “شعباني” قائلاً: “أننا سنلمس جهود إيرانية لمهاجمة النفوذ الأميركي والسعودي في العراق وسوريا – ليست بآساليب بلاغية أو مادية – إنما بالعمل على نحو اوثق مع شركاء إيران الروس والأتراك، لبلورة استجابة فعالة ضد الهجوم الإرهابي الذى تعرضت له طهران”.
وتعليقًا على المغزى من زيارة وزير الخارجية الإيراني لتركيا، يتوقع “شعباني” أن ينقل “ظريف” لأنقرة رسالة بشأن العمل المشترك لحل الأزمة القطرية والسورية والتخلص من الفوضى في المنطقة نهائيًا. على أساس أن تركيا وطهران يواجهان تهديدات مشتركة وبينهما مصالح ثنائية.
وتعتبر الصحيفة الأميركية أن هذه الدبلوماسية تتناغم مع خطاب النظام الإيراني للإستهلاك المحلي وتدعم التأييد لعمليات الحرس الثوري الإيراني في الخارج خاصة في سوريا والعراق.
لكن.. لماذا حول تنظيم “داعش” من إتجاه بوصلته واستهدف إيران هذه المرة ؟
أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هجمات طهران في بيان بثته وكالة “أعماق”، التابعة له، عبر تطبيق “تلغرام”. وقالت الوكالة إن مقاتلين من تنظيم “داعش” قد هاجموا ضريح “الإمام الخوميني” ومبنى البرلمان الإيراني وسط طهران.
يقول موقع مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أنه بعد سنوات من الترقب وإعلان تنظيم “داعش”، الذي بزغ للأضواء عام 2014، عن رغبته في ضرب إيران، أعلن تنظيم “داعش” أنه فعلها أخيرًا. ويعتبر أنه إذا صدق تنظيم “داعش” فى مزاعمه الأخيرة، فسوف تكون ضربة موجعة لحكومة الثورة الإيرانية على المستوى الروحي والمدني.
بعد أن أطلق أربعة مسلحين النار داخل مجلس الشورى الإيراني “البرلمان، بينما فجر آخرون قنبلة داخل ضريح “آية الله الخميني” مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما أسفر عن مصرع 12 شخصًا وإصابة 42 آخرين.
شريان حياة للقاعدة وممرات آمنة من أفغانستان للعراق..
يمثل الهجوم الإرهابي، الذي طال طهران، تحولًا خطيرًا في علاقة إيران بتنظيم “القاعدة” وذيوله، الذي ارتبط في علاقة سرية مع النظام الإيراني أبعدته عن أي هجوم إنتحاري يستهدف آراضيه ومصالحه.
فمنذ عام 2007، يهدف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – الذي صار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فيما بعد – إلى ضرب إيران، وذريعته الجوهرية أن نظام الملالي في طهران يدعم الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية.
ويتعارض تصميم “داعش” على ضرب طهران مع موقف تنظيم “القاعدة” من إيران، الذي استمر طويلًاً في مهاجمة الجمهورية الإسلامية بهدف ابتزازها كقاعدة خلفية و”مغارة علي بابا” للحصول على التمويل. وتري المجلة الأميركية أن حسابات “بن لادن” للمكسب والخسارة رجحت صفقة التعاون مع الإيرانيين.
في عام 2007، كتب “أسامة بن لادن”، زعيم تنظيم “القاعدة” رسالة خاصة إلى قادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد مقتل زعيمه “أبو مصعب الزرقاوي”، يحثهم فيها على كف أيديهم عن طهران، وقال “بن لادن” في الرسالة: “لم تتشاور معنا بشأن هذه القضية الخطيرة التي تؤثر على الرفاه العام لنا جميعاً”. مؤكدًا على أن إيران هي الشريان الرئيس الذي يمد تنظيم “القاعدة” بالأموال والموظفين والاتصالات، فضلاً عن مسألة الرهائن. مختتمًا رسالته قائلًا: “ليس هناك حاجة لقتال إيران، إلا إذا كنت مجبرًا على ذلك”.
وقد عثر عناصر “السيلز” الأميركي على هذه الرسالة ضمن وثائق أخرى في مجمع “أسامة بن لادن” بمنطقة “أبوت آباد” الباكستانية خلال غارة قتل “بن لادن” في آيار/مايو 2011.
وكانت مخاوف “بن لادن” في محلها، خاصة بعد توابع هجمات أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، إذ فرت مجموعة من عناصر “القاعدة” وأفراد أسرة “بن لادن” إلى إيران، حيث ظلوا قيد الإقامة الجبرية، ومن بينهم ابنه “حمزة بن لادن”، الذي يروج له تنظيم “القاعدة” باعتباره خليفة لوالده في زعامة التنظيم. إذاً امتنعت “القاعدة” عن ضرب إيران لحماية مصالحها اللوجيستية والجيوسياسية، وأبرزها ضمان أمن ممراتها إلى أفغانستان والعراق.
“أبو بكر البغدادي” والمخابرات الإيرانية..
دفع هذا الهجوم، الذي يمثل انعطافًا حادًا في موقف الجماعات الإرهابية تجاه طهران، موقع “ذا ديلي بيست The daily beast” إلي تناول الآلية التي نجح بها تنظيم “القاعدة” في حماية إيران من هجمات “داعش” حتى الآن، على شاكلة العمليات الإنتحارية التي تهز العراق وأفغانستان.
وذكر الموقع أن “أيمن الظواهري” – الذراع اليمنى لـ”أسامة بن لادن” – أقنع “أبو مصعب الزرقاوي” زعيم القاعدة في العراق، قبل مقتله في حزيران/يونيو 2006، بعدم استهداف الشيعة في العراق.
وقد سعى “الزرقاوي” إلى بث سموم الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في بلاد الرافدين خاصة بتفجير “المسجد الذهبي” في سمراء عام 2006.
وجاء انفصال جناح “القاعدة” في العراق عن التنظيم الأم عام 2014، على يد “أبو بكر البغدادي”، ليبدأ فصل جديد في توجهات التنظيم الذي أطلق عليه “داعش” نحو القيام بعمليات إرهابية داخل إيران وضد الشيعة بصفة عامة، متهمًا قادة القاعدة بالتساهل مع الشيعة.
ويورد الموقع توبيخ “أبو محمد العدناني”، المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في آيار/مايو 2014، اللاذع لقادة “القاعدة” لعلاقتهم بإيران، إلا أنه اعترف أن “داعش” يمتثل لأوامر تنظيم “القاعدة” بعدم استهداف الشيعة خارج العراق، خاصة في إيران لحماية مصالحه وخطوط إتصالاته.
هذه العلاقة بين القاعدة وإيران لم تكن خافية عن الولايات المتحدة، ففي عام 2011 كشفت وزارة الخزانة الأميركية عن رموز لتنظيم “القاعدة” في إيران تدير شبكات نقل الأموال وعناصر التنظيم من مخابئهم في “أفغانستان وباكستان” إلى العالم الخارجي ووصف الأميركيون طهران بأنها “شريان حياة رئيس” للقاعدة.
كما كشفت الولايات المتحدة عن علاقة جمعت زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي بالمخابرات الإيرانية خلال ذروة الحرب الأميركية ضد العراق.
سيناريوهات سموم “داعش” و”إدارة التوحش”..
لكن لماذا استغرق الأمر 3 سنوات حتى يطلق تنظيم “داعش” سمومه في عمق إيران ؟.. ونظرًا لغياب روايات من داخل “داعش” عن مبررات التأخير، وضعت مجلة “فورين بوليسي” سيناريوهات عدة، منها أن التنظيم لم يكن يمتلك كوادر قادرة على اختراق نظام الأمن الإيراني، لذا عكف طوال الثلاث سنوات الماضية على تجنيد وتدريب كوادر من الإنتحاريين الإيرانيين يعودون لموطنهم لشن هجمات إنتحارية مثل الجهاديين من فرنسا وبلجيكا، الذين عادوا من الجهاد في سوريا لشن عمليات إرهابية في البلدين العامين الماضيين.
والسيناريو الثاني ينبع من دواعي استراتيجية، جاءت في كتاب، يمثل المرشد العملي للجماعات الجهادية، وهو كتاب “إدارة التوحش The Management of Savagery” وهو إثارة حفيظة الإيرانيين بتنفيذ عمليات إرهابية داخلها تؤجج رغبة الإنتقام لديها فتضرب خصوم سنية مثل المملكة السعودية أو سنة العراق، الأمر الذي من شأنه توسيع قاعدة تنظيم “داعش” بين صفوف السنة.
وأخيراً، فإن “داعش” يرغب في التفوق على تنظيم “القاعدة” وجذب قلوب وعقول الجهاديين في أنحاء العالم، وهو أمر يحتاجه التنظيم بشدة لتجديد الدماء في صفوف مجنديه في سوريا والعراق. ويبرز هنا أهمية توقيت هجوم إيران المزدوج، حيث يسعى التنظيم إلى إلهام ذئابه المنفردة لشن هجمات جهادية في شهر رمضان.
نهاية غرام الأعداء بين القاعدة وطهران..
يبقى السؤال: هل جاء الهجوم الأخير بسبب تخلي طهران عن صفقة سرية مع تنظيم “القاعدة” أو نهاية لفصل عنوانه “غرام الأعداء” بين القاعدة وإيران ؟
يشير موقع “ذا دايلي بيست” إلى أن تنظيم “القاعدة” بعد مقتل زعيمه في الغارة الأميركية، لم ينتهي بل توسع في مناطق عدة وانضم تحت لوائه في شبه الجزيرة العربية أكثر من 4000 مقاتل وفي الصومال، تضم حركة الشباب أكثر من 7 آلاف شخص، وفي سوريا، تضم جبهة النصرة نحو 20 ألف مقاتل، وفي الوقت نفسه، حصدت “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” ملايين الدولارات من أموال الفدية، كما ان “حركة طالبان”، عادت في السنوات الست الأخيرة لتسيطر على عدة مقاطعات أفغانية، وتوغلت “الجماعة الإسلامية” في جنوب شرق آسيا عبر 66 مدرسة.
ويصف الموقع توسع “القاعدة” بالأمبراطورية شاسعة الأطراف المحكومة بقيادة مركزية في “وزيرستان”، يطلق عليها “خراسان”، ويلفت إلى أن هذا التمدد قلل من اعتماد تنظيم “القاعدة” على إيران.
وأخيرًا، سعت آلة “داعش” الدعائية إلى تصوير التنظيم باعتباره حامل لواء السنة ضد الكيانات المسلحة ذات التوجه الشيعي فى المنطقة المدعومة من إيران مثل “الحشد الشعبي” في العراق و”حزب الله” اللبناني و”جيش بشار الأسد” في سوريا العلوي. ومما لاريب فيه أنه عقب هجوم طهران الذي أشبه بـ”بيضة الديك” تمكن التنظيم من نقل الجهاد السني إلى عقر دار إيران وهو ما دأب تنظيم “القاعدة” على تجنبه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة