خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
يقدم نفسه باسم “توني”؛ وفي عينيه حزن التشرد عن الوطن. هو من مسيحيي “دمشق”، والآن هو لاجيء في “إسنطبول” حتى تتسنى له الهجرة إلى “أوروبا”. فقد أحد أبناءه أثناء الخروج من “سوريا”. وهو يتهم “الجمهورية الإيرانية”، بالسبب في تشريده؛ والكثير من أبناء وطنه.
تلكم القصة ما هي إلا واحدة من خبرات كاتب هذا التقرير؛ في التعاطي مع الأقليات الدينية السورية.
فقد أفضى تدخل الكثير من الدول: كـ”إيران”، في الأزمة السورية، إلى لجوء الكثير من أبناء الطوائف المسيحية، واليهودية، والدورزية، والإيزيدية إلى دول أخرى.
وتتناقص أعداد الأقليات الدينية، في “سوريا”، وتعرضت الكثير من مراكزهم الدينية للإغلاق أو التدمير بواسطة الفصائل الأصولية، مثل (داعش).
كذا، وكما سيرد في التقرير؛ فقد أضحى رواج التشيع في “سوريا”، أحد أدوات “الجمهورية الإيرانية” لتحقيق مآرب سياسية. وقد أضحت “سوريا”، قبل سنوات، بؤرة لأمراء الحرب من الدول الأخرى، لكن الأقليات الدينية كانت الأكثر تضررًا، بحيث يهرب أتباع الديانات الأخرى من هذا البلد الذي كان يومًا أهم وجهة بالشرق الأوسط للأقليات الدينية. بحسب “بهناز حسيني”؛ الباحث الإيراني في شؤون الأقليت الدينية، في تقريره على موقع (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية.
الإيزيديون..
يعيش، حتى الآن، أغلب أبناء الطائفة الإيزيدية في محافظات: “الحسكة وحلب ودمشق”، رغم عدم الإعلام، خلال السنوات الماضية، عن إحصائيات واضحة عن أبناء هذه الطائفة.
والإيزيديون من أكبر ضحايا الحرب السورية. فقد تعرضت أبناء الطائفة لعملية إبادة واعتداء على النساء، بواسطة تنظيم (داعش) الإرهابي، في آب/أغسطس 2014م.
لكن معاناة الإيزيديين لم تقتصر فقط على بضع سنوات.
يقول أحد أبناء الطائفة: “أضحى إسترقاق تنظيم (داعش)، نساء وأبناء الطائفة الإيزيدية؛ معضلة دائمة منذ بداية الحرب السورية”.
وأضاف: “في العام 2014م، كان يعيش حوالي 400 ألف من أبناء الطائفة في بلدة، (الجزيرة) السورية. وفضل الكثير منهم الفرار إلى (عفرين)، بعد احتلال القوات التركية للشمال السوري، قبل الفرار من سوريا تحت وطأة العمليات (السورية-التركية) المشتركة. وحاليًا يعيش عدد قليل جدًا من أبناء الطائفة، في الحسكة والقامشلي وعامودا، حيث تراجعت الهجرات إلى أوروبا وأميركا”.
المسيحيون..
شكل المسيحون، قبل العام 2011م، نسبة 10% من المجتمع السوري، حيث بلغت أعدادهم، آنذاك، حوالي 2 مليون شخص، فقد بلغت أعداد القرى المسيحية، حتى قبل الحرب الأهلية، 2500 قرية؛ فضلًا عن القرى المختلطة.
وحاليًا تناقصت أعدادهم إلى ما دون 700 ألف مسيحي. وتحوز نظرة المسيحيين، في “سوريا”، للحرب الأهلية وتأثيرها على الأقليات الدينية، أهمية كبرى لأن “سوريا” تحتل المرتبة الثانية، بعد “لبنان”، باعتبارها دولة ذات أغلبية مسلمة تضم عدد كبير من أبناء الطائفة المسيحية.
يصف مسيحي سوري، الأوضاع قبيل الحرب؛ بقوله: “كانت سوريا تضم طيف هائل من أتباع الديانات الأخرى، وتاريخيًا تشكل هذه المنطقة فسيفساء من مختلف الأديان. وكان عدد المسيحيين في سوريا كبير جدًا، في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وتحديدًا الأرثوذكس السريان. لكن الأعداد في تناقص بسبب الهجرات إلى أوروبا”.
مع هذا لايزال يعيش عدد لا بأس به من المسيحيين في المناطق الساحلية السورية، وبخاصة محافظة “طرطوس”. ويرأس البرلمان السوري حاليًا مسيحي.
اليهود..
كان عدد اليهود، في “سوريا”، حتى 1987م، حوالي 3 آلاف يهودي، وتناقصت الأعداد بعد الهجرات الكبيرة، في العام 1992م، إلى ما دون 200 يهودي يقيم معظمهم في العاصمة.
ويصعب عدم تنصيف اليهود السوريين كعرب؛ لأنهم يتحدثون العربية. وتختلف درجات تعمق يهود سوريا، (كما الدول الأخرى)، في الفروع الدينية المختلفة.
يقول أحد أبناء الطائفة: “تتعامل الحكومة السورية مع اليهود بوصفهم جماعة دينية؛ لا من منظور عرقي، وحتى في الوثائق الرسمية يُعرف اليهود السوريين، بـ (الموسويون)، أتباع موسى، لا كيهود”.
مع هذا يبدو أن اليهود، في “سوريا”، يتعرضون إلى قيود لأسباب سياسية، حيث تفرض السلطات قيود على مشاركتهم في المجالات الاقتصادية الرئيسة.
والأقليات الدينية، في “سوريا”؛ موضوع يحتاج إلى مجال أوسع.
ويعتنق “بشار الأسد”، المذهب العلوي، وهو يعتبر من الأقليات الدينية بالنظر إلى الأكثرية السُنية. والتقارب الديني بين العلويين والشيعة انعكس على العلاقات السياسية؛ وساهم في التقارب السوري مع “إيران” على حساب العلاقات مع بعض الدول العربية في المنطقة.
ولم يسهم هذا التقارب، خلال السنوات الأخيرة، في إشتعال الحرب الأهلية فقط، وإنما ترويج المذهب الشيعي بشكل غير مباشر.
وقد اعترف الكثير من أبناء النخبة الفكرية السورية بحقيقة تحفيز الكثير من السوريين على إعتناق المذهب الشيعي.
بخلاف “إيران”؛ فقد أثر التدخل التركي العسكري، في “سوريا”، على مصير الكثير من غير المسلمين في هذا البلد.