وكالات – كتابات :
منذ بدء الهجوم الروسي؛ قرَّر الرئيس الأوكراني منع الرجال من مغادرة البلاد، لكن بعد نحو: 05 أشهر من الحرب يُحاول كثيرون التحايل على حظر السفر بطرق متعددة، فهل هؤلاء “خونة” كما يصفهم البعض ؟
كانت “روسيا” قد بدأت الهجوم، الذي تصفه بأنه: “عملية عسكرية خاصة” تهدف إلى منع عسكرة “أوكرانيا”، يوم 24 شباط/فبراير 2022، وبعد أقل من 24 ساعة أصدر الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، قرارًا تنفيذيًا بمنع سفر الرجال من سن: 18 إلى 60 عامًا خارج “أوكرانيا”.
لكن قرار “زيلينسكي”، الذي يوصف من جانب (الكرملين) بأنه: “دمية” تُنفذ أجندة غربية تهدف إلى الإضرار بالأمن القومي الروسي، أثار حالة من الجدل داخل البلاد، بين من يؤيد القرار ويراه منطقيًا في ظل الخطر الوجودي الذي يُمثله الهجوم الروسي، الذي يوصف من “كييف” والغرب بأنه غزو وعدوان غير مبرر، وبين من يرى القرار بلا جدوى وأضراره أكثر من فوائده.
قصة “رجل” أوكراني أراد المغادرة..
القرار الذي أصدره “زيلينسكي”؛ شمل بعض الاستثناءات، وأبرزها الرجال الذين يرعون: 03 أطفال أو أكثر، دون أن تكون لديهم زوجة؛ (بسبب الطلاق أو الوفاة أو أي سبب آخر)، وذوي الاحتياجات الخاصة. كما يستثنى القرار طلاب الجامعات الأوكرانية من الأجانب، وسائقي شاحنات المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى الرجال الأوكرانيين الذين لديهم مكان إقامة دائم في الخارج. وتحدثت بعض التقارير عن منع بعض الطلاب الأجانب من مغادرة “أوكرانيا” وتجنيدهم في خطوط القتال الأمامية.
لكن بعض الرجال الذين لا تنطبق عليهم تلك الاستثناءات تمكنوا من مغادرة “أوكرانيا” في نهاية المطاف، فكيف يفعلونها ويخرقون الحظر المفروض ؟.. موقع الإذاعة الألمانية؛ (دويتش فيلة) نشر تقريرًا يحمل في طياته الإجابة عن السؤال، ويكشف تفاصيل مُثيرة قد تكون غائبة عن أخبار الحرب التي طالت تداعياتها الكارثية جميع أركان الكرة الأرضية، بصورة أو بأخرى.
“أنطون”؛ واحد من هؤلاء الرجال الذين غادروا “أوكرانيا” رغم قرار حظر السفر، فكيف فعلها ؟.. المواطن الأوكراني الذي لم يذكر الموقع الألماني اسمه الحقيقي بطبيعة الحال؛ توجه إلى الحدود بصحبة زوجته وطفليهما يوم اندلاع الحرب هربًا بحياتهم، فهو رجل أعمال وليس مقاتلاً.
لكن الأمر لم يكن سهلاً في ظل سعي الملايين لمغادرة “أوكرانيا”، وبالتالي استغرقت المسافة للوصول إلى الحدود يومًا كاملاً، وليس بضع ساعات فقط كما كان معتادًا في الظروف العادية. وعندما وصل “أنطون” وأسرته إلى الحدود كان قرار “زيلينسكي” قد بات ساريًا، فحُرم رجل الأعمال من عبور الحدود صحبة عائلته، فعاد أدراجه وبقي وحيدًا في “أوكرانيا”.
لكن “أنطون” لم يستسلم للأمر، وبدأ بالبحث عن طريقة ما للخروج من البلاد والإلتحاق بأسرته، فهو يرى إلتزامه وواجبه تجاه أسرته له: “الأولوية”. فتوجه إلى قرية على الحدود الرومانية لعبور “نهر تيسا” الحدودي من هناك.
“كنا عدة رجال، لكن السكان المحليين وشوا بنا، وتم القبض علينا، لم نصل حتى إلى النهر”، قال “أنطون”؛ لـ (دويتش فيلة): “فيما بعد سمعت أن هناك مهربين يأخذون عادة أربعة رجال إلى النهر ويخبرونهم من أين يمكنهم العبور إلى الطرف الآخر”.
بينما كان “أنطون” لا يزال هناك قرب الحدود تم استدعاؤه للخدمة في الجيش الأوكراني، لكن لم يجدوا له واجبًا أو مهمة مناسبة، فتركوه وعاد إلى بيته، ليبحث عن طريقة أخرى للخروج من البلاد.
منصات التواصل الاجتماعي تُقدم “الحلول” !
“أنطون”؛ ليس الرجل الأوكراني الوحيد الراغب في المغادرة ولمّ الشمل مع أسرته، فهناك ملايين مثله لا تنطبق عليهم الاستثناءات التي تُعفيهم من البقاء في البلاد، وبالتالي ظهرت جهات متعددة لتقديم خدماتها لهؤلاء الرجال، وتُمثل منصات التواصل الاجتماعي المختلفة حلقة الوصل المثالية بين: “مقدمي الخدمة” من جهة والراغبين في الحصول عليها من جهة أخرى.
أما عن طرق الإلتفاف على قرار حظر سفر الرجال خارج “أوكرانيا” فهي متعددة ومتنوعة، فهناك من يُغادر عبر شبه جزيرة “القِرم”، التي ضمتها “روسيا” عام 2014، وهناك من يُسجل نفسه في إحدى الجامعات الأجنبية، بينما يبحث آخرون عن عمل كسائق متطوع، وهناك من يختار إجتياز الحدود عبر الغابات سيرًا على الأقدام.
وهناك أيضًا عروض ونصائح في منصات التواصل الاجتماعي، مثل حساب (السفر للجميع) على (إنستغرام)، الذي يُتابعه أكثر من: 14 ألف مستخدم. ففي تلك المواقع يتم إعطاء المعلومات من خلال دردشات خاصة، مثل كيف يمكن التسجيل بأثر رجعي وبتاريخ سابق على بداية الهجوم الروسي في إحدى الجامعات البولندية أو الأوروبية الأخرى، والحصول على وثيقة خلال عشرة أيام مقابل: 980 يورو.
لكن “أنطون” استطاع أن يُغادر “أوكرانيا” بمساعدة أصدقاء له في إحدى المؤسسات الخيرية: “المؤسسة طلبت لنا إذن سفر فسافرنا كلنا، وعادت السيارات محملة بالمساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا، ولكني لم أعد، وبقيت في الاتحاد الأوروبي. الرجال الذين يفعلون مثلي يُنظر إليهم كخونة”، كما يقول “أنطون”. ويُضيف مبررًا تصرفه: “لا أخاف الجبهة، لو لم يكن لدي أطفال لذهبت منذ مدة طويلة إلى هناك، لكن لم ننجب أطفالنا لتعيش أمهم معهم وحيدة”.
على أية حال غادر “أنطون” أوكرانيا منذ مدة طويلة، وهو مع عائلته في إحدى دول “الاتحاد الأوروبي” يتعلم اللغة ويبحث عن عمل، ولا يستبعد أن يعود إلى “أوكرانيا” بعد إنتهاء الحرب. “في زمن السلام كنت دائمًا أقول أوكرانيا أحد أفضل الأماكن، إنه وطني، لكن أريد أن تنتهي الحرب بأسرع ما يمكن، وسأتبرع للجيش بالمال، نحن الآن بعيدون جدًا، ولكن هذا لا يعني أنني خائن”.
هل حظر سفر الرجال قانوني ؟
استمرار الحرب وطول أمدها يُلقي بمزيد من الشكوك حول قرار الرئيس الأوكراني منع سفر الرجال خارج البلاد، خصوصًا أن ما يقرب من ثُلث سكان “أوكرانيا” باتوا لاجئين خارجها، ويتساءل البعض عن جدوى حرمان رب أسرة من مصاحبة عائلته للبحث عن مكان أكثر أمنًا، إذا كان لا يُشارك في القتال للدفاع عن بلاده ؟
في هذا السياق؛ كان “ألكسندر غوميروف”، وهو محامٍ من “أوديسا”؛ قد نشر عريضة على الإنترنت، في شهر آيار/مايو، تدعو إلى رفع حظر السفر المفروض على الرجال، والمطالبة بتجنيد المتطوعين بإرادتهم الحرة.
وخلال أيام قليلة وقع أكثر من: 25 ألف شخص على العريضة، وهو ما فرض على الرئيس؛ “فولوديمير زيلينسكي”، أن يفحصها وينظر في أمرها بحكم الدستور الأوكراني، لكن “زيلينسكي” رد بحدة شديدة قائلاً إن: “العريضة يجب أن تُرسل إلى أهالي الجنود الذين سقطوا من أجل الدفاع عن أوكرانيا”.
“غوميروف” لا يزال يعتقد أن حظر السفر لا طائل منه، ويوضح قائلاً: “إذا كان المرء يُريد أن يُدافع عن وطنه الحر الحبيب وبيته وعائلته فلا حاجة لحظر السفر. وإذا كان لا يُريد الدفاع عن وطنه حينها أيضًا لا توجد ضرورة لمنع السفر”.
“الآن كثير من الرجال في أوكرانيا لا يجدون عملاً، وبالتالي لا يستطيعون إعالة أسرهم، ولا دفع ضرائب للدولة، وهكذا يؤدي حظر السفر إلى نشر الفساد”. بحسب “غوميروف”، الذي يُضيف أنه كمحامٍ يُطرح عليه سؤال يوميًا حول: “الثغرات القانونية” التي يمكن استغلالها للالتفاف على الحظر، ولكن كل هذه الثغرات مقرونة بالفساد، حسب “غوميروف”.
“أوكرانيا” كانت واحدة من جمهوريات “الاتحاد السوفياتي” السابق، وصوّتت لصالح الاستقلال عام 1991، وكان من المفترض أن تلتزم الحياد، بحسب دستورها في ذلك الوقت، لكن منذ عام 2004 بدأت حالة الانقسام داخل “أوكرانيا” تزداد عمقًا بين معسكرين؛ الأول يُريد الانضمام لـ”الاتحاد الأوروبي” وحلف الـ (ناتو)، والآخر يُريد أن يُصبح أقرب إلى “روسيا”.
الفساد في “أوكرانيا”..
كانت قضية الفساد المستشري في “أوكرانيا” إحدى أبرز العقبات في طريق سعي “كييف” الانضمام لـ”الاتحاد الأوروبي” وحلف الـ (ناتو)، ووصف الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، أوكرانيا، بأنها واحدة من أكثر الدول: “فسادًا على الإطلاق”، وكان ذلك عام 2020، خلال محاولة “الكونغرس” عزل “ترامب” في المرة الأولى، فيما عُرف وقتها باسم: “فضيحة أوكرانيا”.
كان “ترامب” يُريد من نظيره الأوكراني؛ “زيلينسكي”، أن يفتح تحقيقًا في معاملات تجارية سابقة لنجل “جو بايدن”؛ (الرئيس الحالي ومنافس ترامب وقتها)، “هانتر بايدن”، والتي زعم “ترامب” بأنها معاملات شابها: “الفساد”. خسر “ترامب” الانتخابات وفاز “بايدن”، واشتعلت أزمة “أوكرانيا” حتى انفجرت بالفعل وتحولت إلى حرب لا تزال مستمرة وتُهدد العالم بمواجهة نووية بين “روسيا” والـ (ناتو)، فهل اختفى الفساد من “أوكرانيا” ؟
الإجابة جاءت في تقرير لصحيفة (التايمز) البريطانية، عنوانه: “الفساد يترك قوات الاحتياط الأوكرانية بلا أسلحة أو إمدادات”، رصد رحلة الفساد في صفوف الجيش الأوكراني، والتي يبدو أن الهجوم الروسي قد أصابها بالتباطؤ لفترة قصيرة للغاية، قبل أن تُعاود سرعتها المعتادة.
المحامي “ديمترو بوزانوف”، من “كييف”، يُشير أيضًا إلى أن تقييد حرية السفر المنصوص عليها في الدستور يجب أن يتم تنظيمه بموجب قانون، وهذا ما لم يحدث حتى الآن. وبالتالي فإنه يرى الحظر الحالي مخالفًا للقانون، ويقول: “تصلني الكثير من الشكاوى، لكن الناس لا يُريدون رفع دعوى أمام المحكمة”. ويرى “بوزانوف” أنه يمكن اللجوء إلى “محكمة حقوق الإنسان الأوروبية”، لنقض حظر السفر المفروض على الرجال في “أوكرانيا”.
لكن غالبًا ما تتم إدانة الرجال الذين غادروا “أوكرانيا” من قِبل النساء اللواتي يُشارك أزواجهن في الحرب، بحسب محامية تحدثت مع (دويتش فيلة)، وطلبت عدم كشف هويتها، وزوجها مقاتل متطوع على الجبهة. وتقول إنها تؤيد عريضة المحامي؛ “ألكسندر غوميروف”، من حيث المبدأ، لكنها ترى أنها قد صيغت بشكل خاطيء: “رسالة العريضة تقول دعونا نُسافر جميعًا، وليبق المتطوعون يُقاتلون. هذا غير عادل”.
وتؤكد أن هناك القليل من المقاتلين المتطوعين، الذين أطفالهم وزوجاتهم في إحدى دول “الاتحاد الأوروبي”. زوج المحامية أيضًا يُريد أن يخدم وطنه، ولكن يُريد أن يرى أطفاله أيضًا؛ لذلك تُطالب بضمان إجازة قصيرة للجنود للسفر إلى الخارج وزيارة عائلاتهم.