خاص : كتبت – نشوى الحفني :
من الداخل والخارج.. يعيش الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، أزمات متتالية؛ يفعلها بيده أو يجرها بنفسه إلى بلاده التي تعيش تبعات سلبية لتلك التصرفات، فقبيل “قمة الاتحاد الأوروبي” بأيام قليلة، وهو ما وصفه البعض بالخطوات الاستباقية لها عله يجد مكان بينهم، فقد شن الرئيس التركي هجومًا قويًا جديدًا على نظيره الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، مبديًا أمله في أن: “تتخلص” بلاده منه قريبًا.
وصرح “إردوغان”، للصحافيين لدى مغادرته معلم “آيا صوفيا” في إسطنبول بعد صلاة الجمعة الماضية: “إن ماكرون مصيبة لفرنسا، وبرئاسة ماكرون تمر فرنسا بفترة خطيرة جدًا. آمل في أن تتخلص فرنسا من مشكلة ماكرون في أسرع وقت ممكن”.
وانتقد الرئيس التركي بشدة قرار “البرلمان الفرنسي”؛ توصية الحكومة بالاعتراف باستقلالية “جمهورية قره باغ”، المعلنة ذاتيًا والمدعومة من “أرمينيا”، مشيرًا إلى أن هذا القرار يتناقض مع المسؤوليات التي تتحملها “باريس” كأحد الرؤساء المشاركين في مجموعة “مينسك”، الخاصة بتسوية نزاع “قره باغ”، ضمن “منظمة الأمن والتعاون” في أوروبا.
وقال “إردوغان” إن فرنسا، بتبني برلمانها هذا القرار؛ فقدت مصداقيتها كوسيط نزيه، وأعاد إلى الأذهان النصيحة التي قدمها إلى الفرنسيين رئيس أذربيجان، “إلهام علييف”، وهي تنص: “إن كنتم تحبون الأرمن حتى هذا القدر؛ فسلموا إليهم مدينة مارسيليا”.
وتابع الرئيس التركي: “أؤيد هذا الاقتراح. إن قره باغ جزء لا يتجزأ من أذربيجان واعترفت الولايات المتحدة وروسيا باحتلالها. وسبق أن اعترفت فرنسا بذلك أيضًا، لكنها اليوم تسلك سبيلاً مختلفًا”.
“ماكرون” دعا “إردوغان” للإلتزام بالاحترام..
فيما دعا الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، نظيره التركي إلى الإلتزام بالاحترام، قائلاً لموقع (بروت) الإخباري على الإنترنت؛ إن “إردوغان” يحد من الحريات المتاحة للشعب التركي.
وتوترت العلاقات بين الدولتين كثيرًا، لا سيما في الأشهر الأخيرة بسبب خلافات حول “سوريا وليبيا” ونشر الرسوم المسيئة للنبي “محمد” في فرنسا.
كما تبادلت “أنقرة” و”باريس” الاتهامات حول دور كل منهما في صراع “ناغورني كاراباخ” بين أرمينا وأذربيجان.
وكان الرئيس التركي قد شكك، في وقت سابق، في “الصحة العقلية” لنظيره الفرنسي.
وقالت الرئاسة الفرنسية، في تعليق لها؛ إن: “تصريحات الرئيس، إردوغان، غير مقبولة. تصعيد اللهجة والبذاءة لا يمثلان نهجًا للتعامل”.
اتهام بخيانة الأمانة..
على جانب آخر، اتهم رئيس حزب المستقبل التركي، “أحمد داود أوغلو”، “إردوغان”، بخيانة الأمانة، وذلك على خلفية بيع 10 في المئة من “بورصة إسطنبول”، لـ”قطر”، في محاولة لـ”إنعاش” الاقتصاد الذي دخل “مرحلة حرجة”.
وقال “داود أوغلو”، إن تركيا ليست متجرًا أو سوقًا خاصة يَملكها “إردوغان”، مُطالِبًا إيّاه بالعودة إلى رشده.
وأضاف رئيسُ الوزراء السابق؛ إنه لا يمكن مسامحة “إردوغان” على الدمار الذي ألحقه بالبلاد، داعيًا إلى محاسبته، ووصف “حزب العدالة والتنمية” بأنه: “مهندس آلية الفساد في تركيا”.
حلفاء الأمس أعداء اليوم !
وفي الآونة الأخيرة، تتعالى الانتقادات حتى ممن كانوا حلفاء بالأمس، لـ”إردوغان”، لكنهم ضاقوا ذرعًا بسياساته التي أوصلت البلاد إلى وضع يُوصف بالحرج.
والقطرة التي أفاضت الكأس في المشهد السياسي التركي، كانت بيع “إردوغان” لعشرة في المئة من “بورصة إسطنبول”، لـ”قطر”، بدعوى إنقاذ الاقتصاد التركي.
وأثارت هذه الخطوة غضب أحزاب المعارضة، وعلى رأسهم “حزب المستقبل التركي”.
واتهم “أحمد داوود أوغلو”، “إردوغان”، بخيانة تركيا لصالح “قطر”، كما شدد على أنه لا يمكن مسامحة الرئيس التركي على ما فعل، ملوحًا بضرورة محاسبة كل من يضر البلاد.
ورغم ارتفاع الأصوات المنادية بفتح تحقيق في الصفقة، التي أبرمها “إردوغان” مع “الدوحة”، رفض “البرلمان التركي”، بأصوات تحالف حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، الطلب.
ورد الرئيس التركي على هذه الاتهامات، قائلاً “إردوغان”: “شراكتنا مع المستثمرين القطريين تشبه تمامًا شراكتنا مع الأميركيين والبريطانيين والألمان والدول الأخرى”.
صفقات أخرى..
وليست صفقة “بورصة إسطنبول” إلا واحدة من سلسلة استثمارات قطرية مثيرة للجدل في تركيا.
فقامت “أنقرة”، السنة الماضية، ببيع مصنع دبابات تابع للجيش التركي لصالح “قطر”.
وحتى الآن ما زالت هذه القضية تضع الحكومة التركية في مرمى نيران المعارضة، نظرًا إلى تبعاتها على سيادة البلاد، وفقًا للأوساط السياسية التركية.
ومنذ أيام فقط، فتحت النيابة التركية تحقيقًا مع برلماني عن “حزب الشعب الجمهوري” من جراء اتهامه، “إردوغان”، ببيع الجيش للقطريين، خلال لقاء تلفزيوني.
وأدت هذه التصريحات إلى إصدار “المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون” أمرًا بإيقاف البرنامج الذي عرضت فيه تصريحات البرلماني المعارض.
صندوق “إردوغان” الأسود..
تعليقًا على هذه الانتقادات، قال الكاتب والباحث السياسي، “بركات قار”، أن هذه الانتقادات صدرت عن “أحمد داوود أوغلو”، لأنه يعرف كل الحيثيات بحكم المناصب التي شغلها، وبالتالي فهو بمثابة: “الصندوق الأسود” لإردوغان.
مضيفًا أن الرئاسة التركية تعتمدُ حاليًا على “صندوق الثروة القومية”، الذي يرأسه “إردوغان”، وهذا الصندوق بعيدٌ عن الرقابة والتفتيش، “ولا أحد يعرف ماذا يحصل للأموال”.
وأشار إلى أن عمليات البيع والشراء التي تتم في إطار هذا الصندوق، لا تخضع لأي مناقصات، مما يثير شبهات فساد كبيرة.
وأضاف أن “قطر” هي الوحيدة التي تمول “تركيا” في الوقت الحالي، لكنها حصلت على أملاك لا أحد يعرف قيمتها، وهذا التملك لا يقتصر على “بورصة إسطنبول” فقط، وإنما في “قناة المدينة”، التي وصفها الباحث، بـ”المشروع الجنوني”، إلى جانب بعض مصانع الجيش والحدائق الخاصة وبنوك وقنوات تلفزيونية.
قطر الملاذ الوحيد..
ويقول الباحث إن “إردوغان” يلجأ إلى “قطر”؛ لأنها باتت الملاذ الوحيد، في ظل صعوبات الحصول على قروض من الخارج، مضيفًا أن نسبة الفائدة التي فرضت من مؤسسة دولية على تركيا، في إحدى الحالات، بلغت 6 في المئة، وهو مستوى مرتفع جدًا.
لكن ما تقدمه “قطر” لن يكون قادرًا على مساعدة تركيا إلى حد كبير، نظرًا إلى الاضطراب الاقتصادي العميق وشبح العقوبات الأوروبية بسبب عدد من الخلافات الجيوستراتيجية.
ويضيف الباحث؛ أنه حتى لو لم تبادر أوروبا إلى معاقبة تركيا، فإن اقتصاد البلاد ما كان له أن يستمر في الوضع الحالي، لأنه غير سليم: “بل على حافة الإنهيار”.
ويؤكد “قار” أن الشعب التركي سيحاسب “إردوغان”: “فلا مفر من هذا الأمر”، لاسيما أن الانتقادات لم تُعد تصدر عن المعارضة فقط، بل عن القوى المدنية والشارع المستاء من الوضع.
وأشار إلى توقعات بأن تشهد تركيا انتخابات مبكرة، في العام المقبل، في ظل هذا المناخ الاقتصادي المضطرب والمزاج الشعبي المتذمر إزاء الفشل السياسي في إيجاد حلول لتخفيف الأزمة.
فرض عقوبات في غضون 30 يوم..
ولم تتوقف الضربات لـ”إردوغان”، حيث يتداول نواب “مجلس الشيوخ” الأميركي حول قانون ميزانية الدفاع لعام 2021، المعروف باسم “قانون ترخيص الدفاع الوطني”، بعد ما أضاف أعضاء المجلس فقرة تدعو الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، إلى فرض عقوبات على تركيا في غضون 30 يومًا.
وتشير الفقرة المذكورة إلى أن شراء تركيا منظومة صواريخ الدفاع الجوي، (إس-400) الروسية، يُشكل “مخالفة جسيمة” لقانون “مواجهة خصوم أميركا بالعقوبات”، الصادر عام 2017، والذي يقتضي معاقبة أي دولة تعقد صفقة أسلحة كبيرة مع روسيا.
ويدعو مشروع قانون ميزانية الدفاع الجديدة إلى فرض 5 عقوبات أو أكثر على تركيا بموجب قانون “مواجهة خصوم أميركا بالعقوبات”.
وينُص مشروع “قانون ترخيص الدفاع” الجديد على أن العقوبات الواجب فرضها على تركيا لا يجب أن تُرفع إلا في حالة إعلانها التوقف عن تشغيل منظومة صواريخ (إس-400) الروسية.
وبدأت تركيا تستلم منظومات صواريخ (إس-400)؛ المضادة للطائرات، التي تعاقدت على شرائها من روسيا، منذ تموز/يوليو 2019. وأعلنت “واشنطن” اعتراضها، وطالبت “أنقرة” بالتخلي عن صفقة شراء وسائط الدفاع الجوي الروسية وشراء منظومات (باتريوت) الأميركية بدلاً من (إس-400). ورفضت “أنقرة” التجاوب مع هذا المطلب.
وبات معلومًا، في 12 تشرين ثان/نوفمبر 2020، أن تركيا تواصل اختبار ما استوردته من روسيا من منظومات (إس-400) تمهيدًا لإدخالها الخدمة.
وجرّبت تركيا منظومات (إس-400) لأول مرة، في 16 تشرين أول/أكتوبر الماضي، خلال التدريب العسكري، حيث تم إطلاق 3 صواريخ اعتراضية. وأصابت الصواريخ أهدافًا محددة.