قرار يبدو للوهلة الأولى أنه منافسة تقليدية على منصب رئيس “اتحاد كرة القدم الإفريقي”.. ذلك المنصب العتيد الذي بقي على رأسه الكاميروني “عيسى حياتو” لنحو 29 عاماً و7 دورات متتالية.. لكن إزاحة حياتو من هذا المنصب أكبر مفاجأة تمناها المصريون لأسبابهم الخاصة.
تخطيط مبكر
فالقرار جاء بعد تخطيط مصري مع دول إفريقية وعربية لضمان الإطاحة بحياتو بعد اتهامات عدة له أهمها تحيزه لقطر ومنحها حق بث المباريات عبر شاشات “الجزيرة” أو “بين سبورت”، وحرمان شركات مصرية من حق البث بالرغم من عرضها لنفس القيمة المالية التي تقدمت بها الجزيرة القطرية.
تعاونت مصر مع المغرب وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وعدد من الاتحادات الإفريقية لكرة القدم وجعلوها خطة سرية فاجأوا بها حياتو بدعمهم مرشح مدغشقر “أحمد أحمد” صاحب الـ57 عاماً ليحصد الرجل 34 صوتاً مقابل 20 صوتاً حصل عليها حياتو ويفوز بمنصب رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف” والذي مقره مصر.
“أحمد” يرد الجميل
ورد “أحمد” الجميل لمصر فور فوزه برئاسة الكاف.. وقالها علانية: “كنت واثقًا من الفوز وتوقعت الحصول على 32 إلى 35 صوتًا”، مضيفًا: “لما دولة زى مصر تقف جنبي لازم أكسب”، هكذا يدرك الرجل غير المعروف إعلامياً أن بلاده، مدغشقر، ليس لها تاريخ كبير في كرة القدم ولا النفوذ الذي تحظى بها الدول الكبرى في قارة افريقيا لكي يفوز بدعمها فقط.
رئيس “الكاف” الجديد درس الحقوق في بلاده مدغشقر ثم في فرنسا، وكان لاعب كرة قدم، ثم أصبح مدرباً، قبل أن يدخل عالم السياسة ويتقلد العديد من المناصب بينها وزير الرياضة ونائب في البرلمان، وانتخب رئيساً لاتحاد مدغشقر لكرة القدم، ليصبح عضواً في المجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي لكرة القدم، ما سمح له بالترشح لرئاسة الاتحاد.
حياتو حاول جاهدا تهديد مرشح مدغشقر بالابتعاد عن طريقه لرئاسة الاتحاد الإفريقي والضغط عليه، وتمثل التهديد في سحب تنظيم نهائيات كأس أمم افريقيا لفئة أقل من 17 عاماً من مدغشقر في الثالث عشر من كانون ثان/يناير 2017، بزعم ضعف الاستعدادات، بعد ساعات من إعلان أحمد ترشحه للرئاسة.
إلغاء قرارات حياتو
أحمد، الذي يبدو أن في رقبته دين كبير لمصر، تعهد في برنامجه الانتخابي بإضفاء الشفافية على إدارة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وتوحيد الكرة الإفريقية، وكسب الدول التي فقدت ثقتها في الاتحاد، وترشيد النفقات، واستثمار أموال الاتحاد بذكاء، والتخلي عن المشاريع المكلفة وقليلة الجدوى، ما يعني أنه جاء لمحو أي أثر لقرارات حياتو.
السيسي يتدخل
لقد تدخل الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في قرار دعم مرشح مدغشقر بنفسه وأعطى الأجهزة المختصة بهذا الملف جميع الصلاحيات للتحرك، وأطلق إشارة واضحة على امتلاكه أدوات التغيير عندما ذكر في كانون ثان/يناير 2017، أثناء مشاركة منتخب بلاده بكأس الأمم الإفريقية، بقوله: “الناس كانت بتتفرج على المباريات في المقاهي.. بعد كده الناس ها تتفرج في بيوتها”، وهي رسالة لم يفهمها الكثيرون وقتها، وجهها مباشرة لخصومه السياسيين في قطر المستحوذة على حقوق بث اغلب المباريات والبطولات!
أصل الحكاية
وللموقف المصري جذور.. ففي عام 1996 بدأ تشفير مباريات كرة القدم في مصر.. وتحولت المباريات التليفزيونية إلى سلعة كأي سلعة أخرى تباع وتشترى “الدفع مقابل المشاهدة”.
تقول تسريبات إن كرة القدم تؤثر بشكل كبير على مزاج كثير من المصريين وخطورة التشفير كانت في إنه زاد الأعباء المالية على المصريين الذين يعانون أصلاً من ضيق العيش، فضلاً عن حرمانهم من متعة وقتية يفرغون فيها طاقتهم السلبية بصورة حضارية، بعيد أن أوجاع الحديث في السياسة!
لكن من كان يملك التشفير وقتها هو مجموعة قنوات ART المملوكة للملياردير السعودي “صالح كامل؟، وكانت هناك تفاهمات واضحة.. الأرباح في لقاءات الأندية الخارجية فقط.. بينما نقل وبث مباريات المنتخب المصري كان يتم بمجرد اتصال هاتفي بين صالح كامل وأي مسئول حكومي مصري.. خاصة أن تجربة كأس القارات عام 1998 شهدت أعمال عنف أثناء مشاهدة المباريات على المقاهي.
الجزيرة والأولتراس ويناير
ربطت مصر بين دخول تشفير القنوات مرحلة جديدة بشراء “الجزيرة” القطرية لحقوق بث مباريات كرة القدم وظهور روابط الأندية والأولتراس التي كان لها دور كبير في أحداث كانون ثان/يناير 2011، وقدرة تنظيمية أربكت حسابات الأمن وقتها. فكان لابد من العمل على إعادة استيعاب الجماهير المصرية وهي شريحة كبيرة جداً في المجتمع وسحبها تدريجياً من أمام الشاشات القطرية وما تحتويه من مواد تتعارض مع سياسة القاهرة، وكان الحل هو أن تمتلك مصر حق البث لتعيد الجماهير وتتحكم فيما يبث!
سحب البساط
بعد انتفاضة المصريين في 30 حزيران/يونيو 2013 ضد حكم الإخوان، بدأ التفكير في سحب البساط من الجزيرة القطرية، وفي 30 آب/أغسطس عام 2016 تقدمت شركة “بريزنتيشن” للدعاية والإعلان بعرض مالي ضخم للحصول على حقوق بث مباريات الاتحاد الإفريقي.. وسرب وقتها أن قيمته قيمة عرض قناة “الجزيرة” القطرية.. بل إن العرض المصري كان نقداً والقطري بالتقسيط وعلى دفعات متباعدة.
عداء صريح
رغم ذلك أعلن “عيسى حياتو” فوز الجزيرة بحقوق البث، من هنا أعلنت مصر موقفها العدائي الصريح لحياتو وقدم بلاغ في جهاز حماية المنافسة ضد الاتحاد الإفريقي مدعم بعرض بريزنتيشن حتى لا يقال إن هناك شبهة ترصد.. ورد حياتو كعادته بالتهديد بنقل مقر الاتحاد الإفريقي من مصر.
التصعيد المصري تجاه حياتو استمر بتحويل جهاز حماية المنافسة المصري البلاغ للنيابة العامة للتحقيق فيه، فيما واصل حياتو تهديده بنقل مقر الاتحاد الإفريقي من مصر، ليأتي الرد على غير المتوقع في عمومية الاتحاد الإفريقي بالإطاحة بحياتو “الذئب” كما يلقبه النقاد الرياضيون بتخطيط مصري ودعم لمرشح من غير أبنائها.
“بريزنتيشن” الغامضة
الإعلام الرياضي وحتى السياسي في مصر لم يخف سعادته بإزاحة حياتو، بل كشف وهلل للدور المصري المدعوم من “كافة أجهزة الدولة”، وكيف أن “بريزنتيشن” المصرية أدارت الحملة الانتخابية لـ”أحمد أحمد” الذي وعد بإلغاء كل الاتفاقيات التي وقع عليها حياتو مؤخراً، ما يعني أن أول فاتورة سيسددها الرجل هو إعطاء حقوق البث لمصر متمثلة في شركة بريزنتيشن، وهي شركة وفق الأوراق الرسمية تقدم خدمات إعلانات «أوت دور» وتعمل في مجال الإعلانات والدعاية، ولا يوجد في ترخيصها التسويق الرياضي، أو بيع وشراء البث التلفزيوني.
الشركة الصاعدة بقوة الصاروخ في مصر تجاوزت كل ذلك برعاية حقوق اتحاد الكرة والأندية المصرية والدخول في مزايدت منفردة للسيطرة على السوق الرياضي المصري، أيضاً بعد كانو ثان/يناير 2011 .
أبو ريدة أم حسن حمدي
وربط البعض بين علاقة رئيس الشركة “محمد كامل” بهاني أبو ريدة عضو المكتب التنفيذي للفيفا ورئيس اتحاد كرة القدم المصري ومسئوليته عنها بطريقة غير مباشرة على ان يكون كامل الإدارة كواجهة إلا أن صاحبها الحقيقي هو هاني أبو ريدة وبعض المسئولين الكبار.
ويقال إن للمخضرم “حسن حمدي” رئيس النادي الأهلي المصري السابق والرئيس السابق لوكالة الأهرام للإعلانات، دور كبير في الشركة خصوصاً، أنه يرسم كل السياسة الإعلانية والتسويقية الخاصة بالشركة والأندية التي يحتاجها، بينما يذهب البعض للقول إنها ممولة من شخصيات خليجية ثرية تدعم الرؤية المصرية.
السيطرة على الشباب
ما بعد آذار/مارس 2017، لن يكون كما قبله في الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وسيكون على رئيسه الجديد “أحمد” تسديد فواتير كثيرة ومكلفة لمصر والمغرب وجنوب إفريقيا وغيرهم، لكنها تتعارض مع دول أخرى وستدخل مصر في مواجهة رياضية بنكهة سياسية مع قطر، فهل يخسر طرف أمام الآخر أم يربحان سوياً؟.. وهل يتدخل الاتحاد الدولي لكرة القدم بينهم؟.. وإذا نجحت مصر في أخذ حقوق البث هل تضمن السيطرة رياضياً على شريحة الشباب وعشاق كرة القدم؟