خاص : ترجمة – لميس السيد :
تشهد ساحة السياسة الخارجية للسعودية وتيرة متصاعدة من المعارك، سواء على صعيد “حرب اليمن” أو الأزمة الدبلوماسية مع “قطر”، وذلك منذ تولى الملك “سلمان بن عبدالعزيز” حكم المملكة، بدافع رئيس هو مجابهة النفوذ الإيراني داخل دول المنطقة، ولكن الوضع في العراق كان مختلفاً بالنسبة للرياض، حيث أحرزت نجاحاً ملحوظاً، من وجهة نظر تقرير مجلة (إنترناشونال بوليسي دايغست) الأميركية.
حظوظ الشيعة..
تقول المجلة الأميركية أن حظوظ الشيعة في العراق تبدلت للأحسن بعد غزو العراق واحتلاله في عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وسقوط “صدام حسين” بعد ذلك بفترة وجيزة، حيث برزت الفصائل الشيعية كعنصر القوة المهيمن في السياسة العراقية. وتمكنت إيران من الإستفادة من هذا التحول من خلال التأثير على كتل شيعية مختلفة وتشكيل الحكومة. وخلال الحكومات المتعاقبة لرئيس الوزراء، “نوري المالكي”، أصبحت إيران اللاعب الأول في السياسة العراقية.
فى الوقت نفسه، لم تكن السعودية تريد منافسة إيران فى تورطها بالعراق. وعلى الرغم من أن السنة تشكل ثاني أكبر نظام سياسي في العراق، إلا أن تأثيرها في السياسة العراقية أخذ في الانخفاض منذ عام 2003. ويرجع ذلك جزئياً إلى تردد القوى السنية الإقليمية – وتحديداً السعودية – في الإنخراط في سياسة العراق ودعم المصالح السياسية لأهل السنة.
وكانت المملكة العربية السعودية تحتفظ، تقليدياً، بعلاقات مع النخب القبلية السنية في محافظة “الأنبار”. ومع ذلك لم تكن هذه المشاركة استراتيجية في طبيعتها، ولم تغير الحظوظ السياسية للعراقيين السنة. وكانت الرياض قد تخلت عملياً عن العراق، وحتى وقت قريب، كانت تعتبر حكومتها وكيل إيراني.
عهد جديد..
لكن كل ذلك تحول إلى العكس تماماً في عهد الملك “سلمان” وولي عهده “محمد بن سلمان”، الذي أقدم على تغيير استراتيجيات الرياض بشكل فعال، وشن حملة “سحرية” للتواصل مع الحكومة العراقية الحالية.
ويرجع هذا التحول جزئياً إلى وجود “حيدر العبادي” في السلطة كرئيس للوزراء. لقد أتخذ “العبادي” موقفاً قومياً، إلى حد ما، بشأن القضايا السياسية المتعلقة ببغداد؛ وشارك بشكل إيجابي مع جميع جيران العراق.
وأدى هذا الإستعداد المتبادل لتحسين العلاقة إلى تعيين السعودية أول سفير لها في العراق، منذ غزو “صدام حسين” للكويت. بيد أن العلاقات توترت مرة أخرى، عندما طلبت الحكومة العراقية أن تُبدِل المملكة العربية السعودية سفيرها في بغداد عقب تصريحاته المثيرة للجدل. وقد تصرف السعوديون بشكل عملي وأستدعوا سفيرهم، ولكنهم لم يوقفوا تمثيلهم الدبلوماسي في العراق.
ثم خفت حدة التوتر في العلاقات الثنائية التي أثارها الإطاحة بالسفير السعودي تدريجياً، بعد الزيارات التي قام بها وزير الخارجية السعودي، “عادل الجبير”، ووزير الداخلية العراقي، “قاسم العراجي”، وكذلك زيارة “العبادي” للمملكة.
وعلاوة على ذلك، أدرك السعوديون أن القوة الهائلة للجماعات الشيعية المتشددة في العراق لا يمكن التصدي لها علناً، ولكن بدلاً من ذلك تتطلب سياسة براغماتية تضم عناصر قومية عراقية.
هزيمة “داعش”..
اعتبرت المجلة الأميركية أن هزيمة تنظيم “داعش” في الموصل، والمدن العراقية الأخرى، من قبل قوات الأمن العراقية؛ دفع بغداد والرياض إلى التقارب، ولذلك أصبح لدى المملكة العربية السعودية فرصة فريدة للمساهمة في إعادة إعمار المناطق السنية الرئيسة في العراق، وبالتالي الحصول على موقع في العلاقات المستقبلية بين النظام الشيعي في البلاد والأقلية السنية.
وتسير هذه الديناميكية، إلى جانب حقيقة أن العديد من المسؤولين العراقيين يسعون إلى تأكيد إستقلال بغداد عن السياسة الخارجية لطهران وتبني خطاباً سياسياً قومياً حول العراق ما بعد “داعش”، قد تمكن الرياض في النهاية من تحقيق النجاح في مسألة حد نفوذ إيران في العراق.
وللمرة الأولى منذ أحد عشر عاماً، زار رجل الدين الشيعي، “مقتدى الصدر”، الرياض في تموز/يوليو الماضي، حيث إتفق مع القيادة السعودية على هدف التعايش السلمي والتعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة. وتحظى السعودية بعلاقات ودية مع السياسيين العراقيين البارزين ونائب الرئيس، “إياد علاوي”، الذي أتهم إيران بالتدخل في العراق.
ويركز السعوديون، ليس فقط على إقامة علاقات سياسية مع العراق، بل أيضاً على تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية الثنائية. ويدرك المسؤولون في الرياض أن إقامة علاقة طويلة الأمد مع العراق لا يمكن أن تكون قابلة للاستمرار إلا إذا كانت متجذرة في شراكة اقتصادية، حيث أكد القائم بالأعمال السعودية في بغداد على أن أولويته في العمل هي تعزيز المشاركة الاقتصادية بين الدولتين مع بدء التفاعل بين النخب التجارية من الجانبين. وفي هذا السياق، قررت المملكة العربية السعودية أخيراً تعيين سفير بدوام كامل في العراق.
وتدرك الرياض أن إحتمالات الحد من النفوذ الإيراني في العراق ستكون أكثر واقعية بمجرد أن تلعب السعودية ببطاقاتها السياسية والاقتصادية في الوقت المناسب والسياق الصحيح. ويبدو أن هذه اللحظة المناسبة هي الانتخابات العراقية لعام 2018، حيث تتطلع الرياض في نهاية المطاف لعراق يحكمه: “العبادي، علاوي، الصدر، وعمار الحكيم”، لا اللاعبين المتحالفين مع إيران.
وعلاوة على ذلك، فإن الميلشيات الشيعية المسلحة في العراق لا تزال تمثل مصدر قلق كبير للمملكة السعودية، حيث يعمل بعضها بالقرب من حدود المملكة مع العراق.