30 ديسمبر، 2024 7:04 م

خفايا .. ليلة تسليم/ سقوط دمشق ! (2)

خفايا .. ليلة تسليم/ سقوط دمشق ! (2)

خاص: بقلم- محمد البسفي:

بلا شك رافقت عملية سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السورية المسلَّحة – منذ استيلائها على حلب وحتى فتحها دمشق – آلة دعائية محترفة عالية التقنية لعبت على كافة الأوتار لتعزف نغمات متباينة تداخلت في شبه “معزوفات نشّاز” في كثيرٍ من المواضع؛ عكست بالطبع ردود فعلها “السحرية” على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بدأت منذ عملية النهوض على نظام الأسد وتستمر بعدها حتى لحظة كتابة هذه السطور، مكرَّسة ذاك النهج العقيم لدى الرأي العام العربي عامة من تناول المسائل السياسية والإشكالات الاجتماعية تناول “الأبيض والأسود؛ إما معنا أو ضدنا”، ذلك المنهج مفرط السطحية في تعاطي مصائر الشعوب والأوطان هو مجرد وسيلة لتغييّب الوعي الجمعي وتزييف حقائق ما يحدَّث له ليتم تهميشه بالاستقطاب الحزبي/ الطائفي وتُصبح بالتالي القاعدة الجماهيرية “مغيبَّة الوعي” هي الشرارة ثم الحطب لنير التقاتل الأهلي ثم مسًّاعد مخَّلص لاستلاب مقدراتها من قبل المستعمر المنتظر..

ليلة السقوط/ التسليم.. إرهاصات مؤامرة/ صفقة !

مساء السابع من كانون أول/ديسمبر 2024، أدلى “د. شادي أحمد”؛ المحلل السوري، وعضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، بشهادته العينية عبر حسابه الخاص على منصة الـ (فيس بوك)، وسط ما وصفه: بـ”التحريض الإعلامي المرافق (بل المتقدم) في ظل التطورات الراهنة في سورية”، لذا رأى سرد معلومات كـ”شاهد عيان”؛ وليس تحليلًا، هو الأجدى في اللحظة الراهنة، كالتالي:

01 – مجاميع إرهابية دخلت إلى حلب في ظل تخطيط وتنسيق بين نظام إردوغان وأميركا وبكلمة سر (شر) إسرائيلية بعد معركة الطوفان (على كافة المحاور).

02 – رافق دخول العصابات حرب نفسية عالية المستوى استخدمت فيها تقنيات متطورة حاولت بث الهلع والذعر ونجحت في بعض المناطق.

03 – إعادة انتشار للجيش العربي السوري لأجل عدم حدوث معارك كبيرة يسقط فيها مدنيون من جهة وافساح بعض الوقت للمباحثات السياسية… إعادة الانتشار مفهوم عسكري أصيل وليس تمويه إعلامي وهو يعني حشد القوات المسلحة وإعادة تمركزها في الأطراف من أجل الدفاع ووقف التقدم والتحضير لمعركة الاسترداد.

04 – تقدم العصابات نحو حماة.. مع وجود خلايا نائمة مترافقة مع رفع وتيرة الحرب النفسية…. وأيضًا إعادة انتشار وتموضع للجيش العربي السوري لذات السبب مع مقاومة باسلة في مناطق من الريف الحموي…

05 – أصبحت القيادة السورية أمام خيارين (أو كليهما).. العمل العسكري والعمل السياسي وجهزت (العدة) للخيارين.

06 – تأكيد إيراني-عراقي.. على أن الدفاع عن سورية هو من متطلبات الأمن القومي في العراق وإيران مع تعهد البلدين بإرسال قوات كبيرة وأسلحة متطورة في حال طلبت دمشق ذلك.. مع افساح وقت ضيق جدًا أمام مسار سياسي سيَّعقد في الدوحة.

07 – حملة شعواء بقيام الخلايا النائمة (ولم تكن نائمة) في ريف حمص الشمالي والأيهام بأن حمص في طريق (السقوط) عن طريق نشر فيديوهات للخلايا في الرستن وتلبيسة وليس دخول عصابات.

08 – حشود عسكرية سورية وحليفة كبيرة جدًا في أطراف حمص (متعددة) منها قوات نوعية جدًا (لا نستطيع ذكرها). تنتهي شهادة المحلل السوري؛ ولكن لا تهدأ التطورات..

في نفس اليوم؛ 07 كانون أول/ديسمبر 2024، وقبل سقوط “دمشق” بساعات قليلة تنشر صحيفة (ميدل إيست آي) البريطانية تقريرًا مطولًا عن وجود قرار داخلي لدى الفصائل العراقية بعدم الذهاب إلى سورية والاشتراك بالقتال هناك؛ بل إنها رفضت بالفعل طلبات وجهت إليها بهذا الصدّد، حيث يأتي هذا القرار لسببين مباشرين، الأول هو المخاوف من تعرض الفصائل لهجمات إسرائيلية في سورية؛ كونها مكشوفة ومتَّاحة للطائرات الإسرائيلية باستمرار، أما الأمر الآخر هو رد فعل نسّبي على الموقف الضعيف لـ”بشار الأسد”، من الحرب الدامية المشتَّعلة في “غزة ولبنان”؛ طوال العام الماضي.

ففي الوقت الذي قام فيه العراق باتخاذ تدابير أمنية مشدَّدة داخل أراضيه؛ تسارعت وتيرتها مع تقدم الفصائل المتمردة السورية نحو دمشق، شملت نشر عشرات الآلاف من عناصر حرس الحدود والجنود وعناصر من قوات (الحشد الشعبي) على طول الحدود السورية؛ لتشدّيد السيطرة ومنع التسلل، فضلًا عن قيام السلطات بعمليات تفتيش صارمة في المحافظات على الوافدين والمقيمين من الأجانب؛ وخصوصًا السوريين، وتم اعتقال آلاف السوريين الذين لا يحملون تأشيرات صالحة. تلقت الفصائل العراقية – بحسّب الصحيفة البريطانية – طلبًا من ضابط (الحرس الثوري) الإيراني المسؤول عن سورية لإرسال مقاتلين إلى شمال سورية ودعم قوات الأسد، ولكن (مجلس تنسيق المقاومة العراقية)؛ والذي يضم ممثلين عن الفصائل السبعة الرئيسة، رفض الاجتماع والطلب: “بالإجماع”.

وقال أحد قادة الفصائل للصحيفة؛ بشأن رفض إرسال مقاتلين وإمدادات لسورية، إن: “هذا فخ، الإسرائيليون وحلفاؤهم يحاولون استدراجنا إلى سورية حتى يتمكنوا من ضربنا هناك دون عواقب”، مضيفًا أن: “الإسرائيليين لديهم حقد ضدنا؛ لكنهم يتعرضون لضغوط تمنعهم من ضربنا في العراق. والبديل هو سورية بعد وقف إطلاق النار في لبنان، وبهذه الطريقة يستطيعون محاصرة (حزب الله) في لبنان وضرب فصائل (محور المقاومة) في سورية بحجرٍ واحد”. بحسّب ما أورده التقرير من ادعاءات.

واقترح قادة (الإطار التنسّيقي) إرسال ممثلين: لـ”اطلاع قادة الفصائل المسلحة وشرح المخاطر”، وقال أحد الممثلين، أن: “قادة الفصائل استجابوا لنا.. وتم اتخاذ القرار بمواصلة تقديم الدعم الإعلامي والسياسي والإغاثي للبنان وغزة مع وقف الاعتداءات، وهذا القرار نفسه تم تطبيقه على سورية”.

ويبَّين أن: “القرار الرسمي وغير الرسمي للعراق؛ هذه المرة، هو أننا لن نكون جزءًا من الحرب للدفاع عن حكومة الأسد، لكننا سنُدافع عن أنفسنا وعن بلدنا مهما كان الثمن، ولكن من داخل الأراضي العراقية”.

وأكد المصدر للصحيفة البريطانية؛ أن القوى الشيعية العراقية قررت: “بالإجماع” مساعدة الأسد سياسيًا ودبلوماسيًا واستخباراتيًا وحتى إنسانيًا، لكنها لن تُرسل قوات قتالية إلى سورية.

وتُشير الصحيفة البريطانية إلى انه: “ليس من الواضح ما إذا كان قرار الفصائل المسلحة بالبقاء خارج المعارك في سورية تكتيكيًا أم استراتيجيًا، ومن المبكر أيضًا القول إنه قرار نهائي، رُغم أن جميع القادة أبلغوا مقاتليهم بعدم السفر إلى هناك”.

وقال بعض المسؤولين وقادة الفصائل؛ إنه منذ بدء الحرب على “غزة”، ابتعد “الأسد” عن (محور المقاومة)، وألقى بنفسه في أحضان الروس، والشكوك في أن عملاء سوريين ساعدوا “إسرائيل” في قتل قادة (حزب الله): “ألقت بظلالها على القرار”.

وقال مصدر في فصيل مسَّلح أن: “الأسد؛ متغطرس ومنفصل عن الواقع. لم يقدم أي تنازلات لشعبه على مدى السنوات الماضية؛ ولم يسع إلى حل الأزمة، ولكنه تمرد على الإيرانيين وألقى بنفسه بين أحضان الروس. وهو يستحق أن يقرص أذنه”.

ومع الافتراض بصحة ما ورد بتقرير (ميدل إيست آي)؛ يستدعي عدة تساؤلات حول موقف فصائل “المقاومة العراقية” – كما أوردته الصحيفة البريطانية – هل يُعتبر مخالفة لرغبة إيرانية بالتدخل لإنقاذ الوضع السوري في وقتٍ حاسم قبل أن ينقلب على “طهران” بأضرارٍ استراتيجية؛ مهما تباينّت أحجامه، فهو ضرر لنفوذها بالمنطقة في وقتٍ شديد الحساسية ويتمخض عن مصائر عديدة ؟، ومع هذا الاعتبار يُعتبر موقف الفصائل العراقية “تمردًا” على الرؤية الإيرانية للموقف ككل وانضمامًا لوجهة نظر ساسة العراق وطبقته الحاكمة التي نجحت في تحييّد بلادها منذ انطلاق (طوفان الأقصى) وحروب المقاومة الفلسطينية ثم اللبنانية مع العدو الصهيوني وصولًا إلى أحداث المشهد السوري؛ من منَّطلق سعيها الدائم منذ 2003 بمسك العصا “الأميركية-الإيرانية” من المنتَّصف. خاصة بعد موجة الرعب التي نجح الكيان الصهيوني في بثها بالأجواء البغدادية الحاكمة؛ قبل سقوط دمشق بأسابيع معدودة، عبر تصريحات تهديدية ووعيّد مباشر وضغوط أميركية محمومة لوقف هجمات المقاومة العراقية ضد الكيان ضمن جبهة اسناد المقاومة الفلسطينية واللبنانية؛ لدرجة لجأت معها بغداد إلى مجلس الأمن الدولي لشكاية الكيان، وافتضاح أمر الأجواء العراقية التي تقع تحت الحماية الأميركية منذ عقود، بالإضافة إلى رغبة طبقة بغداد الحاكمة من الساسة – استجابة لمطالب المقاومة العراقية – متابعة واشنطن تنفيذ وعودها السياسية بإجلاء قواتها ضمن قوات التحالف الدولي نهاية العام 2025؛ حتى تنتقل العلاقات “الأميركية-العراقية” وتتجلى في “مظهرها” أو بالأحرى “قناعها” الجديد من هيمنة عسكرية مباشرة إلى هيمنة/ علاقات سياسية في شكلها الأكثر “تهذبًا”، بل تهديد بغداد مباشرة من قبل أميركا ومطالبتها بعدم تدخل أي قوات عراقية في سورية؛ وإنها تحت منظار واشنطن عن كثب؛ على لسان مسؤول أميركي في تصريحات لصحيفة (ناشيونال) الصادرة بالإنكليزية يوم السابع من كانون أول/ديسمبر 2024.. كل هذا جعل الطبقة البغدادية الحاكمة في وضعٍ لا تحسَّد عليه وسط أمواج إقليمية عاتية وأعاصير عالمية لا تقوى معها “خشبة العراق الناخرة” بسوس الفساد والافقار الأميركي المتَّعمد وتجاذباته الطائفية وطبقته الحاكمة متجاذبة الأهواء والولاءات وغيرها على خلفية ظهير كُردستاني تحكمه طبقة تتشبث بـ”المنَّقذ” الأميركي وحلفائه على مدار يومها؛ مختلقة المشاكل الداخلية مع بغداد “إلى حينٍ معلوم”..

إن كان هذا الموقف الهش للطبقة البغدادية الحاكمة؛ والتي أرادت “المقاومة العراقية” تقويته بالانضمام إليه رفضًا للإرادة الإيرانية – بحسّب صحة ما أوردته الصحيفة البريطانية من معلومات – فماذا عن الموقف الإيراني ذاته؛ وما سوف يلحق به من أضرار بسقوط دمشق في أيدي فصائل مسلحة ممولة من أعدائه الإقليميين ؟

خسائر ميدانية للمحور الإيراني..

على المستوى الميداني؛ كانت صورة الوضع على الأرض حتى قبل سقوط “دمشق” بليلةٍ واحدة، هو كالتالي: “نهر الفرات”؛ الذي كان الحد الفاصل بين القوات الكُردية؛ (قسد)، المدعومة أميركيًا، وبين النفوذ للفصائل العراقية والجيش السوري والتواجد الإيراني، زال بشكلٍ سريع ومفاجيء، فالجيش السوري انسحب من “البو كمال” لتُسيّطر عليها قوات (قسد)، في تمدَّد قد يؤدي لتقليص مساحة الحرية لخط النفاذ والإمداد لـ (محور المقاومة) من إيران إلى العراق وسورية.

بين مدخل “نهر الفرات”؛ قُرب منفذ (البوكمال/ القائم)، ووصولًا إلى المثُلث الحدودي بين العراق وسورية والأردن، كانت تتمتع الفصائل العراقية بحرية الحركة، والآن أصبح المنفذ خارج سيطرة الجيش السوري؛ وبالتالي خارج سيطرة (محور المقاومة) والفصائل.

لكن وزير الخارجية الإيراني؛ قال إن: “إغلاق منفذ (البو كمال) لا يمكن أن يقطع طريق (محور المقاومة)”، وهو تصريح بالرُغم من أنه بديهي، لكنه شديد الأهمية.. فلماذا هو بديهي ؟ وماذا يمتلك (محور المقاومة) غير هذا الطريق ؟

بداية؛ فيما يخص المعابر النظامية، توجد ثلاثة معابر نظامية بين العراق وسورية، الأول هو معبر (سيمالكا)؛ وهذا يقع في الشمال وتقابله منطقة سيطرة ونفوذ قوات (قسد) أساسًا، أما المعبر الآخر هو معبر (القائم/ البوكمال)، وإلى الجنوب حيث الحدود (العراقية-السورية-الأردنية)، يأتي معبر (الوليد)، وكلا المعبرين: (الوليد) و(القائم/ البوكمال)، يقع على الجانب الآخر منهما سيطرة الجيش السوري والفصائل.

لكن بغض النظر عن المعابر الرسمية، توجد ثلاثة معابر غير رسمية وغير نظامية أيضًا يتم استخدامها لتنقل الفصائل ونقل الأسلحة والإمدادات وحتى البضائع، وهي معبر (السسك) ومعبر (الجغايفة) والمعبر النهري، وهذه جميعها بدائل عند النظر إلى حجمها وحجم انتشارها على الخارطة يتم استبعاد إمكانية تأثر خط امداد المحور بتسليم (البوكمال) بيد (قسد).

لكن في نظرة على خارطة انتشار المسلحين؛ فإن التقدم نحو “تدمر وحمص” ستُعرقل الطريق وتُضيق على ريف دمشق الشرقي؛ وبالتالي طريق المحور باتجاه دمشق، بالمقابل فإن (المحور) يمتلك فضلًا عن المعابر غير النظامية، يمتلك أنفاقًا تحت الأرض تبدأ من الأراضي العراقية وتخرج وسط مدينة “الميادين” في سورية.

لكن وسط كل هذا؛ من الضروري التطرق إلى العمليات العسكرية التي تجري في دير الزور والبوكمال، فهذه المناطق تحتوي العديد من المقرات التابعة للفصائل ومخازن للأسلحة والدعم اللوجستي؛ بل ومن بينها قاعدة (الإمام علي) العسكرية؛ التي تم افتتاحها عام 2019، شرق البو كمال.

وتنتشر القواعد في “أم الملك”، وفي منطقة “الرمانة والدغيمة”؛ فضلًا عن تواجد في “عكاشة ورأس الحرم والمشارية ومكر الديب”، بالإضافة إلى قاعدة ا(لإمام علي) العسكرية، وهي أكبر قاعدة وأكثرها مركزية تابعة لـ (المحور)، وفيها يتم تخزين الأسلحة، لكن من غير المعروف ما هو مصير هذه القاعدة وأين الفصائل العراقية بالضبط خصوصًا، وأن المنطقة أصبحت خالية من نفوذ الجيش السوري بالكامل وأصبحت بيد قوات (قسد) الكُردية المدعومة أميركيًا.

بل الأهم من ذلك؛ أن مناطق غرب دير الزور والبوكمال بدأت تخرج فيها عمليات مسلحة من المعارضة والمجاميع المسلحة، الأمر الذي يطرح الأسئلة الملَّحة عن دور ومصير وتواجد الفصائل العراقية ومقار الدعم اللوجستي التابعة لـ (المحور) ؟.

وكانت تقارير ومعلومات وردت خلال الـ (24) ساعة الماضية قبل سقوط دمشق، أشارت إلى أن العديد من الفصائل العراقية انسحبت من هذه الأراضي في دير الزور والبوكمال متجهة نحو العراق، وهو أمر يتقاطع مع التساؤلات الملحة حول مصير تواجد (المحور) في هذه المناطق المهمة.

وقبل رصد كامل الخسائر الإيرانية والروسية – أيضًا – الجوسياسية والجواستراتيجية بسقوط النظام الأسدي في سورية؛ يهمّنا – في ذلك التحليل المسَّلسل – تتبع وقائع الأحداث في المشهد السوري بشكلٍ زمني؛ كونه أسهل الطرق لتلمًّس حقائق ما حدث ومساعدًا في استشفاف ما سوف يحدث ليس على الأراضِ السورية فحسّب بل لمستقبل المنطقة ككل..

ومع تبيّان ما لحق بالجبهة “الروسية-الإيرانية” من خسائر بفقدها النظام السوري “الأسدي”، تنتّفي موضوعية الاستنتاجات التي استبّقت أحداث السقوط الفعلي للنظام السوري السابق، لتتحدث عن “بشائر” صفقةٍ ما – لم تتضح معالمها بعد – بين “روسيا-بوتين” و”أميركا-ترمب” بتخلي الأولى عن سورية لصالح الثانية نظير إعلان انتصار موسكو “ضمنيًا” بالجبهة الأوكرانية وأحتفاظها بما كسّبته من أراضٍ خلال عمليتها العسكرية عبر مفاوضات واتفاقات تضمن لها ذلك برعاية واشنطن وضمانتها وبالتالي إبعاد الـ”ناتو” عن الحدود الروسية ليتمدّد “هناك” بالشرق الأوسط لعدة سنوات، وبالطبع تنال طهران نصيبها في تلك الصفقة بصيغة مرَّيحة لها ضمن نسُخة جديدة لاتفاقٍ نووي تتَّيح لها هامش حرية “مرَّضي” لإدارة برنامجها النووي ورفع بعضًا من العقوبات الاقتصادية عنها.. ولكن مع ما حملته الأيام التالية لسقوط “دمشق”، في حِجَر محور “أميركا-إسرائيل، الناتو/ تركيا”، وما اكتسبه ذلك المحور من استعادة قوته ونفوذه بل تمدَّده داخل منطقة الشرق الأوسط؛ “رُمانة القبان”، بميزان القوى من مخالب محور “روسيا-إيران-الصين”؛ في الحرب العالمية “الناعمة” المشتَّعلة بينهما؛ يجعل من تلك الاستنتاجات لغوًا ساذج.

فقبل دخول “هيئة تحرير الشام” متزعمة الفصائل المسلحة المتَّمردة إلى دمشق؛ تسارعت الميديا العالمية لـ”اقتناص فرص” إجراء حوار وأحاديث صحافية مع زعيمها “أبو محمد الجولاني” – المطلوب أميركيًا كعنصرٍ إرهابي منذ سنوات من شدة خطورته رصّدت واشنطن مكافأة مالية سّخية نظير الإدلاء بمكمنه أو الإتيان برأسه – ضمن الخطة الدعائية المحترفة التي وضعتها الآلة الصهيوأميركية لتلميعه وإعادة صياغته على نسَّق شخصية “مهذبة” يمُكن للمجتمع الدولي/ الأميركي التعامل معها فيما بعد، وجاء الدور الأول على صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) العبرية؛ لكي تُجري حوارًا صحافيًا “شافيًا” مع قائد هيئة تحرير الشام؛ “أبو محمد الجولاني”؛ الذي تحدث، من موقع مسؤوليته الجديدة كزعيمٍ فعلي لـ”سورية الجديدة” قبل دخوله دمشق أصلًا بأكثر من يومين؛ ملخصًا حواره بأهم النقاط:

  • “نحن منفتحون على الصداقة مع الجميع في المنطقة – بما في ذلك إسرائيل. ليس لدينا أعداء غير نظام الأسد وحزب الله وإيران”..
  • “ما فعلته إسرائيل ضد حزب الله في لبنان ساعدنا كثيرًا. والآن نحن نعتني بالباقي”..
  • “لا يسعني إلا أن أقول إننا نشكر إسرائيل على ضرباتها ضد حزب الله والبُنية التحتية الإيرانية في سورية، ونأمل أن تزرع إسرائيل بعد سقوط الأسد وردة في الحديقة السورية وتدعم الشعب السوري، لمصلحة المنطقة”..
  • “المواطنون السوريون هم الذين سيبقون على حدود إسرائيل، وليس بشار الأسد وليس الإيرانيون”..
  • (هل تعتقد أن إسرائيل يجب أن تقدم الدعم المادي للمتمردين ؟)..
  • “لدينا ما يكفي من المقاتلين على الأرض. ما نحتاجه من إسرائيل هو موقف سياسي واضح ضد نظام الأسد (أي دعم المتمردين)”..
  • “نحن بحاجة إلى إشارة سياسية لبناء الثقة مع الشعب السوري”..

.. وبكلام “الجولاني” ووعود “السلام والوأم” التي أرسلها للكيان الصهيوني؛ منظرًا “وردة إسرائيلية تزرع في الحديقة السورية”، تتجلى معالم “موامرة” سقوط دمشق ثمرة ناضجة في حِجَر المحور “الصهيوأميركي، الناتو/ تركيا”، وتنتهي “أساطير صفقة” تسليم دمشق من قبل المحور “الروسي-الإيراني-الصيني”..

.. وعلى المنتصر “قضم” ثمرة غنائمه متلذذًا بحلاوة انتصاره..

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة