خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في فعل من شأنه توتير العلاقات مع “واشنطن”، كشفت مصادر أن “طهران” أعادت إحياء مشروع لتصدير “النفط” من “إيران”؛ عبر إنبوب يمر بالأراضي العراقية إلى “ميناء بانياس” السوري؛ المُطل على “البحر المتوسط”.
وكشفت قناة (السومرية) العراقية عن بدء مفاوضات بين “إيران” و”العراق” بشأن استعادة خط أنابيب (كركوك-بانياس).
ما يذاع عن أن السبب الرئيس المؤيد لهذا المشروع؛ هو الحاجة إلى تجنب “العقوبات الأميركية” وتجنب “مضيق هرمز”، الذي قد يتم إغلاقه في حال اندلاع اشتباكات مسلحة بين “الولايات المتحدة” وحلفائها من جهة؛ و”إيران” من جهة أخرى.
وبحسب مقال كتبه، “ميخائيل كوفيركو”، في (فزغلياد) الروسية، فبالنسبة لـ”إيران”، لطالما كانت مسألة خط الهيدروكربونات البري إلى “البحر المتوسط” قضية مهمة، كما يشير المحاضر في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، “ليونيد كروتاكوف”. ويذكّر بأن الحرب الدائرة في “سوريا” قد بدأت بعد فترة وجيزة من توقيع “إيران والعراق وسوريا”، في تموز/يوليو 2011، مذكرة حول بناء خط أنابيب الغاز من حقل جنوب “فارس” الإيراني للغاز إلى “أوروبا”.
يتيح لأوروبا الإستغناء عن الغاز المُسال..
يقول “كروتاكوف” إن من شأن هذا المسار أن يتيح لـ”أوروبا” الإستغناء عن الغاز المُسال، الخاضع للضغوط الأميركية. ولكن، بسبب الحرب في “سوريا”، لم تنفذ الخطة.. وفي الوقت نفسه تقريبًا، نوقشت آفاق خط (كركوك-بانياس). وبعد تفاقم الوضع في “سوريا” وشمال “العراق”، تمّ تأجيل البحث فيه.
مستبعدًا، “كروتاكوف”، أن تدفع نية “إيران” لإنشاء خط أنابيب من “العراق” إلى “سوريا”، الأميركيين، لغزو “الجمهورية الإسلامية”، لكن هذه الخطط ترفع الرهان في “اللعبة” السورية بشكل كبير. علمًا بأن إنبوب (كركوك-بانياس) أحد العناصر المهمة في التكامل الأوراسي في شبكات نقل “النفط” و”الغاز”، ما سيؤدي إلى إنشاء نظام لإمداد الطاقة إلى “أوروبا”، مستقل عن “الولايات المتحدة الأميركية”.
استفادة لبنانية..
كما يمكن لـ”روسيا”، أيضًا، المشاركة في ترميم طريق (كركوك-بانياس). ففي شهر كانون ثان/يناير 2019، وقعت شركة “روس نفط” اتفاقية مع “وزارة الطاقة والمياه” اللبنانية، حصلت بموجبها الشركة الروسية على إمكانية إدارة وتشغيل محطة لتخزين المنتجات النفطية في ميناء “طرابلس”، على “البحر الأبيض المتوسط”.
ويُعتبر “لبنان” بحاجة إلى توسيع هذه القدرة على خلفية خطط استثمار حقول الهيدروكربونات في المناطق البحرية، لكن في الوقت نفسه، تراهن الحكومة اللبنانية على أن يتمّ في المستقبل تشغيل خط أنابيب (كركوك-بانياس)؛ المتصل بميناء “طرابلس”.
يُشار إلى أن “مضيق هرمز” يُعد من المضائق المهمة في العالم، إذ يعبُر من خلاله أكثر من 20 مليون برميل يوميًا من الخامات والمشتقات النفطية، يتجه معظمها إلى أسواق “آسيا” و”أوروبا”.
لا علاقة لإيران به..
حول نجاح المشروع في ظل الأوضاع المتوترة في المنطقة؛ وهل ستسمح “الولايات المتحدة”، لـ”العراق”، بتنفيذ المشروع في ظل “العقوبات الأميركية” المفروضة على “إيران” ؟.. يقول “د. همام الشماع”، أنه: “لا علاقة للصادرات الإيرانية بهذا الإنبوب، الذي يذهب من العراق بإتجاه ميناء بانياس السوري، ولا يوجد ربط بين الصادرات الإيرانية من النفط والإنبوب العراقي، وقضية إعادة افتتاحه ستعود بالنفع على الصادرات العراقية من النفط فقط”.
وأضاف “الشماع” أنه: “ربما قد يقصد بقضية أن الإنبوب يمتد من إيران، هو الإشارة إلى عزم إيران تصدير نفطها عبره إلى ميناء بانياس السوري، وهو موضوع غير منطقي، ذلك أن لكل بلد حصة من الصادرات تحددها منظمة (أوبك)، فإذا ما قام العراق بتصدير النفط الإيراني عبر إنبوبه، فمعنى ذلك سيكون على حساب حصة النفط العراقي المُصَدر”.
مشيرًا إلى أنه: “قد تكون مخاوف إغلاق مضيق هرمز؛ هي الدافع بإعادة التفكير في إحياء هذا الإنبوب، وكذلك الإنبوب الذي يمر عبر الأردن إلى ميناء العقبة، وهذا يدخل في إطار تنويع مصادر التصدير، كي لا يعتمد العراق فقط على منافذ الخليج، وهو أسلوب أتبعه العراق في زمن النظام السابق، وعلى هذا الأساس تم بناء الخط الاستراتيجي، عبر مد خط أنابيب يربط نفط الجنوب بميناء جيهان التركي، لمواجهة إحتمالية إغلاق مضيق هرمز، وكان من ضمن الخطط الاستراتيجية هو الإنبوب الذي يمتد من العراق إلى البحر الأحمر عبر المملكة العربية السعودية، ذلك أن المنفذ البحري الوحيد الذي يمتلكه العراق لتصدير نفطه، مهدد بالإغلاق بسبب التوترات التي تحدث في المنطقة”.
العراق أولى بتنفيذها..
وحول الطرح الإيراني المفيد استراتيجيًا لـ”إيران”، والفوائد التي تعود على الدول الأخرى، يرى وزير النفط العراقي السابق؛ الخبير النفطي، “إبراهيم بحر العلوم”، أن الأفضل لـ”العراق” هو تصدير نفطه أولًا، ويتابع: “أعتقد أن العراق أولى بتنفيذ هذا الخط التصديري، باعتباره يرعى استراتيجية وجود منافذ تصديرية عبر دول الجوار، وبالتالي المنافذ التي يمكن تنفيذها هي سوريا والأردن وإسترجاع الخط السعودي وتأهيل الخط التركي المار بمحافظة نينوى”.
مؤكدًا على أن هذه رؤية استراتيجية عراقية، و”العراق” أولى بنتفيذها من الآخرين، فإذا تمكن من ذلك ينجح “العراق” بتحقيق مرونة تصديرية لطاقاته من “النفط الخام” عبر ممرات متعددة، وما يأتي من عروض أخرى من دول إقليمية؛ وإن كانت تسير في نفس المسار العراقي، فعلى الجهة العراقية تقييم أولوية تفعيل هذه الخطوط التصديرية حسب مصالحها الاستراتيجية مع الدول الإقليمية.
حول قدرة “العراق” على تفعيل هذه الخطوط والإستغناء عن المشروع الإيراني، يقول “بحر العلوم”: “أتوقع أن لدى العراق القدرة على تفعيل هذه الخطوط من خلال الدفع بالاستثمار، ويمكن أن يساهم العراق مع شركات استثمارية؛ ويحقق هذا الطلب إذا ما توافرت الإرادة السياسية، والعراق اليوم يمتلك منفذ وحيد عبر الخليج، وهناك توترات في المنطقة، على العراق أن يحتاط لها بتفعيل منافذ أخرى”.
إذا أقامته العراق وحدها سترحب به واشنطن !
وفي ظل العقوبات الواقعة على “إيران”، وحيث أن الاحتمال الأكبر سيكون برفض هذا المشروع من قِبل “الولايات المتحدة”، يرى وزير النفط العراقي السابق أن قيام “العراق”، بهذا المشروع منفردًا، سيكون مكان ترحيب من قِبل الدول الغربية، ويوضح: “أتصور أن الولايات المتحدة مساندة لهذه المشاريع الاستراتيجية، حيث يوفر العراق طاقات تصديرية ويساهم في رفع الإنتاج، فالعراق اليوم ينتج ما يقارب 5 مليون برميل يوميًا، وهناك قدرة على رفعه حاليًا بنصف مليون برميل، ويمكن أن يصل إلى 6 – 7 مليون برميل يوميًا عام 2022، وهذا يساهم في استقرار سوق النفط العالمي، والدول المستهلكة للنفط ستكون سعيدة بهذا الأمر”.
الضغط الخارجي سيعطل المشروع..
حول أهمية المشروع لـ”لبنان”؛ يقول الدكتور “هادي دلول”، خبير في مجال الطاقة وأستاذ في القانون الدولي، ويقول: “هذا المشروع، في لبنان، مرتبط برفع العقوبات الموجودة على إيران، لأن الولايات المتحدة لن تسمح بمرور هذا الإنبوب في شمال سوريا، وفي العراق سيكون الوضع أصعب من ناحية السماح للإنبوب بالمرور، وسيكون هناك ضغط خارجي وتعطيل لهذا المشروع، وفي سوريا قد يتأخر المشروع حتى ينتشر الجيش السوري في كامل الشمال؛ حتى لا يكون هناك أي تعطيل”.
وأضاف أن المشروع، من ناحية “لبنان”، يجب أن يكون بالتنسيق مع الشركات العاملة في “لبنان”؛ وهي: “نوف تك” الروسية، و”ENI” الإيطالية، و”توتال” الفرنسية، الذين ينقبون عن “النفط” في “لبنان”، حيث يجب أن يكون هناك خطة كاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار “النفط اللبناني” الذي سيضخ في الداخل.
ويرى “دلول” أن هناك عدة أطراف قد تعارض هذا المشروع وتعمل على تخريبه، ويبين: “إذا لم تعرقله الولايات المتحدة، فهناك إسرائيل التي لن ترضى عن هذا المشروع، والتي قد تنفذ ضده أعمال تخريبية أو تفجيرات، لذلك يجب أيضًا تأمين حماية لهذه الخطوط النفطية”.
فوائد ومعارضون..
وعن فوائد هذا المشروع للدول التي سيمر بها هذا الخط، وعن الدول التي يمكن أن تعترض، يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط، “غريغوري لوكيانوف”، أنه قد يكون هذا المشروع مفيدًا لـ”العراق” و”إيران” و”سوريا”، لأنه قد ينشأ طريق بديل لتزويد المنتجات النفطية، هذا سوف يخدم مصالح ليس فقط منتجي النفط الإيرانيين، ولكن أيضًا مصالح الأمن القومي لـ”سوريا” و”العراق”، هذا سيجعل من الممكن الإعتماد على طرق أخرى غير البحرية التي تخضع لظروف سيئة في ظروف حرب الناقلات وتصعيد الوضع المحتمل.
ويضيف “لوكيانوف”: “من ناحية أخرى، لأي درجة قابل هذا المشروع للتطبيق ؟.. فقد تم تدمير البنية التحتية، وهنا ليس فقط إعادة البناء ضروري هنا، بل البناء على بنية جديدة، وهذا أمر مكلف للغاية، أراضي خط الأنابيب هي منطقة نزاع في كل من العراق وسوريا، لذلك على المدى القصير من غير المحتمل تنفيذ المشروع، وعلى المدى الطويل ستعارض دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى هذا المشروع”.
يحتاج للتفاوض مع الميدانيين وجماعات المعارضة..
فيما قالت خبيرة المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، “ماريا مخموتوفا”، أن فكرة بناء خط أنابيب النفط كانت قائمة منذ القرن العشرين، حتى لقد تم بناء قطعة صغيرة، وإذا لم تخني الذاكرة، فقد حاولت الشركات الروسية المشاركة في ترميمها قبل “الربيع العربي”، وفي غضون ذلك لم يستقر الوضع في “سوريا” و”العراق”، وبالتالي فإن بناء مثل هذا المشروع المعقد والطويل سيكون صعبًا.
وتتابع: “للقيام بذلك سيكون من الضروري التفاوض مع القادة الميدانيين وجماعات المعارضة في العراق وسوريا، لذلك في رأيي في المستقبل القريب هناك احتمالات قليلة وصعبة لتنفيذ المشروع”.
وتختم قولها: “ومن حيث الفائدة؛ فالمشروع مفيد لكل من يستثمر هناك، ولكن حتى الآن المخاطر كبيرة جدًا، وقد تعارض الدول العربية في الخليج وتركيا بناء خط الأنابيب، لأنه لا يمر عبرها”.
ستزعج منطقة الشرق الأوسط بالكامل..
من جهتها؛ أكدت صحيفة (أويل برايس) البريطانية، أن أحد خطط “العراق” النفطية، ستزعج منطقة الشرق الأوسط بالكامل.
وتابعت أن مستشاري “البيت الأبيض” سيحتاجون لمعالجة اقتراحات إنشاء خط أنابيب محتمل بين “إيران” و”سوريا” ويمر عبر الأراضي العراقية، ما يعني اختبار العلاقة غير المستقرة بين “بغداد” و”واشنطن”.
وأضافت أنه يبدو أن هناك خيارين لخط الأنابيب مطروحان على الطاولة، الأول خط أنابيب جديد طوله 1000 كيلومتر يمُر عبر “العراق” إلى “سوريا”، أو إجراء إصلاحات على الجانب الإيراني من خط أنابيب (كركوك- بني ياس)، وهو خط أنابيب بطول 800 كم، ومن المقرر أن يستهدف مشروع خط الأنابيب الجديد الطاقة الإجمالية البالغة 1.25 مليون برميل من “النفط” يوميًا.
محاولة لإيجاد بدائل لـ”مضيق هرمز”..
وأشارت إلى أن الهدف منه هو إيجاد بدائل لـ”مضيق هرمز”، لـ”العراق” و”إيران”. ومع ذلك، ستنظر “واشنطن” وحلفاؤها في هذا الأمر بطريقة مختلفة تمامًا.
وأوضحت أنه من المتوقع أن تحاول “الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا”، وعدد من الدول العربية؛ على رأسها “مصر” وبعض دول الخليج، سيعارضون خط الأنابيب وقد يمنعون إنشاؤه.
وأكدت الصحيفة أن المؤشرات الأولى تشير إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، ستضع كل قواتها على “بغداد” لإعادة النظر في الصفقة، فموقف “بغداد” محفوف بالمخاطر، لأنه يحتاج إلى التنقل بين مجموعة واسعة من مجموعات الضغط السياسي والميليشيات المدعومة من “إيران” والسياسة الكُردية وجيرانها العرب، ولكن في الوقت نفسه لا تريد، “بغداد”، أن تصبح ضحية المواجهة “الإيرانية-الأميركية”.
وأوضحت أن أحجام صادرات “النفط” العراقية الكبيرة مازالت محل شك، فليس من الواضح إذا كان “نفط عراقي” خام أو مخلوط بـ”نفط إيراني”، فلا يزال الشركاء الأوروبيون والآسيويون يعتمدون على “النفط العراقي”، ولكن وجود “نفط إيراني” قد يسبب ضجة كبرى، ويجعل “الولايات المتحدة” تهدد بفرض عقوبات على المشغلين العراقيين أو الكيانات الحكومية؛ والتأكيد وضع حدًا للصفقات الأخرى في “الاتحاد الأوروبي” أو “آسيا” أيضًا.
وأكدت أن الوضع في “سوريا” تغير كثيرًا بعد التأكد من بقاء الرئيس، “بشار الأسد”، في منصبه واستقرار الأوضاع بها، وهو ما جعل “مصر” ودول الخليج يعيدون خيارتهم بشأن “سوريا” مرة أخرى، إلا أنه وفقًا لمصادر عراقية فإن مصالح “بغداد” لا تتماشى مع مصالح الدول العربية الأخرى.
أزمات داخلية وخارجية..
وتابعت أن المواجهة الساخنة بين “بغداد” و”واشنطن” قد تؤدي إلى كارثة على المنطقة، إذا لم تُجر مناقشات عقلانية، حيث تواجه “بغداد” حاليًا اضطرابات داخلية وأزمة اقتصادية وتدخلات خارجية متزايدة، فالضغط الإيراني لمنع المصالح الأميركية في البلاد قد أسفر بالفعل عن هجمات وتهديدات الميليشيات الإيرانية وغيرها من المتشددين.
في الوقت نفسه؛ يتزايد التدخل العربي أيضًا، حيث تحاول كل من “الإمارات العربية المتحدة” و”السعودية” و”مصر” تخفيف النفوذ الإيراني، مع فتح المناقشات الاقتصادية والعسكرية للمستقبل.