خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أثارت خطة الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب” الجديدة لوقف الحرب الإسرائيلية على “غزة”، التي أُعلن عنها أمس الأول الإثنين، جدلًا واسعًا، وذلك لما حملته بنودها؛ (20 بندًا)، من وعود وما سقط من أولويات لوضع أسس حقيقية لحل “القضية الفلسطينية”.
ورغم أن المبادرة التي عُرفت: بـ”خطة ترمب” حملت وعودًا بوقف الإبادة الجماعية في “غزة” ورفع الحصار وإعادة الإعمار، إلا أنها أسقطت الحقوق الوطنية، إذ غيّبت “قضية الدولة الفلسطينية” وحق العودة، وأثارت المخاوف من فرض وقائع جديدة تُكبّد المقاومة و”القضية الفلسطينية” ثمنًا باهظًا.
وجاءت تلك الخطة وسط تصاعد الضغوط الدولية والإنسانية على الاحتلال الإسرائيلي جراء عدوانها المستَّمر على “قطاع غزة” منذ عامين، وما خلفه من آلاف الشهداء والجرحى ودمار لا يُحصى في البُنية التحتية للقطاع، فضلًا عن عُزلة غير مسبّوقة لكيان الاحتلال الإسرائيلي واحتقان شعبي غربي وأميركي متصاعد تجاه سياسات الاحتلال، مما فرض على “ترمب” البحث عن مخرج يواكب استحقاقات الداخل الأميركي واقتراب الانتخابات النصفية القادمة.
وتشمل بنود خطة الرئيس الأميركي شروطًا يصعب على حركة (حماس) قبولها، كما انتقدها الوزير اليميني المتطرف في ائتلاف؛ “بنيامين نتانياهو”، “بتسلئيل سموتريتش”، ويبدو أن لدى رئيس الوزراء أيضًا بعض التحفظات عن بنودٍ بعينها، ومؤخرًا هاجمها؛ “إيتمار بن غفير”، وزير الأمن القومي بحكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي، واصفها بالمليئة بالثغرات والخطير على أمن “إسرائيل”.
وبحسّب وكالة (فرانس برس)؛ فإن أبرز العقبات المحتملة هي:
حماس..
غُداة إعلان الخطة المؤلفة من (20) بندًا؛ لم يصدَّر عن (حماس) أي تعليق علني، لكن مسؤولًا فلسطينيًا مطلعًا أكد أن الحركة بدأت، الثلاثاء، بدراستها، مشيرًا إلى أن الأمر قد يستغرق: “عدة أيام”.
وشدّد المسؤول على أن (حماس): “حريصة على إنجاز اتفاق شامل لوقف الحرب والعدوان بما يضمن انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من القطاع؛ ويُنهي الحصار المفروض منذ 2007 (على قطاع غزة)؛ وإعادة إعمار القطاع”.
إلا أن الرئيس الأميركي حذر الحركة؛ الثلاثاء، من أن أمام الحركة الفلسطينية: “ثلاثة أو أربعة أيام” للرد على الخطة، كما توعدّها بمصّير قاتم إذا رفضتها.
ولا تتضمن الخطة الأميركية جدولًا زمنيًا لانسحاب “إسرائيل”، لكنها تنص على أن تكون “غزة” منزّوعة السلاح، وهو أمر لطالما رفضته الحركة.
أساس للمفاوضات أم للرد ؟
في تعليقه؛ يقول “هيو لوفات”، الباحث البارز في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بـ”المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”: “إذا كانت هذه الخطة أساسًا للمفاوضات، فقد ترد (حماس) بشكلٍ إيجابي”.
ويُضيف لوكالة (فرانس برس): “لكن إذا كان المطلوب أن تأخذها أو ترفضها، فسيكون الأمر إشكاليًا، لأن (حماس) لا يمكنها قبول شيء بهذه الدرجة من الغموض”.
ويُتابع: “(حماس) وافقت بالفعل على إنهاء حكمها في غزة وقبلت بالدخول في عملية تسليم تدريجي للأسلحة الهجومية، لذلك فهي مستَّعدة إلى حدٍ كبير لقبول كثير من بنود هذه الخطة، لكن هناك العديد من النقاط التي تحتاج إلى توضيح”.
أما المحلل السياسي؛ “إياد القرا”، من “غزة”، فيرى أن قضية نزع (حماس) لسلاحها: “أمر يصعب على الحركة اتخاذ قرار في شأنه، السلاح في غزة بدائي ومحلي وخفيف وليس هجوميًا ثقيلًا كما يعتقد البعض”.
نتانياهو..
رغم دعمه لما يسُمى: بـ”خطة السلام”؛ التي أعلنها “ترمب”، يبدو أن أحد بنودها الرئيسة قد يُعارضه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي.
وتشمل الخطة انسحابًا تدريجيًا للاحتلال الإسرائيلي من “قطاع غزة”. وفي بيان مصور نُشر الثلاثاء، قال “نتانياهو” إن الجيش: “سيبقى في معظم قطاع غزة”.
وعن هذا التناقض عند “نتانياهو”؛ تقول أستاذة العلوم السياسية في الجامعة (العبرية) بالقدس؛ “جاييل نتلشير”، إن: “نتانياهو يتحدث بصوتين”.
وتوضح؛ لوكالة (فرانس برس)، أن: “أحدهما يتحدث به للعالم، والآخر يتحدث به لقاعدته الانتخابية في اليمين الإسرائيلي”.
والإثنين، وفي أثناء الإعلان عن الخطة، ترك “نتانياهو” الباب مفتوحًا لتنفيذ عمليات عسكرية في حال رفضت (حماس) الخطة.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع “ترمب”: “إذا رفضت (حماس) خطتكم، سيادة الرئيس، أو إذا قبلتها ظاهريًا وقامت بكل شيء لمعارضتها، فإسرائيل ستكمل المهمة بنفسها”.
وترى “تالشير”؛ أن “نتانياهو” يعتمد على أن تقول (حماس): “لا” للاتفاق أو: “نعم ولكن”، وتضع شروطًا يمكن لـ”إسرائيل” رفضها ثم تبرير الانسحاب من الصفقة.
ولطالما اتهم منتقدو “نتانياهو” في “إسرائيل” وعائلات الرهائن المحتجزين في “غزة”، رئيس الوزراء بتعطيل جولات من مفاوضات وقف إطلاق النار غير المباشرة وإطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية شخصية.
اليمين المتطرف..
تعتمد حكومة “نتانياهو”؛ التي تُعتبر من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ “إسرائيل”، على دعم وزراء يمينيين متطرفين يرفضون إنهاء الحرب بشكلٍ قاطع ما لم يتم هزيمة (حماس).
وانتقد وزير المال اليميني المتطرف؛ “بتسلئيل سموتريتش”، الثلاثاء، الخطة، واعتبر أنها: “فشل دبلوماسي مدوٍ”.
وحول موقف اليمين المتطرف في “إسرائيل”، تقول “تالشير”: “جميعهم يأملون أن تقول (حماس): لا، وأن تستمر الحرب على غزة”.
وتُضيف: “إذا قالت (حماس): نعم، فلن يكون لدى نتانياهو حكومة”.
ويرفض الوزراء اليمنيون في ائتلاف “نتانياهو” بشدة؛ فكرة إقامة “دولة فلسطينية” مستقبلًا، وهو أمر تركت له الخطة الأميركية المعلنة مجالًا.
وبحسّب “تالشير”؛ فإنه: “من وجهة نظر اليمين في إسرائيل، ما فعله نتانياهو؛ أمس، لا يختلف عن التوقّيع على رؤية حل الدولتين… لذا فهو في موقف صعب للغاية من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي”.
ويُعتبر أمر إقامة “دولة فلسطينية” بالنسبة لرئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية؛ “يوسي دغان”: “خطًا أحمر”.
ويقول عبر حسابه على منصة (إكس): “مهمة هذا الجيل تكمن في ضمان وجود الدولة من خلال تطبيق السيّادة الإسرائيلية على المستوطنات والأراضي”.
ويُشير “دغان” إلى مخطط “إسرائيل” المثَّير للجدل لضم “الضفة الغربية”؛ الذي يلقى دعمًا واسعًا في صفوف اليمين المتطرف.
وجدّد “نتانياهو”، الثلاثاء، في بيان مصور عبر منصة (تليغرام) معارضته لإقامة “دولة فلسطينية”، وقال إنها لم تندرج في “خطة السلام” التي طرحها “ترمب”.
ورأت صحف أخرى ناطقة بالفرنسية؛ اهتمامًا كبيرًا بـ”خطة ترمب” الجديدة لإنهاء الحرب في “غزة”، فرأت فيها خدعة سلام تارة، وتسوية بهيكل هش وغير مُلزمة لـ”إسرائيل” تارة أخرى، بل وحتى إذنًا بإطلاق النار.
ثقب يتمناه “نتانياهو”..
وكان عنوان صحيفة (ليبيراسيون) الفرنسية: “اتفاقية غزة خدعة سلام ؟”، معبَّرًا عن مدلول مقالها، حيث قالت إن الانطباع الأول هو أن الخطة أُقرت، وأن “ترمب” نجح في فرض اتفاقية: “سلام أبدي” على الإسرائيليين بين “إسرائيل” و”فلسطين”.
ولكن عند التدقيق في تفاصيل: “الاتفاقية”، التي أرسلت إلى الصحافة قبل عرضها في قاعة الولائم بـ”البيت الأبيض”، يظهر الثقب الذي يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، الهروب من خلاله من هذا الكابوس، كما تقول الصحيفة.
وذلك لأن كل شيء – حسّب الصحيفة – من انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى دخول “الأمم المتحدة”، فإطلاق سراح الأسرى، فعودة الغزيين، فوقف الاستيطان الإسرائيلي في “الضفة الغربية”، ثم العودة إلى “اتفاقيات إبراهام”، ورعاية رئيس الوزراء البريطاني الأسبق؛ “توني بلير”، مرهون بموافقة “حركة المقاومة الإسلامية”؛ (حماس)، التي لم تستَّشر رسميًا، على الاستسلام مقابل: “عفو” يمنح لأعضائها الذين يوافقون على إلقاء أسلحتهم.
خطة متعمدة لإبادة شعب..
وخلص “دوف ألفون” – في مقاله بالصحيفة – إلى أن رفض (حماس) هو الذي يُراهن عليه “نتانياهو” لمنحه الإذن بتدمير (حماس): “بالقوة إن لزم الأمر”، والعودة إلى غزو “غزة” بموافقة ضمنية من الدول العربية هذه المرة، ومباركة رسمية من “أميركا”، ما يعني أن “خطة ترمب” تُخاطر بإغراق المنطقة في حربٍ قد تستمر عشرين عقدًا.
ما يقع في “غزة”؛ سواء أسميناها “إبادة جماعية” أو “تطهيرًا عرقيًا” أو “جريمة حرب” أو “جريمة ضد الإنسانية”، يبدو في الحقيقة تنفيذًا لخطة متعمدة للقضاء على شعب بأكمله.
تُشكّل الوحشية الشرعية..
من جانبها؛ أشارت صحيفة (لاكروا) الفرنسية، إلى أن الاعتراف بـ”فلسطين” كان ينبغي أن يكون قبل إبادتها، موضحة أن هذا الاعتراف كان ضروريًا، وأنه يجب العمل من أجل استقرار النظام الدولي.
ورأى “إروان لو مورهيدك”؛ في عموده الأسبوعي بالصحيفة، أن ما يقع في “غزة”، سواء أسميناها “إبادة جماعية”، أو “تطهيرًا عرقيًا”، أو “جريمة حرب”، أو “جريمة ضد الإنسانية”، يبدو في الحقيقة تنفيذًا لخطة متعمدة للقضاء على شعب بأكمله.
وذكر الكاتب؛ بأن هذا الاعتراف ليس مكافأة لـ (حماس) كما يلوح بذلك معارضوه، ولكنه آخر ما في وسعنا في مواجهة قوة تتجاهل أي دعوة لضبط النفس، وهو عادل، وفي مصلحة الدول التي فعلته، لأن عدم القيام به يعني تقويض نظام دولي قائم على القانون، والخضوع لرؤية: “القادة الأقوياء”، حيث تُشكّل الوحشية الشرعية.
لا تُلبّي طلبات الطرفين..
وفي سيّاق “خطة ترمب”؛ لاحظت صحيفة (لو موند)، أن الخطة أُعدت دون مشاركة فلسطينية، وهي تقدم عفوًا عامًا وخيار مغادرة “غزة” لأعضاء (حماس) الذين يتخلون عن السلاح، مع تدفق المساعدات الإنسانية: “دون تدخل من الطرفين، عبر الأمم المتحدة ووكالاتها، والهلال الأحمر”.
ولكن الخطة – حسّب الصحيفة الفرنسية – لم تشَّر إلى استعادة شرعية “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”؛ (أونروا)، المكروهة من “إسرائيل”، كما أن النقطة الأكثر حساسية، وهي نزع سلاح “غزة” قدمت وكأنها أمر بديهي، رغم أنها تعني نهاية (حماس) الفعلية.
ولخصت صحيفة (لو موند) الخطة على أنها طلب “واشنطن” من (حماس) الإفراج عن جميع المحتجزين، وتسليم كافة الأسلحة، والتخلي عن نفوذها في “غزة”، والانهيار الذاتي، بدعم من دول مثل “قطر”، وإلا فإن معاناة المدنيين في القطاع ستتفاقم.
أما بشأن الحكم المستقبلي لـ”غزة”؛ فلا تُلبّي الخطة – حسّب الصحيفة – طموحات اليمين الإسرائيلي المتطرف بالضم أو: “التطهير العرقي”، لأنها تقول إنه: “لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، ومن يرغب في الرحيل سيكون حرًا في المغادرة والعودة”، دون أن يعرف ما إذا كانت “مصر” ستوافق على فتح الحدود.
وقال “نتانياهو”؛ إن: “غزة ستدَّار من قبل إدارة مدنية سلمية، لا تتبع لـ (حماس) ولا للسلطة الفلسطينية”، هؤلاء الفلسطينيون غير المعروفين من حيث الشخصية أو الشرعية، سيحصلون على دعم: “خبراء دوليين رفيعي المستوى”، حسّب “ترمب”، وسيرأس “ترمب”: “مجلس سلام”، من بين أعضائه “توني بلير”، وذلك للإشراف على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.
ونبهت (لو موند) لحضور؛ “جاريد كوشنر”، صهر “ترمب” ومستشاره السابق لشؤون الشرق الأوسط، الذي دعا في شباط/فبراير 2024، إلى إنشاء: “منطقة آمنة” في “صحراء النقب” لنقل سكان “غزة” مؤقتًا، ريثما تستكمل عملية: “القضاء على (حماس)”، كما تحدث عن: “القيمة العقارية العالية” لسواحل “غزة”.
وبعد تحدث “ترمب” عند عودته إلى “البيت الأبيض”، عن إمكانية إخضاع “غزة” لسيّطرة أميركية وتحويلها إلى: “ريفييرا” الشرق الأوسط.
إذن بإطلاق النار..
أما صحيفة (لوتان) السويسرية التي رأت في “خطة ترمب للسلام” إذنًا بإطلاق النار، فنبهت إلى أن “ترمب” أعلن عن وجود خطة دون أن تكون (حماس) وافقت عليها، وتلا ذلك بالتهديد بأن (حماس) إذا رفضت الخطة: “ستكون لإسرائيل الحرية في أن تفعل ما يلزم”، مع دعم أميركي غير مشروط.
وذكرت الصحيفة بأن (حماس) صرحت بأنها لم تستَّشر إطلاقًا بشأن هذا الاتفاق الإطاري الجديد، مُشيرة إلى أن بعض الشروط التي تضمنتها “خطة ترمب” كانت (حماس) قد رفضتها في الماضي.
وهذه الخطة؛ التي تقول تقارير إنها تحظى بدعم عددٍ من الدول العربية، لا تستبّعد بشكلٍ كلي إمكانية عودة “السلطة الفلسطينية” لإدارة “غزة”: “يومًا ما”، وهي تمنح (حماس)؛ (72 ساعة) فقط، للإفراج عن جميع المحتجزين، وهو شرط يبدو بعيد المنال.
وختمت الصحيفة؛ بأن “نتانياهو” أصبح معزولًا دوليًا، حيث اضطر في طريقه إلى “نيويورك” لتفادي أجواء عدة دول أوروبية لكونه مطلوبًا لدى “محكمة الجنايات الدولية” بتهم جرائم حرب، كما يُعاني ضغوطًا داخلية من قبل أسر المحتجزين.