خاص : ترجمة – د. محمد بناية:
استضافت “المملكة العربية السعودية” قمة القيادات العربية والإسلامية لمساعدة الشعب في “غزة” ووقف الحرب المدمرة الحالية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء والقوانين الحربية؛ لكن مخرجات القمة التي برزت في البيان الختامي، لم تتجاوز الإدانة والطلب، وخلت على الأقل من قرارات وأعمال من شأنها تقديم تعريف لآلية واضحة لإيصال المساعدات أو تُطلق حملة للضغط الدبلوماسي الحقيقي بهدف وقف الحرب التي توصف في الخطابات (النارية) للقيادات العربية والإسلامية في: “الأردن ومصر والسعودية”، وحتى “إيران وتركيا”، بـ”الإبادة”، و”الجريمة ضد الإنسانية”، و”العقاب الجماعي” وغيرها. بحسّب تقرير “صابر ﮔل عنبري”، المنشور بصحيفة (خراسان) الإيرانية.
حساسية الموقف العربي..
والحقيقة أن عقد مثل هذه المؤتمرات يتركز بالأساس على الأعذار الأخلاقية والسياسية النابعة عن حساسية الشعوب العربية والإسلامية الكبيرة حيال التطورات الفلسطينية، لكن عمليًا انتزعت المصالح المتباينة، والسياسات والتحالفات غير المتناغمة، والانقسامات الداخلية، والخوف من العواقب، قوة الحراك الجماعي في العالم الإسلامي أو حتى من جانب المعارضين لـ”الكيان الصهيوني”، ناهيك عن الدولة التي تربطها علاقات مع هذا الكيان.
في ظل هكذا وضع؛ حيث تنعدم مؤشرات الاتفاق على القيام بعمل جماعي إنساني، وإيصال ولو لتر وقود أو شُحنة مساعدات طبية للمستشفيات في “غزة”، كان المقترح الإيراني على القمة إرسّال مساعدات عسكرية عبثي وغير موضوعي.
بين الخيارات العسكرية والمدنية..
إذ يستحيل بالأساس إدخال مساعدات عسكرية إلى (حماس) والفصائل الفلسطينية في “غزة” أو إرسال قوات في ظل الظروف السّائدة بالمنطقة، ولا توجد أي دولة على استعداد للقيام بتلك المخاطرة. وكان الأفضل أن تُركز القيادات على الأقل على مقترحات إدخال المساعدات الإنسانية، واتخاذ قرارات تتعلق بكيفية تنفيذ هذه المقترحات، وهو ما لم يحدث.
علمًا ان الخيارات المدنية غير العسكرية كثيرة وتتخطى المشاركة غير الممكنة في الحرب في ظل هذه الأوضاع؛ حيث كان بمقدورها الضغط على “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” والمسّاهمة في وقف الحرب، لكن الحقيقة تكمن في عدم وجود إرادة لذلك، وكانت معظم الدول تتنظر إجراءات الدول الأخرى.
على سبيل المثال؛ كان بمقدور “السعودية” التهديد على الأقل بسّحب مشروع التطبيع مع “إسرائيل” عن الطاولة، وكذلك “تركيا” التي اتخذت مواقف إعلامية قوية؛ تستطيع الضغط بشكلٍ كبير عبر قطع أو على الأقل تقيّيد صادرات “النفط” إلى “إسرائيل” عبر ميناء (جيهان) أو خفض الأنشطة التجارية أو إلغاءها بالكلية؛ وهو تقريبًا نفس العمل الذي قامت به الحكومة التركية؛ عام 2017م، مع “إقليم كُردستان العراق” بعد إجراء استفتاء على الانفصال، لكن الحقيقة أن “أنقرة” تتعامل في هذا الموقف بشكلٍ براجماتي، بغض النظر عن الموقف الإعلامي، وتترفع حتى الآن عن اتخاذ هكذا قرار بسبب التداعيات السياسية مستقبلًا وخوفًا من التخلف عن ركب العامين الماضين.
الوضع الحالي داخل “غزة”..
وبالنظر إلى أن ضعف احتمالات القيام التدابير المذكورة سلفًا، لم تُقدم الدول العربية والإسلامية حلول عملية بخصوص إرسال المساعدات الإنسانية؛ وبخاصة للأطفال والمدنيين في “غزة”.
بينما هناك حاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى لتلك المساعدات. وكنت قد أجريت حوارًا بالأمس مع صديق صحافي في “غزة”، وقد تحدث عن كوارث إنسانية في هذه المنطقة تقشّعر لها الأبدان؛ حيث تحدث مثل هذه الهمجية الجامحة في القرن الحادي والعشرين.
قال نفذت المواد الغذائية في الكثير من المناطق، والطعام الوحيد للأطفال والمواليد في “غزة” الآن هو البسكويت والماء المالح المصحوب بالرعب والفزع غير القابل للوصف نتيجة القصف الشديد والمستمر. وأخبرني هذا الصديق أن بعض الأسر لا تجد حتى هذا البسكويت وذاك الماء غير الصالح للاستخدام؛ إذ لا يمكنهم الوصول إلى أي شيء نتيجة السجن في منازلهم؛ لا سيما بالمناطق شمال “قطاع غزة”.
العجز الكلي..
وأكد أن عمق كارثة “غزة” سيُظهر بشكلٍ أكبر بعد وقف الحرب؛ حين يتم العثور على جثث الأطفال والنساء الذين فقدوا أرواحهم داخل المنازل بسبب الجوع. والوضع في معبر (رفح) لا يختلف كثيرًا إذ لا تستطيع “مصر” اتخاذ قرار أو إجراء مستقل بسبب التهديدات الأميركية والإسرائيلية، وكأن الأنظمة الديكتاتورية تستطيع فقط استعراض القوة للشعوب التي تخضع لاستبدادهم، والخطابات (النارية) للقيادات العربية والإسلامية تسّتدعي على الأقل أن تتخذ هذه الدول؛ والبالغ عددها: 57 قرارًا مشتركًا مثل إرسال سفينة مدنية تحمل مساعدات إنسانية عن طريق المياه الدولية بـ”البحر الأبيض المتوسط” وعلى متنها مسؤول من كل دولة عربية وإسلامية إلى ميناء “غزة”، حيث من المسّتبعد أن تقصف “إسرائيل” سفينة تحمل عدد: 57 مسؤول.
وخلاصة القول إنه حين يعجز قادة: 57 دولة عربية وإسلامية مجتمعون في مكانٍ واحد؛ عن اتخاذ قرار عملي وفوري لإرسال لتر وقود للمستشفيات والأطفال المصابين بالسرطان، وعدم القيام بأكثر من إرسال كرتونتين بسكويت للجائعين في “غزة”، فإن هذا في حد ذاته كارثة أكبر مما يحدث في “غزة”؛ وقد يرقى إلى مستوى إراقة ماء الوجه الجماعي.