خاص: بقلم- عمرو عمر:
تُحاول بعض النُّخب السياسية في مصر خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع تعاظم تبِعات الإدارة السّيئة للملف الاقتصادي للدولة المصرية، هو محاولة ترّويج ما يُطلق عليه الطريق الثالث، أو الديمقراطيات الاجتماعية، على أساس نموذجٍ مخُّادع لتطبيقات هذا الطريق، وعلى أساس أنه يتوافق مع قوى العولمة التي تحكم العالم اليوم، ولكن هل هذا الطريق هو المنُّاسب فعلاً ويحل المشكلة من جذورها، للأسف الشديد هؤلاء السّاسة يُحاولون أخذنا من متاهة واضحة إلى متاهةٍ أخرى أكثر إرباكًا معتُّمد على نموذج لديمقراطية شّكلية، ولكنه لا يُغيّر من واقع الحقيقة شيء، خلال سّطور هذا المقال أحاول كشف السِتار عن حقيقة الخديعة والمتّاهة الجديدة التي سنقع فيها.
كثيرًا من الناس تتجّنب الحديث في السياسة، فهم يرونها معُّقدة للغاية وإذا كُنت منهم لا ألومك، فلغُة السياسة تجعل من الصعب معرفة ما الذي يحدث حولنا، وكثير من المفاهيم والمصُّطلحات مُربكة ومُحيرة، كذلك كثير من السياسيين يسيّئون استخدام تلك المصُّطلحات وفي أحيانًا يتعمدون أن يكون كلامهم غامضًا ويستخدمون ألفاظ ومصُّطلحات متقاربة، لكنها في الحقيقة تعني أشياء متضّاربة وعكس بعضها البعض، كذلك التغيّرات والتحديّثات التي تطرأ على تلك المصُّطلحات فما كان مقبولاً مثلاً منذ خمسين عامًا، أصبح اليوم مرفوضًا أو في أحيان تتغيّر معاني تلك المصُّطلحات، هذا هو الحال في مصُّطلح “الاشتراكية الديمقراطية”، والتي يُطلق عليها في أحيانٍ أخرى “الديمقراطية الاجتماعية”، على الرُغم أنها لا تمُّت بصِلة بالاشتراكية من الأساس، فهناك فارقٍ كبير بين “الاشتراكية” في حد ذاتها، وما يُطلق عليه “اشتراكية ديمقراطية”، وسأحاول في تلك السّطور شرح الفارق بين كلٍ منهما…
إن الفارق بين “الاشتراكية”، و”الاشتراكية الديمقراطية”، هو في نوعية العلاقة بينهم وبين “رأس المال”، ففي الاشتراكية الديمقراطية يعتبرون رأس المال شرٍ لابد منه، فلنُحاول إصلاحه أو على الأقل الإقلال من شّره، فهو بالنسبة لهؤلاء منظومة اقتصادية جيدة علينا فقط ترويضّها وتحّويلها من الحالة السّلبية إلى منظومة إيجابية…
أما في “الاشتراكية” فرأس المال هو شرٍ لابد من التخلص منه وتخطيه، بنموذج اقتصادي مختلف جذريًا عنه لا يُحركه الربح، ويتم تنظيم عملية الإنتاج وتوزيعها ديمقراطيًا لصالح المجتمع ككل، ولا تحتكره فئة من الأثرياء الأقوياء…
لذا ففي الممارسّة العملية هذا يعني أن الدول التي تأخذ منهج اشتراكي ديمقراطي لديها اقتصاد “رأس مالي” في الأساس، حيث الغالبية العُظمى من العملية الإنتاجية مملوكة من قبل عددٍ قليل من الأفراد، لكن في المقابل تقوم الدولة من خلال مجموعة من القوانين والضرائب التصّاعدية بخلق شبكة أمان اجتماعية تعيُّنها على تقديم خدمات مثل التأمينات الاجتماعية والصحية، والتعليم المجاني، وقد يتم تأميم بعض الخدمات العامة من المرافق والتي تؤثر بشّكلٍ مباشر على حياة الأفراد داخل المجتمع، ومن النماذج التى دائمًا ما يتحدث عنها هؤلاء الاشتراكيون الديمقراطيون مجموعة الدول الإسكندنافية مثل السويد والدنمارك… الخ.
كثير من الممارسيّن للسياسة الذين قابلتهم خلال فترات حياتي كنت أراهم مبهورين بالتجربة الإسكندنافية ويرون أنها الشكل الأمثل لمصر، لكن في تلك السّطور سأحاول شرح إن كل ما يراه هؤلاء ليس إلا خديعةٍ كُبرى، لأن المنظومة الأساسية وهي الرأسمالية معيّبة ومهتُّرئة ولا يمكن تحقق عدالة اجتماعية حقيقية بل على العكس سيظل الشعب رهينة في يد أصحاب رأس المال…
يجب علينا أولاً أنه نعرف إن الرأسمالية نظام لا يمكن ترويضّه، فالديمقراطية الاجتماعية بسبب أعتمادها على نموذج اقتصادي رأس مالي، غير مسُّتقرة وغير مكتُّملة بالنسبة للنتائج التي نأمل فيها جميعًا، فبسبب عبثّية هذا النظام الرأسمالي، واحتكار أقلية صغيرة من المجتمع لموارده وإجبار الغالبية العظمى من الناس على العمل لصالحهم، حتى يُصّبحوا هم أكثر قوة وثراءً، يعيش غالبية الشعب على الفتُّات المتسُّاقط منهم فقط لتعينُّهم على الحياة والعمل لصالح أصحاب رأس المال، فهؤلاء الكادحين لا يأخذ برأيهم في العملية الإنتاجية، وبرُغم المجهودات التي يبذلونها لا يُشاركون في الأرباح المُّحققة، وهم عُرضة دائمًا للفصل في حالات الأزمات الاقتصادية – التي هي متكررة في الحالة الرأسمالية -، أو حتى لو أراد صاحب العمل تخفيض عدد العُمال ليُزيد من أرباحه، فالرأسمالي غير خاضع للمسألة فهو المالك والبقية يعملون لصالحه ولا يحق لأحد أن يكون له رأي في أي قرار يأخذه صاحب رأس المال حتى لو تخلص من كل العمالة الموجودة واستبدلها بروبوتات، فالبشر هنا كأنهم لم يتخلصوا من عبودية النظام الإقطاعى بل على العكس، المنظومة باتّت اكثر قسوةٍ، فمع احتكار الموارد والعملية الإنتاجية أصبح هؤلاء المُّلاك الرأسماليون هم الإقطاعيين الجُّدد الكل يعمل تحت أمرهم ولمصلحتهم ولخدمتهم، ففي الدول التي تأخذ هذا المنهج – والذي ينبّهر به البعض من الممُّارسين للسياسة – يرون نقابات عُمال تدخل في مفاوضات مع أصحاب رأس المال، في محاولة للحصول على أدنى حقوقهم، الغريب أن تلك المفاوضات تدور في الغالب بين مالكٍ وحيد يتحكم في كل شيء وبين عشرات أو مئات أو حتى آلاف من العُمال الذين يعملون لإثراءه ويترجونه ويستّعطفونه أن يُعطيهم بضعة فتات قليلة أخرى بجانب اللقمُّيات الصغيرة التي يُجنونها أصلاً، هل ترى عزيزي القاريء عبثّية تلك الحالة ؟!!…
فالمنظومة الاقتصادية الرأسمالية الدافع الوحيد لها هو تعظيم ربح المُّلاك بغض النظر عن أي شيء آخر، لذا فالقرارات لا يأخذها سوى هؤلاء المُّلاك وعلى الشّغيلة أن يمتّثلون ليُحافظوا على حياتهم أو في أحيان يسُمح لهم بالتفاوض عليها، لكن تلك الحالة العبّثية نراها محليًا بشكلٍ واضح، أما على الساحة الدولية فالوضع أكثر عبثيّة وهو أقرب للجنون، حيث يكون استغلال الشّغيلة أكثر قسّوة، وهنا يأتي دور دول الجنوب أو العالم الثالث الفقير، فبسبب التسّابق الرهيب بين الرأسماليين لتحقيق أكبر قدرٍ ممكن من الأرباح، فإذا كانت الديمقراطية الاجتماعية أو الموصّوفة ظلمًا بالاشتراكية تُحقق دائرة من الأمان الاجتماعي في الدول الكبرى أو العالم الأول وتُحقق لمواطنيها نوعًا من المستوى المعيشي المرتفع نسّبيًا، لكن في المقابل الأرباح التي يُحققها هؤلاء الرأسماليين – برُغم ضخامتها – لا تُحقق لهم الإشباع أو الرضى فهم دائمًا في حالة نهم مستمر للربح، وسأذكر لكم مثالاً عمليًا على ذلك…
كلنا نعرف سلسلة محلات الملابس الشهيرة (H & M)، وهي علامة تُجارية سويدية في الأساس معروفة بجودة منتجاتها وانتشارها، وهي تُعتبر ثاني أكبر بائع تجزئة في العالم، أرباحها تصل إلى مليارات الدولارات سنويًا، وحتى تُحافظ الشركة على تلك الأرباح وتنميتّها باستمرار، تعتمد على أرخص العمالة التي يمكن أن تحصل عليها، لذا فهي تقوم بالاستثمار في الدول الفقيرة لإنتاج تلك الملابس من خلال التعاقد مع مصانع تسّتأجر العُمال في تلك الدول الفقيرة المنتشُّر فيها البطالة بشكلٍ كبير بأجور لا تعينُّهم على الحياة إلا قليلاً، وفي عام 2013 شنّت عدد من الصحف الأوروبية حملة صحافية كبيرة ضد شركة (H & M) بسبب اسّتغلالها للعُمال في الدول الفقيرة لتُحقق أرباح طائلة، وجاء الرد من الشركة في عام 2018 أو بعد ما استمرت الحملة الصحافية خمس سنوات لتصّدر بيان ترد فيه على تلك الحملة الصحافية بتساؤل غريب “ما هو الأجر المعيشى المناسب ؟”، وتقول الشركة في نفس البيان أنه لا يوجد مستوى متفق عليه عالميًا للأجور لذا استمرت الشركة فى سياستها ولتتّكدس خزائن الرأسماليين بالأرباح من كِدّ وتعب هؤلاء العُمال البسّطاء المتّعوسين…
هذا السلوك ليس فريدًا بأي حال من الأحوال بالنسبة للشركات الرأسمالية، فالعامل في السويد ربما يكون أفضل حالاً من العامل في مصر كمثال، لكنه في النهاية يعمل تحت ضغط وترهيب أصحاب العمل يسمح له بالتفاوض على حياته بينما العامل في مصر والدول الفقيرة المثّيلة لها مجُّبرًا ومقهورًا دائمًا، الغريب أن حكومات تلك الدول الموصّوفة بالاشتراكية الديمقراطية توافق على ذلك، بل هي في الحقيقة تشُّجع على استمراره، فالسويديين في حالتنا تلك يحصلون على ملابس رخيصة والحكومات أيضًا تحصل على ضرائب تُعينها على المحافظة على دائرة الأمان الاجتماعي لتبقى المنظومة السياسية مسُّتقرة والرأسمالية مسُّيطرة…
ما رأينها في المثال السويدي لا يختلف بأي حال من الأحوال عن الدول الرأسمالية التقليدية، فهي في حقيقتها إمبريالية تعيش على استغلال المُّحتاجين وتسّتنزفهم، فحتى يستمر مُّعدل الربح في الصعود يجب أن يستمر استغلال الدول الفقيرة ليس فقط على مستوى العمالة في حالتنا تلك، ولكن على مستويات متُّعددة وخاصة في الموارد الطبيعية، فدول العالم الثالث ممنوعة من أن تُحافظ على مواردها ويجب عليها أن تعطيُّها لشركات الدول الكٌبرى لتّديرها وتأخذ النصيّب الأوفر منها وسأضرب لكم مثالاً آخر على ذلك كلنا نُعاني منه…
خلال الفترة الأخيرة نُعاني كلنا من ظاهرة الانقطاع المتكرر للكهرباء، إذا أخذنا نظرة على عقود إدارة حقول البترول والغاز، سنّجد الآتي، تخسّر الدولة المصرية 60% من إنتاج البترول والغاز لصالح الشركات العالمية المحتُّكرة للبترول والغاز على أرض مصر، ثم تقوم ببيعه لنا بأسعار تفوق تكُلفة إنتاجه ثلاث مرات، فتكُلفة برميل البترول لا تزيد عن 17 دولار، بينما تقوم تلك الشركات ببيعه للحكومة المصرية بسِعر 108 دولار، والفارق يتحمله أنا وأنت، وإذا كان إنتاجك من البترول هو 710 ألف برميل في اليوم للأسف نخسّر منهم بسبب التعاقدات المشّبوهة 426 ألف برميل يتبقى منهم 284 ألف برميل والدولة في حاجة إلى 620 ألف برميل لتوفير الكهرباء، وبالتالي فنحن بجانب الانقطاع المتكرر للكهرباء، تخسّر الدولة يوميًا حوالي 46 مليون دولار…
نعود مرة أخرى لنموذج الديمقراطية الاشتراكية – المُّخادعة -، بسبب محافظة هؤلاء الديمقراطيين الاشتراكيين على نموذج الاقتصاد الرأسمالي، فلابد للدولة أن تقوم على تلبية مطالب سلطة الطبقة الرأسمالية فهي في يديها القوة الفعلية بملكيتها وتحكمها في أدوات الإنتاج، وإلا سيُعاني المجتمع من عواقب غضب تلك الطبقة المتحكمة، ومن أهم تلك الأسلحة التي تملكها تلك الطبقة ما يُطلق عليه “إضراب رأس المال”، نعم هذا هو المصُّطلح ربما تقرأه لأول مرة، ولكنها حقيقة يعرفها السياسيين والاقتصاديين، هذا الإضراب يحدث عندما يرفض رأس المال زيادة استثماراته داخل الدولة ويُقررون نقل استثماراتهم خارجها، وهذا يسُّمى بشكلٍ آخر “هروب رأس المال”، ولأن الديمقراطيات الاجتماعية تُحافظ دائمًا على قدسُّية رأس المال والملكية الفردية، فهم يتخوفون للغاية من عمليات التأميم أو المصادرة في تلك الحالة، على الرُغم من عبثّية الموقف، فيمكن هنا لشخصٍ واحد يمتلك عدة شركات أن يتوقف عن العمل أو ينقله لبلد أخرى ويطرد آلاف العُمال في الشارع، فقط لأن الحكومة أصدرت قرارًا يراه ضد مصالحه أو ببسّاطة لا يستسّيغه، لذلك تتجنب الحكومات عدم إغضاب أصحاب رأس المال وتعمل دائمًا على استرضّائهم لتتجنب “إضراب رأس المال”، لذا لا تسُّن القوانين ولا تتحرك البرلمانات المنتُّخبة – مجازًا – إلا لمصالح تلك الطبقة المسُّيطرة، وفي أحيانًا تأخذ الحكومات طريقًا وعِرًا خاصة في وقت الأزمات الاقتصادية وتضطر لاتخاذ ما يُطلق عليه “سياسات التقشّف”، ففي النُظم الاقتصادية الرأسمالية على الحكومة أن تتأكد أن الأجواء التي تُحيط بالمنظومة مضيّافة دائمًا لتحقيق الربح لصالح الرأسماليين وبالتالي زيادة الاستثمارات وتوفير فرص العمل، لذلك فغالبًا لا يحتاج الرأسماليين الحصول على مناصب سياسية فقط يتركونها للباحثين عن الشهرة والنفوذ والمال أيضًا الذي يأتيهم من تبرعات تلك الطبقة على أن يعملوا لصالحهم وليس لمصلحة الشعوب المطحونة…
صدق أو لا تُصدق 1 أو 2% يتحكمون ويحتجزون 99% كرهائن للحفاظ على مصالحهم الفردية، وكل هذا باسم الديمقراطية حيث تندفع الجماهير المغيُّبة ليلقوا بأوراق الاقتراع داخل صناديق الانتخاب وهم يأملون في حياة افضل متوهمين أنهم أحرار في الاختيار من يمُّثلهم ولكن الحقيقة عكس ذلك، فالطبقة الرأسمالية دائمًا ما تُصّدر في الواجهة أشخاص ودودين، يتقنون الحديث الكاذب عن الغد الأفضل، وتُجند لهم المؤسسات الإعلامية وشاشات التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي ليُحققوا الشعبية المطلوبة لتحقيق النجاح في الانتخابات المزعومة، لكن كل هذا ما هو إلا خدعة تتقنُّها الطبقة الرأسمالية لتُحافظ على مصالحها وأرباحها، هل ترى عزيزي القاريء مدى ضعف ما يُطلق عليه الديمقراطيات الاشتراكية لأنها في النهاية… رأسمالية.
سأذكر لكم مثال آخر وسأبتعد عن المجموعة الإسكندنافية، ما رأيكم بفرنسا التي كانت معروفة بقوة المنظومة الاجتماعية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ففي خلال عقد الثمانينيات انتخبت فرنسا فرنسوا ميتيران ليكون رئيسًا للجمهورية، على أساس ما وعد به أثناء حملته الانتخابية أنه سيكون اشتراكيًا ديمقراطيًا راديكاليًا، لتطبيق نموذج اقتصادي مختلط، واستطاع ميتيران أن يحصل على دعم كبير من الحزب الشيوعي الفرنسي المعروف بقوته في أوروبا، وبدأ فعلاً فترته الانتخابية برفع الحد الأدني للأجور، تأميم بعض الصناعات والخدمات، إجبار الشركات على زيادة الإجازات القانونية الممنوحة للعُمال، مجموعة من القرارات الجيدة التي ساعدت على أن تجعل حياة الناس أفضل بشكلٍ واضح، ولكن رد الفعل جاء سريعًا من خلال الطبقة الرأسمالية، فبدأت الاستثمارات المحلية والدولية تهرب خارج البلاد، وخسّرت الدولة الفرنسية مليارات الفرنكات – العُملة الفرنسية في تلك الفترة – وفي خلال فترة زمنية قصيرة لم تزد عن عامين أضطر ميتيران إلى عكس مسّاره الاقتصادي والذي أطلق عليه التقشّف، فتم إعادة خصّخصة العديد من الصناعات التي تم تأميمها، وتم تخفيض الضرائب على أرباح رأس المال، وفي المقابل فرضت زيادات كبيرة من الضرائب على العاملين، كانت تلك القرارات بمثابة ضربة قاسية على الطبقة العاملة الفرنسية، وتُعتبر خيانة للناخبين الذين انتخبوا ميتيران على أساس تحقيق الرفاهية المجتمعية وليس التقشّف والفقر، وهذا حدث أيضًا في دولة السويد منذ عام 2005 ولكن بخطوات أبطأ بكثير مما فعله الفرنسيين، وظهرت نتائجه عام 2017، ويظهر ذلك في مقال على مجلة فوربس-Forbes – الاقتصادية، بعنوان “السويد تتصدر أفضل الدول في نمو الأعمال عام 2017″، تحدث المقال عن التحولات التي يشهدها الاقتصاد السويدي المبّني على إلغاء القيود وتخفيضات الضرائب على رأس المال، لكن هذا لم يكن مجانيًا على العكس بل جاء على حساب دولة الرفاهية المشّهورة بها السويد، فقلصت الحكومة إعانات البطالة والعجز، خفضت من ميزانية الصحة والتعليم، كل هذا لتشّجيع رأس المال على التوظيف، وفجأة أصبح 1% من الشعب السويدي وهم طبقة رأس المال يحصّلون على 42% من الناتج القومي، وفي المقابل 30% من الشعب يعيشون على الاستدانة الدائمة، هذا هو ما نراه في خديعة الديمقراطية الاشتراكية…
عزيزي القاريء لا تنخدع فيما يقوله البعض عن دولة الرفّاه الإسكندنافية، فهي في النهاية لا تختلف كثيرًا عن أي منظومة رأسمالية، فالديمقراطية الحقيقية لن تتحقق إلا عندما يمتلك الشعب نفسه أدوات الإنتاج، وحينها سيكون لديه حرية الاختيار الحقيقية بدون ضغوط أصحاب رأس المال، المحتكرين للقوة والسلطة والمال، الديمقراطية الحقيقية لن تحدث إلا إذا أعدنا بناء السياسة الدولية قائمة على التعاون وليس التنافس والصراع بين الدول والشعوب للتغلب على الأزمات الاقتصادية أو في حالة الكوارث الطبيعية، لتنتهي حينها الحروب ويحل السلام بين الناس…