خاص : كتبت – نشوى الحفني :
“إيران” على موعد مع انتخابات شعبية مباشرة، في 21 شباط/فبراير الجاري، لانتخاب أعضاء “مجلس الشورى”؛ والتي يتزامن معها انتخابات “مجلس خبراء القيادة” الإيراني، الذي تم إنشاءه عام 1979 بعد اقتراح قائد الثورة الإيرانية، “روح الله الخميني”، بتشكيله، لمراجعة مسودة الدستور الإيراني الجديد حينها.
إلا أن الأمر يبدو مختلفًا هذه المرة؛ بسبب ما سبقه من أحداث تلوح أو تظهر الصراعات بين الأجنحة السياسية، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه التليفزيون الإيراني عبر تطبيق (تليغرام)، أن 80% من الإيرانيين قرروا عدم المشارکة فى انتخابات “مجلس الشوری”، (البرلمان)، المزمع إجراؤها، في 21 شباط/فبراير الجاري.
وفقًا للاستطلاع الذي نشرته قناة (خبر)، التابعة لـ”هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية” الحكومية، صوّت 670 ألف متابع بـ”لا” للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة.
هذا بينما صوّت 8% لصالح الأصوليين المتشددين، و6% للمرشحين المستقلين، و4% للتيار الإصلاحي، الذي رفضت الجهات المختصة 90% من مرشحيه لخوض الانتخابات البرلمانية.
ومع قرب موعد الانتخابات البرلمانية في “إيران”، يتراجع اهتمام المواطنين بها، بسبب الفساد الاقتصادي والإداري المتفشي في البلاد، ونظرًا للاحتجاجات الشعبية، في تشرين ثان/نوفمبر 2019، والتي ترکت خلفها جراحًا کثيرة لدی الإيرانيين، بعد مقتل أکثر من 1500 مواطن واعتقال الآلاف علی أيدي قوات الأمن و”الحرس الثوري” الإيراني، وفي خط موازٍ، تزداد أيضًا دعوات مقاطعة الانتخابات.
وردًا على دعوات المقاطعة، كان المرشد الإيراني، “علي خامنئي”، قد حثّ المواطنين الإيرانيين على المشارکة الفعالة في انتخابات “مجلس الشوری”.
مسرحية معروفة النتائج مسبقًا..
ويقول معارضو النظام الإيراني إن الانتخابات “مسرحية معروفة النتائج مسبقًا”.
وآخر الدعوات التي طالبت بمقاطعة الانتخابات البرلمانية؛ کانت من قِبل الناشطة في مجال حقوق الإنسان، “نرجس محمدي”، التي دعت إلی مقاطعة الانتخابات، برسالة من داخل سجنها في “إيران”.
وقالت الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان؛ إن مقاطعة الانتخابات تأتي وفاء لدماء الضحايا، الذين سقطوا في احتجاجات، تشرين ثان/نوفمبر الماضي، في “إيران”.
من يُشكك فهو من أعداء إيران !
ومما يكشف عن صراع الأجنحة، هاجم رئيس القضاء الإيراني رجل الدين المتشدد، “إبراهيم رئيسي”، الخميس، رئيس الجمهورية، “حسن روحاني”، من دون تسميته، معتبرًا أن: “من يشكك” في مسار العملية الانتخابية البرلمانية، المقرر إجراؤها في 21 فبراير/شباط الجاري؛ “يقف في صف أعداء إيران”.
وجاءت تصريحات “رئيسي” في خطاب ألقاه بمدينة “بوشهر” جنوب “إيران”؛ تعليقًا على تصريحات للرئيس الإيراني مؤخرًا، اتهم فيها “مجلس صيانة الدستور”؛ بإقصاء عدد كبير من مرشحي التيار الإصلاحي والمعتدلين من المشاركة في الانتخابات القادمة.
وقال “رئيسي”، بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام رسمية إيرانية: إن “كل من يُشكك في مسار العملية الانتخابية أو يعمل على تقويض العملية الانتخابية بكل الطرق والأغراض فهو يقف في صف الأعداء”.
وتأتي تصريحات “رئيسي” بعد يوم واحد من رفض المرشد، “علي خامنئي”، لمواقف الإصلاحيين الذين شككوا بنزاهة عملية تدقيق أهلية المرشحين من قِبل “مجلس صيانة الدستور”، الذي يشرف عليه رجل الدين المتشدد، “أحمد جنتي”، والذي استبعد عددًا كبيرًا من المرشحين الإصلاحيين.
وأثار إقصاء المرشحين، بينهم نحو 90 نائبًا في البرلمان الحالي، الجدل على نطاق واسع بين مختلف الفصائل الحكومية في “إيران”، ولجأ المسؤولون إلى النزاع الكلامي.
وقال “خامنئي”، الأربعاء، في خطاب له أمام حشد من الإيرانيين: “عليكم ألا تتحدثوا بطريقة يستغلها العدو لإحباط معنويات الشعب”، معتبرًا الانتخابات الإيرانية “من أكثر الانتخابات نزاهة على صعيد العالم”.
وأضاف: “مهاجمة مجلس صيانة الدستور من أكثر التصرفات خطأ، فللمجلس شأن ومكانة في الدستور وهو يضم مجموعة معتمدة، فكيف يمكن للمرء أن يتهمه بكل سهولة ؟”.
شرخ كبير وخلافات تطفو على السطح..
في سياق ذلك؛ نشرت قناة (الجزيرة) تقريرًا عن الانتخابات التشريعية الإيرانية، قالت فيه: “لم يتمكن مجلس صيانة الدستور، عبر إعادته النظر في طلبات الترشح، من ردم الهوة بين عدد مترشحي التيارين المحافظ والإصلاحي في إيران، مما أدى – حسب مراقبين – إلى شرخ كبير في الجبهة المحافظة، بينما أضحت خلافات الإصلاحيين تطفو علی السطح حول المشاركة في الانتخابات التشريعية من عدمها”.
وتابعت القناة بالقول إنّه مع إنتهاء مهلة البت في طلبات الترشح، أعلن المتحدث باسم “مجلس صيانة الدستور” الإيراني، “عباس كدخدائي”، تأييد أهلية ألفي مترشح بعد إعادة النظر في طلباتهم، إلا أن أوساطًا إصلاحية ومعتدلة اعتبرت الخطوة لا تؤثر على التركيبة المتوقعة للبرلمان المقبل.
وقبل أسبوعين فقط عن موعد الانتخابات التشريعية الحادية عشرة، تحوّل المشهد الانتخابي إلى موضوع خلافي بين معسكري الإصلاحيين والمحافظين، وحتى بين أجنحة كل معسكر.
المقاطعة سلاح الإصلاحيون..
وبعد ذهاب عدد من الأحزاب الإصلاحية إلى سيناريو “مقاطعة” الاستحقاق الانتخابي المقبل؛ للضغط على “مجلس صيانة الدستور” لتأييد أهلية عدد أكثر من مرشحيها، التأم المجلس الأعلى لوضع سياسات الجبهة الإصلاحية بعيد الإعلان عن نتائج البت في الترشحات التي سبق رفضها.
وأكد الاجتماع الإصلاحي على أهمية “جمهورية” النظام في فكر الإمام “الخميني”، وحذر من مغبة مساعي بعض الأطراف السياسية لتقويض ركن الجمهورية في النظام الإسلامي التي لن تؤدي إلا إلى تراجع مشاركة الشعب في الانتخابات.
وبعد دراسته لعدد المرشحين الإصلاحيين الذين تمكنوا من التملص من مقصلة “مجلس صيانة الدستور”، قرر الإصلاحيون تفويض مجلس الإصلاحات في المحافظات الإيرانية بإتخاذ القرار النهائي حول المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة من عدمها.
وبالمناسبة؛ كان الأمين العام لحزب (شباب إيران الإسلامية) الإصلاحي، “محمد خونجمن”، أعلن أن “مجلس صيانة الدستور” لم يؤيد أهلية أي من مرشحي التيار الإصلاحي في 16 محافظة، وأن عدد مرشحيهم لم يتجاوز الشخص الواحد في تسع محافظات أخری.
جلسة طارئة..
وعن تقديم قائمة في العاصمة، “طهران”، من عدمه، أعلن المجلس الأعلى لوضع سياسات الجبهة الإصلاحية أنه سيتخذ القرار النهائي بهذا الشأن في جلسة طارئة خلال الأيام القليلة المقبلة.
وفي هذ السياق؛ علقت سكرتيرة المجلس الأعلى، “آذر منصوري”، على التركيبة السياسية النهائية لمرشحي الانتخابات المقبلة؛ بالقول إن: “تقاريرنا تؤكد عدم حدوث تغيير ملموس في تركيبة الترشحات”، مؤكدة أن سيناريو (الجبهة الإصلاحية)، المرجح حتى اللحظة، هو عدم تقديم أي قائمة في الانتخابات المقبلة.
للحيلولة دون شطبهم من المشهد السياسي..
ويأتي التردد بشأن مشاركة الإصلاحيين في الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها يوم 21 شباط/فبراير الحالي، بعد أيام قليلة جدًا من إعلان السياسي الإصلاحي البارز، “محمد رضا عارف”، أن تياره سيشارك عبر تقديم قائمة إصلاحية دون التحالف مع أي جهة أخرى.
وشدد رئيس كتلة (الأمل) في “البرلمان الإيراني”، الذي أمتنع بدوره عن الترشح للتشريعيات المقبلة، على أن (التيار الإصلاحي) سيمارس السياسة التي أنتهجها خلال الانتخابات الماضية، والتي حقق عبرها فوزًا كبيرًا على حساب منافسه المحافظ، وذلك: “رغم أن رفض أهلية مرشحينا في هذه الدورة قد عقد المشهد الانتخابي”.
ويرى مراقبون في “إيران” أن قرار مشاركة الإصلاحيين في الظروف الراهنة قد يأتي للحيلولة دون تمكن التيار المنافس من العمل على شطب تيارهم من المشهد السياسي الإيراني، بعد السیطرة علی أغلبية المقاعد البرلمانية التي من شأنها أن تنسحب نتيجتها علی الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2021.
تفاقم صراعات المحافظين..
وفي المعسكر المحافظ، أخذت الرياح تجري بما تشتهي السفن، فعندما كانت أوضاعه تتجه إلى الحسم لتقديم قائمة موحدة في العاصمة، “طهران”، برئاسة المرشح الرئاسي الخاسر، “محمد باقر قاليباف”، تمهيدًا لتربعه على رئاسة السلطة التشريعية، تفاجأ أنصاره بتفاقم الصراعات بين أجنحته والإعلان عن استحالة تقديم لائحة واحدة.
وشكل (التيار المحافظ) لجنة للتوصل إلى قائمة موحدة من 30 مرشحًا، نظمت في الخطوة الأولى انتخابات داخلية بين 150 مرشحًا من كافة أطيافه وغربلت منهم 90 شخصًا، على أمل تكرار الانتخابات الداخلية للتوصل إلى القائمة النهائية في الخطوات الأخرى.
وفي ظل تصاعد الاحتمالات بعزوف الإصلاحيين عن خوض السباق الانتخابي، وتزايد التكهنات بسيطرة المحافظين على البرلمان المقبل، أدى الصراع بين الطيف التقليدي لـ (التيار المحافظ) وجبهة (الصمود)، (بايداري)، إلی سحب الأخيرة مرشحيها من قائمة (المحافظين) برئاسة “قاليباف”، معلنة أنها ستقدم قائمة خاصة بها.
وكان السياسي المحافظ عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، “محمد رضا باهنر”، قد حذر (المحافظين) من تقديم أكثر من قائمة، معتبرًا أن التشتت سيجلب لهم الفشل في الانتخابات المقبلة.
ولم تستطع دعوات الإصلاحيين وبعض الشخصيات المحافظة من ثني “مجلس صيانة الدستور الإيراني” عن قراره رفض طلبات أكثر من 50% من المرشحين للانتخابات التشريعية، منهم أكثر من 80 شخصًا من النواب الحاليين المحسوبين على (التيار الإصلاحي).
وکان الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، قد اتهم ضمنیًا، “مجلس صيانة الدستور” – المحسوب علی (التيار المحافظ) – بهندسة الانتخابات جراء تصفية الشخصيات الإصلاحية، محذرًا من أنه لا يمكن إدارة البلاد علی يد تيار سياسي واحد دون مشاركة الآخرين.
الطريق ممهد أمام التيار الأصولي..
وفي تقرير لموقع (الجريدة)؛ ذكر أن الطريق بات ممهدًا تمامًا أمام (التيار الأصولي) في “إيران” للفوز بأغلبية كبيرة تمكنه من السيطرة على “مجلس الشورى”، (البرلمان)، في الانتخابات التشريعية المقبلة.
وأكد مصدر إصلاحي كبير، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ (الجريدة)، أن: “فوز محمد باقر قاليباف، محافظ طهران قائد الشرطة السابق، بات مضمونًا، وأن الأجواء هيئت لتنصيبه رئيسًا لمجلس الشورى، وتسليم المجلس إلى مجموعته”.
وحسم الأصوليون فوزهم في الإقتراع حتى قبل إجرائه، بعدما استبعد “مجلس صيانة الدستور”، الخاضع لسيطرة التيار المتشدد، جميع المرشحين الإصلاحيين والوسطيين الذين قد يُشكلون خطرًا.
ومساء الثلاثاء الماضي، عقد زعماء (التيار الإصلاحي) اجتماعًا حاسمًا بمكتب الرئيس الأسبق، “محمد خاتمي”، وأصدروا بيانًا أكدوا فيه أنهم لن يشاركوا في أي لوائح انتخابية رسمية، وهو الموقف الذي سبق أن أكدته مصادر إصلاحية لـ (الجريدة) منذ أسبوع.
ولفت المصدر إلى أن الإصلاحيين قرروا عدم المشاركة في قوائم انتخابية، لكنهم تركوا الباب مفتوحًا أمام المشاركة الفردية لأتباع التيار ممن نجا من “مقصلة مجلس صيانة الدستور”، الذي أبطل أوراق 9 آلاف مرشح من بين 14 ألفًا قدموا طلباتهم.
وأشار إلى أن: “كل محاولات رئيس الجمهورية، حسن روحاني، والإصلاحيين لإقناع المرشد الأعلى، علي خامنئي، بالتدخل لتصويب الأداء غير الدستوري لمجلس صيانة الدستور باءت بالفشل”.
وأضاف أن “روحاني” و”خاتمي” كتبا رسالة إلى “خامنئي”؛ اعتبرا فيها أن ما قام به “صيانة الدستور” خارج عن جميع الأطر القانونية، ويُشكل احتكارًا للسلطة من مجموعة محددة من الأصوليين، وشددا على أنه: “عمليًا، لم تُعد هناك أي انتخابات، فقد تحول الإستحقاق إلى مجرد مسرحية، ينصِّب مجلس صيانة الدستور من يريده فائزًا بها دون أي منافسة”.
تهديدات أمنية..
ولفت المصدر إلى أن الأمر لم يقتصر على “مقصلة مجلس صيانة الدستور”، فقد اتصلت الأجهزة الأمنية بمرشحين وهددت بفتح ملفات ضدهم إذا لم ينسحبوا من السباق.
وتنص القوانين الإيرانية على أن التصويت في الانتخابات يمثل نوعًا من الدعم للنظام، وهو ما يدفع الكثيرين إلى المشاركة في الإقتراع للحصول على “ختم الهوية” لتفادي مواجهة مشاكل محتملة في وظائفهم الحكومية أو مع الأجهزة الأمنية.