خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
تبع زيارة رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، إلى “المملكة العربية السعودية”، مطلع نيسان/أبريل المنصرم، مباحثات، عبر تقنية الفيديو كونفرانس؛ بين مسؤولي البلدين للبحث في سُبل تطوير العلاقات الثنائية، لاسيما في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والاستثمار في مجال استخراج الغاز وإنتاج الطاقة النظيفة؛ في إطار تسريع وتيرة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
وأراد “نجمیه پوراسمعیلي”؛ باحث شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة “أبرار معاصر”، في موقع (الدبلوماسية الإيرانية) المقرب من “وزارة الخارجية”، في هذا المقال؛ البحث في بعض أسباب ميول “العراق” لإقامة علاقات خاصة مع “السعودية”؛ على النحو التالي :
الاحتياجات الاقتصادية العراقية..
بعد هزيمة (داعش) الجيوسياسية، نهاية العام 2017م، سعى المسؤولون العراقيون للقضاء على المشكلات الاقتصادية المزمنة.
وقدّر “البنك الدولي” ترميم “العراق”، بعد القضاء على (داعش)، بمبلغ: 88 مليار دولار. ولم تتجاوز المساعدات الدولية حتى مقدار النصف، وحتى اللحظة، حصل “العراق” على الكثير من مساعدات بعض الدول: كـ”الكويت والسعودية وقطر وتركيا” وغيرها، في شكل قروض.
وكانت “السعودية” قد وعدت، خلال مؤتمر المساهمة في إعمار العراق، (والذي عُقد في دولة الكويت 2018م)، بتقديم حزمة مساعدات بقيمة: 1.5 مليار دولار.
علاوة على ذلك؛ اتخذت “السعودية والكويت” قرارًا بإلغاء ديون “العراق”، وهو ما اعتبره “مجلس جامعة الدول العربية” فرصة لإعمار “العراق” وتوطيد العلاقات مع “السعودية”.
وبغض النظر عن العقبات؛ تنظر “بغداد”، إلى “السعودية”، بحسن نية، ولذلك تتطلع إلى توطيد العلاقات مع جميع دول المنطقة، وبخاصة “السعودية”، باعتبارها فرصة لإعمار البلاد والقضاء على المشكلات الاقتصادية.
سياسة الأبواب المفتوحة..
يتبنى العراقيون سياسة الأبواب المفتوحة؛ كأحد التوجهات الرئيسة في السياسة الخارجية. ومن منظور ساسة “العراق” حاليًا، فإن أحد أهداف الدولة، هو خلق موازنة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، بحيث لا تُحسب على أحد المحاور، لأن المهم إزاء الوضع العراقي المزري؛ هو إعمار “العراق” واستعادة المكانة الإقليمية القديمة.
والإنضمام إلى محور بعينه؛ قد يُحرم “العراق” من المكاسب ويضيف المزيد من المشكلات الجديدة للبلد المأزوم بالأساس.
من ثم؛ وفي إطار سياسة الأبواب المفتوحة، يُبدي “العراق” انفتاحًا على كل الدول حتى يتمكن من تلبية احتياجاته عبر هذا الممر الضيق. وعليه يُحجم “العراق” عن الإنضمام إلى أي من المحاور الإقليمية: كـ”السعودية-إيران”، أو “السعودية-تركيا” وغيرها، ويتطلع لإقامة علاقات قوية وإيجابية وبناءة مع كل الدول.
ولا يرى “العراق”، في الخلافات “الإيرانية-السعودية”، عقبة على مسار إقامة علاقات كاملة مع “السعودية”. وفي هذا الصدد؛ يمكن تقييم البرامج العراقية الأخرى، مثل مشروع (الشام الجديد) بالشراكة مع: “مصر والأردن”.
المتغير الأميركي..
في مساعيها للحد من النفوذ الإقليمي الإيراني، تعمل “الولايات المتحدة الأميركية” على عرقلة النفوذ الإيراني في “العراق”. وفي هذا الصدد، تطلب “الولايات المتحدة”، إلى “العراق”، فك الإرتباط مع “إيران”، لاسيما في قطاع الكهرباء.
ويعتمد “العراق”، إلى حد كبير؛ على الواردات الإيرانية في تلبية احتياجاته من الطاقة الكهربائية ويستورد من “إيران” ثلث احتياجاته من الغاز والكهرباء.
وإزاء الاستقلال عن “إيران”؛ تقدمت “الولايات المتحدة” باقتراح الاعتماد على دول مثل: “السعودية”. ويبدو أن “العراق” يعتزم بالفعل الاعتماد على “السعودية”؛ في إطار التحرر من الإرتباط مع “إيران”، لاسيما في مجال الكهرباء.
على سبيل المثال؛ غرّد “علي عبدالأمير علاوي”، وزير المالية العراقي؛ تعليقًا على خطة الوزارة للمساهمة في نباء مستقبل الاقتصاد العراقي وتوفير فرص عمل بالتنسيق مع “الولايات المتحدة”: “في غضون عامين، وبدعم من حلفاءنا في الولايات المتحدة، سوف نتحرك باتجاه بناء نظم اقتصادي يقوم على الاستثمار الحر والمنافسة التجارية. وبعد االاعتماد على السعودية في تلبية احتياجات العراق من الكهرباء، كبديل عن الجمهورية الإيرانية، فإنا لدينا خطة لتوفير أكثر من 20 ألف فرصة عمل في وزارة الكهرباء”.
رابطة الهوية بين البلدين..
جزء من ميل “العراق” إلى “السعودية”؛ ينبع عن فكرة الهوية المشتركة بين البلدين. ووفق تصريحات المسؤولين العراقيين، إزاء العلاقات مع “السعودية”، تعكس الكلمات المستخدمة والمتكررة دور الهوية في الاتصال بين البلدين.
ومن جملة الرموز المستحدمة في التصريحات والبيانات الرسمية العراقية يمكن إحصاء :
1 – تطوير العلاقات على أساس الأخوة العربية.
2 – تطوير العلاقات على أساس الأخوة الإسلامية.
3 – تطوير العلاقات وفق مباديء حُسن الجوار.
4 – تطوير العلاقات وفق المصالح المشتركة.
5 – الروابط الجغرافية.
6 – الروابط التاريخية.
7 – الروابط الثقافية.
8 – الروابط الأخوية بين البلدين.
9 – الروابط الأخوية بين الشعبين.
10 – الروابط الأخوية بين الأمتين.
11 – العلاقات في إطار الأهداف الإستراتيجية للبلدين.
12 – العلاقات في إطار الأهداف الإستراتيجية للشعبين: العراقي والسعودي.
ويبدو أن الهدف العراقي من التعامل مع “السعودية” ينصب بالأساس على تحسين الوضع الاقتصادي العراقي أكثر من العلاقات السياسية والدينية والثقافية. بينما الهدف الأهم لـ”السعودية”؛ هو تطوير العلاقات “السياسية-الأمنية” مع “العراق”.
لكن النفوذ الاقتصادي العربي، وبخاصة السعودي، في إعمار “العراق”؛ قد يهيء تدريجيًا مجالات نفوذ هذه الدول في الفضاء السياسي العراقي الداخلي. واحتمالات حدوث ذلك مرفوض بالنسبة للجانب الإيراني.
من ناحية أخرى؛ فإن تحسين الوضع الاقتصادي العراقي، وبخاصة أوضاع اللاجئين قد يُفضي إلى تحسين الأوضاع الأمنية العراقية، وبخاصة على الحدود مع “إيران”. لكن منافسة الدول العربية في تحسين حالة الاقتصاد العراقي قد يُزيد من شعبية هذه الدول بين العراقيين.
وافتتاح “قنصلية سعودية” في المدينة الشيعية العراقية؛ قد يُهيء المجال للنفوذ السعودي بين الشيعة. ومن غير المعلوم ما إذا كان نفوذ مركز (اعتدال) في “العراق”، سبب الحد من التطرف أم زيادته، أو زيادة مستوى الخلافات بين السُنة والشيعة.