كتب نبراس الكاظمي : يوم آخر يخض بغداد بالاوجاع، مما افرح الطائفيين من كلا الطرفين، المحمومين بحلم “الحل العسكري”. وقد انتقلت حماهم الى الفايسبوك، في ردود افعال مفزوعة حول احداث اليوم، تُزايد على المعتدلين الذين لا يرون حلا في الاحتراب، وتدأب على تعزيرهم كـ ”مناصرين” للإرهاب. وكي لا ننجر الى سجالاتهم العقيمة والمدمرة، علينا تسليط الاضواء على حدث مهم وقع في الاسبوعين الماضيين، والذي لم تستطع الصحافة العراقية نقله بصورة واضحة الى جمهورها، حسب اعتقادي، وهذا الحدث هو قيام المرجعية بتكليف الدكتور طارق نجم العبد الله بسحب البلد من شفى الهاوية.
وصل الدكتور طارق الى النجف يوم الاربعاء المصادف 6 شباط، مغادرا مكان اقامته لندن التي قفل راجعا اليها من بعد اصطدامه مع السيد احمد نوري المالكي، ابن رئيس مجلس الوزراء، قبل عامين، حين كان العبد الله يشغل منصب مدير مكتب السيد نوري المالكي. اختلفت المصادر حول لقاءه مع آية الله العظمى السيد علي السيستاني ام مع نجله السيد محمد رضا، ولكن في الحالتين، غادر العبد الله النجف (بعد المكوث فيها لمدة ثلاثة ايام) بتفويض وتكليف من قبل المرجعية للقيام بالامور الثلاث التالية :
-ان يتبوأ منصب كبير مستشاري التحالف الوطني
-ان “يفض” الاشكال الحاصل مع سنة العراق والتفاوض مع قياديهم
-ان يقوم بتغيير الطاقم المحيط بالمالكي وتحجيم “المتشنجين” حوله
بالتأكيد، هذه خطوة كبيرة وخطيرة من جانب المرجعية، التي تنأى عن التورط الى هذه الدرجة بالشؤون السياسية. ولكن المرجعية بررت قيامها بهذه الخطوة التاريخية بسبب “المخاطر التي تحيط بالبلد والمذهب”. واتخذت قرارها بالتدخل المباشر كي “تعيد التوازن” للقرار السياسي الشيعي بعد ان فشلت في الضغط على المالكي لتصحيح مساره من خلال وساطتها السابقة التي ضمت الدكتور حسين الشهرستاني والشيخ عبد الحليم الزهيري.
هناك عدة اطراف مشاركة في قرار اعادة الدكتور طارق الى الواجهة، ولكنها ليست بنفس اهمية المرجعية، وهي:
-القيادة المعتدلة في حزب الدعوة: والتي ترى بأن المالكي ما عاد يستمع اليها، والتي ترى في العبد الله منقذا لمستقبلها السياسي ما بعد المالكي، اذ سيختار هو من سيتزعم الدعوة (العبد الله ليس مرشحا لهذه الزعامة)، ويفاوض كتل التحالف لتأمين مناصب سيادية للدعوة في الحكومات المقبلة.
-الجانب الايراني: في الآونة الاخيرة تعرض الجنرال قاسم سليماني الى الكثير من التقريع ضمن دائرة القرار الاستراتيجي الايراني لعدم سيطرته على المالكي بالرغم من تزكيته المستمرة له في السنوات الماضية، فآثر القبول بالصفقة الحالية وقام بتكليف مستشاره ابو مهدي المهندس لإنجاحها.
-الجانب الامريكي: لم يشارك في حيثيات القرار ولكن تم ابلاغه به قبيل يوم من لقاء العبد الله مع المرجعية، وقد ابدت الدوائر الامريكية المعنية بالشأن العراقي تأييدها للخطوة، وخصوصا ان المالكي قد اغضب اطرافا امريكية مهمة في تحركه ضد الدكتور رافع العيساوي والدكتور علي الدباغ.
بالتأكيد هناك اطراف ستتضرر بهذا القرار، وقد سعت الى التشويش عليه وارباك التصورات عنه، وهي:
-الحلقة المحيطة بـ احمد نوري المالكي : والمجموعة التي تعرف بـ “ابناء اخوات الحجي”. تم معالجة هذا الامر بترتيب خروج احمد المالكي من العراق لإتمام دراسته في لندن. وقد تضاربت المصادر في حصول هذا الامر فعلا من عدمه.
-الحلقة العسكرية حول المالكي: (فاروق الاعرجي، زهير الغرباوي، قاسم عطا، حاتم المكصوصي). وقد قامت عدة جهات بمعالجة هذا الامر من خلال توجيه تطمينات لهم بأن هناك “حياة” لهم ما بعد المالكي.
-الحلقة الضيقة حول المالكي: والمكونة من السيدان حسن السنيد وياسين مجيد، والحلقات الاوسع التي تضم علي الموسوي وعزت الشاهبندر وسامي العسكري وآخرين. ولحد هذه اللحظة لم يتم معالجة امر معارضتهم للقرار (ما عدا السنيد، الذي ايده وانخرط فيه)، الذي استفزهم واشعرهم بأنهم مستهدفين به.
مبدئيا، قام المالكي بإعلان تأييده للخطوة، نزولا عند رغبة المرجعية، ومرحليا يبدو بأنه سيسارع الى تقديم بعض “اكباش الفداء” تأكيدا لحسن نواياه، ولكن اغلب الاطراف تعتقد بأن المالكي يريد في خطواته هذه شراء بعض الوقت كي يحبط عمل العبد الله.
لا ادري ما هي النتائج العملية المترتبة والتي ستأتي جراء تحركات العبد الله، ولكن في اغلب الظن ستفضي، في حال نحاجها، الى السماح للمالكي بإكمال ولايته الحالية، مع تكبيل صلاحياته وتكميم الخطاب المتشنج الصادر عن معسكره، وثم عدم السماح له بالحصول على ولاية ثالثة. ويُقال بأن ابرز المرشحين بالنسبة للعبد الله في خلافة المالكي (على الاقل مرحليا) كزعماء لحزب الدعوة هم النائب حيدر العبادي ومحافظ البصرة خلف عبد الصمد.
يبقى لنا الاشارة بأن العبد الله هو ابن تاجر معروف في الناصرية، وقيادي قديم في حزب الدعوة، ولديه دكتوراة في اللغة العربية.