خاص : كتبت – نشوى الحفني :
انطلقت الدعوات الشعبية في السعودية لمقاطعة البضائع التركية، حيث دعا رئيس غرفة التجارة السعودية، أوائل الشهر الجاري، إلى “مقاطعة كل ما هو تركي”، مؤكدًا أنها “مسؤولية كل سعودي، التاجر والمستهلك، ردًا على استمرار العداء من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا”.
وكان “عجلان العجلان”، قد دعا مرارًا إلى الإنضمام لهذه الحملة التي انطلقت العام الماضي.
وصرح “العجلان”، عبر (تويتر): “أقولها بكل تأكيد ووضوح: لا استثمار.. لا استيراد.. لا سياحة. نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أي تعامل مع كل ما هو تركي. حتى الشركات التركية العاملة بالسعودية أدعو إلى عدم التعامل معها. وهذا أقل رد لنا ضد استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا”.
توقف استيراد وبيع المنتجات التركية..
بعد هذه الدعوة، أعلنت سلاسل متاجر كبرى في السعودية؛ بينها أسواق “عبدالله العثيم” و”تميمي” و”باندا”، أنها ستتوقف عن استيراد وبيع المنتجات التركية.
هذه الدعوات اشتملت على المطالبة بوقف الاستثمار السعودي في تركيا، أو توجه السياح السعوديين إليها، حيث انطلقت الحملة عقب زيارة الرئيس، “إردوغان”، إلى قطر التي تعد حليفًا وثيقًا لأنقرة، وتقاطعها الرياض، منذ منتصف عام 2017.
والعام الماضي، واجه السياح السعوديون دعوات إلى مقاطعة تركيا، وهي وجهة شهيرة في المنطقة لتمضية العطلة. كما صدرت دعوات للتوقف عن شراء العقارات في تركيا.
وأثارت تصريحات للرئيس التركي، أدلى بها خلال تلك الزيارة، غضبًا على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، لاسيما قوله إن الجيش التركي الموجود في قاعدة عسكرية في “الدوحة” يحافظ على استقرار دول الخليج.
ومع انتشار حملة “قاطعوا تركيا”؛ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر رسم كارتوني فيه ذراع عليها العلم السعودي تقوم بشد أذن الرئيس التركي، “رجب طيب إرودغان”، الذي تتهمه الرياض بالتدخل في شؤونها.
وجاء في رسالة انتشرت عبر (واتس آب): “توقف عن شراء أي منتج تركي.. (إردوغان) يحارب بلادنا بأموالنا”.
وقف دعم اقتصاد دولة تتدخل في الشؤون الداخلية..
من جهته؛ أشاد الأمير السعودي، “عبدالرحمن بن مساعد آل سعود”، بحملة مقاطعة المنتجات التركية، مشيرًا إلى أن دعوته لمقاطعة المنتجات، هي رد على تصريحات الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، عندما قال: “إن وجود القوات التركية في قطر يأتي للحفاظ على أمن الخليج”.
وقال الأمير “عبدالرحمن بن مساعد”، خلال استضافته في برنامج “يا هلا” على (روتانا خليجية)، الثلاثاء، إن الإعلام التركي يهاجمه بسبب حملة مقاطعة المنتجات التركية، لافتًا إلى أن دخوله على خط حملة المقاطعة جاء ردًّا على تصريحات الرئيس، “إردوغان”.
وأضاف: أن الإعلام التركي هاجمني كأني من بدأ الحملة الشعبية لمقاطعة تركيا، ولكن الأمر ليس كذلك، مؤكدًا أن الحملة دليل على أن السعوديين لديهم حس وطني عالٍ، وروح مبادرة نُغبط عليها.
وتابع: ليست لدي مشكلة مع تركيا، ولا الأتراك، ولدي أصدقاء من الجنسية التركية، ولكن لن ندعم اقتصاد دولة تمارس سياسات تُلحق بنا الأذى وتتدخل في شؤوننا الداخلية.
موضحًا أن المقاطعة لا يجب أن تشمل الشركات والمتاجر التي تعتمد على موارد السوق السعودي وتباع منتجاتها داخل السعودية، وإنما المقاطعة فقط للمنتجات التي تذهب أرباحها لدعم اقتصاد “إردوغان”.
وأشار إلى أن المقاطعة ينبغي أن تظل شعبية، والشعب تصرف بفطرته دون توجيه من الدولة، وموقف التجار السعوديين من المقاطعة مشرف.
ورد الأمير “عبدالرحمن بن مساعد”، على تداول وسائل إعلام تركية تغريدته على (تويتر)، التي دعا فيها لمقاطعة المنتجات التركية، وقال: “تركيا بلد كبير ولا أتمنى لشعبه إلا الخير.. مشكلتي ومشكلة السعوديين الذين يدعون لنفس ما دعوت له من مقاطعة هي مع، إردوغان، الذي تجاوزت صفاقاته وتصريحاته المسيئة تجاه بلادنا كل حد”.
وأوضح في تغريدة أخرى: “أقل رد على سياسات إردوغان وتصريحاته المسيئة لبلادنا هو تفعيل المقاطعة للمنتجات التركية إلى أن يكف عن أفعاله.. هذه حملة شعبية تصرف فيها السعوديون بفطرة وحب مشهود ومعهود لوطنهم أثبتته المواقف، وتثبّته”.
وتابع في تغريدة ثالثة: “أكثر من صحيفة وقناة تليفزيونية في تركيا تهاجمني، وتتحدث عني وكأني أنا السبب في الحملة الشعبية لمقاطعة البضائع التركية، ورغم تأييدي الكبير لها، إلا أنها حملة شعبي بدأت من سعوديين محبين لوطنهم وأيدتهم فيها.. الحملة نتيجة، فبدلًا من الهجوم عليّ انظروا للسبب، وهو سياسات رئيسكم وإساءاته”.
تستخدم التجارة لأغراض سياسية..
ردًا على الحملة، قال رئيس مجلس المصدرين الأتراك، (TIM)، “إسماعيل غل”، إن حملة المقاطعة للمنتجات التركية في السعودية تمثل استخدامًا للتجارة كأداة لأغراض سياسية.
وقال “غل”، في اجتماع ترويجي لـ”المؤتمر السادس للأحجار الطبيعية عبر الإنترنت”، الأربعاء: “مشاكلنا معروفة العام الحالي، السعودية سوق مهم لصادراتنا في قطاع الأحجار الطبيعية، ونعتبر مقاطعة المنتجات التركية في السعودية من بين أهم العوامل المؤثرة في عملنا هذا العام”.
وأضاف: “نعلم جميعًا أن القضية سياسية؛ ومع الأسف يتم استخدام التجارة كأداة لأغراض سياسية، في حين أنه من دور السياسة تسهيل التجارة وإنشاء منصات كي يكسب الطرفان، لكن في هذه الحالة يحدث العكس”.
وأشار “غل” إلى أنهم يبذلون قصارى جهودهم لتنمية قطاع التعدين وتطويره، مؤكدًا أن بلاده صدرت، في عام 2019، الأحجار الطبيعية بقيمة بلغت 1.86 مليار دولار.
إنطباع سلبي..
كما قدر اتحاد المقاولين الأتراك أن: “الإنطباع السلبي عن تركيا أدى إلى (خسائر) بقيمة 3 مليارات دولار في الشرق الأوسط لمقاولينا العام الماضي”.
وأضاف الاتحاد أن السعودية، التي كانت في المركز الثاني “في قائمة البلدان التي لديها أكبر قدر من الأعمال، في 2016 – 2018، (مع تركيا)، تراجعت إلى أدنى المستويات”.
وكان حجم التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية وتركيا قد وصل إلى 5 مليارات دولار سنويًا، ويرى الخبراء أنه تراجع بدرجة كبيرة عن السنوات التي سبقت التوتر بين تركيا والسعودية.
وأظهر مسح حديث، أن الصادرات السلعية التركية للسوق السعودية، شكلت نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي صادرات أنقرة السنوية، أو ما يعادل بالكاد بضع مليارات الدولارات.
واعتمد المسح، الذي أجرته وكالة (الأناضول) التركية؛ على بيانات التبادل التجاري بين البلدين لعامي 2018 و2019، الصادرة عن “الهيئة العامة للإحصاء السعودية”، و”مكتب الإحصاءات التركي”.
وأظهرت تلك البيانات، أن إجمالي واردات المملكة، من السلع التركية، بلغت 2.7 مليار دولار في 2018، قبل أن ترتفع إلى 3.1 مليارات في عام 2019.
وبذلك فإن صادرات تركيا إلى المملكة العربية السعودية، تشكل فقط ما نسبته 1.8% من مجمل صادرات أنقرة، والتي سجلت 171.5 مليار دولار في 2019.
في المقابل، بلغ إجمالي صادرات السعودية لتركيا، 3.4 مليارات دولار، في 2018، وفقًا لأحدث بيانات متوافرة، ارتفاعًا من 2.55 مليار عام 2017، بحسب بيانات “الهيئة العامة للإحصاء السعودية”.
ووفقًا لوزارة التجارة التركية، تراجعت صادرات البلاد إلى السعودية، بين كانون ثان/يناير وآب/أغسطس من العام الجاري، بنسبة 18% على أساس سنوي، وبلغت 1.9 مليار دولار.
استعراض سياسي..
وترى الباحثة، “كارين يونغ”، من معهد “أميركان إنتربرايز”؛ أن هذا “نوع من الاستعراض السياسي”.
وتضيف “يونغ”، فإن هذا “تكتيك للاستهلاك المحلي السعودي، وإشارة من الدولة للمواطنين لتحديد خصم خارجي”.
ويستبعد مراقبون أن تخضع الحكومة التركية لهذه الضغوط.
ولفت مراقبون إلى أوجه الشبه بين ما يحدث الآن؛ وما حدث عندما سعت السعودية إلى إظهار قوتها المالية عبر تبني إجراءات عقابية إثر خلافات دبلوماسية مع “كندا وألمانيا وقطر”.
ويرى “روبرت موغيلنيكي”، وهو باحث مقيم في معهد “دول الخليج العربية”، في واشنطن، أن: “التدفقات التجارية الثنائية (السعودية-التركية) ليست كبيرة بما يكفي لنجاح أو فشل اقتصاد أي من البلدين”.
ويضيف: “ستخسر تركيا أكثر على المدى القصير من الاضطرابات في العلاقات التجارية الثنائية. ولكن على السعودية أن تخطو بحذر للتخفيف من أي تأثير سلبي على سمعتها في العالم في ما يتعلق بسياستها التجارية”.
وتشهد العلاقات بين تركيا والسعودية توترًا ملموسًا، منذ سنوات، بسبب قضايا في السياسة الخارجية وأسلوب التعامل مع جماعات الإسلام السياسي، وخاصة بعد مقتل الصحافي السعودي، “جمال خاشقجي”، يوم 2 تشرين أول/أكتوبر 2018، في قنصلية المملكة بـ”إسطنبول”.
وبدأ هذا التوجه يطال في الآونة الأخيرة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وسبق أن اتهمت شركات تركية، السعودية، بأنها تعرقل نقل البضائع بحرًا من تركيا إلى المملكة؛ بينما تزداد فيها دعوات لدعم حملة مقاطعة المنتجات التركية.
وتحتل السعودية المركز الـ 15 في قائمة أكبر أسواق الصادرات التركية، حيث بلغت مبيعاتها التي يتصدرها: “السجاد والمنسوجات والكيماويات والحبوب والأثاث والصلب”، 1.91 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وهذا يمثل انخفاضًا بنسبة 17% عن عام 2019.