خاص: كتبت- نشوى الحفني:
يواجه رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلية؛ “بنيامين نتانياهو”، واحدة من أعقد أزماته السياسية، في وقتٍ يتصاعد فيه التوتر داخل الائتلاف الحاكم في “إسرائيل”، وسط تمرَّد علني من قوى يمينية ودينية حليفة، على خلفية إدارة الحرب في “غزة”، ومشاريع القوانين المرتبطة بالتجنيّد وتمويل المؤسسات الدينية، ما أثار تساؤلات حول مدى قدرة رئيس الوزراء على البقاء في الحكم حتى نهاية ولايته.
غليان سياسي يشهده (الكنيست)، فيما تكشف استطلاعات الرأي عن تراجع غير مسبّوق في شعبية الحكومة، مع دعوات داخلية لإعادة تشّكيل التحالف أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، في ظل تصدّع واضح بين مكونات الائتلاف.
والأربعاء؛ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن حزب (شاس)؛ المنَّتمي لليمين المتطرف، قرر الانسحاب من حكومة “نتانياهو”.
ويأتي ذلك بعد انسحاب حزب ديني آخر من الحكومة في الآونة الأخيرة؛ وهو حزب (يهدوت هتوراه)؛ (التوراة اليهودي المتحدَّ)، بسبب رفض التيار المتشدَّد لتجنيّد اليهود المتدَّينين؛ (الحريديم)، في صفوف الجيش.
حكومة أقلية..
وبانسحاب (شاس)، الذي يُمثّل اليهود الشرقيين، هبط عدد النواب في الائتلاف الحكومي من (61) نائبًا إلى (50) نائبًا فقط من إجمالي: (120) نائبًا في “البرلمان الإسرائيلي”؛ (الكنيست)، ما يعني أن حكومة “نتانياهو” باتت حكومة أقلية.
ورُغم أن حكومة “نتانياهو” تستنّد إلى أقل من نصف عدد نواب (الكنيست)؛ فإنها يُمكن أن تستمر نظريًا، طالما أن أحزاب (الحريديم) لا يصّوتون لإسقاطها.
ومع ذلك؛ فإن ثمة صعوبات إجرائية أمام استمرار حكومة من هذا النوع لفترة طويلة، إذ لا يُمكنها تمرير قوانين أو قرارات برلمانية.
وعمليًا؛ بات “نتانياهو” في أزمة ائتلافية جدية تجعله في مناورات لا نهائية مع حلفائه، تُضاف إلى مسلسل المعارك التي يخوضها جيشه على “قطاع غزة”، وعلى “سورية”، وعلى “الضفة الغربية”.
مأزق ثلاثي..
وفي مداخلة مع برنامج (التاسعة)؛ على (سكاي نيوز عربية)، قال “ألون أفيتار”؛ المستشار السابق في “وزارة الدفاع” الإسرائيلية، إن: “الائتلاف الحاكم في إسرائيل بات يفتقّد التماسك الضروري في لحظة حربية حساسة”، مشيرًا إلى أن: “الخلافات بين الأصوليين واليمين القومي تهدّد بانفراط عقد الحكومة”.
وأضاف “أفيتار”: “ما نشهده اليوم ليس مجرد خلافات سياسية، بل أزمة بنيوية داخل حكومة متناقضة في أولوياتها: فبينما تُريد قوى دينية حماية امتيازاتها في التعليم والتجنيد، يضغط اليمين القومي من أجل تصعيد أكبر في غزة، وكل ذلك يجري في ظل ضغط دولي متزايد”.
وأوضح أن: “نتانياهو؛ يواجه مأزقًا ثلاثي الأبعاد: داخليًا عبر تمرد حلفائه، عسكريًا بسبب الخسائر في الميدان، وخارجيًا نتيجة الفتور الأميركي والغضب الأوروبي من استمرارية الحرب دون أفق سياسي”.
مسألة وقت..
ويرى مراقبون أن “نتانياهو” قد لا يصمدَّ طويلًا إذا استمر التمرد داخل الائتلاف، خاصة مع بدء انزياح بعض القواعد التقليدية لليمين نحو المعارضة، وتزايد الأصوات المطالِبة بتغييّر القيادة.
ويختم “ألون أفيتار” بالقول: “الاختبار ليس في غزة فقط… بل في قدرة نتانياهو على الحفاظ على تماسك الداخل. وإذا فشل في ذلك، فإن نهاية الحكومة ستكون مسألة وقت، لا خيار”.
إعادة العجلة للوراء..
من بين السيناريوهات المتوقّعة؛ ترى القناة (12) الإسرائيلية أن أحدها يتمثّل في تقديم صيغة جديدة للإعفاء من الخدمة العسكرية، أو حتى إجراء تعديلات في “لجنة الأمن والدفاع”؛ بـ (الكنيست).
كما طُرحت إمكانية إقالة رئيس اللجنة؛ “يولي إدلشتاين”، الذي يتبّنى موقفًا متشدَّدًا بشأن قانون التجنيد.
وقالت: “بحسّب السيناريو الذي يبدو مستَّبعدًا، سيُحاول نتانياهو التدخل في قضية الإعفاء من التجنيد الإجباري من أجل إعادة (الحريديم) إلى صفوف الائتلاف والحكومة”.
وأضافت: “ستدخل استقالة حزب (يهدوت هتوراه) من الحكومة حيز التنفيذ في وقتٍ لاحق؛ (48 ساعة من لحظة الإعلان عن الاستقالة)، لذا يبدو أن نتانياهو لديه الوقت لإعادة العجلة إلى الوراء”.
وتابعت: “قد يأتي حل المسألة حتى بعد (48) ساعة من الاستقالة، وقد يأخذ هذا الحل شكل تقديم صيغة مختلفة للإعفاء من التجنيد، أو حتى شكل إقالة رئيس لجنة الخارجية والدفاع في البرلمان؛ يولي إدلشتاين، الذي أعلن أنه سيدَّلي ببيان بشأن القانون”.
سيناريو كرة الثلج..
في المقابل؛ يظهر سيناريو “كرة الثلج”؛ بوصفه الأخطر، حيث لحقت (حركة شاس) – الحزب الديني الشرقي – بـ (الحريديم) في الانسحاب من الحكومة، مما يؤدي إلى فُقدان الأغلبية وتتحول الحكومة إلى حكومة أقلية، وهو ما حدث بالفعل، مما يؤشر بتفاقم الأزمة.
تعطيل القوانين وحل “الكنيست”..
ومع انسحاب (شاس)؛ ينخفض عدد نواب الائتلاف إلى (50)، ما يحوّل الحكومة إلى أقلية تواجه صعوبات تشريعية كبيرة، خصوصًا مع استمرار مقاطعة (الحريديم) لجلسات التصّويت، ما قد يُعطل تمرّير القوانين.
ومن بين السيناريوهات الأخرى؛ يُطرح احتمال استمرار الحكومة في وضعها الراهن مؤقتًا، مستَّفيدة من العُطلة البرلمانية، لكن الحكومة ستواجه مشكلة حقيقية إذا ما تزايدت مقاطعة (الحريديم)؛ التي بدأت قبل بضعة أشهر: و”أصبحت أكثر صرامة”.
وتابعت: “إذا لم يصّوت (الحريديم) مع الائتلاف ولم يتعاونوا معه، فسيكون من الصعب عليه العمل، وخاصةً إقرار القوانين”.
وبحسّب القناة نفسها؛ فإنه: “من الممكن أن يتفاقم قرار أعضاء حزب (يهدوت هتوراه) بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، من وجهة نظر الحكومة، إلى المطالبة بحل (الكنيست)”.
وقالت: “رغم فشل (الكنيست)؛ الشهر الماضي، في الموافقة على حله، سيتمكن أعضاء الحزب الآن من الادعاء بأن: الظروف قد تغيّرت”. “وهذا ممكن فقط في حال انعقاد جلسة برلمانية، وليس خلال العطلة”.
لكن هذا السيناريو: “غير مُرجّح في هذه المرحلة” – وفق المصدر – لأن معظم أعضاء (الكنيست) من المتدَّينين: “ليس لديهم أي نية لحل (الكنيست) الآن”.
وبالإضافة إلى (الحريديم)؛ هناك احتمال أن يُقّرر “نتانياهو” نفسه حل (الكنيست) وإجراء الانتخابات في موعد متَّفق عليه، بحسّب القناة الإخبارية (12).
المناورة السياسية..
في الوقت ذاته؛ تقول صحيفة (يديعوت أحرنوت) إن هذه التطورات الحزبية والسياسية تضع “نتانياهو” أمام خيارات للمناورة أمامهما، في وقتٍ ضيق بسبب عطلة (الكنيست)؛ التي تبدأ في 27 تموز/يوليو 2025.
وبعد ذلك التاريخ لن يكون هناك تهدّيد مباشر لبقائه في حال انسحاب المتدَّينين من الائتلاف الحكومي.
لكن يخشى كبار المسؤولين الحكوميين أن يؤثر رحيل (الحريديم) سلبًا على المفاوضات بشأن صفقة التبادل الجارية في “الدوحة”، كما أنها تترك “نتانياهو” مع شعور بأن قُدرته على المناورة السياسية أصبحت أقلّ مرونة، لأن الوضع الجديد يمنح “سموتريتش” و”بن غفير” المزيد من السلطة السياسية.
وأضافت الصحيفة؛ أنه: “من المنطقي أن نفترض أن نتانياهو سيسّعى للتوصل لاتفاق جديد مع (حماس) فقط بعد أن تبدأ عطلة (الكنيست) الصيفية؛ في 27 تموز/يوليو، وهي أكثر ملاءمة له عندما لا يكون هناك تهديد مباشر لبقائه، واستمرار ولاية حكومته”.
الخروج على مراحل..
القناة (14) العبرية؛ رأت من جانبها، أن حزب (شاس) يتمتع بثُقل حكومي أكبر من باقي الأحزاب الدينية، فلديه ست وزارات حكومية، بالتالي فإن الاستقالة تتطلب المزيد من التفكير، والحذر من جانبه، وقد يظهر هناك عنصر تكتيكي واضح، عبر تفاهم بين الأحزاب الدينية مجتمعة بألا تخرج من الحكومة معًا، بل على مراحل، وفق تقديرها.
وأضافت أن ذلك قد يحدث على مراحل في حين من يبقى في الحكومة يمَّارس التهديد والابتزاز عليها، كي تدَّرك حجم الخطر على استقرارها، بعد أن ترى أن انسحاب بعضها ليس مناورة فارغة، بل خطوة جدية، ما يضطر الحكومة للعودة لطاولة المفاوضات في محاولة لتخفيف القانون، أو صياغة حلّ متفق عليه.
حزب (شاس)؛ بزعامة الحاخام “أرييه درعي”، ظل سلوكه غامضًا، بحسّب تعبير صحيفة (يديعوت أحرونوت)، التي أشارت إلى أنه رُغم دعوته مؤخرًا للتوحّد مع باقي الأحزاب الدينية في الغضب على “إدلشتاين”، لكنه لم يُصدر أي بيانات رسمية ضده.
سيناريوهات تقود إلى الانتخابات المبكرة..
وأوضحت (معاريف)؛ أن السيناريوهات المتوقّعة هي:
– حلّ الأزمة؛ واحتماليته منخفضة، ويبدو مستَّبعدًا، لكنه يتضمن محاولة “نتانياهو” التدخل في قضية الإعفاء من الخدمة العسكرية من أجل إعادة (الحريديم) للائتلاف والحكومة، بحيث قد يستطيع إعادة العجلة إلى الوراء، على شكل تقديم صيغة مختلفة للإعفاء من التجنيد، وكتابة مسّودة قانون جديد للتجنيد، ومطالبة “إدلشتاين” بتغيّير صياغة القانون الحالي، وإزالة البنود التي قرر (الحريديم) بسببها الانسحاب من الحكومة.
– تصّويت أعضاء (الكنيست)؛ (الحريديم)، لاقتراح دعم حل (الكنيست) الذي تسّعى إليه المعارضة، لأنهم الآن في حِلٍّ من الالتزام بالانضباط الائتلافي، حيث وجهت “لجنة حكماء التوراة” أعضاء (الكنيست) بالتصّويت لصالح قانون حلّه، لكنه سيناريو غير مُرجّح في هذه المرحلة، لأن معظمهم ليس لديهم أي نية لحلّه الآن، بحسّب الصحيفة ذاتها.
– هناك احتمال أن يُقّرر “نتانياهو” نفسه حل (الكنيست)، وإجراء الانتخابات في موعد متُفق عليه.
– قد يُحاول “نتانياهو” توسيّع الحكومة، لكن هذا السيناريو يبدو صعبًا وغير محتَّمل في هذه المرحلة، بحسّب تقدير الصحيفة.
– حتى الآن؛ لا تتمتع المعارضة بالأغلبية اللازمة للتصّويت لصالح حل (الكنيست)، رُغم توفر خيار آخر لإسقاط الحكومة، وهو تشكيل حكومة بديلة في (الكنيست) الحالية، برئاسة زعيم المعارضة؛ “يائير لابيد”، لكن من الضروري بالنسبة لحكومة كهذه، الحصول على تصّويت: (61) عضوًا في (الكنيست) لصالحها، وهو أمر غير مُرجّح في (الكنيست) الحالي.
لذا؛ فإن إسقاط الحكومة الحالية، وتشّكيل حكومة أخرى ليس ممكنًا في واقع الأمر.
– إقالة “إدلشتاين” من رئاسة اللجنة؛ حتى يتمكن عضو آخر في (الكنيست) من القيام بذلك، رُغم أن فرص حدوث مثل هذه الخطوة ضئيلة للغاية.
– في مثل هذه الحالة؛ سيتعثّر التحالف لعدة أشهر، ثم ينهار، لكن الميزة الإيجابية في هذا السيناريو بالنسبة للائتلاف الحكومي، أن “نتانياهو” سيكون لديه السيّطرة الكاملة على موعد الانتخابات، وحل الائتلاف.
– السيناريو الأسوأ لـ”نتانياهو”، بحسّب (معاريف)، هو انضمام الصهيونية الدينية والعُصّبة اليهودية إلى (الحريديم) في الاستقالة من الحكومة، لكن حُجتهم في ذلك هي صفقة التبادل قيّد التبلور مع (حماس)، ولذلك، فإن الجميع في (الكنيست) يشمّون الآن رائحة الانتخابات، لأن “بن غفير” و”سموتريتش” يزَّعمان أن هذه الصفقة لن تُحقق النصر في “غزة”، ولذلك هناك احتمال أن يُعلنا استقالتهما أيضًا، ما سيجعل (الليكود) الحزب الوحيد في الائتلاف.
كل ذلك؛ يؤكد أن حل (الكنيست) سيُجرى؛ في تشرين أول/أكتوبر 2025، بحسّب الصحيفة، وهو شهر سيّيء للائتلاف الحالي بسبب الذكرى السنوية الثانية لهجوم (حماس) في السابع من تشرين أول/أكتوبر.
إذ إنه في 19 تشرين أول/أكتوبر، يعود (الكنيست) من عطلته، وقد يستّغرق الأمر شهرًا أو شهرًا ونصفًا قبل إقرار قانون حلّه، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لإجراء انتخابات في آذار/مارس 2026.