لا حديث للعالم في الثلث الأوسط من نيسان/ابريل 2017 سوى عن نية الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” معاقبة كوريا الشمالية على تجاربها النووية، مهما كانت التكلفة العسكرية والخسائر المتوقعة جراء خطوة كهذه.
فرغم تحذيرات روسية من أن الإقدام على خطوة عسكرية أميركية أحادية الجانب تجاه “بوينغ يانغ” سيكون لها عواقب غير مدروسة على المنطقة كلها، ومن شأن عملية عسكرية محتملة ضد كوريا الشمالية أن تزيد التوترات في العالم.. يبدو أن واشنطن ماضية في قرارها.
معلومات استخبارية وتحديد موعد التجربة النووية..
بدورها، فاجأت شبكة “إن. بي. سي” الإخبارية الأميركية مشاهديها بمعلومات “حصرية” قالت إنها حصلت عليها من مصادرها بـ”السي. آي. إيه” – الاستخبارات المركزية الأميركية – مساء الثالث عشر من نيسان/ابريل 2017، تفيد بأن المدمرات والقطع البحرية الأميركية العسكرية باتت على مسافة 300 ميل فقط من موقع إجراء “بوينغ يانغ” تجاربها النووية، وأن “التوما هوك” مستعدة لأوامر ترامب بالإنطلاق نحو الأهداف المرسلة لغرفة العمليات، فضلاً عن تحرك غواصات قادرة على محو أي تهديد نووي محتمل !
ضربة وقائية وقاذفة قنابل مدمرة..
الشبكة الإخبارية الأميركية نقلت عن من وصفتهم بمسؤولين كبار بـ”السي. آي. إيه” قولهم إن واشنطن تستعد لتنفيذ “ضربة وقائية” ضد الأسلحة التقليدية في كوريا الشمالية، إذا ما أصرت بوينغ يانغ على إجراء تجربة نووية أخرى، مؤكدين على أن لديهم إشارات على تجربة نووية محتملة قريبة !
ومن ضمن الاستعدادات العسكرية التي كشفتها الشبكة الأميركية هو إرسال قاذفات قنابل ثقيلة “مدمرة” لجزيرة جوام الأميركية غرب المحيط الهادي والتي تعتبر قاعدة عسكرية بحرية جوية لواشنطن يمكن الانطلاق منها لضرب الأهداف من ارتفاع عال بعيداً عن أي رادارات.
حاملة “كارل فينسن” تستعد بعد نجاحها في العراق..
كما حركت واشنطن قوة كبيرة من أسطولها البحري “الهجومي” في الثامن من نيسان/ابريل 2017، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، الذي يضم حاملة الطائرات الأميركية “يو. إس. إس. كارل فينسن” وأسطولها الجوي ومدمّرتين قاذفتين للصواريخ وطراد قاذف للصواريخ، ما يؤكد على أن ترامب ربما يأخذ الأمر بجدية هذه المرة لضمان حضور أميركي قرب شبه الجزيرة الكورية، ولتأمين حلفائه في المنطقة “كوريا الجنوبية واليابان”.
فحاملة الطائرات “يو. إس. إس. كارل فينسن”، التي باتت قريبة من مواقع كوريا الشمالية، لها تاريخ حافل في البحرية الأميركية بمشاركتها في عمليات مهمة لواشنطن كحرب الصحراء والعراق ومهام أخرى، فضلاً عن أنها الحاملة التي ألقي من عليها جثمان زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” في البحر، وكذلك تتميز بمنصتين لإطلاق الصواريخ الموجهة ومفاعلين نوويين !
رد فعل “متهور”..
لكن ما يقلق المحللين العسكريين بشأن أي هجمات أميركية محتملة ضد كوريا الشمالية، هو صعوبة توقع رد فعل زعيم بوينغ يانغ صاحب الـ33 عاماً كم غونغ أون “المتهور”، وما قد يقبل عليه من أعمال عنيفة تهدد جيرانه الجنوبيين واليابانيين، خاصة أن للرجل تاريخ حافل بالقرارات غير المدروسة العنيفة تجاه أقرب المقربين منه.
تخوفات المحللين في محلها، فقد أعلنت بوينغ يانغ في الثاني عشر من نيسان/ابريل 2017 أنها ستصيب الولايات المتحدة الأميركية بـ”سلاح نووي” – لم تحدده – إذا كان هناك أي دليل على ضربة أميركية، ثم عادت لتؤكد بعدها بيوم على أنها ستوجه ضربة انتقامية لا رحمة فيها إذا ما نفذت أميركا أية تهديدات عسكرية !
حرب نووية أم “ثرثرة”..
وقالت كوريا الشمالية في بيان لها إن أميركا تهدد بشكل خطير السلام والأمن الدوليين وتحرك الوضع نحو حافة “حرب نووية” بتحريك قطع عسكرية نووية استراتيجية إلى شبه الجزيرة الكورية.
خبراء أميركيون يرون في تهديدات كوريا الشمالية مجرد “ثرثرة” لا خوف منها، ويبررون ذلك بأن بوينغ يانغ لا تمتلك صواريخ عابرة للقارات، أو سلاح نووي طويل الأجل !
أميركا حددت موقع التجربة وموعد الهجوم..
مسؤول بالمخابرات الأميركية قال لـ”إن. بي. سي. نيوز”، يشارك بشكل مباشر في التخطيط لضربة محتملة على كوريا الشمالية، “إن المخاطر كبيرة وحاولنا أكثر من مرة نقل تلك المخاطر لبيونغ يانغ لإثناءها عن تجربة نووية سادسة قريبة – نعلم أنها ستنفذ هذه المرة تحت الأرض – وإن لم تتراجع فإننا أيضاً مستعدون لها في الخفاء ولدينا توقيتنا المحدد مسبقاً للتنفيذ” !
كما نقلت “إن. بي. سي. نيوز” عن مسؤول بالبيت الأبيض قوله: “إننا لم نتخذ خطوة من قبل لردع التجارب النووية في كوريا الشمالية.. لكننا عازمون هذه المرة بجدية” !
أميركا تسيطر على الصين !
على صلة، يقول مسؤولون حكوميون أميركيون مطلعون على سير المخطط تجاه كوريا الشمالية، إن ترامب تحدث مع نظيره الصيني مرتين منذ “قمة فلوريدا” التي عقدت في السابع من نيسان/ابريل 2017، حول تجارب بوينغ يانغ وضرورة تراجعها عن مثل هكذا تجارب، وبعدها أرسلت بكين كبار مفاوضيها النوويين إلى كوريا الشمالية لتوصيل خطورة الوضع ومدى جدية التهديد الأميركي هذه المرة.
وقال ترامب في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، مساء الثالث عشر من نيسان/ابريل 2017، إن لديه ثقة كبيرة بأن الصين غالباً ما ستستطيع إقناع كوريا الشمالية للعدول عن تجاربها النووية وعقد اتفاق في هذا الشأن، وإن لم يحدث.. فالولايات المتحدة مع حلفائها سيفعلونها بطريقتهم !
الامتناع عن التصويت.. بادرة صينية مفاجئة..
تعويل ترامب على الصين لم يأت من فراغ، فقد بادرت بكين في الأمم المتحدة في ذات اليوم – 13 نيسان/ابريل 2017 – بالامتناع المفاجئ عن التصويت على قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على النظام السوري لاستخدامه الكيماوي ضد الأطفال والمدنيين في مدينة “خان شيخون” – بحسب بيان أميركي فرنسي بريطاني -، وهو ما اعتبره محللون تغير كبير في المواقف.. فالصين اعتادت الوقوف مع روسيا في مثل هكذا مواقف بالرفض وليس بالامتناع عن التصويت !
“سول” هي من يقرر ويتحمل التبعات..
لكن في النهاية، فإن قرار توجيه ضربة أميركية لكوريا الشمالية، لابد أن يمر عبر جارتها الجنوبية، فوفق مسؤولين أميركيين: يجب أن تقتنع “سول” بأن النتائج تستحق المخاطرة، إذ أن هناك قلقاً عالمياً من أن أي تحرك عسكري سيقابل بردة فعل عنيفة من بوينغ يانغ، وعلى أفضل الفرضيات، سيكون هناك هجوم تقليدي على المنطقة المجردة من السلاح.
وفي الوقت نفسه تقول كوريا الجنوبية إن الزعيم الشمالي لم يبد أي استعداد للحوار والدبلوماسية مع أي من دول المنطقة لوقف تجاربه النووية المستمرة والمقلقة، خاصة أن المؤشرات تؤكد على قيام كوريا الشمالية بتجربة نووية سادسة أو ربما إطلاق تجارب على صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية قريباً.
اليابان في قلق.. لابد من التنسيق ومراقبة الصين..
التوترات لم تصب كوريا الجنوبية فقط، إذ أجرى رئيس الوزراء الياباني اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأميركي ترامب لمدة 45 دقيقة ليؤكداً خلاله مجدداً على ضرورة التنسيق الوثيق بشأن قضية كوريا الشمالية.
وقال “شينزو آبي” رئيس الوزراء الياباني: “قلت للرئيس ترامب إننا نثني بشدة على إلتزام الولايات المتحدة القوي تجاه السلام والامن في العالم وتجاه حلفائها”، وفيما يتعلق بكوريا الشمالية لفت شينزو إلى أن اليابان تراقب عن كثب رد الصين، مؤكداً الاتفاق التام على أن الوحدة بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة مهمة جداً.
كوريا الشمالية ماضية في خطواتها..
في المقابل تابع الزعيم الكوري الشمالي بنفسه مناورة للوحدات الخاصة – في الثالث عشر من نيسان/ابريل 2017 – وأشاد بالدقة التي تتمتع بها قواته، قائلاً: “يبدو أن الرصاصات لديها عيوناً، وأن التدريبات تثبت مجدداً أن جيشنا الشعبي الكوري سيجعل الغزاة المتهورين يذوقون الطعم الحقيقي لإطلاق النار والطعم الحقيقي للحرب”.
المناورة العسكرية تأتي مع استعداد كوريا الشمالية لتنفيذ تجربة نووية سادسة، تزامناً مع الاحتفالات بالذكرى الخامسة بعد المئة لولادة مؤسس النظام “كيم إيل سونغ”، في وقت حذر رئيس الوزراء الكوري الجنوبي من خطر “استفزاز كبير” لكوريا الشمالية، يمكن أن يحصل أيضاً في 25 نيسان/ابريل، خلال ذكرى تأسيس جيشها.
الحديث والتأكيدات الأميركية عن نية بوينغ يانغ إجراء تجربة نووية سادسة، لم تأت من فراغ، إذ أكد معهد “نورث 38” استناداً إلى صور ألتقطتها أقمار اصطناعية في 25 آذار/مارس 2017 أن كوريا الشمالية تستعد لإجراء تجربة نووية جديدة، من خلال تصوير آليات وتجهيزات (كابلات اتصالات، مضخات مياه) في موقع بونغيي – ري، مما يؤشر إلى أنه بصدد الاستعداد لإجراء تجربة نووية سادسة، فضلاً عن تصريح زعيم كوريا الشمالية بأنه يحضر لحدث ضخم.