حرب ثارات مؤجلة تنتظر عشائر الانبار

 حرب ثارات مؤجلة تنتظر عشائر الانبار

تنتظر مدينة الأنبار التي تحولت إلى ساحة حرب بين فصائل مسلحة وتنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات الجيش والشرطة والعشائر، حرباً من نوع آخر هي حرب ثأرية بين عشائرها وستكون وفق قواعد قبلية مُتعارف عليها لكنها مؤجلة لحين انتهاء الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
الأنبار اليوم من أبرز المدن التي تشهد نزاعات مسلحة في الشرق الأوسط، وهي تتكون من عشائر عربية عريقة ما زالت تحتفظ بتقاليدها وستبدأ حرباً جديدة تحت بند الثأر وفيها خياران: إما القتل أو دفع الأموال.
وتشكِّل العشائر الغالبية العظمى من سكان الأنبار وتضم العشرات من القبائل والعشائر وجميعها سنيّة وترتبط بعلاقات مع الأردن والسعودية وسوريا بحكم قربها الجغرافي.
ويقول الخبير الأمني رشيد السامرائي لـ “نقاش” إن “الأزمة الأمنية في الأنبار معقدة، والتحالف الدولي يعتقد بأن المشكلة تقع بين الحكومة وبين تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن الحقيقة هي إن الصراع في الأنبار أصبح صراعاً عشائرياً أيضاً ويحتاج إلى وسائل جديدة لإنهائه”.
والعشائر في الأنبار تمثل أبرز أطراف النزاع، إضافة إلى الأطراف الباقية المتمثلة بالقوات الأمنية الحكومية وتنظيم الدولة الإسلامية الذي “استثمر الصراعات العشائرية لصالحه” كما يقول السامرائي.
والصراعات السياسية والأمنية والتي تشهدها المدينة منذ بداية العام الحالي زرعت التفرقة بين هذه العشائر التي كانت في السابق موّحدة ولديها قيادة جماعية، أما اليوم فإن علاقاتها الجيدة انهارت بعد مقتل المئآت من أبنائها على يد بعضها البعض.
الصراع العشائري في الأنبار بدأ بعد قيام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالتفاوض مع بعض العشائر لتكون إلى جانبه مقابل منحهم امتيازات تجارية وأمنية خاصة، بينما اختارت عشائر أخرى عدم التعاون مع المالكي لأنهم يتهمونه بالطائفية ضد السكان السنة، ومن هنا بدأت الخلافات.
الخلافات امتدت داخل العشيرة الواحدة، ومثلا فإن الزعيم العشائري المعروف علي الحاتم الدليمي وقف ضد الحكومة والتزم موقف الحياد من الدولة الإسلامية، ولكن عمه ماجد السليمان الدليمي وقف إلى جانب الحكومة ضد الدولة الإسلامية.
ومما زاد من الانقسام بين العشائر دخول التنظيم المتشدد إلى الأنبار، وهنا كان على قادة العشائر الاختيار بين أمرين إما عقد هدنة معه وعدم محاربته، أو التحالف مع الحكومة لقتاله.
وأبرز عشائر الأنبار التي أعلنت التحالف مع الحكومة لمقاتلة المتشددين رغم إن هذه العشائر تكره الحكومة ولكنها اعتبرت الدولة الإسلامية أشد خطراً عليها هي عشائر “البوريشة” و”الفهد” و”العلوان” و”العبيد” و”العيسى” و”البوعلي” و”البوبالي” و”النمر”.
ومثلا فإن قادة عشيرة “البوريشة” الذين كانوا يدعمون التظاهرات المناوئة للحكومة الاتحادية التي يقودها الشيعة، تحولوا إلى التحالف مع الحكومة ضد الدولة الإسلامية مقابل قيام الحكومة بإلغاء قرارات قضائية بتهم إرهابية بحق قادة “البوريشة”.
أما العشائر التي امتنعت عن التحالف مع الحكومة واختارت التزام الحياد وانضم عدد من أبنائها إلى “الدولة الإسلامية” فهي عشائر “العساف” و”الجابر” و”المرعي” و”الجميلي” و”العيساوي” وعشائر “القائم” وهناك عشائر أخرى أعلنت تأييدها للتنظيم بشكل سري.
وعلى عكس ما حدث عام 2006 عندما توحدت جميع عشائر الأنبار لمحاربة تنظيم “القاعدة” في مدينتهم لأن غالبية عناصر القاعدة كانوا من الجنسيات العربية والأجنبية، فإن تنظيم الدولة الإسلامية زرع التفرقة بين هذه العشائر لأن غالبية أعضائه من أبناء عشائر الأنبار، كما أن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عراقي ينتمي إلى عشيرة عراقية معروفة.
المعارك الطاحنة التي تشهدها الأنبار منذ 11 شهرا، أدت إلى مقتل المئات من أبناء العشائر على يد بعضهم البعض، وتصاعدت الخلافات بين هذه العشائر، وبدأت بداية الحرب بينهم منذ اليوم بشكل خفي عبر اغتيالات سرية لا تعلم بها الدولة لغياب دور المحاكم في المدينة بسبب المعارك.
في الأسبوع الماضي تعرض المئات من رجال عشيرة “النمر” التي تسكن مدينة “هيت” غرب الأنبار إلى عمليات قتل على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد أن تمكَّن من احتلال المدينة لأن عشيرة “النمر” وقفت إلى جانب الحكومة وقاتلت “الدولة الإسلامية”.
ولكن المفاجأة إن قادة عشيرة “النمر” أكدوا أن عدداً من رجال عشائر أخرى وحتى من نفس رجال عشيرة “النمر” هم من نفذوا القتل بحق هؤلاء.
ويقول أحمد النمراوي أحد شيوخ عشائر “النمر” إن “أحد الذين نجحوا بالهروب من المجزرة التي نفذّها عناصر الدولة الإسلامية ضد رجالنا أكد إنه تعرّف على هوية عدد ممن أطلقوا النار وهم من أبناء العشائر في الأنبار وبعضهم ينتمي إلى عشيرة النمر”.
ولكن الحرب بين العشائر ما زالت “معلّقة” أو مؤجلة وفق الأعراف العشائرية في المدينة والتي تتضمن تأجيل مناقشة الخلافات فيما بينها وقتاً من الزمن لكنها لا تنسى أبداً رغم مرور الشهور والسنوات.
وتتضمن الأعراف العشائرية في هناك ذهاب وفد من عشيرة ما إلى العشيرة الأخرى وتطالبها بدم أبنائها الذين قُتلوا على يد أبناء العشيرة الثانية، وهناك طريقتين يتم بها ذلك، أما من خلال قتل الأشخاص أو أحد أقاربهم الذين قاموا بالقتل أو تقوم عشائرهم بدفع أموال طائلة مقابل كل شخص مقتول وهو ما يعرف بـ “الدية العشائرية”.
عشائر الأنبار أصبحت ضحية للصراعات السياسية والأمنية في العراق، فالحكومة استطاعت إغراء بعضهم بالمال والمناصب لشق صفوفهم، كما إن الخوف من تنظيم الدولة الإسلامية أجبر العديدين منهم إلى التحالف معهم، والحصيلة مقتل الآلاف من أبناء العشائر على يد بعضهم البعض.
 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة