17 أبريل، 2024 12:50 ص
Search
Close this search box.

حرب العملات تستعر .. روسيا تكتب نهاية أسطورة العملة الخضراء

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – رضا خليل :

كما تسعى الصين وروسيا، على الصعيد السياسى والدبلوماسى، إلى تحويل دفة السيطرة الدولية من سياسة عالم  القطب الواحد إلى سياسات العالم متعدد الأقطاب، تجتهدا الدولتين حالياً إلى إنهاء الهيمنة الإقتصادية للدولار الأميركى، على النظام المالى العالمى، وفرض نظام مالي جديد بديلاً لنظام “بريتون وودز” الذى أقرته بريطانيا والولايات المتحدة فى عام 1944.

وعلى الرغم من أن الخطة الروسية الصينية ليست وليدة الوقت الراهن، بل أنها تعود لعام 2008، وبداية ظهور “منظمة بريكس” الإقتصادية.

إلا أن الخطوة الروسية التى اتخذتها موسكو مؤخرًا، عندما قررت فى 14 آذار/مارس الماضي، افتتاح فرع لـ”البنك المركزى الروسي” فى الصين كانت من أهم تلك الخطوات، خاصة إذا نظرنا لتوقيت الخطوة، التى آتت فى نفس اليوم الذى أعلن فيه “ستيفان دى ميستورا” المبعوث الأممى لسوريا على اسئناف “مفاوضات جنيف” لتسوية الأزمة السورية لتشير بما لا يدع مجالاً للشك أن الجهود السياسية  للصين وروسيا تسير بالتوازي مع الجهود الاقتصادية الرامية إلى انهاء “أسطورة الدولار الأميركى”, وهو ما يبرهن على مبررات تصعيد واشنطن للحرب فى سوريا فى الأيام الأخيرة والقيام  بضرب “قاعدة الشعيرات” بحجة الرد على الاستخدام السوري للاسحلة الكيماوية في “خان شيخون”.

سحب البساط من تحت أقدام الدولار..

وتقوم الخطة الصينية الروسية على سحب البساط من تحت أقدام  الدولار، عبر اتفاق تحويل التجارة الخارجية لهذه الدول بالعملات الوطنية, وهو ما تم الاتفاق عليه بالفعل مع بعض الدول. أهم تلك الاتفاقيات ما تم ابرامه بين الصين والمملكة السعودية فى تشرين أول/أكتوبر الماضي، القاضي بالتعامل بعملتي “اليوان” و”الريال السعودى” بدلاً من الدولار، فيما اتفقت روسيا مع تركيا على انجاز تعاملتهما التجارية بالعملات المحلية بدلاً من العملة الخضراء فى كانون أول/ديسمبر الماضي.

ويعد افتتاح فرع للبنك المركزى الروسى بمثابة اذعان بتنفيذ الاتفاقيات السابقة بين الرئيس “بوتين” والرئيس “شي جين بينغ”، التى أبرمتها الدولتين خلال عام 2014 لاستبدال العملات الوطنية في التعاملات التجارية بين البلدين.

عودة الغطاء الذهبي مرة أخرى..

تسعى كل من روسيا والصين وبعض البلدان الأخرى إلى عودة “الذهب” كغطاء نقدي مرة أخرى، لذا فإن روسيا والصين يتجهان أيضاً لتسهيل إجراءات استيراد الذهب بينهما، وذلك بهدف دعم احتياطاتهما من المعدن النفيس، ليكون بمثابة احتياطي بديلاً عن الدولار الذى أصبح عملة احتياط دولية بدلاً من الذهب منذ عام 1971.

ومن المعروف أن الصين عملت على شراء وانتاج الذهب بوتيرة متزايدة منذ عام 2008، وذلك بهدف دعم عملتها “اليوان” والتي أصبحت عملة دولية بعد قرار “صندوق النقد الدولي” فى 2015 ادراجها ضمن سلة حقوق السحب بالصندوق، والتي تشمل “الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الأسترليني”.

وتسير روسيا فى هذا الاتجاه أيضًا، بل قد تكون الوتيرة التي تسير بها أسرع من تلك الوتيرة التي تسير بها الصين، نظرًا للعلاقات الاقتصادية المعقدة بين الصين وأميركا، حيث تعد الصين أكبر مستثمرًا فى السندات الأميركية، كما أن الولايات المتحدة لديها استثمارات ضخمة فى الصين.

ولعل ما كشف عنه “البنك المركزي الروسي” فى 4 نيسان/ابريل الجاري عن تصدره بنوك العالم المركزية، للعام الخامس على التوالي، من حيث كميات الذهب التي يشتريها لرفع الاحتياط الروسي، أكبر دليل على ذلك.

حيث ذكر البنك، أنه اشترى في غضون العام الماضي 2001 طنًا من الذهب، فيما يعتزم شراء 250 طناً منه خلال العام الجاري، في زيادة قدرها 49 طناً عن العام المنصرم، وذلك للمرة الأولى منذ 1998.

ويجمع المراقبون على أن إقدام البنوك المركزية في العالم على شراء الذهب خلال الفترة الأخيرة، يرسم توجهاً جديداً يؤسس لإعادة اعتماد احتياطي موحد في العالم، وذلك لكون الذهب قد صار يظهر قدرة عالية على الصمود في ظل الاضطراب المزمن الذي تعانيه سوق المال العالمية، كما أنه آداة مشجعة على صعيد حماية احتياطيات البنوك المركزية.

حشد عالمي ضد الدولار..

لعل الآثار التي خلفتها الأزمة المالية العالمية في 2008، هي السبب الرئيس وراء عزم كثير من الدول التي كانت ضحية لهذه الازمة، على الحد من الاعتماد على الدولار في التعاملات التجارية الدولية والسعي لإيجاد بديل يجنبها تلك الاثار المدمرة.

وكانت “البرازيل والهند وجنوب إفريقيا” على رأس هذه الدول، عندما انضموا إلى منظمة بريكس،  ولكن تلك الأوضاع تغيرت قليلاً بالنسبة لهذه المنظمة بعد أن استطاعت قوى المعارضة البرازيلية، المدعومة من الغرب، الإطاحة بالرئيسة اليسارية “ديلما سيلفا” من سدة الحكم قبل شهور، فيما تصاعدت المظاهرات المطالبة بتنحي رئيس جنوب إفريقيا “غاكوب زوما” على خلفية تقارير عن الفساد بنفس الطريقية التى تمت مع “ديلما سيلفا”.

وبجانب تلك الدول فإن هناك دولاً ازدادت معاناتها خلال السنوات الأخيرة من الاعتماد على ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل أسعار عملاتها المحلية، على رأس هذه الدول “مصر وتركيا والسويد وماليزيا ونيجريا” وغيرها، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم لديها بشكل يؤجج  الاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة السياسية الحاكمة لدى كل دولة منها.

انقاذ الدولار يتطلب اسقاط اليورو..

لا شك أن الولايات المتحدة لديها دراية بكل تلك الخطط التي تسعى إلى إنهاء الهيمنة الاقتصادية لها، لذلك فهي تعمل بشتى الطرق إلى افشالها بعد أن استطاعت تعطيلها عبر الاجراءات التي اتخذتها للحد من تحول الأزمة المالية العالمية لأزمة إقتصادية وعبر إفشال “منظمة بريكس”.

لكن التقارب الصيني الأميركي عقب الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني لواشنطن، قبل أيام، يقودنا إلى أن الولايات المتحدة يبدو أنها تدرك أنه لا مناص من تعطيل الصعود الاقتصادي الصيني، وجعل عملتها عملة احتياطي دولية تنافس الدولار، لذا فإن الحل يكمن فى ضرورة تفكك الاتحاد الاوروبي وانهيار العملة الموحدة “اليورو” التي تستحوذ على 30% من التعاملات التجارية الدولية، خاصة أن الظروف مواتية لذلك في ظل الأزمات المالية التي تشهدها بعض دوله كـ”اليونان واسبانيا وايطاليا”، لهذا ظهر ذلك فى تأييد “ترامب” لتحركات رئيس الوزراء البريطانية “تيريزا ماي” ووعدها بعقد اتفاق تجارة حرة بمجرد الخروج من الاتحاد.

الأمريكيون يتوقعون أيضًا انهيار الدولار..

لا تقتصر توقعات انهيار العملة الأميركية على الدول التي تنافس الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، بل الأمر أصبح  يدركه بعض الأميركان، وهذا ما تؤكده توقعات الخبير المالي الأميركى “ديفيد مارش”، الذى أكد لشبكة “سي. إن. إن” الاميركية في شباط/فبراير الماضي،  إنه من المتوقع أن يواصل الدولار ارتفاعه خلال العام الحالي.. بسبب سياسات الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، ثم سينهيار كما حدث في أوائل الثمانينيات.

وشرح “مارش”، أحد مؤسسي شركة “أومفيف” للاستشارات المالية في لندن، أن “الاقتصاد والشركات الصناعية الأميركية لن تتحمل مزيداً من الارتفاع المتسارع للدولار، الذي يواصل الصعود منذ عدة سنوات”.

حيث أن العملة الأميركية ارتفعت بنحو 10% سنوياً على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، وإن هذا “تحديداً هو عكس ما يقول ترامب إنه يسعى إليه”.

ويتوقع “مارش” أن يعاود الدولار ارتفاعه القوي مع بدء تنفيذ سياسات ترامب، وهو ما سيضر الصناعة الأميركية، على عكس ما يسعى إليه ترمب من “حماية العمال الأميركيين”. ليؤدي ارتفاع الدولار إلى انخفاض حصيلة الصادرات الأميركية، كما سيجعل المنتجات الأميركية أقل تنافسية في الخارج.

فى كل الأحوال فإن الصراع سيظل محتدمًا على مستوى العملات، فكما تجري حروب سياسية وعسكرية ومخابراتية بين الدول العظمى لزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي.. فهناك حروب من نوع آخر تسمى “حروب العملات”، تسعى كل دولة فيها أن تفرض نظامها الخاص ولإكساب عملتها السيادية على بقية العملات الآخرى حتى لو كان ذلك بقوة السلاح، كما اعتادت عليه الولايات المتحدة  طوال الـ70 عاماً الماضية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب