خاص : كتبت – هانم التمساح :
اشتعلت حرب التسجيلات الصوتية بين المسؤولين العراقيين في قضية قتل المتظاهرين، بعد ما أحدثه التعامل العنيف مع المتظاهرين من فضيحة دولية للمسؤولين بعد أن ارتفع عدد ضحايا تظاهرات تشرين الجاري إلى 170 قتيل و6 آلاف من الجرحى، وحاول كل مسؤول أمني وسياسي التنصل من التهمة محاولًا إلقاء المسؤولية على غيره، لكن الفضيحة الكبرى والتسريب الصوتي الأكبر كان من نصيب، “رعد الجبوري”، رئيس “مجلس بابل” الذي استقال بعد الفضيحة المدوية.
تورط مسؤولين كبار وتوقعات بتوريط صغار الضباط..
وكشفت حرب التسجيلات الصوتية، الدائرة حاليًا في “العراق”، عن خطط حكومة “عادل عبدالمهدي”، وميليشيات “إيران” لقمع المتظاهرين، ومازالت حرب التسجيلات الصوتية مستعرة بين القوى السياسية المتصارعة.
ومع إعلان لجنة التحقيق في قتل المتظاهرين، التي شكلها رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، إنتهاء عملها؛ كشفت مصادر مطلعة أن توصيات اللجنة ستدين ضباطًا صغارًا، أما المتورطون الحقيقيون في قتل المحتجين فإن اللجنة ستتحاشى التطرق إليهم.
من جانبه؛ أكد مصدر مطلع قريب من اللجنة التحقيقية حول الإعتداءات على المتظاهرين، أن اللجنة توصلت إلى ضلوع مسؤولين أمنيين وسياسيين كبار بإصدار أوامر حازمة بقتل المتظاهرين، إلا أن توصياتها ستقتصر على إدانة عدد من الضباط الصغار لإرضاء المرجعية وذر الرماد في عيون الشارع المنفجر غضبًا ضد القمع والإبادة.
فضيحة “الجبوري”..
وكشف التسجيل، الذي انتشر بكل مواقع التواصل الاجتماعي، قول “الجبوري”: “لا توجد أوامر بالتجمعات”، صارخًا: “ليس من المعقول أن يقوم خمسة أشخاص بهذه الفوضى”.
إلى ذلك، بيَن التسجيل أن رئيس “مجلس بابل” أصدر أوامر بعيدة كل البُعد عن القانون، وفيها إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان والتظاهر السلمي؛ إذ قال: “أسلخوا جلودهم بالماء الحار.. وإذا لم نكن رجال دولة فلنذهب ونجلس في بيوتنا”.
وقال عضو مجلس بابل، “كامل شحتول”، في تصريح صحافي، إن التسجيلات الصوتية المسربة، المنسوبة إلى رئيس مجلس محافظة بابل، “رعد الجبوري”، هي من أطاحت به من منصبه، وذلك بعد الصدمة التي أحدثتها تلك التسجيلات، وتسليطها الضوء على طبيعة تعاطي المسؤولين المحليين مع مواطنيهم أثناء الاحتجاجات.
وأضاف؛ أن رئيس مجلس محافظة بابل، “رعد الجبوري”، قدم استقالته من منصبه، مضيفًا أن المجلس اجتمع، الثلاثاء، للتصويت على استقالته واختيار رئيس جديد للمجلس.
نفى التسجيل والداخلية لم تعلق..
وكان رئيس مجلس محافظة بابل، “رعد حمزة الجبوري”، فد نفى، الجمعة، التسجيل الصوتي الذي نُسب إليه، متبرئًا منه جملة وتفصيلا.
وزعم “الجبوري”، في بيان؛ أن التسجيل الذي انتشر على مواقع التواصل وفي الشارع العراقي، الخميس، ليس له على الإطلاق وسمع به فقط من الشارع.
في المقابل؛ لم يصدر عن “وزارة الداخلية” العراقية أو مديرية شرطة محافظة بابل أي تصريح بشأن التسريب الذي يخص قائد شرطة بابل.
محافظ بابل يقر صحة التسجيلات..
كما أكد محافظ بابل، “كرار العبادي”، السبت الماضي، صحة التسجيلات الصوتية المنسوبة إلى رئيس مجلس محافظة بابل، “رعد الجبوري”، والتي وجه من خلالها بقمع المتظاهرين بشدة.
أكد محافظ بابل، “كرار العبادي”، أن التسجيلات التي بثت بصوت رئيس المجلس، “رعد الجبوري”، صحيحة وبحضور القادة الأمنيين، مبينًا أنه تعرض للمساومات من قِبل جهات، لم يحددها، لنفي التسجيلات.
تورط قائد شرطة بابل..
وكشفت التسجيلات الصوتية أيضًا تورط قائد شرطة بابل، اللواء “علي حسن گوة الزغيبي”، وهو يوجه القوات الأمنية من أجل تفريق واعتقال المتظاهرين عشوائيًا والاستعانة بخراطيم المياه الساخنة لتفريق أي تجمع يزيد عن خمسة أشخاص.
كما كشف تسجيل مُسرب آخر، قيام قائد شرطة مدينة بابل، اللواء “علي حسن گوة الزغيبي”، بإصدار أوامر لمدراء الأقسام كافة في “شرطة بابل” بمنع التجمعات. وقال حرفيًا: “يُمنع منعًا باتًا تجمع أي أشخاص، ويُعتبر هؤلاء هدفًا للأجهزة الأمنية، ويجب بالتالي إلقاء القبض عليهم بتهمة إثارة الشغب؛ وهذا التوجيه لكل مديريات الأقسام في أي موقع كان”.
“عصائب الحق” تصفها بالحرب القذرة..
ومن خلال المقاطع التي تم تسريبها بأصوات مسؤولين كبار؛ يتضح أن هناك خطة حكومية لتحجيم التظاهرات، ومنع إتساعها ووصولها إلى الأهداف الحساسة بكل السُبل الممكنة. ويبدو أن حرب التسجيلات أستفزت الفصائل المسلحة التي تخشى أن ينكشف دورها في تغييب وقتل المحتجين.
وانسجامًا مع ذلك؛ وصف قيادي في حركة (عصائب أهل الحق)، برئاسة، “قيس الخزعلي”، حرب التسجيلات؛ بأنها حرب قذرة، محذرًا من كشف أسرار العمل الأمني للدولة وخلق نوع من الكراهية بين الطبقة السياسية الحاكمة والجمهور العراقي.
وقال النائب القيادي في حركة العصائب، “عدنان فيحان”، إن حرب التسجيلات الصوتية للقادة والمسؤولين هي حرب قذرة هدفها إذكاء الفتنة وتعميق الفجوة بين الجماهير والمسؤولين وخلق الفوضى وتدمير الممتلكات والدوائر وإسالة الدماء الغالية من أي طرف كان.
يُذكر أن رئيس اللجنة الوزارية العليا، وزير التخطيط العراقي، “نوري صباح الدليمي”، طلب السبت، التحقيق في أحداث التظاهرات، وما تضمنه التسجيل الصوتي المسّرب لرئيس مجلس محافظة بابل بشأن قمع التظاهرات واعتقال الشباب من أبناء “محافظة بابل” في وسط “العراق”.
وجاء في بيان لمكتب “الدليمي”؛ أن: “رئيس اللجنة العليا للتحقيق في أحداث التظاهرات وجه اللجنة التحقيقية الفرعية الخاصة بمحافظة بابل، التوجه فورًا إلى المحافظة للتحقيق في ما تضمنه التسجيل الصوتي المسّرب لرئيس مجلس محافظة بابل، الذي يتحدث فيه عن الإجراءات المتخذة من قِبل القوات الأمنية بحق المتظاهرين”.
تحريض على القتل وإنتهاك للدستور..
وتعليقًا على هذا الموضوع، الذي ما زال يشغل العراقيين منذ أيام، قال الخبير القانوني، “أمير الدعمي”؛ إن ما نُسب لرئيس “مجلس محافظة بابل” وآخرين، لا سيما لجهة تحريضه الأجهزة الأمنية على استخدام القوة والاعتقال؛ يُعد إنتهاكًا صارخًا للدستور العراقي الذي كُفل حرية التعبير والرأي، وإنتهاكًا صارخًا أيضًا لحقوق الإنسان، بل هو تحريض على القتل بالتعسف في استخدام القوة.
كما أوضح أن الدستور العراقي يُحرم الاعتقال إلا بمذكرة قضائية، ناهيك عن أن “محافظ بابل” شهد وأكد صحة التسجيل الصوتي؛ وبالتالي لا حصانة لرئيس “مجلس محافظة بابل” أمام القانون إذا ما تقدم واحد أو عدد من المواطنين بالشكوى ضده في أي محكمة عراقية.
“عبدالمهدي” يؤكد ضرورة التدقيق في فحص التسجيلات..
وكان رئيس الحكومة، “عادل عبدالمهدي”، قد وجه بالتحقيق بوجود تسجيلات صوتية بشأن إصدار أوامر قادت لتصدٍ عنيف على المحتجين في “العراق”.
وجاء ذلك في رسالة نشرها مكتب رئيس الحكومة، موجهة إلى رئيس اللجنة الوزارية للتحقيق في أحداث التظاهرات، “نوري الدليمي”.
وجاء في الرسالة: “لاستكمال التحقيقات؛ يرجى تسلم أي تسجيل يأتي من أي مسؤول عسكري أو مدني أو مواطن يتعلق بالأحداث الأخيرة؛ وأن يدقق في صحته ويتم التحقق بمحتوياته أصوليًا مهما كان مستوى المسؤول صاحب التسجيل وإدراجها في محاضر التحقيق لإستجلاء الحقيقة”.
مخاوف على حياة من يمتلكون التسجيلات..
ودعا، في وقت سابق، مقرب من زعيم (التيار الصدري)، رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، “عادل عبدالمهدي”، إلى حماية عناصر أمنية تمتلك تسجيلات صوتية بما يخص صدور أوامر بضرب المتظاهرين.
وقال “صالح محمد العراقي”، المُقرب من “الصدر”، في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، إن: “بعض أفراد القوات الأمنية يمتلكون تسجيلًا لمكالمات تُبين الأوامر بضرب المتظاهرين”.
وأضاف: “لذا ندعو رئيس مجلس الوزراء تسلمها مع حمايتهم من التبعات؛ ولو كان التسجيل الصوتي له شخصيًا”.
وشكل “مجلس الأمن الوطني”، يوم 11 من شهر تشرين أول/أكتوبر الجاري، لجنة تحقيقية برئاسة قيادة العمليات المشتركة وعضوية الجهات ذات العلاقة للتحقيق بحالات القتل والإصابة في صفوف المتظاهرين ومنتسبي الأجهزة الأمنية والإعتداءات على المنشآت والبنى التحتية ووسائل الإعلام ومحاسبة المقصرين، خلال مدة 5 أيام، اعتبارًا من يوم 12 تشرين أول/أكتوبر الجاري.
وحمّل المرجع الديني، “علي السيستاني”، الحكومة العراقية، مسؤولية سقوط ضحايا من المحتجين والقوات الأمنية خلال تظاهرات دامية شهدها “العراق”، منذ بداية الشهر الجاري.
وتظاهر الآلاف من العراقيين، خلال الأيام الماضية، ضد تردي الواقع الخدمي، والمعيشي، وإنعدام فرص العمل والوظائف العامة والخاصة، وتفشي البطالة داخل المجتمع، وإستشراء الفساد المالي والإداري والمحسوبية في مفاصل دوائر الدولة ومؤسساتها.
وجوبهت تلك التظاهرات السليمة بقمع وعنف وصل في بعضها إلى حد استخدام القوة المفرطة، بحسب ما اقرت به العمليات المشتركة، أعلى سلطة عسكرية بـ”العراق”، مما أدى إلى مقتل نحو 170 محتجًا وإصابة آلاف بجروح.
وسارعت الحكومة الاتحادية برئاسة، “عادل عبدالمهدي”، إلى إطلاق حزمتين من القرارات تلبية لمطالب المتظاهرين، وقرر “البرلمان العراقي” إيقاف حملة إزالة التجاوزات “فورًا”؛ وإطلاق مشروع بناء 100 ألف وحدة سكنية، أضافة إلى إصدار توصيات تقضي بتخصيص رواتب للأسر التي لا تتقاضى أية رواتب ومنح مالية من الدولة، إلا أن تلك الإجراءات السريعة لم تلقى قبولًا لدى شباب المتظاهرين الذين أعلنوا استمرار انتفاضتهم ودعوا لخروج تظاهرات جديدة يوم الـ 25 من تشرين أول/أكتوبر الجاري، برغم حملات المطاردة والاعتقالات العشوائية في صفوف الداعين للتظاهرات والصحافيين الذين يقومون بنشر أخبار التظاهرات أو دعم حق التظاهر.