14 أبريل، 2024 11:32 م
Search
Close this search box.

حرب “البحر الأحمر” تتجاوز الحوثيين وأميركا .. “الصين” تسبق عصرها و”تركيا” تحاول إنقاذ أوروبا !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات- كتابات:

أدت هجمات (الحوثيين)؛ خلال الشهرين الماضيين، في “مضيق باب المندب” الاستراتيجي، الذي يربط “البحر الأحمر” بـ”بحر العرب”، إلى دفع أكبر شركات الشحّن العالمية إلى تعطيّل عبورها لـ”قناة السويس” لعدة أسابيع. بينما غيّرت شركات أخرى مسّار سفنها بالتزامن مع شّن “الولايات المتحدة” و”بريطانيا” لضربات جوية على “اليمن” وتصاعد الأوضاع، وفتحت الأزمة الباب لازدهار الطرق البديلة لـ”باب المندب” بما فيها “مبادرة الحزام والطريق” الصينية.

وبدأت أزمة الملاحة في “البحر الأحمر”؛ في 19 تشرين ثان/نوفمبر 2023، بعد الإعلان عن استيلاء (الحوثيين) على سفينة تٌدعى (Galaxy Leader)، مملوكة جزئيًا لرجل أعمال إسرائيلي، ردًا على الحرب الإسرائيلية على “غزة”، وأعلنوا عن استهدافهم للسفن المرتبطة بـ”إسرائيل” لحين انتهاء الحرب، وتوصيل الإمدادات للقطاع، ولكن “الولايات المتحدة” وسّعت الأزمة بقصفها لـ (الحوثيين)، الذين ردوا باستهداف السفن المرتبطة بـ”واشنطن” و”لندن”، وتفاقم التوتر الذي أدى لارتفاع في أسعار الشّحن بشكلٍ كبير، مهددًا سلاسّل التوريد العالمية.

وإبان تسكُّع السفن في “البحر المتوسط” أو “بحر العرب” لدراسة الخيارات المتاحة، انشّغلت شركات أخرى بفكرة تجاوز المضيق بالكامل، حسّب ما ورد في تقرير لمجلة (فورين بوليسي-Foreign Policy) الأميركية.

وبدأت تظهر بدائل برية أو “برية-بحرية” لطريق “البحر الأحمر” شّبه الحصّري للتجارة بين “آسيا” والغرب، والذي يمر به نحو: (10%) من التجارة العالمية.

السعودية والإمارات” تقدمان بديلاً لطريق البحر الأحمر و”مصر” متضررة..

في منتصف كانون أول/ديسمبر 2023، سّارعت “السعودية” للموافقة على إنشاء “جسّر بري” من “بحر العرب” إلى “البحر المتوسط”، وذلك عبر السّماح للسّلع الراسّية في موانيء “الخليج العربي”؛ (مثل جبل علي في الإمارات أو سلمان في البحرين)، باجتياز أراضيها على متن الشاحنات، وصولاً إلى “ميناء حيفا” في “إسرائيل”.

ويُمثل هذا المسّار أحد الطرق البديلة لـ”باب المندب” و”قناة السويس”.

ويزعم تقرير المجلة الأميركية أن هجوم (حماس)؛ يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، لم يوقف “اتفاقيات إبراهام”. حيث يقول إن “السعودية والإمارات” سارعتا لتعزيز تعاونهما مع “إسرائيل” على صعيد البُنية التحتية من أجل التكيّف مع الاضطرابات البحرية، رُغم دعمهما القوي لـ”حل الدولتين”، فضلاً عن أنهما ستجمعان بذلك رسّوم العبور التي كانت تتدفق على الخزائن المصرية في المعتاد. والأفضل من ذلك هو أن ممر “الخليج-إسرائيل”؛ هو الأقصر من طريق “البحر الأحمر” البحري بعشرة أيام، ما يُعّزز فكرة النقل البري.

لقد أدت الصدمات الجيوسياسية، بدايةً من هجمات (الحوثيين) في “البحر الأحمر” ووصولاً للحرب “الروسية-الأوكرانية”، إلى رفع تكاليف الخدمات اللوجستية وأسعار الغذاء. وجاء ذلك بالتزامن مع مكافحة الاقتصاد العالمي – وخاصةً في الدول النامية – من أجل التعافي من الآلام المالية الناجمة عن جائحة (كوفيد-19).

هناك حاجة لعدد من الطرق البديلة لـ”باب المندب”..

وتقول المجلة الأميركية: “إنه لا شك في أن حل التقلبات الدائمة المعاصرة لن يخرج من القمم العرضية التي تعقدها بكين مع واشنطن، أو جلسات العلاج الجماعي الخاصة بمجموعة السبع، أو المؤتمرات الحوارية مثل المنتدى الاقتصادي العالمي أو مؤتمرات المناخ”.

وتُضيف أن هناك في الواقع طريقًا واحدًا محددًا يُناسّب العالم الذي ضربته آفة فقدان الثقة الشديدة والأزمات غير المتوقعة، ويُتيح له التحرك جماعيًا بأسلوب هادف لخدمة المصلحة العامة العالمية.

ويتمثل هذا الطريق في بناء المزيد من الممرات لمساعدة العرض على تلبية الطلب. ويكمن حل صدمات الإمداد في زيادة سّلاسل الإمداد. وهذا يعني المزيد من الأحزمة، والمزيد من الطرق.

“الصين” سبقت عصرها..

وقد كانت “الصين” هي الدولة الوحيدة التي أدركت هذا الأمر منذ سنوات، وبدأت التحرك بناءً عليه، حسّب المجلة الأميركية.

إذ أثارت “الصين” استياء العديد من قادة الغرب؛ في شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، وذلك عندما اجتمعت بقادة وممثلي أكثر من: (130) دولة في “بكين” للاحتفال بالذكرى العاشرة لإطلاق “مبادرة الحزام والطريق” البارزة. وكان استياء قادة الغرب من الاحتفال مشابهًا لما حدث مع إطلاق المبادرة قبل عقدٍ من الزمن، وذلك على اعتبارها تُمثل خطةً سّرية لتقويض النظام العالمي الذي يقوده الغرب، بهدف وضع “الصين” في مركز شبكات التجارة العالمية.

لكن “مبادرة الحزام والطريق” تُمثل من المنظور العملي؛ ما يجب على كافة الدول أن تفعله لخدمة مصالحها الوطنية: بناء أكبر عدد من الممرات لتمكّين العرض من تلبية الطلب، وذلك كوسيلة تحّوط ضد الاضطرابات غير المتوقعة، ولتعزيز تواصل الدولة ونفوذها، وفقًا لوجهة نظر المجلة الأميركية.

إذ لا يوجد ما يُبرر بقاء أكبر مناطق الاقتصاد العالمي رهينةً للأحداث المتفرقة الخارجة عن السّيطرة، سواء انكشف ضعف نقاط الاختناق البحرية بسبب هجمات (الحوثيين) في “البحر الأحمر”، أو حصار الحبوب الروسي في “البحر الأسود”، أو جفاف “قناة بنما”، أو الصراع المحتمل في “بحر الصين الجنوبي” قرب “مضيق ملقا”.

التجارة بين “بكين-أوروبا” تتدفق بالفعل عبر “مبادرة الحزام والطريق”..

ومن المؤكد أن بإمكان السفن اللجوء إلى طريق ما قبل ظهور “قناة السويس” والسفر حول “رأس الرجاء الصالح”؛ في “إفريقيا”، ليُضيّفوا بذلك: (10) إلى: (14) يومًا لزمن الشّحن الذي يسّتغرق: (20) إلى: (30) يومًا في المعتاد. لكن “الصين” و”أوروبا” سّلكتا الطريق المقابل الأكثر حكمة؛ حيث تضاعف حجم شُحنات السّكك الحديدية عبر “أوراسيا” ليصل إلى: (1.000) قطار شّحن شهريًا أوائل عام 2021، ما وفّر قدرًا أكبر من الاعتمادية والانضباط.

والعالم بحاجةٍ إلى المزيد من الطرق السّريعة والسّكك الحديدية بطول “أوراسيا”، وكذلك المزيد من الموانيء بطول المحيطين “الهندي” و”المتجّمد الشمالي”، وذلك حتى تتوفر المرونة والطرق البديلة أمام تجارة الشّحنات والسّلع العالمية التي يعتمد عليها الأداء السّليم للاقتصاد العالمي. وتُعد هذه الاستثمارات بمثابة تدابير استباقية ضد الصدمات التضخمية الناجمة عن السياسات الحمائية، والجغرافيا السياسية، وتغيّر المناخ.

“الممر الهندي” المنافس سيتحول إلى مجرد فرع من المبادرة الصينية..

ومن الصعب الزعم بأن “مبادرة الحزام والطريق” لم تُحّدث تحولاً. فمنذ عام 2013، تدفق مبلغ: تريليون دولار تقريبًا من رؤوس الأموال على الدول الأعضاء في “مبادرة الحزام والطريق”، من أجل تغطية مشروعات البناء والاستثمارات غير المالية.

وفي الوقت ذاته؛ شهدت “قمة العشرين”؛ في “نيودلهي”، شهر أيلول/سبتمبر الماضي، احتفاء “الولايات المتحدة” بمقترح الممر الاقتصادي متعدد الوسائل بين “الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، بتكلفةٍ تبلغ: (20) مليار دولار، وذلك على اعتبار أنه سيكون منافسًا لـ”مبادرة الحزام والطريق”. لكن هذا المشروع سيكون في الواقع أشبه بفرعٍ محلي لـ”مبادرةٍ الحزام والطريق”.

نيودلهي” تتقرب من روسيا وإيران ودول الخليج تنسّج علاقة وثيقة مع الصين وأميركا..

ويرجع أحد الأسباب إلى أن رئيس الوزراء الهندي؛ “ناريندرا مودي”، يروج كذلك لممر تجاري مع “روسيا” مرورًا بـ”إيران”، وهو أمر لن يلقى إعجاب “واشنطن” بالتأكيد. وعلى نحوٍ مماثل، لا تنحاز دول الخليج الواثقة لأي من طرفي الحرب الباردة الجديدة بين “الصين” و”أميركا” وحتى “روسيا”، كما يتجلى من العلاقات السعودية والإماراتية مع “الولايات المتحدة” و”أوروبا وروسيا والصين والهند واليابان” في الوقت نفسه. وبدلاً من الانحياز، تبّني منطقة الخليج تحالفات متعددة بارعة لتعزيز دورها كمفترق طرق جغرافي بين “أوروبا وإفريقيا وآسيا”.

وعادت “إفرو-أوراسيا” اليوم لتُصبح مركزًا للتركيبة السكانية، والاقتصادية، والجيوسياسية العالمية. وتُريد جميع دول هذه المنظومة الخاصة بالمحيطين “الهندي” و”الهاديء” عولمةً أكبر، وليس أقل. حيث ستفوز أكثر القوى اتصالاً عن طريق إقناع الدول التجارية باستخدام جغرافيتها بدلاً من جغرافيّة الآخرين.

“تركيا” تطرح طريقًا بديلاً من “البصرة” إلى “أوروبا” عبر أراضيها..

وستسّتفيد الدول ببناء عالمٍ أكثر تشابكًا ومتعدد الطبقات، وليس أكثر تقسّيمًا. ولرغبته في ألا يتخلف عن الركب، اقترح الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، خلال “قمة العشرين” نفسها تأسيس ممر عبور تجاري آخر، بحيث يمتد من “ميناء البصرة”؛ جنوبي “العراق”، وصولاً إلى “أوروبا” عبر “تركيا”.

كما أنه من الطرق البديلة لـ”باب المندب”، هناك طريق للنقل البري تسّعى “تركيا” لتعزيزه، وهو طريق الممر الأوسط الذي تنقل عبره بضائع “الصين” و”آسيا الوسطى” إلى “أوروبا”، والذي أصبح مرشحًا للتحول لواحد من أهم ممرات النقل في العالم.

وتزايد الحديث عن هذا الممر مع استمرار الأزمة الأوكرانية والحصار الغربي على “روسيا”، الأمر الذي يُشجع اتجاهات النقل بين “آسيا” إلى “أوروبا” دون المرور بالأراضي الروسية الشاسعة، من خلال تطوير الطرق الجنوبية التي تتجنب “روسيا” وتتجه من “آسيا الوسطى” إلى “أوروبا” عبر الموانيء البحرية في “كازاخستان وتُركمانستان” عبر “بحر قزوين”؛ إلى “ميناء باكو” الأذربيجاني، ومنها لـ”جورجيا” ثم إلى “تركيا”، أو عبر الموانيء الجورجية على “البحر الأسود” وما بعده إلى “الاتحاد الأوروبي”.

الغرب يصّور “مبادرة الحزام والطريق” على أنها مبادرة شريرة !

وقد توسّعت ميزانية “الصين” الدفاعية، وصادراتها من الأسلحة، وعلاقاتها الاستراتيجية مع الأنظمة المناهضة للغرب ومع حلفاء “الولايات المتحدة” على حدٍ سواء. ونتيجةً لذلك، أصبح يُنظر إلى “مبادرة الحزام والطريق” على اعتبارها عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجية الصينية الكبرى، أو مؤامرتها الشريرة لتمهيد العالم.

وعلى صعيد البُنية التحتية والتجارة؛ فقد جرى إطلاق العديد من البرامج المصممة لإقناع الدول بالاقتراض بأسعار ميسّرة من جهات متعددة بدلاً من اللجوء إلى المقرضين الصينيين، أو التعاقد مع الشركات الغربية بدلاً من الصينية لبناء شبكات الجيل الخامس أو مدّ كابلات الإنترنت.

وتشمل تلك البرامج “قانون المنافسة الاستراتيجية” و”قانون أشباه الموصلات والعلوم”؛ داخل “الولايات المتحدة”، و”شركة تمويل التنمية الدولية” الأميركية، و”مبادرة البوابة العالمية” لـ”الاتحاد الأوروبي”، و”مبادرة مرونة سلاسل الإمداد العالمية”، ومبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” من “مجموعة السبع”.

الصين” تسّتحق الثناء لأنها لفتت نظر العالم لأهمية الاستثمار في البُنية التحتية..

بدأ الغرب يُدرك أن عليه استثمار الأموال لتأييد التصريحات التي يتشدّق بها. وقد أصبح سّباق التسّلح بالبُنية التحتية جاريًا اليوم على قدمٍ وسّاق. وربما تسّتحق “الصين” الثناء لأنها أعادت مسألة تطوير البُنية التحتية إلى الأجندة العالمية بعد عقود من إهمال القوى الغربية، لكن زيادة استثمار العالم جماعيًا في البُنى التحتية الحيوية سيُقلل احتمالات أن تؤدي كل الطرق إلى “بكين”. وربما تأخر الغرب في هذه الجولة الأخيرة من اللعبة الكبرى، لكنه بدأ يُحرز بعض النجاحات على صعيد تحقيق تكافؤ الفرص.

وعلى الرُغم من تصوير المبادرات التي تقودها “الصين” على أنها تخوض منافسة صفرية المحصلة أمام المبادرات التي يقودها الغرب؛ سنجد أن البُنى التحتية مثل الموانيء وشبكات الكهرباء ليست حصرية أو تنافسية في أغلب الحالات. إذ إنها متاحة أمام أي مستخدم تجاري، وتقدم خدمات متسّاوية لجميع المستخدمين. ويؤدي كل مشروع في هذه المنافسة إلى إحراز تقدمٍ غير مقصود للمشروع الأكبر، الذي يستهدف تحويل العالم إلى منظومة سّلاسل توريد مترابطة، سواء أكان مشروع خط أنابيب أم شبكة كهرباء “أك كابل إنترنت”.

وتقول المجلة الأميركية: “إنه لا شك أن القدرة على تحويل حركة الشّحن عفويًا من قناة السويس إلى سّكك حديد أوراسيا، أو حتى الممر البحري القطبي الأسرع، هي السبيل أمام الاقتصاد العالمي ليُصبح أكثر مرونة في مواجهة الصدمات، أو: (مقاومًا للهشاشة)، على حد تعبير نسّيم نقولا طالب”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب