وكالات – كتابات :
أجرت مجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية مقارنة بين تجربتي الدور الأميركي في: “أفغانستان” و”العراق”، والأخطاء التي ارتكبتها “واشنطن” في الملف الأفغاني، لتتوصل إلى خلاصة بأنه يتحتم على “الولايات المتحدة”، إعادة صياغة مهمتها العراقية، لتكون طويلة الأمد على أساس تحقيق الاستقرار لـ”العراق” وبناء احتياجاته، وليس: “الإذعان المضلل”، لـ”إيران”.
واعتبر تقرير المجلة الأميركية؛ أن: “الانسحاب من العراق يؤجج عدم الاستقرار ولا يخففه”. وذكرت بالتجربة التي انتهت في “أفغانستان”، التي أنفقت “الولايات المتحدة” فيها: 83 مليار دولار، خلال عقدين من الزمن، وانتهت باستيلاء قوة متمردة على البلاد بهذا الشكل، و”الصدمة” التي شعرت بها الأمة الأميركية بما جرى.
خطيئة الافتراضات الضعيفة..
وإلى جانب إخفاقات الاستخبارات الأميركية، اعتبر التقرير أن العامل الأكثر أهمية هو: “الافتراضات الضعيفة التي تبناها قادة الولايات المتحدة؛ حول الكيفية التي سيُغير بها الانسحاب ميزان القوى داخل أفغانستان”.
وتابع أن: “هذه الأخطاء تقدم دراسة مهمة لإثراء جهود الانسحابات الأميركية الجارية في الشرق الأوسط، لا سيما في العراق”، برغم أن تقرير المجلة الأميركية؛ أشار إلى الاختلاف الكبير للأهداف والنطاق والظروف الأمنية للعمليات الأميركية في “أفغانستان” و”العراق”.
إلا أنه أشار إلى أن “الولايات المتحدة” تواجه اعتبارات مماثلة؛ فيما يتعلق بالقدرة العملياتية للقوات الشريكة، والشرعية الحكومية، وإرادة القتال، وهي نقاط تستحق الاهتمام مع انسحاب “واشنطن” من “العراق”.
قدرات القوات الأمنية العراقية..
وبعدما لفت إلى أن “الولايات المتحدة” اعتمدت كثيرًا على قوات أفغانية للعمليات الخاصة، قال التقرير أن “واشنطن” وشركائها في “التحالف الدولي”، قاموا بالمثل في “العراق”؛ حيث عززوا “جهاز مكافحة الإرهاب” وطوروا قوات الأمن العراقية، ولكنهم لم يلغوا اعتماد أي منهما على الدعم الأميركي في مجالات الإسناد الجوي والاستخباراتي.
واعتبر التقرير أن: “جهاز مكافحة الإرهاب يُمثل قوة مهمة لمكافحة (داعش)، وقد مكن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي؛ من اتخاذ إجراءات محدودة ضد وكلاء إيران”. لكنه أضاف أن “جهاز مكافحة الإرهاب يُشكل مجرد جزء صغير من قوات الأمن العراقية ولا يمكنه سد الثغرات الأمنية على نطاق واسع.
ولفت إلى أن المستشارين الأميركيين يعملون على تعزيز القدرات العراقية لسد هذه الفجوات، لكن الأمر: “سيستغرق وقتًا ودعمًا سياسيًا أميركيًا طويل الأمد لتحقيق النتائج”.
الفشل الأميركي داخل العراق..
ثانيًا؛ لفت تقرير (ناشيونال إنترست)؛ إلى أن “الولايات المتحدة” حددت أولويات خاطئة في التخفيف من مخاطر الانسحاب من “أفغانستان”، واستهانت بدرجة كبيرة بالدعم الذي تحتاجه الحكومة الأفغانية لإجبار حركة (طالبان) على الدخول في مفاوضات.
وبالمثل؛ اعتبر التقرير الأميركي أن “الولايات المتحدة” فشلت في تعزيز شرعية وقدرة الدولة العراقية على تحمل تداعيات الانسحاب الأميركي، موضحًا أن: “الحكومة العراقية عالقة بين حركة احتجاجية إصلاحية؛ والتمدد الخبيث لوكلاء إيران داخل مؤسسات الدولة العراقية، وهو ما يحول دون الإصلاح”، مشيرًا إلى أنه برغم دعم “واشنطن”، لجهود “الكاظمي”، من أجل عكس مسار التراجع العراقي، إلا أنها فشلت في تأمين الدعم اللازم للتغلب على نفوذ وكلاء “إيران” داخل “العراق”.
وحول الانتخابات العراقية الأخيرة، اعتبر التقرير أن: “لا ينبغي تفسير خسارة الأحزاب السياسية المتحالفة مع إيران للمقاعد البرلمانية، في انتخابات 10 تشرين أول/أكتوبر، على أنها مشكلة منتهية بالنسبة إلى واشنطن”، موضحًا أن: “المشاركة الضعيفة القياسية للناخبين تُشكل تحديًا مستمرًا وطويل المدى لشرعية الحكومة العراقية، وهو يتطلب مشاركة أميركية مستدامة”.
وبناء على التجربة الأفغانية أيضًا، قال التقرير أن الانسحاب الأميركي قد يؤدي إلى تأثيرات مماثلة، موضحًا أن “الولايات المتحدة” خففت من مهمة مكافحة (داعش)؛ بعد نقل ثماني قواعد عسكرية إلى القوات العراقية؛ وسحب ما يقرب من: 2700 جندي، مشيرًا إلى أن القوات الأميركية المتبقية تتمركز في: “بغداد” و”أربيل” وقاعدة (عين الأسد) الجوية في “الأنبار، وقد أنهت بالفعل دورها القتالي.
وأشار إلى أن هذا الانسحاب الجزئي خفض من قدرة “الولايات المتحدة” على الرؤية؛ فيما يتعلق بأداء قوى الأمن العراقية ضد (داعش)، وفي المنافسة مع وكلاء “إيران”، الذين يوسعون وجودهم المزعزع للاستقرار على طرق العبور الرئيسة وفي المناطق السُنية.
وأضاف أن إدارة “بايدن” تُشير إلى أن: “الانسحاب الكامل” قد يحدث.
فراغ مزعزع للاستقرار..
وخلص التقرير إلى القول؛ أنه من غير المُرجح أن يؤدي انسحاب “أميركا” من “العراق” إلى سيطرة (داعش) على المدن العراقية؛ على غرار سيطرة (طالبان)، وبرغم ذلك، فإنه من شأن ذلك أن يتسبب بفراغ مزعزع للاستقرار يؤدي إلى تسريع إعادة تشكيل (داعش).
كما اعتبر التقرير، في خلاصته؛ إلى أن التعاون الجديد بين الحكومة الاتحادية، في “بغداد”، وبين “إقليم كُردستان” ضد أقوى شبكات (داعش) في المناطق المتنازع عليها، قد يشهد تعثرًا في غياب الدعم الأميركي المستمر. ولفت إلى أن التوترات المتزايدة بين الميليشيات الحليفة لـ”إيران”، و(البيشمركة) الكُردية، و”حزب العمال الكُردستاني”، في مناطق مثل “سنجار”، قد تؤدي إلى تدخل مباشر من “تركيا” و”إيران”.
وختم التقرير بالقول أن: “الولايات المتحدة؛ تحتاج إلى خطة انسحاب أكثر دقة من العراق، وأن الإحتفاظ بمستشارين أميركيين يُمثل أمرًا ضروريًا ليكونوا كقوة موازنة لإيران، ولكنها أيضًا لا تكفي لتحقيق ظروف أمنية وحوكمة مستدامة”. واعتبر أن: “الولايات المتحدة ستستمر في مواجهة الضغط في العراق من وكلاء إيران والمتمسكين بالتصعيد حتى انسحاب جميع القوات الأميركية، إلا أن الانسحاب من العراق يؤجج عدم الاستقرار ولا يخففه، ويجب على الولايات المتحدة إعادة صياغة مهمة طويلة الأمد موجهة لإنجاز الاستقرار في العراق، بناء على احتياجاته بدلاً من الاستمرار في الإذعان المضلل لإيران”.