خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
مجموعة المواقف والإجراءات الأوروبية الأخيرة من جانب “فرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وكندا، وهولندا” ضد “إسرائيل” ودعم “فلسطين” غير مسبّوقة تقريبًا وإن كانت محدودة، ولا نُبالغ إذا اطلقنا عليها اسم (طوفان أوروبا)؛ بداية من إصدار البيانات الثلاثية والسبَّاعية للقادة الأوروبيين التي تُدين بلهجة حادة “إسرائيل” وتتهمها بإبادة الأطفال، وحتى استدعاء السفير الإسرائيلي في “بريطانيا”، وتعليق الشراكة مع “الاتحاد الأوروبي” ومباحثات التجارة الحرة، وفرض عقوبات، والتصديق على منع صادرات السلاح؛ (البرلمان الإسباني)، وتكثيّف الحركات الاحتجاجية الشعبية والسياسية… إلخ. بحسّب تقرير “صابر ﮔل عنبري”، المنشور بصحيفة (جوان) الإيرانية.
في المقابل؛ اتهم “نتانياهو” والمقربون منه؛ “أوروبا”، بدعم (حماس) ومعادة السامية.
ضغوط عالمية لم تسفر عن شيء..
والمطلب الأوروبي والعالمي الأساس، وقف الإبادة الجماعية في “غزة”، وإنهاء عمليات التجويع العقابية، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية على المنطقة، التي تتعرض منذ ما يزيد عن (70) يومًا لقصف شديد وتُعاني حصار غذائي ودوائي شامل.
والضغوط العالمية لم تسَّفر بالفعل سوى عن دخول مساعدات لا تُذكر ولم تُحقق نتائج خاصة، لكن هذه الضغوط سوف تسَّفر بالنهاية عن نتائج.
وقد حدث الأمر نفسه تقريبًا في “حرب فيتنام”؛ حيث بدأت المظاهرات الشعبية في ربوع العالم وحتى داخل “الولايات المتحدة” نفسها، تلاها التحركات البرلمانية والحكومية التي أجبرت “واشنطن” بالنهاية على إنهاء الحرب والخروج من المستَّنقع الفيتامي.
مشاهد الإبادة والتجويع تحرك الجميع..
ومواقف “أوروبا” الحادة؛ (باستثناء ألمانيا)، هي نتاج التطور على مدار الـ (19) شهرًا الماضية التي تبلورت على صعيد الرأي العام العالمي؛ بالتوازي مع استمرار الحرب على “غزة”.
وما ساهم في دخول هذه الموجة مرحلة اتخاذ إجراءات ولو على مستوى محدود، اقتران كارثة ما يحدث من إبادة في “غزة” بالمجاعة والتجويع متعمد لأهلها وأطفالها، بالإضافة إلى القصف والقتال الجامح؛ حتى أن البعض في الداخل الإسرائيلي مثل؛ “يائير غولان”، رئيس حزب (الديمقراطيين)، و”موشيه يعلون” وزير الدفاع الأسبق، و”إيهود أولمرت” و”إيهود باراك” وكلاهما رئيس وزراء سابق، انتقد ما يجري بشكلٍ: “غير مسبوق”.
وكان “غولان” قد صرح قبيل أيام: “حكومة (نتانياهو) تحولت إلى أكثر الحكومات الإسرائيلية الأكثر نفورًا في العام؛ بعدما تحولت عمليات إبادة أطفال غزة إلى لعبة”. ووصف الحرب الراهنة: بـ”التطهير العرقي”.
تطور تاريخي..
ورغم أن رد الفعل العالمي لا يُذكر مقارنة بعمق الكارثة الإنسانية في “قطاع غزة”، لكن حالة الغليان الحالية بين أوساط الرأي العام والنخبة؛ لا سيّما في الغرب، والتي هي بصدّد الانتقال إلى البرلمانات والحكومات، إنما تؤشر إلى “تطور تاريخي” حيال “إسرائيل” و”فلسطين” تزداد تداعياته عمقًا بالتدريج، من مثل المشروعية الأخلاقية، حيث تنهار الرواية الإسرائيلية في العالم لصالح تقوية الرواية الفلسطينية.
هذا التحول النموذجي ليس مجرد نتاج لسلوك “إسرائيل” والإبادة الجماعية الجارية، بل هو أيضًا ثمرة صمود الشعب التاريخي في “غزة”؛ خلال الـ (19) شهرًا الماضية، فلولا هذا الصمود لما حدث مثل هذا التغيّر بالضرورة.
“نتانياهو” يعادي الجميع..
وبعد حوالي عامين من القتل وتدمير “قطاع غزة”، لا تزال “إسرائيل” تُعلن أنها لم تُحقق أهداف الحرب، وتواصل السّعي لتحرير الرهائن وتدمير (حماس).
لكن “نتانياهو” يزداد بُعدًا عن أهدافه كلما زاد من المجازر، زاد من تصاعد التحول العالمي ضد “إسرائيل”، وعرّض ممتلكاتها الاستراتيجية للمزاد حتى أمام أقرب حلفائها “أميركا وأوروبا”؛ لدرجة أن “ترمب” أكبر داعميها، قد نفدّ صبره من سلوك “نتانياهو”، حسبّما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية.
وحاليًا يواجه “نتانياهو”؛ الذي كان يتحدث عن تغييّر الشرق الأوسط نتيجة تطورات “لبنان وسورية”، عالمًا يتغيّر باعتراف “إسرائيل”، وقد تحول رد الفعل على هجوم (حماس)؛ في السابع من تشرين أول/أكتوبر إلى أكبر تهديد عالمي لـ”إسرائيل”.
هذه الحرب الجامحة لم تؤد إلى تدمير (حماس): كـ”ثأر” للهجوم، بل تسببت في أزمة داخلية عميقة، كما كتبت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، حيث وصلت “إسرائيل”؛ بعد (592) يومًا من الحرب، إلى أدنى مكانة دولية وتواجه (تسونامي).
في الوقت نفسه، توقف مشروع تطبيع العلاقات ودمج “إسرائيل” في الشرق الأوسط كتمهيد لنظام جديد، وفشل “ترمب” في زيارته الأخيرة في إدخاله إلى أهم محطة “السعودية”.
في المقابل، أصبح صوت المطالبة بتشكيل “دولة فلسطينية” والاعتراف بها أعلى من أي وقت مضّى.