خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
بذل الـ (ناتو) الكثير من الجهود؛ على مدى السنوات الماضية، ولم يحمي نفسه من التفكك مثل حلف (وارسو)؛ بإضفاء نوع من تغير الهوية على المهام فقط، وإنما نجح كذلك في جذب أعضاء جدد من مختلف مناطق العالم. والحقيقة يسعى الـ (ناتو)، على الصعيد الدولي، إلى بلورة وضع جديد مستقل عن نموذج موازنة القوى القديم؛ بحسب “أمير حسام ميرزايي”؛ في تقريره الذي نشر على موقع مركز دراسات (جريان) الإيراني.
نجاح الـ”ناتو” في تغيير جلده..
وتمكن الـ (ناتو) من تحويل نظام “موازنة القوة”؛ بين مختلف الأطراف، إلى نظام: “الأمن الجماعي” من خلال توحيد كل القوى في مواجهة بعض الدول غير المتعاونة.
كذلك فقد تغيرت سياسات الـ (ناتو) العسكرية، من مجرد منظمة دفاعية جماعية في مواجهة “الاتحاد السوفياتي”، إلى منظمة للأمن الجماعي ضد العالم، ولم يُعد الـ (ناتو) يقتصر على مجرد كونه اتفاقية “أمنية-عسكرية”؛ يحرص باستمرار على الأعضاء الأساسيين، وإنما دفع هؤلاء الأعضاء على اختلاف التوجهات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية؛ الكثير من الدول إلى ترقب فرصة التحالف مع الـ (ناتو).
تركيا تقطع الطريق على “فنلندا” و”السويد”..
وعقب الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، اتخذت حكومات “فنلندا” و”السويد” قرار التراجع عن سياسة الحيادية العسكرية تحت وطأة التطورات الأمنية، وتقدمت بطلب للحصول على عضوية حلف الـ (ناتو).
وقد رحبت الدول الأوروبية و”الولايات المتحدة” بالطلب؛ فيما عارضت “تركيا” باعتبارها عضو قديم في حلف الـ (ناتو) وشاركت بنسبة كبيرة في مهام الحلف، حيث تلعب دورًا هامًا بين أعضاء الحلف.
وقبول أعضاء جدد في حلف الـ (ناتو) يتكون من مراحل عدة، وللحصول على عضوية الـ (ناتو) يجب موافقة: 30 دولة بالحلف على الطلب. لذلك يسد الرفض التركي على “فنلندا” و”السويد” طريق الانضمام إلى الـ (ناتو).

وفي السنوات الأخيرة؛ أعادت القيادة التركية تعريف مجالات نفوذها ومصالحها في السياساة الخارجية من خلال قراءة انتهازية للظروف الدولية الناشئة، وتبنت سياسة إقليمية فعالة، لاسيما في “الشرق الأوسط” و”شرق البحر الأبيض المتوسط”، وسعت إلى الإرتقاء بمكانتها الدولية بغرض التأثير على القرارات والمعادلات العالمية المتغيرة.
وعليه يجب دراسة معارضة “تركيا” انضمام أعضاء جدد إلى حلف الـ (ناتو) في هذا الإطار. وفي السياسات الخارجية لا تضع “أنقرة” حدود موضحة بين الصداقة والعداء سوى المصالح.
وعليه تبحث “تركيا “عن استقلال نسبي بالنظر إلى الأوضاع الدولية؛ والتي يُعرف بعضها باسم التوجه الشرقي التركي. والتطورات الدولية دفعت “تركيا”؛ باعتبارها عضو هام في حلف الـ (ناتو) إلى التقارب مع “روسيا” والدخول في توتر غير مسبوق مع حلفاءها الغرب.
مصالح تركيا أولاً !
وسعت “تركيا”؛ في آتون الحرب بين “روسيا” و”أوكرانيا”، إلى دعم السيادة الأوكرانية وتُقدم نفسها كوسيط من خلال التقارب مع “روسيا”. والحقيقة إن “تركيا” بهذا الدور؛ تسعى إلى أن تنأى بنفسها عن أزمات الحرب وتحقيق مصالحها.
وبعد التطورات الدولية نتيجة الحرب “الروسية-الأوكرانية”، كان المتوقع أن تتفق وجهات النظر التركية مع حلفاءها التقليديين فيما يخص القضايا الدولية، لكنها تُعارض مطلب انضمام أعضاء جدد إلى الحلف.
ويمكن بحث هذه المعارضة من زوايتين، الأولى: تُراعي “تركيا” آراء الشريك الروسي الدولي، بالنظر إلى تحذيرات “موسكو”؛ بشأن انضمام أعضاء جدد إلى حلف الـ (ناتو).
الثانية: تتذرع “تركيا” بدعم “فنلندا” و”السويد”؛ للفصائل التي يُصنفها النظام التركي تحت بند: “الإرهابية”، وتُريد بهذا الطريق الحصول على المزيد من الإمتيازات.
وعن السيناريو الأول، فإنه وعلى الرغم من التقارب التركي مع “روسيا”؛ إلا أنهما اختلفا بشدة بسبب الحرب مع “أوكرانيا” أو الأزمة السورية. مع هذا لا يتعامل الروسي بشكل جاد مع المواقف التركية، وذلك بسبب إعتقاد الروس أن المواقف التركية ليست سوى مناورة سياسية، وأن “تركيا” سوف توافق عاجلًا أم آجلًا على انضمام أعضاء جدد بعد تحقيق أهدافها.
وبالنسبة للسيناريو الثاني: وهو أكثر جدية؛ يستند إلى نهضة “تركيا” للقيام بدور فعال عن طريق كسب الإمتيازات التي تتطلع إليها.
أخيرًا يبدو أن “تركيا” لم تغلق الأبواب الدبلوماسية أمام انضمام أعضاء جدد لحلف الـ (ناتو)، ورغم ردود فعل؛ “رجب طيب إردوغان”، الأولية، وبعد مراجعة مواقفه مع الأخذ في الاعتبار إلى مرونة حكومته إزاء المصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وفي حال قبول شروط “أنقرة”، بالتوازي مع احتمال ضغط الدول الغربية، فستكون “تركيا” على استعداد للموافق على انضمام أعضاء جدد لـ (الناتو)، لأن الأوضاع الدولية والاقتصادية التركية لا تُعطي “أنقرة” قدرة على تحمل معارضة أعضاء الـ (ناتو) وبالأخص “الولايات المتحدة الأميركية”.